عاطف أبو سيف.. حكَّاء غزة الأول

 

قبل أن ألتقي مباشرة الروائي ووزير الثقافة الفلسطيني السابق عاطف أبو سيف، كنت أتساءل في قرارة نفسي: كيف يعيش هذا الإنسان حياته؟ كيف يستحضر كل المشاهد القيامية التي عاشها على مدى شهور في قطاع غزة ، وهو يراوغ الموت ويناوره بالكتابة كأسلوب مقاومة واستمرار وإدانة لما ارتكبه ويرتكبه جيش الاحتلال الإسرائيلي من فظاعات وجرائم. استعجلت لقاءه وتوجهت إلى الفندق الذي كان ينزل فيه. رغم التعب حرصت على أن أحاصره بدهشتي وذهولي.
كان معنا الصديق العزيز معن البياري الذي تولى تقديمه وتقديم نصه الباذخ والموجع «وقت مستقطع للنجاة « في المعرض الدولي للكتاب والنشر. كل من حضر اللقاء اكتشف أن الأمر يتعلق بشخص قادم من عالم الأموات والجثث ومشاهد القتل والإبادة الجماعية. لقد كشف للجميع كيف كتب يوميّاته بانتظام طوال تلك الأيام، بحيث كان يكتُب نصّاً باللغة العربية وآخر بالإنجليزية، ثم يرسلها إلى الأصدقاء لنشرها في الصحف والجرائد.
وفي رده عن سؤال طرحته عليه عن طقوس وشروط وأجواء كتابة هذه اليوميات، قال أبو سيف «بدأت الكتابة بفنتازيا الروائي انطلاقا من مفارقة دونتها بعد رجوعي من البحر، ثم تحولت عملية الكتابة ذات الطابع الروائي إلى كتابة تقريرية، لاسيما بعد أن عرضتُ مخطوط اليوم الأول على رئيس بيت الصحافة بغزة، بلال جاد الله، الذي حثني بحسه الصحفي على الاستمرار في التأليف، وبعدها أصبحت هذه الكتابة التزاما».
ولأن الصحافة والمنظمات الدولية غادرت غزة في بداية الحرب، كما يشرح المتحدث، فإن الحافز الذي دفعه إلى تأليف هذا الكتاب الذي يقعُ في 632 صفحة، هو الرغبة في عدم النسيان. «لم أبح بذلك لأحد من قبل إلا أنه في أشد اللحظات حلكة تحت وطأة الحرب المستمرة، كان يراودني هاجس أنه حتى لو مت، أريد للناس أن تقرأ عني».
ولم يخطئ معن البياري، رئيس تحرير صحيفة وموقع «العربي الجديد»، عندما وصف أن أبو سيف بأنه يكاد يكون حكَّاء غزة الأول، فرواياته وأعماله القصصية تمتحُ من المعيش اليومي للغزيين، وفيها يقدم تفاصيل دقيقة من أزقة وشوارع ومقاهي ومساجد، «فأنت عندما تقرأ أعمال عاطف أبو سيف كأنك بغزة».
وقال البياري متوجها إلى الحضور وملوحا بنسخة من الكتاب، «لا تغريكم ضخامتها فهي رواية ممتعة وشيقة، ومؤلمة في نفس الوقت. وبعض الأشخاص الموجودين في أولى الصفحات، قد يستشهدون في باقي صفحات الرواية».
ومن بين الأشياء البليغة والقوية التي عبر عنها عاطف أبو سيف وهو يتحدث عن الدمار الذي خلفته ومازالت الحرب في فلسطين «أقول دائما إنني لو غادرت شخصيات رواياتي عالم الرواية إلى العالم الحقيقي، لما تعرفت على الأمكنة، لأن معظمها تعرض للتدمير». إضافة إلى تصريحه العاصف والمؤثر «لا أستطيع قراءة يوميات وقت مستقطع للنجاة .»
طبعا بعد أن غادر عاطف أبو سيف المغرب، اتصلت به للاطمئنان عليه . وصل إلى رام الله في حفظ الله ورعايته. تحدث بتأثر عميق وبلغة الوجدان عن دلالة استضافته من طرف وزارة الثقافة والشباب والتواصل، وعن مشاعر الحب التي غمرته خلال فترة إقامته في الرباط.


الكاتب : عبد الصمد بن شريف

  

بتاريخ : 27/05/2024