حميد لشهب يترجم «هيدجر وريبة الكينونة»

عن دار التوحيدي بالرباط/المغرب، صدرت الترجمة العربية لأحد أهم مؤلفات الفيلسوف النمساوي هانس كوكلر تحت عنوان: «هيدجر وريبة الكينونة». تمت هذه الترجمة من طرف الباحث المغربي د. حميد لشهب، المقيم في الديار النمساوية، والمتمرس على ترجمة أعمال فلسفية ألمانية.
ما يميز هذا الكتاب بالخصوص هو أنه من جهة أُنتج من طرف أحد كبار المتخصصين في الفينومينولوجيا وفلسفة هيدجر، تدريسا وتأليفا، وأحد المؤسسين الأوائل للجمعية النمساوية للفينومينولوجيا قبل نصف قرن تقريبا. ومن جهة أخرى يتميز مؤلف كوكلر هذا بتناوله لقضايا فلسفية محورية في فكر هيدجر، لم يجرؤ أي باحث في الفلسفة على التطرق إليها، نظرا لصعوبتها وتعقدها ومنها بالخصوص فكرة الله، التي شغلت هيدجر كثيرا، وفي هذا الإطار يقول كوكلر: «بالنسبة لي، كان فريتز هيدجر Fritz Heidegger وسيطًا مهمًا لتصنيف إشكالية الله في النظام الشامل لتفكير الكينونة، وأيضًا وبشكل خاص فيما يخص السيرة الذاتية، أي في ما يتعلق بوحدة الفلسفة والحياة“. ويركز المحور الثاني للكتاب على إشكالية الأنثروبولوجيا في تفكير هيدجر، في علاقتها بالأنطولوجيا؛ فيما خصص المحور الثالث للسياسة والثيولوجيا عند هيدجر، وفي هذا المحور أيضا يتطرق إلى هيدجر والنازية، وهو نقاش يطفو إلى السطح بانتظام في الساحة الفلسفية الأوروبية، وبالخصوص من جانب الباحثين الفرنسيين.
قدم هذه الترجمة أ. د. محمد مزيان، أحد العارفين المغاربة بفلسفة هيدجر تدريسا وتأليفا وترجمة، يقول: «الترجمة هي واقعة بَيْنية تتولد عنها الذات والآخر في الآن نفسه إذْ هما لايوجدان قبل ذلك. فترجمة عمل ما من قيمة أعمال الفيلسوف النمساوي «كوكلر» هو تمرين للذات على قيمة الغير،خروج من الدائرة المغلقة للذاتية إلى فسحة الغيرية، بل الطمع في أن تصبح الذات غيرا باستمرار. بهذا المعنى فالترجمة موقف حاسم بشأن مسألة الهوية: تستمد الذات هويتها من الخارج،مما ليست هي،إنها مفعول لعملية الخروج الدؤوبة […] إن ترجمة هذا العمل هي على الضد من ذلك، تندرج ضمن «ضرورة الترجمة» التي أملتها في العصر الحديث صدمة الحداثة التي كابدها العرب منذ حملة «نابليون» على مصر. أصبحت الترجمة تمرينا اضطراريا في أفق اللحاق اللغوي والحضاري. لذلك صارت الترجمة إلى اللغة العربية عملا بلا شروط بعدما مارس أجدادنا الترجمة المشروطة، ترجمة انتقائية بدالّة مصفاة اللاهوت. إن الترجمة بلا شروط هي اليوم- وبمعزل عن أن تكون مجرد عملية نقل تقنية- هي سبيلنا إلى المشاركة في الكونية».
ويوضح المترجم لشهب المغزى من العنوان: «لا تعني الريبة هنا الخوف، بل الدهشة الفلسفية لهيدجر أمام محراب الفكر والتفكير الفلسفيين، وبالخصوص في ما يخص فلسفة الكينونة، التي طورها واشتغل عليها طيلة حياته» ويضيف: «ركب كوكلر غمار الإبحار في فلسفة هيدجر بثبات وعزيمة قويين، مكللين بإرادة الرغبة في الفهم، قبل الشرح والتأويل. وهذا ما خول له، باعتراف الكثير من العارفين بفلسفة هيدجر، تقديم فهم فريد وأصيل لفكر هيدجر في الكثير من جوانب فلسفته. وما يميزه عن الكثير من مؤولي هيدجر من الفلاسفة الناطقين بالألمانية هي تلك النفحة النقدية لهيدجر، على الرغم من أنه في كثير من الأحيان كان مدافعا عنه ومصححا للأراء لمغرضة لبعض شراحه».
تجدر الإشارة إلى أن التأمل الفينومينولوجي قاد كوكلر أيضا إلى تطوير فلسفة قانون وسياسة ملزما كليا بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وواضعا الأصبع على الغطرسة الغربية في تعاملها مع ضعفاء هذا العالم وسياسة الكيل بمكيالين، أو «حرام عليكم، حلال علينا» واستغلالها لخيرات العالم المغلوب عليه ونشر الفوضى فيه، لكي لا يستقيم طريقه، ويبقى تابعا أبديا للقوى العظمى.


بتاريخ : 05/11/2021