شره الأمكنة.. العالم بعدسة أحمد بن اسماعيل الراحل 12 – ادمون عمران المالح وسيدي بن سليمان الجزولي وأثر الليل

 

 

حين تتحول العدسة إلى مؤرخ فني كبير.. حين تسرق اللحظات ليس لتوقف الزمان ولكن لتعيد للوجدان كينونته.. تنفخ فيه روح الحياة المزهوة بكل ما هو جميل ونبيل.. بكل ما يجعلك تقف باحترام وانت مبهور لترفع القبعة وتنحني ببهاء ممتثلا للمشاهدة والإنصات..
هكذا جعل الفنان الفوتوغرافي المبدع أحمد بن إسماعيل آلة تصويره معشوقة دائمة محمولة على كثفه الأيسر لتجاور قلبه حيث تتناغم مع نبضات حبه التي تحولت إلى قصة عشق أبدية..
بين وضوح النهار وأثار الليل، بين الوجوه المشرعة في الساحة، في الدرب، في الشارع، في المقهى، في المسرح، في السينما، في كل هذا الكون الممتد من القلب إلى القلب..
عشق فسيح في عالم لا يلجه إلا من ينبض بالحب، ويتملى بالجمال، ويتقن فن العيش ليسكن قلوب كل العاشقين، ممن تحدثت عنهم الأساطير ، أو حتى تلك التي قد تحتاج لمعرفة كنهها وانت تتسلل في علو إلى سدرة منتهى الحب..
أحمد بن إسماعيل وهو يعبر كل تلك الدروب والازقة الضيقة شكلا، والشاسعة حبا، من حيه بدرب سيدي بن اسليمان في المدينة العتيقة مراكش، فلا يعبرها رغبة منه، أو تغريه روائح توابلها، وطلاء جدرانها، وزليج سقاياتها، وقرميد أقواسها، وطيبوبة وبساطة سكانها، إنما تقوده محبوبته، عشقه، لممارسة شغبه/ حبه الفني في التقاط كل ما هو بديع،..
أحمد بن إسماعيل حتى عندما افتتن بالريشة والصباغة والألوان، وأبدع فيها ببصمته الخاصة، لم يفارق ملهمته، عشقه الأبدي، آلة تصويره، هذه الآلة التي سنرافقها حبا فيها وعشقا لها، من خلال ما أنجبته من تحف فنية بعد إذن الفنان المبدع أحمد بن إسماعيل، لتُفشي لنا الكثير من الأسرار، وتعيد الحياة للكثير من القصص، وتروي لنا كل الروايات عن شخوص ورجال وأماكن وفضاءات، سواء في مراكش وساحتها الشهيرة أو عبر جغرافيا الحب لهذا الوطن، والتي سكنت أحمد وآلة تصويره حتى الجنون.. وهو ما ستميط اللثام عنه هذه الحلقات:

 

احمد بن اسماعيل وهو يلتقط صورة للكاتب المغربي الكبير الراحل أدمون عمران المالح في فضاء مراكشي وسط اكتظاظ من الأدميين يؤكد اختياره المتميز في التصوير حيث يقدم لنا صورا لشخصيات كبيرة، ويقدمها لنا في صفائها الطبيعي المندمج وسط كل مكونات الانتماء للمكان وفضاءاته المتنوعة، وأنا اتأمل الصورة استحضرت شهادة للكاتب المغربي مراد القادري الذي قال عن  ابن اسماعيل في تصريح لإحدى الصحف العربية:
“إنه يقطعُ، من جهة، مع الصّورة النّمطية ذات الملمح الإداري الصرف التي لطالم شاهدناها على صفحات الجرائد وفي الملاحق والمجلات الثقافية”
وأضاف  :” إننا أمام صورة تعيد بناءَ المنجز النصي للكاتب في علاقة مع ملامحه. صورة مختلفة لا يرتدي فيها الكاتب بذلة رسمية ولا يضعُ ربطة عنق، بل يأتينا أعزل إلّا من بياضه وسواده تاركا للنصّ حُرية تلوين خيالنا ووجداننا”.
القادري قال أيضا: “هكذا، صار بإمكاننا أنْ نشاهد كُتابنا من زاوية أخرى، هي تلك التي يقترحُها علينا بن إسماعيل؛ حيث الكاتب بسيطٌ عفوي، غير مُكترث بالاستعراض أو الفرجة، منصرف إلى تفاصيله البسيطة، في ذات الوقت الذي تتصيّده عينٌ هناك. عينُ نسر غير جارح”
وهكذا بالفعل قدم لنا بن اسماعيل أدمون عمران المالح وهو في مدخل سوق الجلد أحد فضاءات مراكش العتيقة.. وعلاقة أحمد بن اسماعيل بأدمون المالح جد وثيقة ، يقول عنها احمد:
“الكاتب المغربي المرحوم ادمون عمران المالح . كان محبا للولي الصالح  سيدي بن سليمان الجزولي أحد الرجال السبعة بمراكش للمكانة التي كانت لهذا القطب الصوفي عند اهل مدينة آسفي.  من زمان حيث كانت له خلوة يتعبد فيها قرب البحر . و ما زالت إلى اليوم . وادمون واحد من المسفيويين الامازيغيين  .كانت أول زيارة له الخزانة والدي الفقيه الاستاذ عمر بن اسماعيل. بفضل صديقي وجاري الكاتب و الباحث الحبيب السمرقندي . كان هذا في منتصف الثمانينات .  وفي سنة 1994 أقمت معرضا فوتوغرافيا بسطح مقر ودادية الجزولي في منتصف الليل على أنغام طقوس الليلة الكناوية. حضرها العديد من الكتاب و المهتمين يتقدمهم ادمون عمران المالح و الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو والشاعر السوري ادونيس . وكان المعرض على أضواء الشموع . وتحت عنوان . آثار الليل . فلقي اعجابه كبيرا من الجميع حتى أقترح علي ادونيس كتابا مشتركا . و قبله ادمون عمران المالح .  فخرج كتاب مشترك مع ادمون تحت عنوان ضوء الظل .”
ويقول أدمون عمران المالح عن أحمد بن اسماعيل في بوشور المعرض المقام بقاعة مرسم بالرباط سنة 2003:
” يتبع أحمد بن اسماعيل، منذ سنوات عديدة، مسار تشكيلي يستحق شيئا من الإهتمام، وقبل كل شئ أريد أن أقول أن ما أعجبت به أولا، هو تميز نظرته كمصور فوتوغرافي، ومعلوم أن لقاءنا قد نتج عنه نشر “ضوء الظل”، الكتاب الذي يرسم رحلة حول سيدي بن سليمان الجزولي..”
معرض أحمد بن اسماعيل ” اثار الليل” المنطم سنة 1994، كان لي شرف حضوره، عندها ادركت ان هذا العمل الفني الكبير الذي استقطب كل هذه الهامات الفكرية لن يمر هكذا دون اثر.. وبالفعل تولدت عنه فكرة هذا الكتاب المشترك ” ضوء الليل” بين الكاتب المغربي الراحل  ادمون عمران المألح وفناننا الفوتوغرافي والتتشكيلي أحمد بن اسماعيل.


الكاتب : إعداد: محمد المبارك البومسهولي

  

بتاريخ : 08/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *