رسالة إلى شارل أزنافور

شارل،
أخذناك إلى حافّة الأرض
لقد حدستَ: البؤسُ هناك أخفُّ إيلاماً
أقلُّ ضراوةً
كنا نردّد وصيتَك: Emmenez moi au bout de la terre
رفعنا الصوتَ في نشيدٍ جماعيٍّ وبكاء،
أخذناكَ محمولاً على ريحٍ رَعْناء.
الذين جاؤوا بلا أسماء
ولا جراحٍ في الروح
ولا دمعٍ يفيض…
الذين لا يعرفون عن ضحكتك شيئاً
ضحكتِك التي كانت آخرَ قطرةٍ في بئر الوجود
الذين جاؤوا كحزمةِ حطبٍ
تجمهروا حولك عازمين على الهشيم
الذين كانوا قد نسوك
جاؤوا كاشفين عن وجوههم
بلا أقنعة
مِنْ أكثر من طريقٍ وسهوبٍ جاؤوا
محمَّلين بقناديلَ
منتحلينَ صفاتِ قلبكَ
مردِّدين : partir sans faire de bruit
كأن الرحيل صنوُ الضجيجِ
أو لكأنهم اشتاقوا فجأةً إلى ذاك النشيجِ..
كان يصَّاعدُ من صدركَ
دخانَ آلام..
الذين جرحوا يدك
الذين سبقوك إلى الهاوية
الذين تلفّعوا بظلك الأخير
الذين طوّحوا بساعتك في شساعاتٍ
الذين فازوا / خسروا مِرآتك
الذين كانوا يعرفون أنَّ روحك تسعُ الحَيارى
والشعراء
وكسالى العشق
والمتشردين في ليل الفِراق
والطغاةَ
والساهرين تحت جحيم الرُّهاب
وقطّاعَ طرق الفرح
وموسيقيّي سفينة الغرق
والمومساتِ في حُطامهن
وسفَلَةَ الحروب
والعاطلين عن الصدق
والخارجين عن الجنون
الصاعدين سلالمَ السماء
البَحَّارةَ
العسَسَ
الجبناءَ
مستهلكي دماء النقاء
الثُّقاةَ
الفاسقين
النساءَ الفرحاتِ بالأنوثة
الأرمينيّين الضاجّين بأحزانهم
النساءَ اللواتي سميتهنَّ بأسماء الأشجار والكواكب

روحُك التي وسعتْ كل كائنات الأرض
تبعتك إلى حافة الأرض…
هناك تركَتْك
هناك حيث البؤس أقلُّ إيلاماً…
شارل،
ما أبعدك الآن، أستجمع كل قِوايَ لأكتب لك، شاقٌّ هو الوصول إليك بالكتابة، ووعرةٌ كلُّ المسالك..
وأنا أحلمُ أن أعصرُ كل قصائدك وموسيقاك وأستخرج منها عطرا لهذه الأيام، أستهلكُ سويعاتِها بلا رائحة ولا طعم…
أقولُ: لو كنتَ هنا لنجوتُ وإياكَ من هلاكِ أيامٍ بلا مذاق.. لتوكّأتُ كتفك أو لتخاصَرنا عابريْنِ على وئام..
هرِمَ العالمُ يا شارل، فقد جلس منهارا أمام هول فيروسٍ قضّ مضجعَه، اسمه كوفيد 19، في السنة العشرين بعد الألفين..
مازال العالمُ الهرِمُ لم يحسم الأمر، أهي لعنة إلهية، أم أن باب اللعنات بقي موارباً فتسللَ الخراب..؟
شارل، أيها الفكرة الجميلة التي تحققت بكل النغمات والموسيقى في زاوية الأرض..
أخذناك إلى حافة الأرض
تركناك وحيدا مع الصمت
وغنينا لك:
Emmenez-moi au bout de la terre
Emmenez-moi au pays des merveilles
Il me semble que la misère
Serait moins pénible au soleil
شارل أيها المطر،
نم.
هنيئا لك السماء..


الكاتب : وداد بنموسى

  

بتاريخ : 24/02/2023