عبد القادر الشاوي : السيرة الذاتية كـ «مقاولة روائية»

« بستان السيدة» و»مرابع السلوان»
و «التيهاء»

 

 

يمكن القول إن عبد القادر الشاوي قد تكرس كـ ( روائي) في المشهد الثقافي المغربي منذ عمله الأدبي الأول « كان و أخواتها» – و هو عمل للتذكير لم يكن يحمل أي بطاقة تحدد انتسابه الأجناسي، لكن النقود التي واكبت صدور هذا العمل جاءت لتكرسه ككتابة تدخل ضمن نطاق ( التخييل الذاتي / أو السيرة ذاتية المتخيلة). وقد أحاطت بصدور هذا العمل نصوص حافة ذهبت في الاتجاه ذاته نذكر من بينها بشكل كبير ( الخبز الحافي لمحمد شكري ولعبة النسيان لمحمد برادة).
مشكلة الروائيين المغاربة أنهم – بنسب متفاوتة – ظلوا عالقين في ورطة كتابية أحب أن أسميها [ ظل الكاتب] وهي بتوصيف نقدي لا غبار عليه : [ كتابة الرواية بالسيرة الذاتية] وأكبر ممثليها بالارتهان إلى متن حصري محدد هم : عبد القادر الشاوي ومحمد شكري ومحمد برادة.
*الأول من خلال مطابقة سيرة حياته بسيرة اليسار الأمامي وتجربة الاعتقال والسجن ثم الذاكرة السياسية السبعينية قبل الانتقال إلى تجربة التناوب والمصالحة مع سنوات الرصاص من خلال عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان وهيأة الإنصاف و المصالحة، وتداعيات هذا الحدث.
*الثاني من خلال مطابقة سيرة حياته بسيرة المدينة طنجة كفضاء لتمثل الأنا السيري للكاتب محمد شكري، منعكسا في المرايا البيوغرافية والسيرية لكتاب الهامش الاجتماعي جان جونيه، بول بولز وتينسي ويليامز ، حيث نجد ( الصوت الذاتي السيري لمحمد شكري) حاضرا بقوة في محكي كل أعماله الروائية ( انظر الخبز الحافي والسوق الداخلي كأكبر مثال).
* الثالث الذي يمكن اعتبار عمله السيرذاتي التخييلي  [ لعبة النسيان] المشتل الحكائي لنشأة أعماله السردية اللاحقة مثل «صيف لن يتكرر» و «آمرأة النسيان» و «الضوء الهارب» و «ودادية الهمس واللمس»… التي حافظت على ثنائية الاستلهام من السيرة الذاتية للمؤلف كـ (نص غائب)، والاسترفاد من التخييل الميتانصي الذي يشغل ( سيرة الناقد)

الميتارواية والميتاسرد والميتانقد.

شخصيا منذ أنهيت قراءة العمل الأدبي [ من قال أنا] الصادر عن الفنك 2006 بدا لي أن المشروع الروائي لعبد القادر الشاوي قد نحا بشكل ملحوظ  نحو نوع من ( تأميم) الذاكرة السياسية الجماعية التي ليس هو كذات إلا كأحد ( أصواتها)  – و هو شيء من شأنه أن يحجب عنا كقراء قراءات تخييلية غيرية صادرة عن المجموع الإنساني الذي اكتوى بتجربة السجن والاعتقال ( الحالة الوحيدة عندنا هي نص تازمامارت، الزنزانة رقم 10 لأحمد المرزوقي).
ثم إن هذا الارتهان إلى نمط كتابة روائية مجنسة كـ ( تخييل ذاتي) هو مسعى لجعل هذه الأعمال محمولة على هيمنة  إيقاع وأسلوب ( الشهادات / Témoignages) ومتحررة من قيود المعمارية الروائية.
قد تكون لصديقنا عبد القادر الشاوي و [ وهو الناقد أيضا] قراءة إلى مغامرة الشكل الروائي الذي يصفه بالتخييل الذاتي، لكن هذا لا يمنع من إبداء ملاحظة هامة وهي أنه لما نحا نحو بنية العمل الروائي في «بستان السيدة»، فإنه من وجهة نظري الشخصية التي لا تلزم أحدا، قدم أفقر عمل أدبي في مساره الإبداعي. فالعمل نص أدبي بجناح واحدة لا تقدر على التحليق بدون لجوء الكاتب إلى الهواء الميكانيكي للغة الميتاسرد.
لست مؤهلا لتقييم كيف تعامل الكاتب مع تجربة المصالحة مع الذاكرة الأسيرة  بخصوص ملفات حقوق الإنسان وعمل هيأة الإنصاف والمصالحة، هذا شأن له أهله ولن أتطاول في الموضوع، لكن الجزء الكبير من (مرابع السلوان) المتعلق برحلة الكاتب إلى الشيلي لتمثيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان في احتفال ( متحف الذاكرة) لأصوات ضحايا القمع السياسي والقتل والاعتقال، مثقل بكم من الاستطراد السيري الذاتي حول المكان والمرأة والحب والجنس من زاوية تبرز  كيف يؤثر ظل الكاتب على الفضاء التخييلي وعلى عناصر التأثيث المشهدي للمعمار السردي.
في عمله الأدبي الأخير ( التيهاء) الذي صدر مؤخرا عن دار الفنك، يواصل عبد القادر الشاوي نفس المسار: الكتابة من منظور التخييل الذاتي، وهو يستعير مقولة Manuel Alberca الواردة على ظهر الغلاف : «هذا أنا ولست أنا، أشبهني ولكني لست أنا، لكن حذار فقد أكون أنا».
ننتهي من العمل..لنجد نص السيرة في تنازع مرجعي دائم مع نص الرواية.


الكاتب : محمد علوط

  

بتاريخ : 10/07/2021

أخبار مرتبطة

الأثر الطيب والتأثير المستدام   نظمت حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي، لقاء لتقديم كتاب بعنوان « محمد الحيحي.. ذاكرة حياة»

بايعوه و باعوا له كل شيء وقف جندي بزيه المضمخ دما ليس ليقول : أنا واحد من المليون شهيد بل

أعلنت جائزة غسّان كنفاني للرواية العربية التي تنظمها وزارة الثقافة الفلسطينية عن الروايات المرشحة للقائمة الطويلة بدورتها الثالثة للعام 2024،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *