ذهب «الكاسيط» فاختل الإبداع

 

أحس باختناق مروع و أنا أسترق المشاهدة في بعض البرامج الثقافية أو أحضر بعض اللقاءات الثقافية ٠٠ذات الكتاب و ذات الضيوف و ذات الأسماء.. و كأننا بصدد « خصة « تكرر جريان مائها، أو كأننا نعلن بٱننا نعيش في بلاد غير ولادة لا يتعدى عدد رؤوس مثقفيها خمسة عشر نسمة..
بالطبع هناك مسؤولية كبيرة تتحملها الجهات القيمة على الشأن الثقافي و الإبداعي بصفة عامة في هذا الباب، لكن هناك مسؤولية أكبر يتحملها بعض معدي هذه البرامج الإبداعية و الثقافية، خاصة على مستوى الإعلام العمومي، حيث يصرفون للمتلقي هذا الانطباع بشكل مرعب، كٱن يعتمدوا ضيوفا من شريط واحد هو الرباط و الدار البيضاء، و كأن المدن الأخرى لم يكتب فيها أحد كتابا و لم ينضم فيها أحد شعرا أو زجلا أو قدم بحثا.. و لم يلحن فيها أحد لحنا و ما إلى ذلك، لم تستطع هذه البرامج أن تبرز لنا أسماء خارج الحلقة التي ذكرنا، بل حتى في المدينتين المحظوظتين لا تعطى الفرصة لأسماء لا تعرف لدواليب الإعلام طريقا..
العجيب أن هذه البرامج وهذه الملتقيات الممولة من المال العمومي، أضحت و كأنها دائرة خاصة جدا، و أضحى معها معدو هذه البرامج على ثقة مغلوطة في أنفسهم، إذ لا يفرقون بين كونهم مثقفين و بين دورهم الإعلامي، الذي يتطلب في تفاصيل مهامه و ركائز كينونته الجرأة و المغامرة و التنقيب، و الحصيلة أنهم لم يخلقوا نجما جديدا، لٱنهم ارتكنوا إلى نهج محافظ تمسكا ب» بريستيج « وهمي و درأ لأي انتقاد ممن يعتبرون أنفسهم قطعوا واد الثقافة و نشفوا رجليهم، و الحال أن عالم الثقافة لا شطآن فيه، و مفلس من يعتقد أن ٱدرعه طويلة فيه، و نحمد الله كجمهور ٱن في فترة من فترات الزمن المغربي تواجد أصحاب الأشرطة أي موالين الكاسيط، منهم سي بوجمعة صاحب شركة غام و الحسين الدابلو صاحب شركة الحسنية و سي بوعزة الحيمر الذي سجل أول شريط لمجموعة لمشاهب، و سجل سهرة أم كلثوم لما غنت في المغرب، و سي بوضروا فون و المحجوب الزلاك الذي صور برنامج التلفزة تتحرك و سباق المدن و غيرها من الأعمال التلفزية الكبرى، و سي عبد الرحمان العلمي الذي سجل ثاني شريط للمشاهب و هو الشريط الذي دفع بها لعالم الشهرة، دون أن ننسى أطلسي فون و غيره، كل هؤلاء لم يدعوا أنهم علماء في الثقافة، و لكن في الحقيقة يتمتعون بحس إبداعي كان وراء خلق رجة فنية و ثقافية مازالت ثمارها هي البارزة إلى حد الآن، بل كانوا وراء إبراز نجوم يتمنى أي معد برنامج اليوم، باسم الثقافة، ٱن يعززوا برنامجه، و كان الفضل لهؤلاء، في التعريف عمليا بما تجود به كل مناطق المغرب من فنون و أسماء تستحق حمل الميكروفون، نذكر منهم رويشة، حادة ٱوعكي و إزنزارن، و قرزز و محراش و الغيوان و جيل جيلالة و لمشاهب و تكادة و مسناوة و كل المجموعات و ميكري و أوسمان و بنت الحسين و بوركون و اللائحة طويلة، في وقت كانت فيه التلفزة نمطية كما هو حال نمطية برامج عولنا من خلال أسماء معديها على انفتاح أكثر، إذ من المفروض أنهم استلهموا قليلا من جنون و مغامرات الكتب و الروايات و الدراسات الفكرية التي التهموها إلى درجة حفظ أرقام إيداعها، لكن وقفوا في تلك الأرقام يجترون التكرار دون بصمة تذكر.. فعاش « موالين الكاسيط «


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 28/04/2020