عبد العزيز بركة ساكن الذي تمرد على سلطة الطيب صالح

«العاشق البدوي» يمنح وسام جوقة الشرف الفرنسي

منذ أكثر من عقد من السنوات، وحتى حرب الخرطوم، يجد المتجول بين ردهات بائعي الكتب على الطرقات العامة في العاصمة السودانية، عناوين مثل «مسيح دارفور»، «الجنقو مسامير الأرض»، «رماد الماء»، «الطواحين»، و»نساء من كمبو كديس»، وغيرها من أعمال الروائي والقاص عبد العزيز بركة ساكن. وظلت كثافة وجود تلك الأعمال، في سوق الكتاب السوداني، دليلاً قوياً على حضور الرواية السودانية وانتشارها في العقدين الأخيرين.
منحت الحكومة الفرنسية، في 11 غشت الجاري، الكاتب الروائي السوداني عبد العزيز بركة ساكن وسام جوقة الشرف برتبة فارس في الفنون والآداب للعام 2024. لكنّ الخبر لم ينتشر كثيراً في الأوساط العربية.
وكان عبد العزيز بركة ساكن، المولود في كسلا شرق السودان (1963)، حاز جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي عن روايته «الجنقو مسامير الأرض»، وتُرجمت أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية. وظلت القضايا التي تتناولها أعمال ساكن، مثل الحرب والسلام، والإبادة الجماعية في دارفور، وقضايا المجتمعات المحلية في شرق السودان وغربه؛ مثار جدل واهتمام واختلاف في الأوساط الثقافية والاجتماعية السودانية؛ فضلاً عن منع أعماله عن طريق سلطة المصنفات الأدبية والفنية في السودان، في فترة نظام الإنقاذ الإسلاموي (1989-219). وبرغم أن كثيرين يرون رواياته عيناً فاحصة للمجتمع السوداني، إلا أنها وُوجهت بانتقاد حول تبنيها أيديولوجيا بعينها، على حساب التجربة الإبداعية.
واختير ساكن كاتباً لمدينة «غراتس» النمساوية، للعام 2022- 2023، وهي منحة من أجل التفرغ للكتابة لعام كامل والمشاركة في الحياة الثقافية في المدينة. وله أكثر من 10 روايات ومجموعتان قصصيتان. وفي العام 2020 فاز ساكن بجائزة الأدب العربي التي يمنحها معهد العالم العربي في باريس بالتعاون مع مؤسسة جان لوك لاغاردير.
توصف قصص ساكن ورواياته بأنها استندت إلى قضايا اجتماعية واضحة مثلما في رواية «الجنقو مسامير الأرض» أو «مسيح دارفور» وغيرها من الروايات والقصص، رغم لبوسها السياسي الذي يُقرأ به أيديولوجياً  لدى أطراف كثيرين.
ويعتقد الشاعر بابكر الوسيلة، أن النقطة الجوهرية في كتابات بركة ساكن، الروائية والقصصية والسردية الأخرى، انطلقت من مجتمعه الصغير «الحي الجنوبي» في مدينة خشم القربة في شرق السودان، الذي بتعدد إثنياته، سمح بمساحة كبيرة من التعايش المتناغم بين أفراد هذه المجموعات.
يقول الوسيلة في حديثه مع «اندبندنت عربية»: «بركة أحد الذين عاشوا مع هذا الخليط بروح متداخلة مع الجميع وتعايش معهم، وهو يلتقط الفوارق غير المرئية التي تظهر بين الحين والحين، كما يحدث خلاف غير جذري بين أبناء البيت الواحد».
وبحسب الوسيلة، فإنه بسبب تهديد تلك الكتلة الإثنية بوضعها الهامشي في طرف المدينة بعد ظهور سلطة الإسلاميين، واجه بركة هذا المشروع وقاومه بطريقة سياسية واضحة، وبطرق متنامية في الإبداع. ويرى الوسيلة أن تلك اللحظة في حياة الكاتب جعلته ينتبه للقضية الكبرى التي يمكن أن يكتب استناداً إليها، وهي القضية الاجتماعية رغم وجهها السياسي المباشر.

رواية أكثر شعبية

في نهاية التسعينيات برز اسم عبد العزيز بركة ساكن عبر روايتي «رماد الماء» و»الطواحين»، بعد أن كانت هناك أسماء راسخة في الرواية السودانية، مثل الطيب صالح وعيسى الحلو وإبراهيم إسحق ومحمود محمد مدني وبثينة خضر مكي وزينب بليل. وتقول الكاتبة الروائية سارة الجاك، إن الرواية السودانية، كانت مرتبطة لديها بطبقة الأفندية في السودان، حتى قرأت رواية «رماد الماء» فتعرفت على شكل جديد من أشكال الرواية، مختلف عن الأشكال المتعارف عليها ، بحسب وصفها.
وترى سارة في حديثها إلى «اندبندنت عربية»، أن ساكن أضاف للرواية السودانية طابعاً شعبياَ وجعلها في متناول كل الناس بعد أن كان شكلها نخبوياً. وتقول: «بعد بروز روايات ساكن أصبحت الرواية السودانية أكثر قرباً من الناس في قضاياها ولغتها وطريقة تناولها ومعالجاتها، فقد تجد نفسك أو جارك في الحي أحد أبطال رواياته».
وتدافع سارة عن تجربة ساكن بقولها: «كثيرون يشيرون إلى أن تدافع إنتاج الروايات بعد «الجنقو مسامير الأرض» دفع بتجربته إلى إغراء أن تكون أكثر شعبية». لكنها تؤكد أن ساكن تعامل مع مدارس كتابية جديدة لم يتعود عليها القارئ السوداني. وتلحظ سارة أن كتابات بركة ساكن مرت بأطوار وتجارب مختلفة، ومنحه ذلك القدرة على تقبل مختلف أساليب الكتابة لدى الجيل الجديد من الكتاب والروائيين.
تقول سارة الجاك، صاحبة رواية «خيانتئذٍ»، إنها حين التقت ببركة ساكن لمست فيه قدرة على العطاء المعرفي للأجيال التي لحقت به في الكتابة، وتضيف: «ما تعلمه من خلال الكتابة نقله لنا كجيل».
وبالنسبة لسارة، فإن بروز اسم بركة ساكن في المحافل الأدبية والثقافية الدولية، يجعل المهتمين بالأدب في العالم العربي يعيدون النظر إلى الأدب والرواية السودانيين خارج أسوار الطيب صالح. وتقول: «هناك ساكن وحمور زيادة واستيلا قايتانو وغيرهم، وكل هذه الاسماء التي ذكرتُها هي أسماء مهمة في خارطة الرواية السودانية، التي ما زالت في طور التشكل، فليس هناك سمة نهائية أو مطلقة لها، وكلٌّ يقدم مجهوده وأعماله». وتضيف: «إن بروز اسم بركة ساكن وحصوله على وسام الشرف، نجاح كبير لنا كسودانيين وككتاب يواجهون الاحتراب والموت في السودان كل يوم».
يشير الروائي السوداني منصور الصويم إلى أن ساكن منذ أولى رواياته مثل «الطواحين» ورماد الماء»، استطاع لفت النقاد والقراء السودانيين إلى أنه صوت روائي جديد يستحق القراءة. ويؤكد أن هناك مشروعاً روائياً يستحق الالتفات، واتضح ذلك في أعماله السردية اللاحقة من روايات وقصص. ويرى الصويم أن «الجنقو مسامير الأرض» هي العمل المفصلي الذي أكد  قدراته وإمكاناته التي ثبتت دعائم مشروعه السردي وكشفت للناس القدرات «النقدسردية» التي يمتلكها بحسب وصفه.
ويفسر الصويم رواج أعمال ساكن لدى المترجمين في فرنسا وألمانيا بأن هذه الأعمال قد لفتت إلى إمكانات هذا الكاتب مرة أخرى، وأنه ليس كاتباً محلياً أو إقليمياً. ويضيف الصويم: «نيله للوسام الفرنسي للفنون والآداب لم يجئ عن طريق المصادفة، بل هو استحقاق لجهد السنوات لمشروع اشتغل عليه صاحبه بصبر وأناة حتى استطاع تقديم نفسه بالشكل المطلوب. وأعتقد أن ما زال في جعبته الكثير من الأعمال التي يمكن أن تدهش الناس وتضيف إلى المكتبة السردية والروائية في السودان والمكتبة العربية». وحول مواقف بركة ساكن وآرائه السياسية يقول صويم، إنه كاتب كبير، ومواقفه تستحق الالتفات إليها، سواء اختلفت معها أو اتفقت، وله إسهامه وتأثيره.

عن «أندبندنت عربية»


الكاتب : حاتم الكناني 

  

بتاريخ : 23/08/2023