ذكرى المسيرة الخضراء :«احتفالية مغربية» على إيقاع المكاسب الأممية وقرع الطبول على الحدود الشرقية

يأتي الاحتفال بالذكرى 46 للمسيرة الخضراء في سياق دولي وإقليمي يتميز بالعديد من المتغيرات. لعل أبرزها التطورات الأخيرة التي تعرفها العلاقات بين المغرب والجزائر، إذ لم يجد عسكر «قصر المرادية « أي وسيلة للتنفيس عن الاحتقان الداخلي المتصاعد سوى إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 24 غشت الماضي، فضلا عن إغلاق مجالها الجوي فوريا أمام كل الطائرات العسكرية والمدنية المغربية. إضافة إلى إعلان عدم تجديد عقد توريد الغاز لإسبانيا عبر أنبوب الغاز المار عبر المغرب، حسبما جاء في بيان للرئاسة الجزائرية. بل إن الرئاسة الجزائرية، وإمعانا في مراكمة التوترات، اتهمت المغرب بالوقوف وراء مقتل 3 من مواطنيها في قصف على الحدود بين الصحراء المغربية وموريتانيا، في حين نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر مغربي، أن المغرب «لم ولن يستهدف أي مواطن جزائري مهما كانت الظروف والاستفزازات».
متغير ثان تشهده المنطقة، ويتعلق بملف نزاع الصحراء، حيث أكد القرار 2602 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، المعتمد الجمعة بنيويورك، «استمرارية» مسلسل الموائد المستديرة كإطار «وحيد وأوحد» لتسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
فقد أبرز عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، خلال مؤتمره الصحفي بمجلس الأمن الذي أعقب اعتماد القرار الجديد، أن هذا الأخير «يعزز ويؤكد استمرارية مسلسل الموائد المستديرة بترتيباتها وبالمشاركين الأربعة فيها – المغرب والجزائر، وموريتانيا و»البوليساريو»- كإطار وحيد وأوحد لتسوية» النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
ولهذا الغرض، يضيف هلال، فإن مجلس الأمن قرر، مرة أخرى، أن الغاية النهائية للمسلسل السياسي تتمثل في التوصل إلى حل سياسي، واقعي، عملي، ودائم ومقبول من الأطراف وقائم على أساس التوافق.
وأشار هلال إلى أنه «تحقيقا لهذه الغاية، ومع تجديد تأكيده في قراره الـ18 على التوالي سمو وجدية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، يؤكد مجلس الأمن، إذا ما زالت هناك حاجة لذلك، أن الحكم الذاتي يبقى وسيكون الحل النهائي والأخير لهذا النزاع الإقليمي»، لافتا إلى أن اعتماد هذا القرار الجديد يأتي في سياق «مفعم بالتفاؤل» لاستئناف العملية السياسية، وذلك إثر تعيين ستيفان دي ميستورا كمبعوث شخصي جديد للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء المغربية.
وفي هذا السياق، أعرب الديبلوماسي المغربي للمبعوث الشخصي الجديد للأمين العام للأمم المتحدة عن «تهانئه الحارة» مؤكدا الدعم الكامل للمغرب وتعاونه من أجل نجاح مهمته.
من جهة أخرى، أشار هلال، إلى أن مجلس الأمن عرى، في قراره الأخير، «الادعاءات والأكاذيب» التي تروج لها الجزائر و»صنيعتها البوليساريو» بشأن حرب «هوليودية» مزعومة بالصحراء المغربية، وذلك من خلال «تجاهله التام لروايتهما الحربية وتأكيده على الهدوء والسكينة والحياة الطبيعية في أقاليمنا الجنوبية».
وأبرز هلال، بالموازاة مع ذلك، أن الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة دعمت «عدم رجعية» المبادرة السلمية التي أقدم عليها المغرب في منطقة الكركرات في شهر نونبر من السنة الماضية، وهو الأمر الذي مكن من «الطرد النهائي والكلي للميليشيات المسلحة للبوليساريو»، مضيفا أن مجلس الأمن أعرب عن «انشغاله العميق» إزاء خرق المجموعة الانفصالية المسلحة لوقف إطلاق النار، وكذا بسبب مضايقاتها لحرية تنقل (المينورسو) «معرضة للخطر» ولاية البعثة في مراقبة وقف إطلاق النار على أرض الميدان.
وتابع أن المغرب صرح عبر أعلى سلطة بالمملكة للأمين العام للأمم المتحدة بتمسكه باحترام وحفظ وقف إطلاق النار، وكذا تعاونه مع (المينورسو).
وفي هذا الصدد، أشار السفير إلى أن المغرب يشيد بتعيين أليكسندر إيفانكو كممثل خاص ورئيس لبعثة (المينورسو)، مجددا التأكيد على»ضمانات» تعاون المملكة.
وبنفس المناسبة، أبرز هلال أن مجلس الأمن أشاد، مرة أخرى، بإنجازات وجهود المملكة في مجال النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها داخل الأقاليم الصحراوية، «مفندا بشكل صارخ الجزائر وصنيعتها البوليساريو» التي تنهك نفسها في صرف ملايين الدولارات من أجل التزييف والتضليل بشأن تمتع ساكنة الصحراء المغربية بحقوقها الكاملة.
وأعرب الديبلوماسي المغربي، من جهة أخرى، عن شكره للولايات المتحدة، على تقديم هذا القرار والتفاوض بشأنه، وكذا أعضاء مجلس الأمن للدعم الذي قدموه.
كما أكد السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، أنه بدون الجزائر، «الطرف المعني» في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، «لا يمكن أن تكون هناك عملية سياسية».
وشدد هلال، على أنه « بالنسبة للجميع ولمجلس الأمن الدولي ، تلعب الجزائر دورا «في هذا النزاع الإقليمي، «وأنها مسؤولة وطرفا معنيا»، معتبرا أنه «في غياب الجزائر ، لا يمكن ببساطة أن تكون هناك عملية سياسية».
وكان هلال يرد على سؤال حول القرار الجزائري بعدم المشاركة في الموائد المستديرة وأثر هذه المقاطعة على العملية السياسية.
وأشار الدبلوماسي المغربي أيضا إلى أن الجزائر، التي اتخذت قرارا «لا أحد يفهمه»، «عليها فقط أن تقول ذلك» للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، وكذلك لمجلس الأمن»، مبرزا، في هذا الصدد، أنه «يتعين على الجزائر أن تتحمل مسؤوليتها أمام المجتمع الدولي لأن هذا سيشكل انتهاكا لقرارات مجلس الأمن».
وذكر هلال، في هذا الاطار، بحقائق التاريخ «العصية»، ولا سيما الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية الجزائرية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والتي تدعو بشدة الى استئناف العملية السياسية. كما أنه قدم نفس الطلب إلى رؤساء الدول الافريقية.
وسجل السفير أن وزير الشؤون الخارجية الجزائري وجه، من جهته، رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة حول الموضوع ذاته ، مع تصريحات وتغريدات عدة تدعو إلى استئناف العملية السياسية، مضيفا أنه حتى الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة «لم يتوقف عن ممارسة الضغط على أعضاء مجلس الأمن وعلى الأمانة العامة لتعيين مبعوث شخصي» من أجل استئناف هذه العملية.
وأوضح هلال «أن الجزائر قامت بتعبئة الجميع للمطالبة، وفي بعض الأحيان بعبارات ناقدة في حق الأمانة العامة والأمين العام للأمم المتحدة، باستئناف العملية السياسية».
وقال السفير «بينما هناك تعيين والجميع ينتظر استئناف العملية السياسية، فإن الجزائر تتنصل من «مسؤوليتها، مذكرا بأن الجزائر حاولت القيام بـ»ابتزازا أخير»، وذلك من خلال بعث رسالة الأسبوع الماضي إلى مجلس الأمن «تعلن فيها انسحابها من العملية (السياسية) من أجل الضغط على أعضاء مجلس الأمن».
وأوضح الديبلوماسي أنه، مع ذلك ، « فإن مجلس الأمن أكد بالفعل، في قراره الجديد، على العملية السياسية، والموائد المستديرة ، ومشاركة الجزائر (تمت الاشارة إليها 5 مرات) ، والحل السياسي العملي، الواقعي والمقبول من الأطراف والقائم على أساس التوافق». وبنفس المناسبة، حرص هلال على التذكير بـ» التاريخ العصي»، مشيرا إلى مشاركة الجزائر في المائدتين المستديرتين السابقتين اللتين عقدتا في جنيف عامي 2018 و2019.
كما قال السفير إن الجزائر «لديها أجندة سياسية تستعملها كمنفذ لمشاكلها، بينما المغرب «لديه قضية وطنية مقدسة توحد شعبا، وملكية عمرها خمسة قرون».
وأكد هلال، خلال الندوة الصحفية أن المملكة تواجه «الهوس الشديد للجزائر»، بالصمود والحكمة وضبط النفس.
وأضاف الدبلوماسي أن الأمر يتعلق «بهوس شديد يتعلق بمرض نفسي أكثر من السياسات العليا».
وفي هذا السياق، أوضح السفير أن الجزائر «تستغل مبدأ تقرير المصير لأغراض سياسية، معتقدة أنها تحتكر استخدام هذا المبدأ لفعل ما تريد»، مشيرا إلى أن «الجزائر تستحوذ على هذا المبدأ وحلت محل الأمم المتحدة».
واعتبر من جهة أخرى أن المغرب يدافع عن وحدته الترابية، وهو مبدأ قديم قدم دول العالم، مذكرا بأن المغرب «قائم كدولة منذ 12 قرنا».
وفي نفس السياق لاحظ السفير أن مبدأ الوحدة الترابية هو حق قديم قدم الإنسانية، وأن تقرير المصير مصدره قانون وضعي لم يتم اعتماده سوى سنة 1960 بمقتضى القرار 1514، الذي يكرس أيضا مبدأ الوحدة الترابية. كما أشار إلى أن الجزائر تستعمل مخيمات تندوف «كرمز» لوجود النزاع بينما المغرب «لديه الصحراء التي تتطور»، مع ساكنة تشارك في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية.
وشدد الدبلوماسي على أن «الجزائر لديها وكيل، وهي جماعة انفصالية مسلحة، بينما المغرب لديه ساكنة الصحراء المتشبثة بمغربيتها»، مسجلا أن «المغرب قوي بهذه الوحدة بين الشعب والملك».
المتغير الثالث هو تعيين ستافان دي ميستورا مبعوثا أمميا خاصا جديدا في الصحراء بعد موافقة أطراف النزاع على هذا الاختيار.
وقد أتى هذا التعيين بعد اقتراح الأمم المتحدة 12 مرشحا منذ عامين، بدلا للألماني هورست كولر الذي استقال في ماي 2019 بعدما أحيا المحادثات، لكنها لم تفضِ إلى أي نتيجة ملموسة.
ورحب المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك لدى إعلانه قرار الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريس القيام بهذا التعيين، واصفا إياه بـ»مؤشر إيجابي» بعد أكثر من عامين من البحث عن مرشح. كما أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في بيان أن الولايات المتحدة «ترحب بحرارة» بتعيين دي ميستورا. وقال في بيان «سندعم بحزم جهوده من أجل تشجيع مستقبل سلمي ومزدهر لشعب الصحراء والمنطقة» ومن أجل «استئناف عملية سياسية».
وستندرج مهام المبعوث الأممي الجديد دي ميستورا في سياق البحث عن حل متوافق عليه كما نصت عليه قرارات مجلس الأمن، وبالتالي تحركات المبعوث تتم في إطار التسوية السلمية ومؤطرة بقرارات المجلس ذات الصلة، خاصة أن المنطقة اليوم تواجه تحديات مطروحة بحدة تفرض التسريع بإغلاق هذا الملف التي تريد الجزائر وتعمل على إطالة أمده لاسباب باتت مفهومة، وذلك من خلال عدم توفير الأجواء السليمة للحوار، رغم أنها تؤكد بأنها طرف غير معني بالنزاع ..لكنهم دائما يحاولون قدر المستطاع التشويش على المفاوضات وتحريض البوليساريو .. وكلنا نعرف أن مسار التفاوض رهين بوجود حسن النية خصوصا لدى الاطراف المجاورة.. ففي مقابل المرونة التي أظهرها المغرب لما طرح مشروع الحكم الذاتي ..نجد أن الجزائريين مايزالون يرددون نفس المقولات والخطابات التي تجاوزها الزمن ..
إن المغرب سيدخل المفاوضات من منطلق الدفاع عن مقترح الحكم الذاتي الذي يعتبره سقفا لا يمكن تجاوزه. وهو المقترح الذي لقي قبولا أسهم في عودة الكثير من النخب الصحراوية تعبيرا عن قناعتها بنجاعة هذا الخيار وأهميته. كما أنه أفرز استحسانا من لدن القوى الكبرى والامم المتحدة التي مافتئت تنوه به، وتعتبره تجسيدا واقعيا لحق تقرير المصير، خصوصا أنه مبني على التفاوض وعلى إشراك الساكنة في تدبير شؤونها المحلية والمختلفة ..
وتبقى الجهوية الموسعة كمقدمة للحكم الذاتي ضرورية، كما أن تطبيقها من شأنه أن يسمح بخلق دينامية جديدة من الإصلاحات القادرة على ترميم الثقة بفضل انفتاح كبير على الجيل الجديد من الشباب الصحراوي.
إن مشكل الجزائر في علاقتها مع الوحدة الترابية للمغرب يمكن تحليله من أوجه متعددة ، أهمها أنه في الوقت الذي عرف المغرب وعاش نقاشات واسعة وبناءة حول قضية الصحراء المغربية ، رافقه تجديد متواصل وهادئ في النخب السياسية المغربية بنوع من الجرأة، نجد في الوقت نفسه ثبات الوقف الجزائري على نفس الأطروحة التي تعمق الشروخ بين الدولتين.
إن الاستبداد الجزائري، كما تعكسه تصريحات الرئاسة والعسكر، يسعى إلى تصوير المغرب كونه عدوا ويشكل تهديدا للجزائريين. والحال أن تدوير مؤامرة العدو الخارجي لتطويق الأزمة الداخلية ، وأيضا تطبيع وجود البوليساريو في تندوف ، خاصة أن هذا الوجود تحول إلى ثقل كبير داخل الحدود الجزائرية، من دون أن نغفل عن أثر الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء والتحاق دول أخرى بذلك، وهذا يحدث تحولا إستراتيجيا في التموقع المغربي إقليميا على المستوى السياسي والاقتصادي.
إن الاحتفال السنوي بذكرى المسيرة الخضراء ، يشكل الآن، محطة لاستخلاص الدروس، وأيضا الإصرار على المغرب الجديد ذي الارتباط القوي بإفريقيا، وبمحيطه الدولي، وعلى اليقظة العسكرية على امتداد حدوده، خاصة أن النجاح المغربي لا يحظى برضا القادة الجزائريين و لا بتقديرهم، ذلك أنهم يعتبرون المغرب بشكل مهووس «خطرا»، لأنه يمثل النموذج المضاد سياسيا و اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، لما يخطط له العسكر للجزائر.


الكاتب : وكالات/ الاتحاد الاشتراكي

  

بتاريخ : 06/11/2021