«صدقية» الشواهد الطبية تستنفر المهتمين بالشأن الصحي والقضائي ومطالب بحماية «المتقاضين» من زيف مضامين بعضها

تسائل أخلاقيات المهنة وتؤثر على مصير العدالة

 

تعتبر الشواهد الطبية المسلّمة من طرف الأطباء، حقا من حقوق المواطن، المريض أو ضحية اعتداء أو حادث ما، وهي وثيقة أساسية تعزّز موقف صاحبها في ارتباط بمجال الشغل، أو من أجل إثبات حالة أو نفيها أمام العدالة، سعيا للحصول على حكم قضائي أو تعويض، قد يكون منصفا للبعض وعادلا، وقد يكون «مجحفا» و «ظالما» في حالات أخرى، خاصة إذا ما تم اعتماد شواهد بعيدة كل البعد عن الحقيقة، تم تحريرها بـ «مداد تدليسي»، فتؤدي بذلك إلى أضرار قد تتعدد مستوياتها بالنسبة لأحد المتقاضين حين اعتمادها كأساس للبث في نازلة من النوازل.
وضعية ترخي بظلالها وتبعاتها في كل يوم على المسارات المختلفة لطريق العدالة، وتحظى بنقاش قوي من لدن المعنيين والمهتمين والمتتبعين، وتشكّل في كثير من الحالات موضوع انتقادات لعدد من المواطنين المتضررين، خاصة في قضايا الضرب والجرح وحوادث السير، وهو ما أكده تفكيك شبكات مختصة في هذا النوع الأخير من الملفات من طرف المصالح الأمنية مرّات عديدة. ورغم كل «التحصينات» التي تم اعتمادها والإصلاحات التي تمت الدعوة إليها، واعتماد شواهد الطب الشرعي كـ «وثائق شرعية» في نوازل بعينها، إلا أن استمرار منح بعض «الشواهد» في إطارات مختلفة، بين الفينة والأخرى خارج «سياقها الطبيعي»، يعيد هذا النقاش مرة أخرى إلى الواجهة ويضفي عليه طابع «العلنية»، ليستأثر من جديد باهتمام كل الفاعلين والمتدخلين، وهو ما تابعه الجميع على خلفية إيداع طبيبة مختصة في أمراض النساء والتوليد وطبيب مختص في التخدير والإنعاش السجن مؤخرا.
شواهد، شكّلت موضوع تنبيه في الكثير من الحالات، كما هو الشأن بالنسبة للمراسلة التي سبق أن وجهتها النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية في مراكش شهر ماي من سنة 2021، والتي تحدثت عن تسليم شواهد طبية من قبل بعض الأطباء لطالبيها دون احترام الضوابط القانونية اللازمة لذلك، مما يمكن معه أن يضعهم محطّ مسائلة جنائية أحيانا أو متاعب هم في غنى عنها، مشيرة إلى أن المشرع المغربي رتّب مجموعة من الآثار القانونية سواء على مستوى التجريم أو العقاب، وذلك بناء على محتوى ومضمون هذه الشواهد الطبية، هذا بالإضافة إلى طبعا الجزاءات التأديبية المنصوص عليها في القوانين الخاصة المنظمة لمهنة الطب.
تنبيه تفاعلت معه هيئة الطبيبات والأطباء بجهة مراكش آسفي، التي عملت بدورها على حث الأطباء على التقيد بمجموعة من الضوابط في تسليم الشواهد الطبية التي تتمثل في تحريرها من طرف الطبيب شخصيا وعدم إسناد هذه المهمة لأعوانه أو مساعديه، والحرص على أن تحمل الشهادة طابعه وتوقيعه الشخصي، وأن تتضمن هويته وهويّة المريض، وذلك بتضمين الشهادة رقم بطاقة التعريف الوطنية الخاصة بطالب الشهادة وصورته الشمسية وأن تتضمن توقيع المحرر وتاريخ التحرير. وإلى جانب ذلك ذكّرت الهيئة بضرورة كتابة الشهادة بطريقة واضحة وبأسلوب مفهوم يساعد العدالة على ترتيب الأثر القانوني للمعطيات المتضمنة فيها، وعدم تسليم الشهادة الطبية المتضمنة لنسبة العجز ومدته للمريض أو المصاب إلا بعد فحصه مع ضرورة تناسب مدة العجز المسلمة مع طبيعة الإصابة أو المرض، ومنع تسليمها على سبيل المجاملة، وفقا لمقتضيات المادة 8 من مدونة أخلاقيات الطب، كما شددت على أنه يتعين مسك سجل خاص بالشواهد الطبية، وأن تضمّن به نسخ جميع الشواهد الطبية المسلمة، التي يجب أن تكون بدورها مرقمة ومؤرخة للرجوع إليها وإلى الطبيب الذي حرّرها عند الحاجة.
وتعليقا على الموضوع، أكد البروفيسور عبد الله دامي، أستاذ الطب الشرعي بكلية الطب والصيدلة بمراكش في تصريح لـ «الاتحاد الاشتراكي»، على أن الشهادة الطبية تعتبر وثيقة رسمية محررة، يشهد من خلالها الطبيب بصحة أو بعدم صحة مجموعة من المعلومات التي لها علاقة بالحالة الصحية لشخص ما، مبرزا أنها تعتبر وثائق مثيرة للجدل بالنظر لقيمتها الكبيرة من حيث الاستنتاجات، سواء على المستوى الجنائي أو المدني أو الاجتماعي. وأوضح الخبير في مجال الطب الشرعي أن هناك مجموعة من النصوص القانونية المؤطرة لتسليم الشواهد الطبية كالفصل 51 من قانون أخلاقيات مهنة الطب، والمادة 44 من القانون 131.13 الخاص بممارسة مهنة الطب، مبرزا أن الطبيب يسلّم وجوبا الشواهد المرتبطة بمجال الحالة المدنية كشهادة الولادة وشهادة الوفاة، وشواهد أخرى كتلك التي تخص حوادث الشغل المؤطرة بقانون خاص، مشيرا في نفس الوقت إلى أن هناك حالات يمكن للطبيب رفض تسليم شواهد طبية وفقا لحدود تكوينه وإمكانياته.
وأبرز البروفيسور دامي في تصريحه للجريدة أن الكمّ الكبير المسلّم من الشواهد يمكن أن يعرف الإدلاء ببعضها التي قد تكون فاقدة للمصداقية، وهو الأمر الذي يوجد في العديد من الدول، حيث يمكن لبعض الشواهد الخاصة بالضرب والجرح وأخرى في مواضيع أخرى أن تسلم في ظروف غير صحية، مما قد تترتب عنه مسؤوليات في مستويات مختلفة يكون الطبيب الذي أصدر الشهادة عرضة لها، جنائية كانت أو إدارية. وشدّد المتحدث على أن الشواهد الطبية بشكل عام يجب أن تحترم مجموعة من الشكليات والظروف، مؤكدا على أن الطبيب هو الوحيد الذي يقرر منح الشهادة بناء على الفحص الطبي قبل تسليمها مباشرة للشخص الراشد، أو في حالة الشخص القاصر أو الفاقد لأهلية ما إلى ولي أمره، وفي بعض الحالات للمحامي، أو للورثة وأقارب الشخص في حالة الوفاة، والتي قد تتوزع ما بين الشواهد الوصفية التي تصف ما قام به المريض من عمليات وتدخلات، والشواهد الاستنتاجية التي تحدد مدة عجز أو تقيّم الأضرار البدنية، أو تؤكد أو تنفي وجود بعض الإصابات التي يمكن أن يكون لها آثار معينة، موضحا بأن هناك شواهد إيجابية تقر بوجود بعض الأمراض، وأخرى سلبية تؤكد غيابها كشهادة الأهلية، وهو ما يفرض على الطبيب القيام بالفحوصات الأساسية وتوخي الحذر قبل تسليمها، لأنه بعض هذه الشواهد قد يظهر في ظاهرها بأنها سهلة لكن انعكاساتها متعددة. واختتم الخبير الطبي تصريحه بالتأكيد على أن هناك دوريات صادرة عن وزارة العدل وعن المجالس الجهوية للهيئة التي تعمل على تحسيس وتوعية الأطباء بأهمية هذا الموضوع وخطورته وكيفيات التعامل معه.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 07/06/2023