جهاز «الرقابة» بإيران يقضي بحبس المخرج سعيد روستايي

بسبب عرض فيلمه «إخوة ليلى» في مهرجان كان السينمائي

قضت محكمة في طهران بحبس المخرج الإيراني الشهير سعيد روستايي ستة أشهر بسبب عرض فيلمه «إخوة ليلى» في مهرجان كان السينمائي في العام 2022، وفق ما أفادت الثلاثاء صحيفة إصلاحية إيرانية.
و»إخوة ليلى» فيلم طويل عن عائلة فقيرة على وشك التفكك في إيران الغارقة في أزمة اقتصادية كبرى، مُنع عرضه منذ صدوره العام الماضي، إذ تعتبر السلطات أنه «خرق القواعد عبر المشاركة بدون إذن (…) في (مهرجاني) كان ومن ثم ميونيخ».
وأوردت صحيفة «اعتماد» الإصلاحية على موقعها الإلكتروني أن «المحكمة الثورية في طهران قضت بحبس مخرج فيلم «إخوة ليلى» سعيد روستايي ومنتجه جواد نوروز بيكي ستة أشهر»، وأدانتهما المحكمة بتهمة «المساهمة في دعاية المعارضة ضد النظام الإسلامي» في إيران.
وحسب «اعتماد»، قررت المحكمة أن يقضي السينمائيان خمسة بالمئة فقط من العقوبة الصادرة بحقهما، أي نحو تسعة أيام مع «تعليق تنفيذ العقوبة المتبقية مدى خمس سنوات».
وأضافت الصحيفة «خلال مدة تعليق العقوبة، يتعين على المتهمين الامتناع عن الأنشطة المتصلة بالجريمة المرتكبة، وعدم التواصل مع أشخاص ينشطون في مجال السينما».
فيلم «إخوة ليلى»يقع فيما يقرب من ثلاث ساعات، وتقوم بدور البطولة فيه الممثلة الإيرانية الشهيرة «ترانه أليدوستي» التي اعتقلتها السلطات في شهر دجنبر الماضي، بسبب موقفها المناهض لقمع التظاهرات التي شهدتها إيران بعد مصرع «مهسا أميني»، وهي رهن الاعتقال، وقد أفرج عنها في شهر يناير بكفالة مالية باهظة.
«إخوة ليلى» هو فيلم عن العائلة، وعن التقاليد العتيقة التي تخضع لها، وهي تقاليد قبلية يمكن أن تكون مدمرة، لكنه أيضا فيلم عن قسوة الأوضاع الاقتصادية وكيف تضغط على مصائر الأفراد، فيشتبك الجميع مع بعضهم بحثا عن الخلاص الفردي، وفي خضم ذلك البحث الشاق يتبادلون الاتهامات.
إنه أيضا فيلم شخصيات وحبكة والتواءات في مسار السرد، تتسق مع تقاليد مدرسة السينما الإيرانية، بحيث يكون العنصر الأهم دائما هو السيناريو الجيد، بشخصياته وتفاصيله التي تنكشف تدريجيا، مما يدفع الحبكة إلى الأمام، ويتيح مساحات متقاربة لكل الشخصيات، حتى تضيف كل شخصية وتثري الحبكة والموضوع، وينكشف لنا جانب آخر من المأزق الاجتماعي والاقتصادي الناتج عن سوء الإدارة، لذلك فنحن أمام عمل سينمائي مركب، يعتمد على الإخراج المتمكن الواثق، كما يعتمد على الأداء التمثيلي البارع.
وعلى الرغم من الصورة القاتمة التي يصورها الفيلم في سياق النقد الاجتماعي، ومن خلال الأسلوب الواقعي مع بعض المبالغات الميلودرامية، فإن الحبكة لا تخلو من بعض المواقف المرحة المضحكة التي تنشأ من داخل المواقف والأحداث، أي دون أن تبدو مفروضة من الخارج، لذا فهي لا تبعدنا عن المأزق الكبير الذي يدور من حوله الفيلم، بل تساهم في تعميق هذا المأزق.
ينتج الخيط الأول في الفيلم من متابعة شخصية إسماعيل جورابلو (الممثل سعيد بورسميمي)، وهو شيخ في الثمانين من عمره، وربّ عائلة مكونة من زوجته وأبنائه الخمسة، ومريض بالقلب أدمن تدخين الأفيون، ويتأرجح في تكوينه الشخصي بين المكر والسذاجة، وبين الخبث والأنانية، مع نزعة بطريركية مستبدة يفرضها فرضا على أسرته، فقد ظل طوال عمره منبوذا من جانب أفراد قبيلته، مستبعدا من دائرة النفوذ. والآن بعد وفاة شيخ القبيلة، يرغب هو بكل شراهة في أن يرث مكانه على رأس القبيلة، لكن الأمر لا يبدو سهلا.
هناك منافسة شرسة من جانب تاجر ثري هو غنداشالي الذي يبدو أكثر قبولا من طرف بايرام ابن الشيخ الراحل، نظرا لثرائه، لكن إسماعيل لا ييأس، بل يتحايل في خبث لتحقيق غرضه الذي يأمل أن يحقق من ورائه أيضا ثروة، فمن التقاليد المستقرة أن يحصل شيخ القبيلة على نسبة معتبرة من كل هدية من الهدايا التي تُقدم في المناسبات المختلفة من طرف أفراد القبيلة.
وعندما يبدي إسماعيل صراحة لبايرام أحقيته بالمنصب بحكم كونه الأكبر سنا، ينتهز الفرصة بايرام الذي لا يقل عنه خبثا وجشعا، فيطالبه بتقديم هدية تفوق ما يمكن أن يقدمه أحد في حفل زفاف ابنه، وهي هدية لا يجب أن تقل عن 40 قطعة ذهبية. لكن من أين يأتي إسماعيل بهذه القطع الذهبية؟
سنعرف أولا أنه قد ادخر من وراء ظهر أبنائه مبلغا كبيرا يشتري به القطع الذهبية الأربعين المطلوبة، ويعلن أنه سيمضي قدما من أجل أن يصبح شيخ القبيلة الجديد، وأن يحظى ولو للمرة الأولى والأخيرة في حياته بالاحترام والتقدير.
وسبق للمخرج سعيد روستايي، الذي شارك بفيلم «إخوة ليلى» في مهرجان «كان» السينمائي، أن أكد أن في إيران «خطوطاً حمراء» لا يمكن تجاوزها إن أراد المخرجون صنع أفلام.
وشرح المخرج الذي يعتبر من أبرز وجوه الجيل السينمائي الجديد في إيران، مدى صعوبة صنع أفلام في بلده حيث تشكّل الرقابة قاعدةً، وينبغي على المخرجين تالياً أن يتعلموا كيفية التعامل معها إذا أرادوا مواصلة مسيرتهم المهنية.
وفي منتصف ماي الماضي، استنكرت مجموعة من المخرجين والممثلين الإيرانيين بينهم المخرجان جعفر بناهي ومحمد رسولوف، اعتقال عدد من زملائهم في الأيام الأخيرة في إيران.
ورداً على سؤال في شأن هذه التوقيفات، أوضح روستايي أنه لا يعرف تفاصيل القضية لكنه ليس متفاجئاً مما حصل، وقال «يمكن إيقاف أي مخرج بسهولة في حال لم يلتزم هذه الخطوط الحمراء».
وأضاف، «لكي يتمكّن المخرج من تصوير عمل في إيران، يجب أن يحصل على إذن من خلال إجراءات خاصة. وعند حيازته هذه الموافقة، يستطيع أن يباشر التصوير، لكن عليه الاستحصال على إذن ثان يتيح له توزيع فيلمه في دور السينما».
وتُمارس الرقابة في إيران على مستويين، إذ «تتحقق» الحكومة من السيناريو بدايةً، ثم «تدقق» في محتوى الفيلم الذي يجب أن يكون متطابقاً مع شروطها، وفي حال لم يكن كذلك تطلب الحكومة المخرج بأن يُجري «تغييرات» في عمله. وفي حال رفض المخرج إخضاع فيلمه لتغييرات، لا يُعرض العمل في إيران.
وقال روستايي إن «الحصول على الموافقة الأولى» لتصوير فيلمه السابق «استغرق نحو عام».
ولا يزال المخرج غير متأكد من أنه سيتمكن من عرض فيلمه «إخوة ليلى» في إيران. وعلى الرغم من حصوله على الموافقة الأولى من جانب حكومة الرئيس السابق حسن روحاني، إلا أن لا شيء يؤكد أنه في ظل رئاسة إبراهيم رئيسي ذات التوجه المحافظ، سينال الإذن الثاني المرتبط بعرض الفيلم في دور السينما.
وفي ظل هذه الرقابة السائدة، «يرفض مخرجون كثر خيار حيازة الإذن الذي يتيح لهم عرض أعمالهم ويصنعون ما يطلقون عليه تسمية أفلام سرية… يرسلونها إلى خارج إيران»، وفق ما يوضح روستايي.
ونفى المخرج جازماً أن تكون راودته فكرة الرحيل من بلده نظراً إلى الظروف السائدة فيه، وقال «هذا هو المكان الذي فيه جذورنا. إيران بلدنا».
وكان روستايي الذي حصد شهرة كبيرة بعد عرض فيلمه الثاني «المتر بستة ونصف»، وهو عمل لاقى استحسان الجمهور والنقاد، أخرج أفلامه القصيرة الأولى وهو في الـ15 من عمره قبل الالتحاق بكلية السينما.
وقال، «العنصر الأهم لي في الفيلم هو رواية القصة… ثم يليها المحتوى. وإن أتى العمل منطوياً على معان إنسانية وأبرز الطبقة الاجتماعية (الشعبية) التي أتحدر منها، فهذه نقطة إيجابية إضافية». وتابع إن «هدفي الأول وشغفي الأبرز هما إخراج أفلام».
وعند سؤاله عن الأعمال التي ألهمته، لم يتبادر إلى ذهنه سوى فيلم «لو ترو» (1960) للمخرج الفرنسي جاك بيكر، والذي يتناول قصة سجناء يتحضرون للهروب.


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 17/08/2023