حكاية رحلة رياضية امتدت لأزيد من خمسين سنة 12- أيام في كندا

 

تعتبر نعيمة رودان أول إمرأة مغربية تحرز ميدالية ذهبية لصالح المسايفة المغربية، حدث ذلك في نهاية الستينيات خلال بطولة الألعاب الرياضية للمغرب العربي التي جرت بتونس.ويسجل التاريخ أنها ظلت منذ سنوات صباها وعلى امتداد خمسين سنة مرتبطة برياضة المسايفة كمبارزة،مدربة ومسيرة. ويحسب لها أيضا أنها حملت قضية المرأة الرياضية المغربية على عاتقها مدافعة عن حقها في ممارسة رياضية سليمة وعادلة حيث انضمت للجنة المرأة والرياضة التي كانت تابعة للجنة الوطنية الأولمبية وساهمت إلى جانب زميلاتها من الأسماء الرياضية الكبيرة في منح الرياضة النسوية الاهتمام الذي يليق بها.
لخمسين سنة،لم تنفصل عن عوالم الرياضة، بل وسهرت على أن ترضع أبناءها الثلاثة عشق الرياضة إلى أن أضحوا بدورهم نجوما وأبطالا في رياضة المسايفة محرزين عدة ألقاب في إسبانيا وفي كل التظاهرات بأوربا والعالم.

 

ختمنا تلك السنة بذلك التتويج وعند رجوعنا إلى أرض الوطن ، قام مديرالشركة التي كنت أشتغل فيها بتنظيم حفل لتكريمي والاحتفاء بي بحضور كل الموظفين ما خلف في نفسيتي أثرا جد رائع..
حلت العطلة الصيفية ..كنت أستحق فترة من الراحة.. من التداريب والمنافسات، وأيضا من أجواء العمل والشغل.
كنت أعتقد بعد كل تلك الإنجازات التي حققناها كفريق وطني نسوي في رياضة المسايفة، أن صفحات عصر ذهبي بدأت تكتب سطورها، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، وتحديدا خلال سنتي 1980-1981،فقد ساد الركوض بعد وفاة الرئيس عبد الرحمان السبتي رحمه الله ومجيء رئيس جديد، ففي الوقت الذي استمرت فيه مشاركات الفريق الوطني للذكور خارج الوطن منع الفريق النسوي من ذلك و كأن الأمر كان عقابا من طرف الجامعة المسيرة.
لم أتأثر وثابرت وواظبت على التداريب في النادي وخارج النادي وكنت دائماً التقي حينذاك بالمرحومة (عوام فاطمة) في منطقة عين الذئاب كل نهاية الأسبوع لأننا كنّا نتمرن معا في نفس المكان في وقت مبكر من كل صباح.
استمر الوضع على ذلك المنوال،إلى أن منحت فرصة للسفر إلى الديار الكندية وكان ذلك في أواخر سنة 1982 . سافرت على نفقتي الخاصة وكنت محظوظة باكتشاف المسايفة الكندية بل شاركت في مبارة هناك تسمى ب “epée d or” .
في أحد الأيام وأنا هناك في كندا،عشت مفاجأة جميلة جدا، كنت في زيارة لنادي كندي وكان مسؤولوه قد قاموا باستضافة مدرب فرنسي الجنسية كنت تدربت على يده في بدايات مساري،و كان قد غادر المغرب سنة 1972. كانوا يعرفون علاقتي به وأخفوا عني الموضوع لمفاجئتي. وبعدما انتهيت من المباراة التي شاركت فيها، وقف أمامي شخص ينظر في عيني..لم تكن ملامحه غريبة عني، نعم كان هو..وجدت نفسي أصرخ بكل صوتي وأقول أستاذي (Jean jaques gillet) .
أخذني في عناق ثم بدأ يسأل عن كل المسايفين والمسيرين في المغرب وعن رياضة المسايفة المغربية. لَم نفترق طوال الْيَوْمَ خصوصا أنه كان يتابع فريقه الذي يشرف عليه وكان من الولايات المتحدة. بعد انتهاء المباريات، عرض علي مرافقته وفريقه الى أمريكا وكانوا سيسافرون بواسطة السيارات. مع الأسف لم يكن الأمر ممكنا بالنسبة لي لارتباطي حينها مع الفريق الكندي.
عشت أياما جميلة في كندا، اكتشفت خلالها ذاك البلد الرائع كما استفدت من انخراطي في التداريب رفقة النادي الكندي الذي ربطت فيه علاقات صداقة مع منخرطيه. وبعد فترة وتحديدا في شهر دجنبر 1982 ، تلقيت اتصالا هاتفيا من طرف والدي يطلب مني فيه وبإلحاح العودة إلى المغرب. لم أتردد واستجبت لطلبه. لسوء حظي، كانت رحلة عودتي من أسوأ الرحلات. أتذكر أنه توقفنا بنيويورك وحوصرنا لخمس ساعات داخل الطائرة،حيث تعرض جل المسافرين للمرض وللإرهاق، ولم أستثنى منهم ، وكان أحد الأطباء من ضمن المسافرين قد خصني بالاهتمام وكان يقوم بإسعافي كما قام ربان الطائرة ولا زلت اتذكر اسمه لانه كان يعرف والدي بالمطار (السيد سعد لله) وهو بالمناسبة أخ الفنان سعد لله عزيز وكان يطمئن على حالتي ويخصني بدوره بكامل الاهتمام. بعد عودتنا للطائرة، لم تنته معاناتنا،بل استمرت الحكاية إلى حين وصولنا الى مطار محمد الخامس حيث منعنا من النزول لسوء أحوال الجو وعاصفة رملية أجبرت الطائرة الى التوجه لمراكش حيث هبطت الطائرة في مطارها. نزلنا بأحد الفنادق لغاية الْيَوْمَ الثاني ، قلقت جدا لأني كنت مطالبة بالالتحاق بالعمل في نفس اليوم. وعدني ربان الطائرة على أننا سنصل الى الدار البيضاء على الساعة الثامنة وفِي الحقيقة وفى بوعده. في مطار محمد الخامس، كان والدي بانتظاري ولن أنسى كيف استقبلني وضمني وهو يذرف الدموع من كثرة اشتياقه لي.
فِي الْيَوْمَ الموالي، ذهبت الى العمل وبدأت في مزوالة مهمتي كالعادة، لكن بشخصية جديدة وبنظرة مغايرة،كان واضحا أني تأثرت بنمط الحياة في كندا.
لم تمض سوى أيام معدودة لأتلقى خبر كان بالنسبة لي مفاجأة حقيقية.


الكاتب : عزيز بلبودالي

  

بتاريخ : 08/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *