خارج إطار السياسة، الفن والثقافة يجمعان الشعوب

العلاقات بين المغرب وجارته تونس عرفت مؤخرا تغيرات سياسية وديبلوماسية ناتجة عن استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لزعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، للمشاركة في الدورة الثامنة لندوة طوكيو للتنمية في أفريقيا (تيكاد)، اعتبرها الكثير ضربة غادرة للمغرب ، الساسة كما الفنانين والمثقفين، أحسوا بألمها وكل من نظرته وتموقعه.
وهذا طبيعي، فلطالما كانت بين المغاربة والشعب التونسي علاقة تاريخية وطيدة انعكست على عدة ميادين، و عبر سنوات، دون التحدث عن العلاقات الإنسانية التي توثقت بفعل التزاوج بين أفراد الشعبين.
من بين الميادين التي أحست بثقل توثر العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، الفن و الثقافة وانعكست على الفنانين والمثقفين، سواء منهم المغاربة أو ال»توانسة» (كما يحلو للمغاربة أن ينادون أشقاءهم) . فهل بإمكان الفن والثقافة أن ينتصران على السياسة وأن يتوفقا في لملمة ما أفسدته بعض الخطوات السياسية ؟ وهل سيتأثر المشهد الفني الثقافي؟
هذا هو السؤال المطروح حاليا خاصة مع فترة «الدخول الثقافي» وتنظيم التظاهرات ؟
ذهب الفنان التشكيلي و المنظم للمعارض عبد اللطيف الصبراني، في تحليله إلى أبعد مدى باعتباره أن الساحة العربية ليست على ما يرام منذ موت الزعماء الكبار الذين كانوا رغم الاختلافات يحافظون على تماسك وحدة الأمة العربية للدفاع عن المصالح المشتركة، و سطر على كون ما يقع اليوم من انهيار كلي لكل ما بنته الأجيال السابقة ودافعت عنه للحفاظ على الصف العربي في مواجهة الأخطار والاطماع الأجنبية قد انهار بفعل تهور وطمع وسوء تقدير للعواقب الناجمة عن هذآ التفكك الذي سيضر بكل الدول العربية في الشرق أو في الغرب، ولامحالة سيمكن المتربصين بخيرات المنطقة الاستحواذ ونهب ما تبقى من خيراتها.
ف «الصراع الذي تعرفه منطقة المغرب العربي بالنسبة للفنان الصبراني، أضر بكافة الميادين والاواصر الثقافية والفنية والرياضة وغيرها… التي من شأنها أن توحد شعوب المنطقة وتمد الجسور القوية بين الفاعلين والمتدخلين. فما يقع من صراع سياسي أثر بشكل كبير حتى على النخبة المثقفة التي أصبحت عاجزة عن التدخل الإيجابي لإيقاف هذا النزيف الذي أوقف كل الأنشطة المشتركة التي من شأنها توحيد الرؤى وبناء، الصف العربي القوي الكفيل بتحدي الصعوبات خلق القوى الضرورية للدفاع عن المصالح المشتركة. وفي تقديره فإن الميدان الفني بدوره تأثر كثيرا بهذا التقهقر والصراع الإقليمي و تأجلت العديد من المعارض الفنية والثقافية والرياضية، كما ألغيت الكثير من المبادرات والمهرجانات الفنية و البعض منها أصبح مرتعا للمناورات الدنيئة التي تصب الزيت على النار. وعلل قوله بأنه في مثل هذه الظروف الصعبة والملفوفة بالمخاطر امتنع العديد من الفنانين والمثقفين والرياضيين من المشاركة في ما تبقى من بوادر الأمل للم شمل شعوب المغرب العربي وتوحيد صفوفه في هذه الفترة الصعبة جدا، وفي الفن التشكيلي مثلا رغم توصل بعض الفنانين الفنانات بدعوات للمشاركة في معارض مختلفة، إلا أن التطورات السياسية الأخيرة قضت على كل الفرص المتبقية لاعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي الذي كانت عليه في السنوات القليلة الماضية رغم أن الصراعات أقدم بكثير. لكن على الأقل التشجيع المعنوي للحقل الثقافي كان بعيدا عن تسلط القادة الفاسدين.
بالرغم من كون الصفعة كانت مفاجئة للمغاربة فإن أواصر المحبة باقية ولن تهدمها عبثية التصرفات التي يمارسها بعض الحكام، وهذا ما ذهب به السيد أحمد حروز المنسق العام للصويرة موكادور ومنسق الأنشطة الثقافية والفنية بدار الصويري، في اعتقاده، والذي اعتبر أن العلاقات بين الفنانين ستمتاز دائما بالوفاء الذي يتقاسمه الشعوب، مغاربة منهم أو تونسيون وسيستمرون في تقاسم الأخوة والوفاء كما سيمتد نفس التعاون الشرعي الذي تعكسه العلاقات ما بين الشعبين المغربي والجزائري بالرغم من كل شيء وبالرغم من التصرفات والعجرفة التي نهجها النظام الجزائري وبالتالي فالفناون المغاربة والتونسيون والجزائريون سيستمرون في نفس الأجواء الواضحة والمتميزة والتقاسم الفني والجمعوي كما الأخوة والاحترام بين الشعبين وذلك بعيدا عن أي مناورات سواء منها السياسية أو العقائدية .
بالمقابل وفي خضم هذا النقاش، وبالرغم من كون العديد لايحبذون خرق العهد الإنساني وأواصل التعايش المسالم بين الشعبين لكي لا تزيد الهوة، هناك من المهتمين بالشأن الثقافي من يودون لو أن الفنانين والمثقفين التونسيين يعبرون عن رأيهم في ما وقع بشكل صريح ومن بينهم السيدعبد الخالق بلعربي رئيس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية (جواسم) مثلا، الذي عبر عن ذلك بشكل صريح، و أيضا في بيان نشرته جواسم في ما بعد، و أشار بأنه بالرغم من كونه اعتبر أن هذه الخطوة التي قام بها الرئيس التونسي هي انفرادية وفيها استفزاز صريح وواضح لوحدة المغرب الترابية ، و ضد مبدأ الحياد الذي انتهجته تونس منذ عقود، فهي أكيد تعد ضربا للروابط التاريخية المتينة التي تجمع الشعبين الشقيقين المغربي والتونسي، وتضر بالخطوات التنسيقية والشراكات التي تجمع البلدين في العديد من المجالات بما فيها الشراكات بين الإطارات الجمعوية الثقافية المستقلة خاصة مع الجامعة التونسية لنوادي السينما والجامعة التونسية للسينمائيين الهواة التي تجمعها بين جواسم بالمغرب علاقات متميزة ومتينة وصادقة منذ السبعينيات أي منذ أن أسس لها الراحلان نورالدين الصايل والطاهر اشريعة ومجموعة من أطر هذه الجامعات، منذ عقود وبقيت راسخة وتوارثتها الأجيال المتلاحقة التي تحملت المسؤولية فيما بعد ،بل إنهم لا يدعون أي مناسبة أو لقاء سواء في المغرب أو تونس أو خارجهما لتطويرها وتصليب هذه الشراكة خدمة للثقافة السينمائية بالقارة الإفريقية وبالتالي فهو يدعو كافة الفنانين التونسيين والسينيفيلين للتنديد بما فعله الرئيس قيس سعيد.
و على العموم يراهن الكثير ممن ربطتهم صداقات إنسانية أو مهنية على كون هاته الأحداث الناتجة عن توثر العلاقات التونسية المغربية، سوف لن تؤثر على الشعوب وسوف تعود الأمور إلى نصابها. ومنهم من يرى بكون الرئيس الحالي خرج عن خط الإرادة التونسية ولن يتقبل التونسيون الانحراف عن خط الديبلوماسية الجيدة مع جيرانهم كما في سابق العهد.


الكاتب : سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 13/09/2022