درس بها ملوك حكموا المغرب وأصبحت مرتعا للمتشردين : مدرسة الأمراء بالشماعية .. تاريخ عريق وحاضر تعيس

يعتصر القلب حزنا ويصيب المواطن الغيور الدوار حين يرى فضاء لذاكرة جماعية ثرية وشمت لحظة مهمة من الزمن المغربي، يتعرض للاندثار التدريجي، بسبب النسيان ويد الإهمال التي تحوله إلى «خربة»، بعدما كان مركزا ثقافيا وفضاء تعليميا، تبادل فيه الوافدون على المدرسة من علماء، ومدرسين، وفقهاء، وشيوخ، وقادة حربيين، والحركية العلمية والثقافية التي كانت وسطه، بما خلقته من تفاعل بين الأمراء والأطر، التي ستمد المخزن بنخبة نوعية ستدير شؤون الدولة في شتى المجالات إلى جانب السلاطين، يتعلق الأمر بمدرسة الأمراء العلويين بالشماعية (القصبة الإسماعيلية سابقا). 

تسير المعلمة الحضارية والعمرانية «مدرسة الأمراء»، التي كان لها شأن كبير منذ نهاية القرن الثامن عشر حتى القرن التاسع عشر في طريق الاندثار يوما بعد يوم، لما أصابها من إهمال جعلها عرضة للسرقة والنصب، حيث إن جل الأسقف والنوافذ والأبواب الداخلية تعرضت للسرقة كما أن بعض الآثار الثمينة هي الأخرى إما تعرضت للسرقة أو فقدت قيمتها التاريخية جراء ما أصابها من عبث على أيادي البشر العقلاء منهم والمشرفين.
من مدرسة قرآنية وشرعية إلى مركز لتكوين أطر الدولة
ارتبط تأسيس مدرسة الأمراء العلويين بمدينة الشماعية، بالسلطان محمد بن عبد الله في أواخر القرن الثامن عشر حيث اختارها كفضاء بعيد عن نعيم القصور وأيضا عن التأثيرات السياسية المفترضة للتشويش على الحكم، وظلت حتى وفاة السلطان الحسن الأول، مشتلا مهما للنخب المخزنية، فيها تلقى ملوك، خلفاء، وزراء، قواد الجيش، قضاة، وكتاب… تعليمهم العلمي والميداني والتدرب على تدبير شؤون الدولة في مختلف الميادين، واعتبرت مجالا حيويا كان سببا في انطلاق حركة فكرية شهدتها منطقة أحمر خلال القرن 19م، من خلال التقاء إرادات عديدة.
رغبة كانت عند سلاطين أعجبوا بثقافة الحميريين وإتقانهم لأشكال الفروسية والرماية التي كانوا فيها أسيادا توارثوها أجيالا بعد أجيال، ثم الأمراء أي مشاريع السلاطين والطلبة المرافقين لهم، والأساتذة الأكفاء الذين اختيروا بمعايير دقيقة للتدريس بها، ومن احتك بهم من أبناء المنطقة، لقد حدث تبادل كبير للتأثير الثقافي والحضاري لهؤلاء الذين جاؤوا إلى مدرسة الأمراء باليوسفية، من مختلف المناطق محملين بثقافتهم الحضرية وأنماط عيش فيها الكثير من الرفاه المديني، وبين الساكنة المحلية التي اعتادت مناخا بدويا ونمط عيش قائم على الكفاف وعلى قسوة الطبيعة التي يعيشون وسطها.

مدرسة الأمراء التي مدت المخزن المغربي بموارد بشرية مهمة

يؤكد الباحث مصطفى حمزة أنه يستفاد من الإشارات الواردة في معرض حديت الباشا إدريس منو، عن صباه وصبا أولاد الحسن الأول، أن تأسيس هذه المدرسة تم في عهد السلطان محمد بن عبد الله، لما أعجبه من سمة الحمريين، ومحبتهم لحفظ القرآن، إضافة إلى سنه لسياسة جديدة في تربية أبنائه، تجلى مضمونها في ضمان تعلمهم بعيدا عن صخب المراكز الحضرية، وما توفره من مرتع خصب لنمو التطلعات السياسية، وهذا ما يفسر لماذا تلقى مولاي سليمان وبعض إخوانه جل تعليمهم خارج المدن الكبيرة، كما يفسر اهتمام السلطان بتعليم أبنائه بمنطقة أحمروتربية الأمراء ومرافقيهم.
وإذا كانت سعة العلم والمعرفة، هي أهم ما ميز المعلمين/ الأساتذة الذين درسوا بمدرسة الأمراء، فإن من أخذوا عنهم من ملوك وأمراء ومرافقيهم، عرفوا هم الآخرون بكثرة الاطلاع، والرغبة في التحصيل، ثم الخلق والإبداع.
تربية صعبة وجدية للأمراء بعيدا عن رفاهية القصور
وبالنظر لأهمية هذه السياسة التربوية، فقد صار عليها كل السلاطين الذين خلفوه، حيث أصبحت «تربية الأمراء خلال القرن 19، صعبة وجدية، وتتم في وسط قاس، بعيدا عن رفاهية القصور الملكية…». ويؤكد الباحث مصطفى حمزة أن مدرسة الأمراء العلويين ـ إلى جانب مهمتها كمقر لسكنى الأمراء ومرافقيهم قامت بوظيفتين أساسيتين: الأولى أنها كانت مركزا لتنشئة وتعليم الأمراء العلويين ومرافقيهم، القرآن ومختلف العلوم التي كانت سائدة آنذاك، وفق برنامج محكم، واستعمال زمن مضبوط، ممتد مابين الفترة الصباحية والفترة المسائية طيلة أيام الأسبوع، باستثناء الفترة المسائية من يوم الأربعاء الذي كان مخصصا لتعلم الرماية، وكل يوم الخميس الذي كان مخصصا للتدريب على ركوب الخيل.
وكان يشرف على تعليمهم القرآن، وتدريسهم مختلف العلوم، أساتذة أجلاء ممن لهم دراية وإلمام بمختلف العلوم من داخل منطقة أحمر ومختلف مدن المغرب، مثل فاس ومكناس ومراكش وآسفي…
أما الثانية فقد كان تدريب الأمراء العلويين على ركوب الخيل، وأخذ الرماية على يد شيوخ أحمر، ممن لهم الخبرة في ذلك، حيث كانت الفترة المسائية من كل يوم أربعاء مخصصة لتعليمهم الرماية، وكان كل يوم الخميس مخصصا لتدريبهم على ركوب الخيل، في حين كان يوم الجمعة يوم عطلة.
وتفيد جل الدراسات التاريخية أن طلاب هذه المدرسة الأميرية تشكلوا من أبناء السلطان سيدي محمد بن عبدالله، ومنهم السلطان مولاي سليمان وأبنائه، ومنهم الأمراء مولاي عمر، مولاي علي، مولاي ابراهيم، مولاي ادريس. وأبناء السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام: ومنهم السلطان مولاي محمد، والأمراء مولاي العباس، مولاي الرشيد، مولاي علي… كما درس بها أبناء السلطان مولاي محمد: ومنهم السلطان الحسن الأول، والأمراء مولاي علي، مولاي عثمان…. وكذلك أبناء السلطان الحسن الأول: ومنهم السلطان مولاي عبد الحفيظ، و الأمراء مولاي الكبير، مولاي أحمد، مولاي الطاهر، مولاي جعفر، مولاي بوبكر، والأميرة لالة ففاطمة.

مشتل لتدريس الملوك والأمراء والعلماء والفقهاء وكبار رجال الدين

أما الأساتذة والشيوخ الذين درسوا بمدرسة الأمراء العلويين بمدينة الشماعية فمنهم الأستاذ أحمد الرفاعي، وهو ممن طوروا الخط المغربي، وممن يرجع إليهم في هذا المجال، ومحمد الطيب بن اليماني أبي عشرين، وزير السلطان محمد بن عبد الرحمان ومؤدب أبنائه، والحاج العربي بن رحال بن علال البربوشي، العالم المشارك، الفقيه النوازلي، والأستاذ عبد القادر بن قاسم الدكالي، مؤرخ ثقة ضابط درس العلم بالحضرة المراكشية، وعلي بن أحمد الهواري الذي كان له الباع الطويل في سائر الفنون، والمشاركة في علوم المعاني والبيان والمنطق والرحماني، أحمد بن مبارك الجوني المراكشي الفقيه العلامة، ومحمد بن عبد السلام ابن عزوز: الحصيني الرباطي الدار المراكشي الأصل الذي تولى الوزارة مع المولى الحسن لما كان خليفة لوالده، ويعد من أشياخه، وكذا علي المسفيوي الكاتب الوزير الماهر اللغوي الموصوف بالمروءة، والتؤدة وجميع الأوصاف.
وإلى جانب ما سبق هناك أحمد بوغربال الذي كان عارفا بالنحو واللغة لا يدرك فيهما شأوه حتى أنه إذا كان يدرس النحو لا يحضر طلبة المدارس وغيرهم في وقته عند غيره، والأستاذ أحمد بن محمد بن الحاج السلمي المرادسي، كانت له اليد الطولى في السير، والتاريخ، والأنساب، والصرف والعربية، والطب وغير ذلك. والفاضل فضول المكناسي: كان ملما بالعربية والفقه… والتهامي بن عبد القادر المراكشي المدعو بابن الحداد الفقيه والأستاذ المجود عالم القراءات السبع، والطالب محمد بن عبد الواحد بن سودة، والطالب بوعبيد المسكيني، أستاذ أبناء السلطان مولاي الحسن.
وإلى جانب هؤلاء الأعلام ، هناك العديد من الفقهاء والعلماء من قبيلة أحمر، الذين حظوا بشرف التدريس بمدرسة الأمراء، بحكم الأهمية الفكرية التي كانت للمنطقة، والانتشار الكبير للعديد من المدارس العلمية والزوايا على امتداد المجال الحمري، والحظوة التي كانت للعديد من الفقهاء والعلماء الحمريين عند سلاطين المغرب، مثل العلامة سيدي محمد الحاج التهامي الأوبيري (ت 1250 ﻫ) الذي ترك مجموعة من المؤلفات تدل على سعة علمه، وتضلعه في العديد من الميادين…
إن أهمية هؤلاء المعلمين/ الأساتذة وغيرهم ممن لم نتمكن من التعرف عليهم، تكمن في كونهم كانوا من « من جلة الأساتذة وفضلاء الأعلام »، ممن يختارهم الملوك لتأديب وتهذيب وتدريب أبنائهم، كما تكمن في ما كان لهم من غزارة في الإنتاج الفكري، وما كان لهم من إلمام واسع بمختلف علوم عصرهم، هذا إلى جانب ما اتصفوا به من جدية في العمل، وحرس على تنشئة وتربية الأمراء ومرافقيهم. وإذا كانت سعة العلم والمعرفة، هي أهم ما ميز المعلمين/ الأساتذة الذين درسوا بمدرسة الأمراء، فإن من أخذوا عنهم من ملوك وأمراء ومرافقيهم، عرفوا هم الآخرون بكثرة الاطلاع، والرغبة في التحصيل، ثم الخلق والإبداع. أما الشيوخ فكانت مهمتهم تدريب الأمراء ومرافقيهم، على ركوب الخيل، وتعليمهم الرماية وإلى جانبهم كانت العديد من المراكز والزوايا بمنطقة أحمر، كانت متخصصة في تعليم الرماية وركوب الخيل.
إهمال على أكثر
من مستوى

رغم الأهمية التي كانت لهذه المؤسسة، والأدوار التي قامت بها محليا ووطنيا، فإنها اليوم تعيش وضعا مزريا، يتمثل في السطو على ممتلكاتها، وتهديم بناياتها، وطمس معالمها، وقد طالبت كل الجهات التي تواصلنا معها أو اتصلنا بها من الجهات ذات الاختصاص التدخل، لإنقاذ هذا التراث الوطني والمحافظة عليه، صيانة لذاكرتنا الوطنية مهما اختلفت الرؤى وتداخلت الاختصاصات، خاصة أن وزير الثقافة الأسبق الذي كان قد قدم العديد من الوعود من أجل إصلاحها والمحافظة عليها كإرث تاريخي، اصطدم آنذاك بأن هذا الإرث مشترك بين إدارة الدفاع الوطني ووزارة الشؤون الثقافية، وبأن الأمر يتطلب تحديد المسؤوليات قصد مباشرة حمايتها كتراث وطني يتطلب حماية، وظلت الأمور على حالها إلى أن توقفت المفاوضات وبقيت المدرسة الأميرية على حالها.
الشاعر إدريس بلعطار كان قد كتب منتقدا الإهمال الذي طال المعلمة التاريخية والأثرية (مدرسة الأمراء بالشماعية) منذ عدة عقود حتى تهاوت أسوارها وتآكل بابها وانهارت أقواسها ومرافقها «مدينة لم تفلح في ترميم مدرسة مرّ بها ومنها أمراء وأبناء ملوك لا يعول عليها». في إشارة إلى من يتحملون مسؤولية تدبير الشأن المحلي بمدينة الشماعية وإقليمي اليوسفية. وأضاف موضحا باستغراب بأن «إقليم به معلمة بهذا الزخم التاريخي، ويضعها في اليد اليسرى، إقليم لا يعوّل عليه».  ووجه إدريس بلعطار رسالته إلى المسؤولين بخصوص مدرسة الأمراء بجهة مراكش أسفي بالقول: «جهة من الجهات المنظمة للمونديال بها هذا الصرح، وتقف أمامه عاجزة لا يعول عليها.
​​​​بعيدا عن رفاهية القصور كان التأسيس

تأسست المدرسة أواخر القرن 18 على يد السلطان محمد بن عبد الله (1710-1790) بمنطقة «أحمر» بالشماعية، وهي منطقة شبة قاحلة وخالية من الماء والشجر والفلاحة، ليعطي درسا لأبنائه الأمراء، على إثر تمرد ابنه اليزيد على حكمه. يقول مؤرخ المنطقة الباحث مصطفى حمزة لجريدة الاتحاد الاشتراكي، «شكلت أحد أهم الروافد التي كانت تمد الدولة بموارد بشرية مهمة من ملوك وخلفاء وقواد الجيش وقضاة، أي النخبة التي كانت تسير المغرب آنذاك».ويضيف «كانت منطلقا لحركة فكرية عرفتها منطقة «حمر في القرن 19، قادها السلاطين العلويين ومرافقيهم».
وفي كتاب الباحث مصطفى حمزة يسرد حديث الباشا إدريس منو، عن صباه وصبا أولاد الحسن الأول، أن «تأسيس هذه المدرسة جاء لإعجاب السلطان محمد بن عبد الله بسمات الحمريين، ومحبتهم لحفظ القرآن، إضافة إلى (الرغبة في فرض) سياسة تربوية لأبنائه في ضمان تعلمهم بعيدا عن صخب القصور الملكية».

​​الصرامة في استعمال الزمن المدرسي
تقول رسالة بعثها السلطان عبد الرحمن بن هشام (توفي سنة 1859) إلى أحد قواده، تضمنها كتاب «مدرسة الأمراء بالشماعية» للباحث مصطفى حمزة: «أعطهم الأكل الذي يتناوله في غالب الأحيان سكان المنطقة مثل الذرة والسورغو وأشياء مشابهة لهما. لا يجب أن يشربوا الشاي إلا في أيام الراحة».
كان الأمراء يخضعون لجدول زمني مضبوط وصارم ممتد بين الفترة الصباحية والمسائية طيلة أيام الأسبوع، وعشية يوم الأربعاء مخصصة لتعلم الرماية ويوم الخميس للتدريب على ركوب الخيل أما يوم العطلة الوحيد فهو الجمعة. وكان يشرف على تعليمهم القرآن، وتدريسهم مختلف العلوم، أساتذة من داخل منطقة أحمر ومن مدن أخرى مثل فاس ومكناس ومراكش وآسفي. وقد عُرفت منطقة أحمر، آنذاك، بفرسانها البارعين في الرماية وركوب الخيل، وهو سبب أخر جعل السلطان يفكر بتشييدها في المنطقة.
يقول المؤرخ مصطفى حمزة: «هندستها كانت على شكل مستطيل، وأسوارها كانت عالية وسميكة، وذات نوافذ صغيرة، وكانت تتكون من مرفق للسكن والإقامة يشغل الجزء الغربي منها ومرفق للدراسة والتحصيل، وأخرى لتخزين المواد الغذائية والطهي».

من مدرسة إلى  مقر للمراقب المدني الفرنسي

تخرج من مدرسة الأمراء بالشماعية عدد من السلاطين، منهم أبناء السلطان محمد بن عبد الله، السلطان سليمان وهشام، والسلطان الحسن الأول والسلطان عبد الحفيظ. يقول رجل الدين محمد المختار السوسي على لسان الباشا إدريس منو، في كتاب الباحث مصطفى حمزة: «كان هؤلاء الأمراء يتلقون تعليهم على يد خيرة الأساتذة كأحمد الرباطي القسطالي الأندلسي، وهو ممن طوروا الخط المغربي، وكذا فقهاء نوازل، ومؤرخين، وعلماء معاني وبيان، وعلماء نحو ولغة وأدب، إضافة إلى شيوخ أحمر البارعين في تعليم الرماية وركوب الخيل».
عند دخول فترة الحماية، ستصبح المدرسة مقرا للمراقب المدني مدة من الزمن، وبعد الاستقلال ستتحول إلى خيرية إسلامية. حاليا، هي عبارة عن أطلال شاهدة على معلمة أنتجت نخبة علوية سيرت المغرب لفترات طويلة من تاريخ المغرب.

مدرسة الأمراء التاريخية آخر ترميم خضعت له كان قبل 150 سنة

تعتبر مدرسة “دار الأمراء” بالشماعية والتي توجد داخل قبائل أحمر (عمالة إقليم اليوسفية) من المأثر والمعالم التاريخية المهمة إلى جانب عدد من المواقع الأثرية الأخرى التي طالها الإهمال والنسيان.
وتقع المدرسة الأميرية بمدينة الشماعية حي الدربالة أحد الأحياء القديمة ويرجع تاريخ تأسيس هده المعلمة إلى عهد السلطان محمد بن عبد الله بن إسماعيل (القرن الثامن عشر ميلادي) حيث شكلت في وقت من الأوقات محجا للسلاطين والأمراء وأهل العلم ، حيث ذاع صيتها وقتها، كما شكلت نموذجا تربويا اعتمد في تربية أبناء الأمراء وغيرهم ليتلقوا العلوم والمعرفة والفروسية وركوب الخيل وفنون الحرب ومن السلاطين الدين تلقوا مجموعة من المعارف وتخرجوا من مدرسة الامراء السلطان المولى سليمان والسلطان المولى الحسن الأول والسلطان مولاي عبد الحفيظ.
صمد هذا الصرح التاريخي لأكثر من قرنين ولم يتم ترميمه أو صيانته من أي جهة مسؤولة وآخر ترميم كان في عهد السلطان مولاي الحسن الأول سنة 1302 هجرية الموافق لسنة 1885 ميلادية، ومنذ ذلك الوقت ظلت هذه المعلمة والمدرسة المولوية تقاوم وحدها كل الظروف الطبيعة القاسية وسلوكيات المنحرفين من بني البشر. فبعدما كانت صرحا علميا كبيرا وملتقى ومجمعا لكبار العلماء والفقهاء المغاربة أصبحت اليوم وكرا للجريمة من قتل واغتصاب وتخزين للمسروقات والمخدرات وغيرها من الموبقات، ولم يجد المسؤولون هذه الأيام سوى فكرة بناء سور عالي يحيط بهذه المدرسة التاريخية زاعمين أنه لحمايتها من الدخلاء، مع العلم أن هذا السور سيحجب الرؤية عن ما يجري داخلها وسيوفر الأمان للمجرمين للقيام بأعمالهم القدرة.
إلا أن يقظة المجتمع المدني بكل أطيافه عبرت عن رفضها لبناء هذا السور الذي سيكون بمثابة شهادة الوفاة لهدا الصرح التاريخي المهم، لهذه المدرسة الأميرية التي أرخت لفترة من تاريخ المغرب وأثثت لمعالم الهوية الحضارية المغربية، فإذا بها تتحول اليوم إلى مرتع للمتشردين ومطرحا للأزبال.
إن هذه المعلمة التي تبعد عن مدينة مراكش بحوالي 83 كيلومترا وعن مدينة اليوسفية بـ 20 كيلومترا، وكانت واحدة من أهم المراكز التربوية والتكوينية للأمراء العلويين ومرافقيهم من أبناء النخبة، لقد أصبح لزاما على المسؤولين المحليين والإقليميين، وعلى رأسهم وزارة الثقافة، التي سبق للوزير الوصي على القطاع أن زار مؤخرا هذا الصرح التاريخي الكبير، مما أعطى انطباعا وأملا لساكنة أحمر أن الأمور ستتحسن بالنسبة لهذا الموروث الثقافي، لكن ما لبث أن طوي هدا الملف وعاد إلى رفوف الإهمال والضياع.
فكيف لمؤسسة دستورية مثل وزارة الثقافة أن تصرف الملايير من السنتيمات على تفاهة رمضان التلفزيونية، في الوقت الذي يتفرج مسؤولوها على انهيار مدرسة أميرية كونت المئات من الملوك، الأمراء، الوزراء، المستشارين، القادة العسكريين والعلماء، تعيش أيامها الأخيرة ويستوطنها المشردون وتتحول إلى مزبلة بعد أن كانت ساحاتها وغرفها فضاءات لتكوين نخب الدولة العلوية لعشرات السنين؟


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 27/05/2024