خريف الأشجان

في وداع خديجة صدوق

قدري ان يأخذني الخريف إلى مجاري الأحزان، تطوحني رياحه إلى صقيع الوجع والحسرة والأشجان، خريف هذا العام كان أشد قسوة وأكثر إيلاما.. الفقد فيه جسيم والمصاب جلل. في رتابة زمنه ترجلت رفيقتي بعد أن هدها الوهن واستباحت رحاب جسدها رجات الألم وغفوة الإنهاك، رافقت كل رجاتها وهي تداري لهيب حرائق تمادت في إذكاء المواجع، لحظات قاتمة امتزج فيه الأمل بالرهبة وفي الثنايا غيض يتربص بكل إشراقة بسمة، كثيرا ما كانت تتفتق أساريرها كلما طاف في خلدها أن خطوها سيستقيم وأن القادم من الأيام أزهى، يطوف بصرها في فضاء غير الذي اعتادته وتنفث زفرة، لم تعد تقوى على صخب القهقهات، ولا الحديث في ما لا يفيد، فلا وقت للتفاصيل حين يشتد أوار الآهات، صارت مواعيدها نبضا دافقا على وقع نزال ذميم، تغفو وتصحو على إيقاع زمنها الرتيب المثقل بجرعات بلا طعم ولا بلسم رائحة. كنا حولها على أهبة حتى لا تضيع منا كل معاني أيامنا التي تمتد تفاصيلها في دمنا، أحاديثنا الصاخبة وآمالنا المشتركة أن تزهر أحلامنا في أحضان وطن بهيج، أستعيد الآن فورة عشقها للحياة وعلى الخد يتدفق دمع حارق.. في غمرة الأشجان يصلني ضحكها الباذخ الشاسع بلا ضفاف، أحاديثها عن وطن في المدى، أعراس فلسطين وشواظ الهزيمة، صوتها المجلجل في المدرجات منتصرة للكادحين والبؤساء، تاريخ هبتها في نزال سلطة الطغيان، رابضة كانت بكل وثوق في خندق الدفاع عن الحق في شرط الحياة، أشياء كانت تعزها وتهفو لها روحها، فالناس للناس في صفاء دمها نسائم وظلال لا تفاضل في المقام.
في عودة الرياح (*) تجاسرت على أن تسمي الأشياء بأسمائها، أن تعطي للعلاقات معنى يفيض بالحياة، حديثها في الحب تحفه جرأة المكاشفة، تمقت فيه الاستعلاء، تمج امتداد زمن الإماء وصولة الرشيد، هكذا كان وقع خطوها وهي ترفل في مروج كادت تفقد بهاء نظارتها. «لا غالب إلا الحب، عليه نحيا وبه نموت … لا يتقن الحب إلا من يتقن العطاء. كل المشاعر السلبية خلل يسكن دواخل بعض المصابين بالعقم» تلك وصيتها وهدير صخبها المفعم بصدق المشاعر، فلنزرع المودة في صبح أيامنا ولروحها الطاهر أزكى سلام.

* عودة الرياح، رواية صادرة للفقيدة سنة 2006
نونبر 2020


الكاتب : أحمد حبشي

  

بتاريخ : 16/11/2020