سفاحون في مواجهة جرائم استثنائية .. مصطفى متشوق من مكناس إلى كتيبة الإعدام (2)

سيبحر معنا القارئ من خلال هاته الحلقات في ملفات تتسم بالرعب جراء أفعال إجرامية قام بها متهمون أدانهم القضاء نهائيا بأحكام تتراوح مابين الإعدام والسجن المؤبد حيث ارتبطت أسماؤهم بملفات كبيرة مرتبطة أساسا بعالم الجريمة وتفننوا في ارتكاب أفعال إجرامية خطيرة بوعي منهم أو بدون وعي إلى أن تحولوا إلى كوابيس مزعجة بالنسبة للمواطنين ورجال الأمن.منهم من ظل لسنوات بعيدا عن أعين الامن التي كانت تترصده فيما آخرون وقعوا كما تقع الطيور على أشكالها مباشرة بعد ارتكابهم لفعلهم الجرمي أو في مسرح الجريمة
الاتحاد الاشتراكي تفتح اليوم تفاصيل هذه الجرائم فإنها تبقى مجرد قضايا من مجموعة ملفات عرفتها المحاكم المغربية منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي إلى يومنا هذا.. فيما تاريخ العدالة المغربية مليء بالقضايا المشابهة وبأعداد كبيرة، إلا أن القضايا التي أخترناه اليوم تعتبر مثيرة شدت إليها انتباه الرأي العام الوطني، كما عرفت نقاشا وجدالا واسعا من طرف الإخصائيين وعلماء الاجتماع وعلماء الجريمة.. فيما ظلت تفاصيلها راسخة في عقول العديد من الضحايا وعائلاتهم..
كان متشوق كسب ثقة الطفل، عن طريق إيهامه بأنه وجد له عملا بمرآب، متظاهرا أنه يعمل فيه، وأوهمه كذلك أن جمركيا سيحضر له داخل حقيبة سوداء، بعض الأدوات وقطع الغيار التي قال له إنه يشتريها منه عادة بثمن أقل من الثمن الذي يبيعها به لصاحب المرآب، وأنه يتحاشى تسلمها منه بنفسه مخافة مشاهدته من طرف مشغله. ولم تفلح عملية اللقاء في الموعد الأول لعدم حضور والد الضحية، فألح عليه متشوق من جديد بالهاتف للحضور في التاسعة مساء من اليوم نفسه. وفعلا، تسلم الطفل مبارك الحقيبة السوداء من أب الضحية. بعد بضعة أشهر، اتصل متشوق مجددا بوالد عبد الرحيم، إذ هاتفه أولا ثم أرسل إليه رسالة يطلب فيها فدية إضافية قدرها خمسة آلاف درهم، لكن والد الضحية اشترط بعث صورة حديثة لابنه تطمئنه على أنه مازال على قيد الحياة، وأمام هذا الشرط، قطع متشوق كل اتصال وأخذ يبحث عن ضحية أخرى.
في يوم 23 أكتوبر 1977، كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة والنصف صباحا، حين خرج محمد شدادي (5 سنوات) لبضع دقائق من متجر كفيله بقيسارية الحفارين، لكنه لم يعد، ولن يعود إلى الأبد، لقد كانت يد السفاح الملطخة بدم الطفولة تنتظره. حرص متشوق، هذه المرة على أن يأخذ عدة صور لضحيته، وهو ما فعله في أحد محلات التصوير، ليأخذ بعد ذلك محمد إلى المكان نفسه الذي قتل فيه عبد الرحيم، ليلقى هو الآخر المصير نفسه، الخنق بواسطة ربطة عنق «القريعة» ورمي الجثة في بئر سيدي عبد الرحمان، لكن الربطة، هذه المرة، بقيت عالقة بعنق الطفل المقتول. في اليوم الموالي، بدأ سفاح أطفال الدار البيضاء الاتصالات، هاتفيا وعبر الرسائل، مع العائلة طالبا فدية بمبلغ عشرة آلاف درهم، وهو ما حصل عليه من طرف عمة محمد، التي سلمت المبلغ للطفل عبد القادر الذي وظفه متشوق لهذه الغاية.
في اليوم الرابع من شهر مارس من سنة 1975، حكمت المحكمة الإقليمية بمكناس، على مصطفى متشوق بالإعدام غيابيا، بينما كان هو قد رسم المعالم الأولى لإرهاب الدار البيضاء. وفي أحد أيام نونبر 1978 البئيسة، ضمدت البيضاء جراح رعبها الوليد حين عثر بساحة عارية أمام مدرسة لالة ميمونة، على مستوى شارع بانوراميك، على جثة طفل يبلغ من العمر 14 سنة، وعلى جثة حسن العوينة لوحظ عدد كبير من الطعنات بالسكين. انطلقت محاكمة متشوق وشريكه، بالقاعة الأولى بالمحكمة الإقليمية بالدار البيضاء، وسط حضور جماهيري كثيف وإنزال أمني كبير. وبقدر ما بدا المعتقل بالسجن المدني بالدار البيضاء تحت عدد 69.998 (مصطفى متشوق)، والرئيس ينادي عليه، رابط الجأش، ذكيا ومراوغا، بقدر ما كانت علامات الانهيار وعدم استيعاب ما يحدث، بادية على المعتقل الذي يحمل الرقم التسلسلي 69.999 (بوشعيب زيناني).
ومساء يوم الجمعة 24 فبراير 1978، أصدرت غرفة الجنايات التابعة لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، حكمها في قضية مصطفى متشوق وبوشعيب زيناني المتابعين أمامها بتهم «ارتكاب جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد في حق أبرياء وقاصرين، تكوين عصابة مجرمين، ارتكاب اختطافات مع نيل فديات مالية، قتل القاصرين المختطفين، محاولة قتل شرطي ورجل تابع للقوات المساعدة، السرقة الموصوفة، استعمال السلاح، المس بعرض قاصرين بالعنف، إخفاء الجثث».
دفاع الطرف المدني كان قد تقدم بمطالب مدنية شفوية، أثناء الجلسة، حددت في سنتيم رمزي لفائدة كل من والد الطفل عبد الرحيم صابر وكفيلة الطفل محمد شدادي. جاء الحكم حاسما، لينهار بوشعيب زيناني بعد النطق به، بينما ظل مصطفى متشوق محتفظا بكامل رباطة الجأش، وكأن الأمر لا يعنيه ولن يؤدي به إلى الوقوف أمام كتيبة الإعدام.


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 17/07/2020