عبد القادر وساط: الفراشة المسهّمة

 

يمر الدكتور عبد القادر وساط المعروف بـ «أبو سلمى» في الفترة الأخيرة من ظروف صحية استثنائية، أبعدته عن لقاء الأصدقاء والمعارف، وألزمته المكوث في البيت..، لكنه، وكعادته، لا يستسلم للمرض ما دام يشكل بالنسبة له استثناء وظرفا عابرا كسحابة صيف، فهو يقوم بنشاطه اليومي ويمارس حياته بشكل عاد، بل أكثر من ذلك حضر في الأسابيع القليلة الماضية بصوت خافت ونبرة هادئة، تحدت المرض واخترقت جدران بيته الواقع بالدار البيضاء لتصل إلى مسامعنا عبر راديو ميدي1، بعد أن تلقى الدعوة من الإعلامي المتألق شكري البكري صاحب البرنامج الثقافي « بين قوسين»..
وفي تقديم يعتبر الأطول منذ انطلاق البرنامج، قال شكري البكري» إن الدكتور وساط ظاهرة قائمة بذاتها في المشهد الأدبي والثقافي، فلا قبعة لتوصيفه ولا جنس لتصنيفه، فهو في الشعر شاعر وذاكرة قوافي، وفي القصة قاص يبهر تجريبه، وفي الترجمة يروض النص ويلبسه روح لغته الإبداعية».
اختيار الضيف كان موفقا، واستضافته عبر الهواء فرصة للنبش في تجربة أحد الأعلام التي أعطت صورة جميلة عن الإبداع الفني والثقافي منذ سبعينيات القرن الماضي إلى اليوم، فرغم تخصصه في المجال الطبي، ظل عبد القادر وساط وفيا للريشة وعاشقا للكتابة، و باحثا في الكلمات والمعاني، وناهما في القراءة الشعرية و الروائية.
خلال هذا اللقاء، كشف الدكتور لمتتبعي ميدي 1 في هذه الحلقة المتميزة، أن اختياره مجال الطب النفسي و العقلي جاء بناء على العلاقة التي تربط بين هذا التخصص والأدب، موضحا أنه عندما أنهى دراسته في الطب العام، أخذ يفكر في تخصص التوليد وأمراض النساء، ومضى في هذا الاتجاه، حيث قطع مراحل ناجحة، لكن في النهاية بدا له بأن الطب العقلي هو المجال الأقرب إلى الآداب فوقع في اختياره.
ترك الدكتور عبد القادر وساط سمعة طيبة في الوسط الطبي، ونحت اسمه بكل دقة و عناية على أغلفة إصداراته الروائية والدواوين الشعرية، أما بالنسبة للإعلام فقد اختار له اسما مغايرا وهو «أبو سلمى» البنت الكبرى من بين ثلاثة أبنائه.
كانت للدكتور إسهامات قيمة على صفحات جريدة «الاتحاد الاشتراكي» في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وهي عبارة عن مقالات و مواضيع طبية شكلت حينها أول تجربة من نوعها في تاريخ الصحافة الوطنية، كما استهوت كلماته المتقاطعة الملايين من المواطنين، الذين يحاولون يوميا فك ألألغاز، و البحث عن جواب جدي ومناسب لسؤال مشاكس لا يخلو من المقالب وفن التمويه.
فإلى جانب المهام التي كان يقوم بها يوميا من قراءة للكتب والصحف، وانشغاله بالكتابة الشعرية والروائية، والقيام بعمله كمسؤول في الجناح الخاص بالأمراض العقلية بمستشفى المولى عبد الله بالمحمدية، كان الدكتور وساط، ومايزال، يرمي يوميا شبكته في أعماق قواميس اللغة العربية ليخرج كلمات ومصطلحات تشبه التحف النادرة، الغاية من ورائها، كما كان يردد دائما، هي دفع عشاق المربعات البيضاء إلى البحث عن الاستفادة بطريقة ممتعة.
ومنذ ظهورها إلى اليوم، مازالت الكلمات التي فضل أن يسميها صاحبها بالمسهمة، أي المزركشة وهي تحمل توقيع «أبو سلمى»، تحتل المركز الأول من حيث الاهتمام لدى القراء، بل يضطر العديد منهم إلى بترها قبل أن تملأها أقلام أخرى تتربص بها وهي تحتسي فنجان القهوة في لحظة الانتشاء.
وفي مجال الأدب، استطاع الدكتور عبد القادر وساط أن يصدر العديد من المؤلفات كان آخرها مجموعتين قصصيتين: الأولى بعنوان «النمر العاشب»و الثانية تحمل عنوان «عينان واسعتان»، كما ستصدر له قريبا عن دار أثر بالمملكة العربية السعودية، مجموعة قصصية أخرى بعنوان «مستشفى مارثا».
وعن هذا الموضوع، قال الدكتور وساط في برنامج «بين قوسين»، إن هذه الإصدارات الأخيرة هي عبارة عن تجربة نابعة أولا من عشقه للقصة القصيرة، مذكرا بالأسماء العالمية التي أبدعت في هذا الجنس الأدبي، ومن بينها الأستاذ محمد بوزفور، الذي سبق أن اشتغل معه في كتاب حواري بعنوان « الخيول لا تموت تحت السقف».
وفي سؤال يتعلق بموهبة أخرى لا يعرفها إلا القليلون، كشف وساط، فيما يشبه البوح وكأنه سر سيخرجه إلى العلن، عن ممارسته فن الرسم التجريدي والتشكيلي معا منذ عقود، مضيفا أنه عندما ينتهي من رسم لوحاته، غالبا ما يهديها إلى أصدقائه وأفراد من أسرته.
فليس من الغرابة إذن، أن يحتار الإعلامي شكري البكري في تصنيف الدكتور عبد القادر وساط، ووضعه في قالب أو خانة معينة، و هو الذي يتنقل كالفراشة المسهمة بين ألوان الورود الزاهية، ويرشف رحيقها كلما حط فوقها، ليرقى عاليا في سماء الفن والعلوم و الأدب.


الكاتب : عبد الرحيم الراوي

  

بتاريخ : 08/10/2021