عـــــــودة «الأغـــــاني» لمصطفى أنفلوس

حين يصير للهواء وقع الخطى

 


بكل المعاني يبقى الحب سلطة لا مرئية، لا يستقيم تأمل قوة تداعياته ولوعة السؤال، فورة كالدهشة تفاجئ العاشق، لتلتهب حرائق في مجاري الأحلام وتينع الكلمات ممهورة بالشوق وشغب الحنين. لحظتها يكشف الحديث كل الأسرار وتصغي النفس لترنيمات الوجدان، ترحل الكلمات “بين اختلاجات الصوت، وارتجاف الجفن ورقصات الجسد”. هكذا حين نقوى على الإنشاد يكون للصوت رجع صدى، يصير للهواء وقع الخطو يتوالى كالنقر على أديم النسيم. كل ذلك يرتله شعرا الأستاذ مصطفى أنفلوس في ديوانه ” الأغاني ” الذي ضمنه ثلاث عشرة قصيدة، سرد من خلالها كل تفاصيل دهشته، وزفرة شجنه ليعلن في الناس بهاء أسراره وزلالة مناه. “الحب هو الشيء الوحيد الذي لا يحتاج إلى تبرير، يعصر ما فيك، لكي يجعلك تغامر، تضع قلبك كله عاريا مرتجفا بنبضه، عنيدا بإيمانه تحت وطأة الاكتشاف”
هكذا يصف ما اعتراه ويأخذنا إلى كل زوايا روحه، يبسط تفاصيل رجاته وهدوئه بعد أن اكتشف لذة الذوبان في عشق رحيم. في استهلال مفعم بالانشراح لتقديم إنشاده يكشف آسرة روحه ومالكة وجده .
“وجدتها تلملم حزني وتكتب على شفاهي كلمة وحيدة وحينما سألت عينيها من أنت؟ قالت بكل دلال أنا حفيظة” من هنا تبدأ مباهج الحكاية، يدلنا شعرا عن تفاصيل أيامه، سفر بهيم يفوح بندوب الجراح، ونسائم شوق مثقلة بالأشجان.
” أنا الآتي من زمن الغبار المبلل بصقيع الجدران أنا الذي تواطأت ضدي الأنجم المطفآت انأ المشرد في وحشة زنازن رسمت أنيني أنا المعلق الذي تناسته أشواقه وجراحه، ولم يعد يملك إلا قهقهات الأشباح وأسئلة فرحة الفراغ
أنا المقيم في اللاعنوان، الذي لم يعرف ذاته إلا عندما تسائله جراحه ——– فما أحلى حضوري في عشقي وما أحلى شدوي حين يطارد شوقي ——– حينما فتحت قلبي وجدت هذه الأغاني تجوب حزني سمعت نداء يداهمني وطويت وجعي على حافة الليل. دع عنك نفسك تصغي لنغم القلب ليس السجن مكانا حين تتفقده ليس غيما حين تنشده
حلمه الدائم في أن يعانق مناه، أشرقت لحظاته في حضن عاشقة سكن وجدناها منذ شغب الصبا وارتعاش الجفون، حملت سقم انتظار خطو أثقله القيد عقدا ذميما. فاصطفاها كما هامت في هواه .
أراقص عشقي كي أبوح باسمك فوق جراحي أهديك زهرة روحي
حنينك يأخذني وعطر وجنتيك يسعدني وضوء النهار في عينيك يسحرني
أمسك بهاءك كل مساء وأكسر صدى الأنين على النداء
أعدي لي قلبك كي أنام لأعري زيف الغمام فأنت جنوني وأنت الختام
في محراب رضاه يتلو استقامة أيامه على وقع نبض الود واقتسام الأسرار، تحفه نسائم حبور وجلال وئام، أيام تورق على صدر حنان دافق وابتهال موصول لحفظ المودة والحنو الوارف بلا ظلال. لا يخفي بهجته التي تفتقت على سعتها أساريره، ونأى ما استطاع عن صقيع أيام لفته لياليها بين جدران لا تنفذ منها حتى الاحلام .


الكاتب : أحمد حبشي

  

بتاريخ : 24/01/2022