حوار مع الشاعر الفرنسي أوجين غيلفيك: أكتب على مساحات صغيرة، لأني أخاف البياض

هذا الحوار أجراه الكاتب بروغريسو ماران Progreso Marin ، بتاريخ 26 فبراير 1991، مع أحد كبار شعراء القرن 20، أوجين غيلفيك Eugène Guillevic ، المولود في كرنك سنة 1907، والمتوفى بباريس سنة 1997. وكان ذلك في إطار الاشتغال على أطروحته حول „ شعرية غيلفيك „ )ناقشها سنة 1993 (. وظل الحوار مع الشاعر غيلفيك غير منشور ، إلى أن نشرته مجلة L’En-Je في عددها الأول سنة 2003 .
صدر للشاعر أوجين غيلفيك العديد من المجاميع الشعرية ، نذكر منها : – كرنك Carnac 1961 – فضاء Sphère 1963. – رفقة Avec 1966.
– حائط Paroi 1971. – آخرون Autres 1980.- حفر Creusement 1986.- الآن Maintenant 1993.

 

 أقترح عليك العرض التالي
لأجل حوارنا : الحديث أولا عن اللغة الشعرية، ثم الوضعية الراهنة للشعر. فهل تظن أنه من خلال قوته، واقتضابه، الشعر هو لغة المستقبل ؟

نعم، أظن ذلك، ولكل شاعر لغته، ولغتي ما هي عليه . إنها ليست نتيجة قرار، ولكنها نتيجتي الطبيعية. وما يهمني عندما أكتب هو رؤية إن كان هذا يعبر أو هذا لا يعبر. في الحقيقة، ليس للشاعر نفس اللغة دائما. فأنا أبحث على أن أكون بسيطا، واضحا، ودقيقا . أن أجعل اللغة تقول أكثر مما تريد قوله، وأن أحمل الكلمات حتى أطراف معانيها .

قول إن ذلك طبيعي . إنها لكلمة غامضة ، أليس كذلك ؟

أود القول أن ذلك ليس مدبرا ومتعمدا. لا أقول إني سوف أكتب بهذه الطريقة. مثلا، لا أستعمل الوصف أو أني أستعمله قليلا جدا. ليس في علاقة تأمل ما، ما أقوم به في ما بعد. في النهاية، أحس أن الوصف يضعف القصيدة. ليس لدي نظريات في اللغة، فأنا أتكلم بشكل طبيعي ما أمكن ذلك، بالذهاب إلى الأقرب، إلى الأدق، إلى الأقصر، إلى الأوضح. لا أبحث عن خلق الغموض، إني أبتعد عن الحماقة .

يستطيع الشعر، إذن، أن يلعب دورا مهما ؟ أي تفسير يمكن إعطاؤه على اعتبار أن لديه جمهورا قليلا اليوم ؟

إن الشعب الفرنسي لم يكن أبدا عاشقا للشعر. حتى خلال اللحظات التاريخية العظمى: الكمونة، حرب 14 ، المقاومة .. فالشعر ليس وسيلة شعبية للتعبير، الأغنية هي الوسيلة. بالنسبة لشعوب أخرى، نعم، أفكر في هنغاريا، حيث سائق طاكسي كان ينتظر وهو يقرأ شعرا . روسيا، بولونيا أيضا . للرجوع إلى هنغاريا، ليست هناك حفلة عائلية، حفلة شركة، دون قراءة للقصائد. في فرنسا، الناس يغنون. إن سحب أعمال لامارتين الإبداعية لم يكن أكثر ارتفاعا من الآن . وحده فيكتور هيغو من تجاوز الحدود شيئا ما. فالفرنسي ليست لديه حاجة طبيعية للشعر. مع ذلك، فإني أسجل اليوم ميولا للاستماع، وإنشاد القصائد في قاعات العروض. لكن هذا لم يكن سببا قويا لبيع الكتب الشعرية. إلى حد ما، إن بعض الشعراء الحاليين مسؤولون عن هذا التقصير في الاهتمام بالشعر.

 إنها نخبوية مزيفة ؟

الكثير من المجلات الشعرية يقرأها المختصون فقط، فهي لم تنشأ سوى للمطلعين . فالأمر يتعلق غالبا بـ «سريالية «من الطابق السفلي التي يحير الناس . وشعري محبوب جدا داخل المدار ، إني أتلقى رسائل من التلاميذ ،المعلمين والأساتذة ، من فرنسا كلها . شعري ليس موسيقى، إنه متماسك. ربما هذا هو ما يمسهم أكثر.

 بالرغم من ذلك ، أرى أن للمدرسة نصيبها من المسؤولية في الوضع الراهن للشعر. في القسم، الشعر يتوقف عند القرن 19 . أتحدث عما أعرف، بعض الإعداديات و الثانويات.

أنا مقروء جدا داخل المدارس الابتدائية أكثر من الثانوية.

لقد قرأت في العمل المخصص لك، الحياة شعرا، أهمية هذه الطريقة في التعبير في الحياة اليومية، في مقاومة النزعة الامتثالية .

آه ، نعم . فالشاعر هو بالقوة متمرد، لا أقول ثوريا، ضد كل سلطة قائمة. إنه على النقيض من محافظ ، إنه مجدد لديه مهمة الدفاع عن اللغة . يقول مالارمي : «إعطاء معنى خالص لكلمات القبيلة «، وسوف أقول إعطاء معنى قوي جدا . لقد أنقذ الشعر اللغة الفرنسية في منعطف القرنين 18 و 19 . واللحظات الكبرى حول الثورة لم تؤمن شعرها، فضعفت اللغة. استطاع فيكتور هيغو أن يقول: «لقد وضعت قبعة حمراء للقاموس «. شونيي كانت له لغة مختلفة قليلا عن معاصريه. وكان من الضروري انتظار لامارتين، موسي، فينيي، وعلى الأخص هيغو . أما رامبو فقد خدم كثيرا اللغة . أعتبر، ربما عن خطأ ، أن السريالية لم تغن اللغة، فالأمر يتعلق بلغة مسطحة .

 وأنا تلميذ وطالب، لم أكن أبدا معلقا بهذا الشعر. فهذه النصوص، في رأيي، ساهمت في تعزيز الإيديولوجيا النخبوية .

لقد قرأت أندري بروتون، لكن لم أحتفظ سوى بقليل من الأشياء . مثلا، هذان البيتان المأخوذان من «الحب الحر „:
„زوجتي بعينين من ماء
كي أشرب في السجن „
أعتبر بول إيلوار كسريالي متمكن. وألاحظ بحزن أننا قد ابتعدنا قليلا عن الشعر .

 في المدارس و الإعداديات ، تقرأ قصائد مثل « Bonne Justice „و قصائده في الحب . لقد احتفظت من كتاب «الحياة شعرا «بخاصيتين للشعر: عيش كل حدث يومي في أبعاده الأبدية، وتوظيف الحياة في الكتابة. ما يهمني في هذا التصور، هو أن الشعر لحم الحياة، وليس اللغة من أجل اللغة .

آه ، لا . إنه اللغة من أجل معرفة الحياة، كي نلمسها، كي نحسها . إنه لغة التواصل التي تجعلنا في علاقة مع العالم الخارجي والداخلي . إنه هاتفي !
فالشعر الذي ليس سوى تمرين لغوي على نفسه لا يهمني، إنه ليس طريق الشعر. تلك حالة فاليري الجزئية . هذه اللغة يجب أن تجعلنا على اتصال، يجب أن تكون معبرة ، أن تكون عنصرا من التواصل ، ومن التشارك .
n في ما يخصني، لا أشعر بنفسي، وبكينونتي إلا حينما أكتب . إذا لم أكتب لأسابيع كثيرة ، فإنني أحس نفسي فارغا. وإذا دام ذلك ثلاثة أشهرأصبح بئيسا وكئيبا . إني أحتاج إلى أن أكتب . ففي المراحل التي كان لدي فيها القليل من الإلهام، وجدت الترجمة كبديل . لقد ترجمت كثيرا في مرحلة من حياتي. وكتبت أيضا بعض الأغاني، المنظومات، الأغنية الشعبية ، مثلا لجان مورو Jeanne Moreau وفرانسيسكا سوليفيل Francesca Solleville . شيئا ما كي أحصل على المال ، لقد كنت في حاجة إليه في هذه المرحلة .

 لقد بدأت قراءة Terraqué «الأرض» وبعض القصائد، لكن ليست كثيرة. إن العرض الذي قدمته في مدينة تولوز Toulouse أنت وزوجتك وقراءة الضيعة « Du domaine „ التي نصحني بها سيمون بريست Simon Brest ، هما اللذان دفعاني إلى اختيار تيمة شعريتك لأطروحتي.

نعم ، إن «الضيعة « واحد من كتبي التي أحبها ، لقد ذهبت فيه إلى أعمق من نفسي.

 أجد في هذه المجموعة قفزة تقاطع مهمة، وأنت تصف بشكل ملموس فضاء ذهنيا .

– ذهني وواقعي مادام الأمر يتعلق بمسقط رأسي بروتاني Bretagne . لقد حدث هذا في لحظة من لحظات الفرح في حياتي . لقد ذهبنا حينها إلى مطعم لافريكات La frégate على ضفة نهر السين Sein ، فجأة حضرتني بداية الضيعة . قفزت على مذكرتي التي أحملها معي دائما . بعد سنة أو سنتين حضرتني نهاية هذه المجموعة . إنه كتاب أحبه الكثير من عشاق الشعر. كتاب مهم، هو أيضا نال نجاحا جماهيريا .

 ما أثارني في هذه الكتابة هو الجانب الجَواهِريّ، هذا الأسلوب الملتقط .

هذا بالنسبة لي طبيعي شيئا ما . لقد قال لي أحد النقاد إنني «جَواهِرِيُّ مطنب». لقد كتبت كثيرا بإيجاز .

 لقد عثرت على ذلك في النشيد Le chant .

في الواقع توجد لدي كتابتان، كتابة المجموعات مثل النشيد والضيعة . وكتابة حيث ألهو شيئا ما، مثل قصائد الأطفال ، كتابات أبيات شعرية موزونة ومقفاة . وفي المجموعات الجديدة ، أبحث عن صوت مختلف . فأنا أكتب منذ ستين سنة. لن أكتب أبدا الأرض Terraqué ، أتمنى !

 في المجموعة “ Inclus مدرج “ يظهر مفهوم أثار اهتمامي هو مفهوم الكتابة القربان .

نعم ، لقد قارنت الشاعر بالقس . فاستعملت الطقس الديني حتى يساعدني على كتابة القصيدة. فكما في القداس، النبيذ هو الدم، هنا يتحول النثر إلى شعر .لقد قطعت مع الكنيسة في سن العشرين. وكنت مندهشا جدا أن يعود ذلك مرة ثانية. لقد كانت أمي متعصبة جدا. ودائما يتبقى لك شيء من ممارساتها .

 ما يذهلني في عملك هو مثابرتك على الكتابة، قوتك على الإنتاج . إنك تتحدث عن دوافع هذه الكتابة، وعن منابعها الطبيعية جدا .

إني لا أرغم نفسي على الكتابة، ولا أكتب بلا تأثر . يجب أن يأتي ذلك من الأعماق. يمكن أن تكون القصيدة طويلة مثل الضيعة ، أو قصيرة مثل قصيدة هذا الصباح:
هذا الصباح ، 26 فبراير 1991 :
«لا صرخة عصفور
التي تبقى مجهولة
التي لا تعكر الفضاء
هذه الأذن التي ترصد
كل ما هو سري
لا يمكن أن يصمت «
بعد بعض الوقت، حين أكون قد كتبت عدة نصوص، مستعينا بزوجتي، أختار. تقول لي: „جميل «، «هذا، سبق لك أن قلته « . إنها، في آن واحد ، متسامحة و صارمة. صعوبة الحكم أثناء الكتابة، هي أنه يجب عليك أن تكون في الداخل بما يكفي كي تحسها، وأن تكون في الخارج بما يكفي كي تكون ناقدا. كذلك هذا النص القصير :
« ضرورة السنونو
ملحة أيضا أكثر من ضرور المحيط .»
حينما أكتب، لا أعرف ماذا سيصبح ذلك: قصيدة لذاتها، تكملة، أو لا شيء على الإطلاق. فأنا أكتب على أوراق صغيرة، على ظهر بطائق الدعوات . أكتب على مساحات صغيرة ، لأني أخاف البياض، ثم أنقل ما أحتفظ به على الدفتر .

 في كتاب « الفن الشعري « أحببت:
« سحر الآخرين غيرك
يستطيع مساعدتهم
للبدء
بتغيير العالم
بالمعنى الذي يقوله النشيد
نحو السمو الذي يعلن
نحو الأفق الذي يظهر
أفق بأقوى
حيازة لنفسه بنفسه . «

هذا ليس سيئا . إن ذلك يشبه مطلبي للشعر المنخرط داخل العالم ، مثل نَفس . الشعر كهدف، وكمثال للعالم . إن إيلوار سيحب هذه القصيدة . أنا دائما على استعداد للكتابة التي تأتيني في الميترو، في قاعة الانتظار ، لدي ورق ومذكرة ومسجل صوت لليل .

نحس جيدا مثابرتك على الكتابة. هذه مهمة شاقة، إنك في هذه اللحظة تكون في علاقة مع العالم .

نعم، فالشعر الذي لا يُستعمل كي نعيش العالم لا يهمني. مثلا ، لا أحب اللعب اللغوي البسيط مثل كوكتو. إنه يمثل شاعرا.

 في الواقع ، أرستقراطية العقل الزائفة هذه هي أحد العناصر التي أعاقت الوصول إلى الشعر . لقد كتبت « الطريق سوف يكون طويلا، منعزلا ، صعبا لكنه طريقي وسوف أتحمل كل شيء لأتابعه ، وأستطيع أن أقول : أخيرا ها هي القصيدة . « أحس هنا إرادة ممدودة نحو الكتابة. تقول غالبا « طبيعية « وأنت تتحدث عن كتابتك، لكن هناك أيضا إرادة تحقيق الكتابة .

نعم ، إرادة الإمساك بالقصيدة حين تصعد ، و الدخول في حوار معها. يجب أن أقول لك شيئا ربما يفسر طريقتي في ضبط اللغة. فحتى سن العشرين من عمري، في فترة الخدمة العسكرية ، وأنا مقيم في فرنسا ، لم أسمع أبدا من يتحدث اللغة الفرنسية. على التوالي، كان الناس حولي يتكلمون البريتونية، الوالونية، الألزاسية . كانت اللغة الفرنسية تبدو لي لغة مقدسة. لا أعرف إن كان لذلك أثر، لكنه استطاع أن يؤثر .

كانت هناك أشياء مهمة، إنه سر، كان جيدا محاولة ضبطها، وامتلاكها . لقد تطرقنا للنقط الأساسية في دراستي التي أود أن أخرجها إلى الواقع . وأنا أكتب عن عملك لا أريد الكتابة عن أشياء خيالية .

هذا الصباح، أعدت قراءة عملك، وأود أن نعود للحديث عن الإستعارة. فهي ليست جوهر الشعر، يمكن أن تكون هناك قصائد بدون استعارات . في نظري، لا يجب خلط استعارة ومقارنة . لن أقول «شفاه مرجان» و لكن «شفاه مثل المرجان « و كلمة «مثل» لا تخيفني . قصيدة لوتريامون الشهيرة « بط الظن Canard de doute « ماذا يعني ذلك ؟ – إنها بساطة .

 »في الضيعة» ، كتبت :
“ الممرات ليست
حتما مرسومة . “

أقرأ هذا الفصاء كفضاء داخلي . أليس هذا استعارة ؟ هل يناسبك هذان الاتجاهان في دراسة اللغة و التيمة ؟ بالنسبة لي ، كل ذلك يذهب في نفس سلة الكتابة .

 لقد بدأت الكتابة شابا ، 14 أو 15 سنة ، في البداية على طريقة دو ميسي de Musset ، ثم مثل لامارتين. وقد نلت „ التأملات „ كجائزة مدرسية.أحببت لامارتين .فأنا أكتب ما يحضرني حتى و إن كان ذلك عبثيا .

19 يونيو 2003


الكاتب : ترجمة : إبراهيم قازو

  

بتاريخ : 17/12/2021