«ذيل الثعبان» للروائي المغربي عبد السميع بنصابر: أسلوب كتابة جديد يغزو عالم الرواية المغربية المعاصرة

 

إن الرواية الجيدة هي القادرة على أخذك معها منذ الصفحات الأولى، لجماليتها وقدرتها على إقناع القارئ بصدق مروياتها وسردها السلس الناتج عن حبكة متينة، وأحداث مشوقة ولغة سهلة في المتناول.
لكن رواية ذيل الثعبان للكاتب والروائي المغربي عبد السميع بنصابر، والصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون، في بيروت لبنان، الطبعة الأولى سنة 2019، سلكت منهجا آخر في الكتابة والبحث التاريخي، وهو نوع جديد من الكتابة أحسب أن الروائي برع فيه رغم حسه الفكاهي، فأن تستلهم شخصية أمريكي ذي الجذور الافريقية في روايتك يعني أنك حاولت التماهي مع ثقافة أخرى أجنبية لكي تعرفها للقارئ العربي، كان ذاك شخصية والتر الباحث الأمريكي  المستكشف الذي أوقعه حظه في رحلة استكشاف طويلة المدى في جبال الأطلس في مدينة «لكسوس» الأثرية هناك شمال المغرب، للبحث عن تواريخ وأسرار قواقع ومنقوشات تاريخية تعود إلى العصر القرطاجي الفينيقي.  وأثناء بحثه وترجمته للغة الفينيقية يعثر على أسرار أخرى مرتبطة بالقواقع  ويكتشف مؤخرا وقوعه هو وصديقه شارلي في شرك منظمة عالمية متوحشة تحتكر أثمان النباتات السامة والقاتلة، تشتغل تحت ستار البيئة العالمية. يكتشف والتر أنه كان تحت أنظار متابعة دقيقة للمنظمة، وهي تحاول انتزاع اكتشافاته وأبحاثه الهائلة المتمثلة في اكتشافه سر النباتات السامة القاتلة للثعابين والبشر بحسب المعتقدات القرطاجية القديمة، أثناء ترجمته للقواقع باللغة الفينيقية.
يتكون العنوان من كلمتين «ذيل الثعبان»، ذيل: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا، الثعبان مضاف إليه مجرور علامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والثعبان هو الرمز الذي وضعته المنظمة كشعار لها، والذيل البحث عن الشيء من مؤخرته، واكتشاف أشياء أسرار جديدة انطلاقا من ذيل الثعبان، هذا الاكتشاف الذي يقوده نحو الهاوية ويغير حياته منفيا إلى الأبد.
عمل الكاتب على إبراز شخصياته وعرض تفاصيلها على القارئ بشكل مدهش؛
الشخصية الأولى هي شخصية والتر الأمريكي والباحث في علم الآثار، تتميز بصمتها وخجلها وأسرارها الدفينة، التي تستيقظ كلما حرك الكاتب خيوط حكايته، وقد ارتبطت بأصوله، وبحثه عن أبيه المغربي الأصل من قرية تسمى «تفروين».
أما الشخصية الثانية فهي : شخصية البوهالي التي  كانت ترجمة للإنسان المغربي بأدق تفاصيله، وقد أبدع الكاتب في وصفه بجلبابه الأسود المتسخ، وأسنانه التي نخرها السوس، كشبح خلف السراب يجثو بركبتيه على الأرض، ويقطع سنابل القمح بالمنجل.
عشت أحداثا جميلة مع الرواية، الإحساس باللحظة، دقة الوصف والتشبيهات الخفيفة، لم يكن الكاتب ثقيل الظل على قارئه، بل كان منبعا للمعلومات الثرية والمفيدة، بدا كأنه مؤرخ أو عالم أركيولوجيا، اللغة سلسة وبسيطة، والجمل قصيرة لا غبار عليها، تناسب طبيعة ومزاج شخصية والتر الأجنبي التائه في قصبات جبال الأطلس.
أغبط الكاتب على قدرته الهائلة في السرد، نتيجة خبرته الطويلة في مجال الكتابة، ثم براعته في المزج بين السرد والوصف، والأحداث المتسارعة في ما يشبه السباق المحموم، الحدث نتاج حدث آخر وهكذا كما يحدث في الأفلام البوليسية، التي تنتصر للسبب والنتيجة، والتي تفضي إلى النهايات الحتمية، والقصص الخيالية، كأعمال شهيرة، ثم هذا الصراع النفسي المونولوجي الداخلي الذي يقيمه الكاتب للشخصية، للتعبير عن أحاسيسها ومشاعرها وتفوقه في نقل الأحاسيس والتعبير عن اللحظة.
هذه القدرة الهائلة على مزج صنعة الكتابة، وصهرها لتصبح واحدا كخياط محترم ومتقن لصنعته، وهذه القوة العجيبة في أخذ القارئ منذ الصفحات الخمسين الأولى. هذه القوة العجيبة التي تنم عن مقدرة سردية كبيرة يمتلكها الروائي ويحسن توظيفها عن جدارة واستحقاق.
والقارئ المتمعن للرواية يكتشف أن الكاتب عبد السميع قد نال منه التعب في الصفحات الأخيرة، فحاول إنهاء الحبكة بسرعة لتأتي النهاية غير متوقعة، وبعيدة عن توقعات القارئ، لكنها مع ذلك رواية جميلة في أسلوبها وطريقة حبكها.
إنها رواية تستحق القراءة، وتنبئ بميلاد روائي مغربي قادم بقوة.


الكاتب : الحسين ايت بها

  

بتاريخ : 26/08/2021