خالد السراج، عميد كلية الطب والصيدلة بوجدة، لـ «الاتحاد الاشتراكي»: إنقاذ السنة الدراسية لا يزال ممكنا شريطة استئناف الدراسة والمطالب التي تحققت تعتبر مكاسب غير مسبوقة

يرى خالد السراج، عميد كلية الطب والصيدلة بوجدة، أن ما تم تحقيقه اليوم بالنسبة للمسار التكويني الممهد لممارسة مهنة الطب، يعتبر مكسبا نوعيا غير مسبوق يجب استثماره بشكل إيجابي بعيدا عن كل ما يعتبره «تشنجات» لا تؤدي إلا على الباب المسدود.
«الاتحاد الاشتراكي» واستمرارا منها في تسليط الضوء على كل المستجدات المتعلقة بهذا الموضوع الذي واكبته منذ البداية، أجرت الحوار مع هذا المسؤول للبحث معه في كيفيات حلحلة المشكل وتفادي السنة البيضاء، حيث يكشف السراج عن عدد من المعطيات والتفاصيل، ويؤكد بأن السنة الدراسية الحالية يمكن إنقاذها، باعتماد حلول وسط، من خلال التحلي بالمرونة وروح المسؤولية بما يمكّن من طيّ صفحة هذا الملف على نحو إيجابي.

n يرخي شبح السنة البيضاء بظلاله على كليات الطب والصيدلة، ما هي أسباب استمرار هذا المشكل وتداعياته؟

pp يعلم الجميع كيف أن الدراسة في كليات الطب والصيدلة قد توقفت لمدة تتجاوز أربعة أشهر، وهذا الأمر يصعب المأمورية شيئا ما، لكن ومع ذلك لا يزال هناك هامش يمكن أن نعمل عليه جميعا من أجل ألا تكون هناك سنة بيضاء، وألا يترتب عن هذا الوضع نسبة كبيرة من الرسوب في صفوف الطلبة.
أنا أرى بأن سبب التوقف يكمن في المقاربة التي اعتمدها ممثلو الطلبة في تدبير هذا الملف والتي أعتقد بأنها افتقدت للمرونة لأن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ومعها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية أبانا عن مرونة كبيرة في التعامل مع الملف المطلبي للطلبة، وهذا ما تشهد على صحته الوقائع والخلاصات الرسمية المعلنة وهو ما يمكن للجميع الوقوف عليه والتأكد منه، بما في ذلك النقط المتعلّقة بالأساتذة التي هي من اختصاصهم وليس من اختصاص الطلبة، ومع ذلك بيّنا كيف أن تخفيض سنوات الدراسة من سبعة إلى ستة، لا يعني تقليصا في الجودة، كما يسوّق له البعض بل على العكس من ذلك، هو خطوة تسير نحو المزيد من التجويد لأن السنة السابعة كانت فارغة من المحتوى البيداغوجي وبالتالي فإزالتها من المسار الأكاديمي لطلبة الطب يصب في صالح التكوين لا العكس، وبالتالي فهذه النقطة تعتبر السبب الرئيسي في استمرار هذا الوضع، ويجب أن يعلم الجميع بأن القرار المتعلق بها هو لا رجعة فيه لأنه يتعلق بقرار سيادي للدولة، وله صلة بتشخيص حالة التكوين غير المناسب في السنة السابعة، واليوم ستتم تقوية السنة السادسة بما يساهم في منح تكوين بجودة أكبر يتيح للطبيب أن يكون مؤهلا أكثر لعلاج المرضى بعد ست سنوات من التكوين.

n يرفع الطلبة مجموعة من المطالب، ما هي النقط التي تمت الاستجابة لها والأخرى التي بقيت بدون حل؟

pp يجب التأكيد في هذا الإطار على أن الدولة قامت بمجهود كبير لتطوير جودة التكوين الطبي في بلادنا وللرفع من أعداد الخريجين، وبالتالي تحقيق تقدم في المؤشرات المتعلقة بعدد الأطباء، ولأجل هذه الغاية فقد تم رفع عدد الطلبة بالموازاة مع خلق كليات جديدة واكبتها إمكانيات غير مسبوقة، بحيث انتقل عدد كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة من كليتين بكل من الدارالبيضاء والرباط عبر كل السنوات المتعاقبة إلى 11 كلية اليوم، وهو ما سيمكّن من منح الشعب المغربي عدد كاف من الأطباء الذين يمكنهم التكفل بصحة المواطن المغربي.
وبالعودة إلى سؤالكم، فإن مطالب الطلبة من خلال ممثليهم كانت متعددة، منها ما يتعلق بتنزيل رفع العدد وتوفير الإمكانيات من طرف الدولة مع خارطة طريق واضحة، وما يهمّ السلك الثالث والرؤية المتعلقة به، التي هي جد واضحة ولا إشكال فيها، وما له صلة بظروف التكوين والتداريب السريرية، وعلاقة بهذه النقطة تجب الإشارة إلى أن ما تحقق اليوم تطلب مجهودا كبيرا على مستوى التعويضات والرواتب الشهرية والترقي في الرتبة، وهو ما يسري كذلك على قرار تقليص عدد سنوات التعاقد من ثمانية إلى ثلاثة بعد نهاية التخصص، وبالتالي فالطالب عند الانتهاء ويصبح طبيبا متخصصا، يصبح من حقه بعد 3 سنوات اختيار وجهته التي يريدها بصفة تلقائية، وهذه الخطوة لم تكن متاحة قبل اليوم، وبالتالي فكل المطالب تحققت بشكل كلي ومطلق، وبقيت نقطة واحدة فقط، وهي المتعلقة بمدة سنوات التكوين، التي لا تمس بأي شكل من الأشكال لا القيمة المعنوية ولا الاعتبارية ولا القانونية لدبلوم دكتور في الطب، خلافا لما يتم الترويج له من إشاعات، ومن بينها أن دبلوم الدكتوراة سيصبح مجرد «شهادة»، وهذا كلام عار من الصحة يراد به التشويش فقط.

n التشبث بسبع سنوات يظل مطلبا أساسيا بالنسبة لبعض الطلبة، هل هناك من صيغة تخول لطبيب الغد مناقشة الدكتوراة في السنة السابعة عوض السادسة، وما هي شروط ذلك؟

pp ليست هناك أي شروط أو تدابير محددة في هذا الإطار، لأن أي تدبير هو من اختصاص الوزارة، لكن هناك مبادئ أساسية يمكن أن نسلط عليها الضوء من قبيل أن الطالب الذي ينهي دراسته إذا لم يناقش بعد ست سنوات مباشرة فإنه لن يتعرض للطرد أو للإقصاء، وبالتالي إذا أراد إتمام التداريب على حسابه الخاص تطوعا في المجموعات الصحية الترابية للسنة سابعة فلن يواجه طلبه بالرفض، وهذا يمكن أن يشكل حلا وسطا، خاصة وأن الدولة في اعتماد السنوات الست في التكوين قد اتخذت كل التدابير لذلك وتحملت مسؤوليتها في إعداد الأرضية الضرورية لتحقيق هذه الغاية، وبالمقابل يبقى على الطالب الذي لا يريد المناقشة في السنة السادسة أن يتحمل هو الآخر مسؤوليته بخصوص هذا الاختيار.
هذا الحل موجود دستوريا وقانونيا وكيفية القيام بالتدابير والإجراءات المصاحبة له يمكن أن تكون موضوع نقاش قابل للاستفاضة في تفاصيله، وما يجب التأكيد عليه ارتباطا بهذه النقطة أن الدولة فسرت وأوضحت لماذا قررت العمل بست سنوات فمناقشة الأطروحة، وبالتالي فالطلبة الذين ينادون بسبع سنوات من التكوين لا يجب أن يصادروا حق زملائهم الذين هم على اقتناع بالمسار التكويني الجديد الذي تم تسطيره في مجال الطب.

n هل طلبة السنة الأولى والثانية معنيون بهذا الحل؟

pp إن طلبة السنة الأولى والثانية هم غير معنيين قانونيا بهذا النقاش من أصله، لأن المذكرة الوزارية الخاصة بالولوج بالنسبة للسنة الفارطة والسنة التي سبقتها واضحة وتبين أن مدة الدراسة هي ست سنوات، وبالتالي فالجميع على علم بمدة التكوين كشرط ولا حقّ لأي طالب في الاحتجاج، لأنه إذا لم يرغب في تكوين يمتد لسبع السنوات فقد كان عليه ألا يجتاز المباراة.

n ما هو تقييمكم لمطالب طلبة الصيدلة وطب الأسنان؟

pp بالنسبة لطلبة طب الأسنان فليس هناك أي مشكل مرتبط بهذه الفئة من الطلبة، فهم قد استأنفوا الدراسة واجتازوا الامتحانات، وهم في الأصل غير معنيين بالمشكل المطروح لأن مدة تكوينهم هي تمتد لست سنوات، وجميع المطالب التي تقدموا بها كانت تقنية محضة لها علاقة بالتكوين وقد تمت الاستجابة لها، وبالتالي فالنقطة التي تشكل خلافا هي مع طلبة كليات الطب ولا تنطبق على وضعيتهم التكوينية. ونفس الأمر يسري على طلبة كليات الصيدلة، الذين لهم خصوصيتهم التكوينية، والذين ليس هناك ما يحول دون عودتهم لكلياتهم.

n اخترتم قبل مدة إشراك أمهات وآباء الطلبة في النقاش حول الوضع، ما هي الخلاصات التي توصلتم إليها؟

pp يجب التأكيد على أن أمهات وآباء الطلبة لديهم قلق على أبنائهم، وهو نفس القلق الذي نتقاسمه معهم، فالأمر يتعلق بأبنائنا نحن أيضا، وهم الذين سيحملون المشعل غدا، وسيساهمون في علاج المواطنين، وسيواكبون ويساهمون في تعزيز مسار قاطرة التنمية في بلادنا، وبالتالي حين تم فتح النقاش معهم، وهي الفكرة التي كنا نحبذها دائما، فقد تبين أنهم هم أيضا يريدون التحاق أبنائهم بالكليات وعودتهم إليها، وليس لديهم تحفظ كبير على النقطة المتعلقة بتقليص سنوات التكوين.
أعتقد بأن هناك موجة إيجابية في هذا الاتجاه، وبأن الآباء والأمهات يقومون بمجهود لإقناع أبنائهم باستئناف الدراسة والابتعاد عن المواقف المتعصبة.

n الاحتجاجات الحالية تقلق تلاميذ مستوى الثانية بكالوريا الذين يعتزمون المشاركة في مباريات ولوج كليات الطب، بخصوص نسبة القبول والنجاح، وظروف التكوين وغيرهما، ما هو تعليقكم؟

pp أريد أن أطمئن التلاميذ الذين سيجتازون امتحانات الثانية باكلوريا بعد أسابيع، وأتمنى لهم كل التوفيق والنجاح، وأدعوهم في هذا الإطار إلى بذل مزيد من الجهد والمثابرة، فبلادنا في حاجة لشبابها وسواعدها وأطرها ونخبها، ولا يجب عليهم أن يقلقوا لأن للدولة دواليبها وللوزارة هياكلها، وبالتالي فجميع السيناريوهات تم وضعها في الحسبان، ومن بينها كيفية التعامل مع هؤلاء التلاميذ الناجحين وكل الترتيبات تم اتخاذها وعليه فلن يعترضهم أي مشكل بإذن الله، ونحن جميعا لدينا أمل ألا يُطرح أي مشكل بتاتا، وأن تطوى صفحة هذا الموضوع بشكل جد إيجابي وأن يتم استئناف السنة الدراسية الجامعية بالنسبة لطلبة السنة الأولى للموسم الدراسي الحالي ولباقي السنوات والمستويات الأخرى.

n في ظل هذه الوضعية ما هي مفاتيح تجاوز الأزمة وفتح الباب للعودة إلى الكليات؟

pp الحل يكمن في اعتقادي في مفتاحين أساسيين، الأول يتمثل في عودة الطلبة للكليات وأن يستأنفوا دراستهم وأن يتراجع ممثلوهم عن تبني مقاربة الكل أو لاشيء، والثاني في اعتماد الحل الوسط الذي تحدثنا عنه، الذي يعطي حرية واستقلالية للجميع، فهو يحترم سيادة الدولة وقرارها القاضي بتقليص سنوات التكوين إلى ست سنوات، ويضمن حرية الطلبة الذين قد يرغبون في القيام بتداريب تطوعية إذا لم يناقشوا في السنة السادسة أطروحاتهم.
وبالتالي وانطلاقا من هذا المبدأ فإن الحل لن يكون إلا بالحوار الذي لا يمكن أن يتأتى إلا بالرجوع للدراسة، ونحن دائما كنا في الإنصات للطلبة، قبل وخلال وبعد الأزمة، وهو الأمر الذي سيتواصل، لأنه لا حوار بناء يكون في جو تسوده المقاطعة ومقاربة شد الحبل التي اعتمدها ممثلو الطلبة، التي وبكل أسف تبين على أنها بعيدة عن المنطق وتفتقد للنجاعة، وهو ما نتمنى أن ينتبهوا إليه وأن يساهموا بكل مواطنة حقة في خدمة وطنهم من موقعهم هم أيضا.


الكاتب : حاوره: وحيد مبارك

  

بتاريخ : 23/04/2024