عبد الصادق السعيدي: هدر الزمن القضائي أحد أسباب فقدان ثقة المواطنين في مرفق العدالة

 

« العدالة البطيئة ظلم» ذلك ما أكده عبد الصدق السعيدي ودادية موظفي العدل في سياق تقديمه لمذكرة المكتب المركزي للودادية حول هدر الزمن القضائي» خلال اللقاء الإعلامي الذي نظم بمراكش يوم الجمعة 11 مارس الجاري حول « الحق في حكم يصدر في أجل معقول، أي مداخل»
و أضاف السعيدي الذي كان مرفوقا بعدد من أعضاء المكتب المركزي للودادية أن من الإشكاليات الكبرى التي تعاني منها العدالة بالمغرب معضلة هدر الزمن القضائي الذي يعتبر أحد أسباب فقدان ثقة المواطنين في مرفق العدالة، موضحا أن هذه المعضلة اشتغلت عليها ودادية موظفي العدل،بل شكلت انشغالا أساسيا لها منذ مدة طويلة.
و أكد عبد الصادق السعيدي في نفس السياق أن تأخير حصول المواطنين على حقوقهم يوازي حرمانهم منها، لأن الرغبة في تفادي معناة التقاضي البطيء تجعل أصحاب الحق في الكثير من الأحيان يلجأون إلى مفاوضات قد تؤدي إلى تسويات مجحفة في حقهم، بل قد يضطرون إلى التخلي عن حقوقهم لعلمهم أن زمن التقاضي قد يجعل منهم دائمي الإقامة في المحاكم.
وشدد السعيدي على أن عقلنة الزمن القضائي و إصدار الأحكام في أجل معقول يعد أحد الأركان الأساسية لاستعادة ثقة المتقاضين في مرفق القضاء، بل إن المواثيق الدولية تربط بين الحق في الحصول على محاكمة عادلة و بين الأجل المعقول كما هو الحال بالنسبة للمادة 7 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب، و المادة 8 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، و المادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، مثلما تطرق لها الدستور المغربي في الفصل 120 وكذلك القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في المادة 75.
و اعتبر عبد الصادق السعيدي أن الغاية هي الوصول إلى العدالة في آجال معقولة، بمعنى صدور حكم يقضي برد الحق إلى صاحبه في مدة زمنية مناسبة. وهو ما يعني أن المقصود ليس الحكم في حد ذاته وإنما إصدار حكم في الموضوع.
وسجل رئيس ودادية موظفي العدل في تقديمه للمذكرة المشار إليها أعلاه، أن أحد أهم الأعطاب في النظام القضائي المغربي الكم الهائل من الأحكام التي تصدر بعدم قبول الدعوى سواء خلال المرحلة الابتدائية أو في مرحلة الاستئناف. علما أن المدعي على وعي تام بأنه صاحب حق و إلا لما التجأ إلى رفع الدعوى، لكن الحكم بعدم قبول الدعوى لا يجيب رافعها إن كان صاحب حق أم لا، لأن المحكمة لم تناقش الجوهر و اكتفت بردها قبل الخوض فيها. ويقول المتحدث في هذا الصدد» إن الثقة في القضاء تصبح محل تساؤل، لأن المواطن لا يؤمن بالشكل ولا يفرق بين الشكل و الموضوع وبالتالي يفقد الثقة في المرفق اعتبارا لإيمانه على أنه صاحب حق. وهنا إما يعيد الدعوى من جديد بما تكلفه من موارد مالية و بشرية، و إما قد يتخلى عن حقه بنظرة سلبية عن مرفق القضاء.»
ونبه السعيدي إلى ما ينجم عن هذا الوضع من هدر للزمن القضائي واستخدام للطاقات البشرية من أجل نتيجة تعيد الأطراف إلى نقطة البدء، إضافة إلى هدر الطاقات المادية واستنزاف لموارد مهمة من دون تحقيق أية نتيجة.
وبعد تحليل مقتضيات النصوص المنظمة للشكل في التقاضي، ورصد الأسباب التي ترد استنادا إليها المحكمة الدعوى من حيث الشكل، أوضح المتحدث أن الودادية تقترح إعطاء كتابة الضبط صلاحية الامتناع عن تسجيل الطلبات الناقصة تحت رقابة رئيس المحكمة، لأن ذلك سيؤدي إلى تفادي هدر الزمن القضائي، على اعتبار أن الكثير من القضايا تروج بجلسات عدة من أجل مطالبة رافعيها بتصحيح المساطر الناقصة، في حين يمكن القيام بذلك منذ البداية من طرف كاتب الضبط الذي يقدم الطلب إليه، وهو ما قد يشكل آلية للتصدي للتقاضي بسوء نسية و الدعوى الكيدية. مثلما يوفر إمكانية الحصول على أحكام جيدة لأن كثرة القضايا تؤثر بشكل كبير على تدبير الوقت، و إثقال كاهل المحكمة بإجراءات بالإمكان القيام بها بداية، يشكل إهدارا لفرصة التركيز على الأحكام و الاجتهاد من خلال تخصيص وقت أكبر للبحث في القوانين و الاجتهادات القضائية مما سيكون له تأثير إيجابي على جودة الأحكام.
و بخصوص عدم قبول الاستئناف شكلا، لاحظ السعيدي أنه في العديد من الحالات وبعد تسلم كتابة الضبط إشهادا بأن الحكم لم يتم الطعن فيه وبالتالي إعطائه صيغة التنفيذ، تتلقى عريضة الطعن ضد نفس الحكم. وقد يكون الطعن مبنيا على أسباب جدية ، أو مجرد مناورة لإطالة المسطرة وتعطيل تنفيذ الأحكام. و أوضح في هذا الصدد أن مذكرة ودادية موظفي العدل تقترح لتجاوز هذا الوضع تنظيم الإشهاد بعدم الطعن وشروط تسليم الوثيقة، وعرض الأمر على رئيس المحكمة الذي يقرر إما أحقية طالب الطعن و بالتالي تسجيل الطعن، وإما رفض تسجيل الطعن وتأييد الصيغة التنفيذية للحكم.
وفيما يتعلق باقتراح إعادة النظر في توزيع العمل داخل المحاكم أكد السعيدي أن الهف منه ليس مطلبا ضيقا لكتابة الضبط بل يتعلق بتجاوز نقائص الوضع الحالي و تحقيق نجاعة الزمن القضائي بغاية تقديم خدمة جيدة للمواطن، حيث أن ذلك سيمكن من تقليص آجال التقاضي وولوج سهل للعدالة وجودة الأحكام و تصنيف القضايا و فرزها و التقليص منها و من تشعبها، إضافة إلى تعميق الشفافية و تأهيل الموارد البشرية. واعتبر أن الأخذ بنظام جديد لتوزيع العمل بالمحاكم يتوقف على مجموعة من الشروط الموضوعية في مقدمتها إحداث كتاب ضبط قانونيين وتمييزهم عن فئة الإداريين و التقنيين، وحصر الاختصاصات المخولة لفئة كتاب الضبط تتوفر فيهم شروط محددة بحكم القانون، و التأهيل و التكوين المناسب للمهام ذات الطبيعة القانونية، و إعادة هيكلة الأشغال وتقسيمها بين ماهو إداري وما هو مسطري.
وعرف اللقاء الذي حضره عدد من الأطر القضائيين والمحامين والحقوقيين وعدد من الشخصيات المهتمة بورش إصلاح القضاء نقاشا مستفيضا حول مجمل القضايا المرتبطة ببطء إصدار الأحكام و في مقدمتها البطء في التنفيذ و العوامل المتدخلة في تدبير الزمن الإجرائي الذي يهم كتابة الضبط و الزمن القضائي الذي يهم القضاة و المزاوجة بين مطلب إصدار الأحكام في أجل معقول و جودتها. حيث أجمع المتدخلون على ضرورة فتح نقاش عمومي ومؤسساتي قصد ملاءمة المنظومة القانونية مع مقتضيات الفصل 120 من الدستور المتعلق بالحق في استصدار حكم قضائي في أجل معقول.


الكاتب : مكتب مراكش: عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 14/03/2022