شره الأمكنة.. العالم بعدسة أحمد بن اسماعيل 9- عبد الحكيم الخبزاوي.. «كيلي جولي.. كاع لبنات كيعجبوني»

حين تتحول العدسة إلى مؤرخ فني كبير.. حين تسرق اللحظات ليس لتوقف الزمان ولكن لتعيد للوجدان كينونته.. تنفخ فيه روح الحياة المزهوة بكل ما هو جميل ونبيل.. بكل ما يجعلك تقف باحترام وانت مبهور لترفع القبعة وتنحني ببهاء ممتثلا للمشاهدة والإنصات..
هكذا جعل الفنان الفوتوغرافي المبدع أحمد بن إسماعيل آلة تصويره معشوقة دائمة محمولة على كثفه الأيسر لتجاور قلبه حيث تتناغم مع نبضات حبه التي تحولت إلى قصة عشق أبدية..
بين وضوح النهار وأثار الليل، بين الوجوه المشرعة في الساحة، في الدرب، في الشارع، في المقهى، في المسرح، في السينما، في كل هذا الكون الممتد من القلب إلى القلب..
عشق فسيح في عالم لا يلجه إلا من ينبض بالحب، ويتملى بالجمال، ويتقن فن العيش ليسكن قلوب كل العاشقين، ممن تحدثت عنهم الأساطير ، أو حتى تلك التي قد تحتاج لمعرفة كنهها وانت تتسلل في علو إلى سدرة منتهى الحب..
أحمد بن إسماعيل وهو يعبر كل تلك الدروب والازقة الضيقة شكلا، والشاسعة حبا، من حيه بدرب سيدي بن اسليمان في المدينة العتيقة مراكش، فلا يعبرها رغبة منه، أو تغريه روائح توابلها، وطلاء جدرانها، وزليج سقاياتها، وقرميد أقواسها، وطيبوبة وبساطة سكانها، إنما تقوده محبوبته، عشقه، لممارسة شغبه/ حبه الفني في التقاط كل ما هو بديع،..
أحمد بن إسماعيل حتى عندما افتتن بالريشة والصباغة والألوان، وأبدع فيها ببصمته الخاصة، لم يفارق ملهمته، عشقه الأبدي، آلة تصويره، هذه الآلة التي سنرافقها حبا فيها وعشقا لها، من خلال ما أنجبته من تحف فنية بعد إذن الفنان المبدع أحمد بن إسماعيل، لتُفشي لنا الكثير من الأسرار، وتعيد الحياة للكثير من القصص، وتروي لنا كل الروايات عن شخوص ورجال وأماكن وفضاءات، سواء في مراكش وساحتها الشهيرة أو عبر جغرافيا الحب لهذا الوطن، والتي سكنت أحمد وآلة تصويره حتى الجنون.. وهو ما ستميط اللثام عنه هذه الحلقات:

 

صورة الحلايقي المرحوم عبد الحكيم الخبزاوي التي التقطها أحمد بن اسماعيل ذكرتني بأغنية:
“كيلي جولي، كيلي جولي ..كاع البنات كيعجبوني”.
وهي أغنية مشهورة لهذا الحلايقي الذي كانت حلقته تستقطب عددا من الشباب والفتيات نظرا لطريقة الأداء الغنائي لهذا الحلايقي الذي يجمع بين الطرب والفرجة والمستملحات الجميلة التي أحيانا لن يتقبلها الا من ” قشابتو واسعة” كما يقول المراكشيون.
وتتحدث بعض الرويات إما الشفاهية أو المكتوبة أن  عبدالحكيم الخبزاوي ولد بحي القصبة، وكان مولوعا بساحة جامع الفناء وحلقاتها إلى درجة أنه يهرب من محل العمل الذي كان يتعلم فيه مهنة إصلاح الدراجات “سيكليس”.  بباب السمارين ليلتحق بها، يتنقل بين حلقاتها، وهذا ما يجعله معرضا للعقاب بشكل يومي سواء من معلمه أو من أهله، لكن ذلك لم يتنيه عن الالتحاق بالساحة ومتابعة حلقاتها خاصة منها حلقة “المعلم عزوز” .
في بداية الستينات انضم عبد الحكيم الخبزاوي الى حلقة المعلم  “عزوز”، والتي كانت تجمع بين الطرب والتنشيط والاحتفالية، ما أعطى لهذه الحلقة رونقا آخر باعتبار أن الوافد الجديد أعطى نفسا جديدا للحلقة، وهو الأمر الذي جعل المعلم عزوز يجعله مساعدا له في الحلقة ،  وحين اعتزل هذا الأخير أصبح للحلقة طعم آخر وحيوية جديدة ارتفع فيها الإيقاع أكثر ، الحلقة كانت تقام في الجانب المقابل لمقهى فرنسا.. وهو المكان الذي يسمع فيها صدى أغنيته الشهيرة ” كلي جولي، كاع البنات كيعجبوني”، والأغنية بسيطة ترتكز في بنيتها على القافية، اضافة الى بعض السخرية، وأثناء الأداء تكون لها حركات وإشارات ومعاني، وهي كلمات تتغنى بكل بنات المغرب انطلاقا من المدن والجهات فيقول:
كلي جولي ، كلي جولي
كاع بنات المغرب كيعجبوني
بنات  كازا .. بنات كازا
الزين والرضى فالتلفزة
بنات فاس.. بنات فاس
كي الزبدة وسط الكاس
بنات دكالة .. بنات دكالة
مربينهوم الرجالة
بنات الشمال.. بنات الشمال
بحال زينهم عمرو ماكان
بنات اسفي.. بنات اسفي
الحلاوة والزين الصافي
بنات العيون.. بنات العيون
كيخليو العقل مشطون
بنات مراكش .. بنات مراكش
كيف التاج فوق الراس
الأغنية طويلة، تعمدت أن أحدف بعض الأبيات التي قد يُسأُ فهمها..
عبد الحكيم هذا يتميز  بنظارتيه السوداوين اللتان لا يزيلهما حتى في الليل، ويبدو أن ذلك راجع لإصابة في إحدى عينيه، أيضا يتميز  بالقباعة المراكشية التي يجعلها مائلة اما يمينا أو شمالا على جبهته ويربط جزءا من جلبابه بحزام سرواله ليظهر الحقيبة “الشكارة” متدلية مما يعطي خصوصية لشكله وهو يضرب ايقاعات على “الطرير” الصغيرة متحركا بشكل عجيب داخل حلقته وفي تجاوب كامل مع جوقه الموسيقي..


الكاتب : إعداد: محمد المبارك البومسهولي

  

بتاريخ : 05/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *