سؤال الجمهور في السينما المغربية

« معظم المخرجين العرب لا يعرفون شيئا عن الجمهور المشاهد للأفلام”
«المخرج العالمي مصطفى العقاد»
إن لقب “الجمهور” حظي باهتمام كبير عند علماء الاجتماع، و خاصة الباحثين منهم و المتخصصين في ما يسمى “سيسيولوجيا الإعلام” باعتبار أن الجمهور هو العنصر المهم و الأهم الذي يتلقى الرسائل ضمن سلسلة وسائل الإعلام ،سواء المكتوبة أو المقروءة أو المسموعة، فكل لها جمهورها، وبدون هذا الجمهور لن يستمروا طويلا، ونحن الآن سنسلط الضوء على نفس المفهوم، وبالضبط ضمن مسألة” جمهور السينما” ومن هنا بإمكاننا بسط الإشكال الآتي:
ما مفهوم الجمهور ؟ و ماذا نقصد بجمهور السينما ؟ و ماذا يريد هذه الجمهور من الأفلام ؟ و بأي معنى يمكن القول أن هناك إقبال جماهيري على الأفلام ؟ و متى ينفر هذا الجمهور و ويغيب عن مشاهدة الأفلام ؟
الجمهور، بمعناه الواسع. مجموعة كبيرة من الأفراد المنفصلين عن بعضهم جغرافيا، و المختلفين في مراكزهم و مهنهم و ثقافتهم، و لا يعرفون بعضهم البعض و لا يتفاعلون أو يتبادلون المشورة و الخبرة و ليس لهم تنظيم, و يعرف عالم الاجتماع الأمريكي ” هارولد دوايت لاسويل ” أن الجمهور هو لمن توجه الرسالة، و يستهدف هذا السؤال جوهر القضية، و من هنا فأننا نتحدث عن جمهور فن السياسة أو الاقتصاد أو الرياضة أو الثقافة أو الفن، وهذا الأخير هو ما يهمنا، بالضبط جمهور السينما.
رغم أن أرقام شباك التذاكر، وأعداد جمهور قاعة السينما لا تكذب بالمعنى الصحيح للكذب، فإنها تحمل في طياتها قياس معرفة جمهور السينما، مثل هذا المعرفة لم تنتج بواسطة تزايد أو انقراض عدد قاعات السينما بالمغرب، وقد تكون أو لا تكون بواسطة صناعة أفلام عفوية وعشوائية الهدف ، من هنا فإن قدرا كبيرا من الموضوعات التي تتعلق بجمهور السينما الذي يتكون في العادة من أفراد مختلفة الأعمار والطبقات الاجتماعية ، والاقتصادية ،والثقافية، مجهولة الحسب والنسب…
فقبل أن نحدث ضجة إعلامية عارمة عن بناء قاعات سينمائية جديدة في ظل الازمة التي اكتسحت جل مجالات الدعاية، علينا أولا أن نعرف طبيعة هذا الجمهور، فرغم أنه جزء من المجتمع، فإنه لا تتوفر فيه مقومات المجتمع التي يدرسها علماء الاجتماع، فليس له تنظيم اجتماعي أو عادات أو تقاليد أو قواعد ثابتة، فكل فرد من الافراد الذي يكون حشدا من الجمهور يشعر بنوع من الذاتية في اختيار نوع الفيلم الذي سيشاهده، وهي اختيارات حرة نابعة من قناعات شخصية.
من الغباء أن نحاسب الجمهور على نفوره أو إقباله على القاعات السينمائية ،فلا معنى لذلك خاصة في ظل هذا الحضور الثقافي الذي يطغى على وسائل الإعلام، جملة و تفصيلا، بسبب الأجهزة الرقمية الحديثة كالهواتف، والحواسب الذكية… أضحى الناس معتادين على مشاهدة الأفلام في كل مكان و زمان، لأن تحميل الأفلام و مشاهدتها أصبح أوسع انتشارا، و أكثر سهولة، فالشعور السائد هو أن كل الأفلام على مر العصور أصبحت متاحة كل الوقت، و كل ما يلزم الجمهور لمشاهدة هذه الأفلام هو تشغيلها، و لكن لا يعد هذا نفورا بل إقبالا ولكن بطريقة حديثة. ومن الذكاء أن نعرف السبب الرئيسي لنفور الجمهور من قاعة السينما، ماذا يريد هذا الجمهور من السينما ؟
يقول أستاذ السينما و التلفزيون في جامعة نيويورك”kendancyger ” في كتابه ” the dirictor s idea ” سواء كان الجمهور يذهب إلى القاعات السينمائية بحثا عن الراحة النفسية أو عن الإثارة و سواء كان يبحث عن المألوف أو غير المألوف ” فإننا نعلم أننا حين نشاهد الأفلام فإننا نريد ما هو أكثر من معرفة حقائق الحياة.” وأين كان صانع الفيلم و أين كانت نوعية قصته، وأسلوبه، فأننا جميعا نساهم في التجربة السينمائية التي يعيشها المتفرج.
لذا ما الذي نتحدث عنه هنا ؟ إن الجمهور المشاهد يريد أن يرى قصة تروى له بكل وضوح ؟ أم أنه يريد مشاهدة فيلم تشويقي أم درامي أم خيالي أم كوميدي أم فيلم من أفلام المغامرات و الحركة…أم أن الأمر له علاقة بالسرد المرح الذي يجعل الجمهور يعيش داخل رحلة وجدانية من الفيلم الذي يراه، أو أن عنصر المفاجئة في الشخصية الرئيسة التي تجذب الجمهور؟ هنا نتحدث عن التصنيف، تصنيف الأفلام المغربية حسب النوعية، وليس حسب ” المخرج الأكثر شعبية أو ( باك صاحب) أو العلاقات المبنية على المصالح الشخصية، فالجمهور المغربي ذكي بما يكفي ليقيم الفيلم و يكشف عن ماهيته.
يعد الجمهور السينمائي عاملا من عوامل تكوين الآراء حول الأفلام و صناعها، فالجمهور المغربي خاصة يمتلك قوة تذوق مذهلة في اختيار ما يهمها من أفلام تناقش أو تعالج مشكلات ثقافية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، بدون فرنكوفونية، أو أي لغة دخيلة، وتعتبر مثل هذه الأفلام من أكبر وسائل الدعاية التي تجمع جمهورا غفيرا في زمان ومكان محددين كقاعة للسينما، فكم من مخرج فاشل في نظر النقاد ،ناجح في عين الجمهور، و المخرج الناجح هو الذي يقدم أفلامه للجمهور الواسع.”
سأل المخرج الأمريكي السوري “مصطفى العقاد” عن سبب فشل السينما العربية فأجاب ” معظم المخرجين العرب لا يعرفون شيئا عن الجمهور المشاهد للأفلام”. و قد ذكر في مقابلة أجريت معه عام عن فيلم الرسالة أ: «لقد عملت الفيلم لأنه كان موضوع شخصي بالنسبة لي، شعرت بواجبي كمسلم عاش في الغرب بأن أقوم بذكر الحقيقة عن الإسلام. إنه دين لديه مليون تابع في العالم، هناك فقط القليل المعروف عنه، مما فاجأني. لقد رأيت الحاجة بأن أخبر القصة التي ستصل هذا الجسر، هذه الثغرة إلى الغرب.» ومن خلال النجاح الجماهيري الذي حققه هذا الفيلم” الرسالة” و فيلم ” عمر المختار” على المستوى العالمي، هنا نستنتج أن الفيلم المحلي بطابع عالمي أقرب إلى الجمهور المغربي من فيلم عالمي بطابع محلي.


الكاتب : عبدالرحيم الشافعي

  

بتاريخ : 09/10/2021