على ضوء ما تعرفه بلديات دول أخرى : متى تعمم الجماعات الترابية الدفء الثقافي والفني في محيطها وتطوّر من خدماتها الاجتماعية؟

الإشعاع الثقافي والفني، والخدمات الاجتماعية المتعددة في مخلف المستويات، تعتبر من المهام الأساسية للجماعات الترابية، التي تعدّ من آليات تحقيق التنمية في شموليتها، والتي من المفروض أن تحرص في برامج عملها على تضمين ما يلزم من فقرات تمكّن من التخفيف من حدة وصعوبات الحياة اليومية على المواطنين، سواء تعلق الأمر بالمرافق أو بالتظاهرات، هذه الأخيرة التي يجب أن تصبح طقسا يوميا لا حدثا مناسباتيا عابرا، تختزل لحظاته في مهرجانات محدودة الزمن والأثر.
هذا الوضع تعيشه معظم الجماعات الترابية، التي تتجه للقيام بالحدّ الأدنى، إذا تحقق طبعا، وتتعامل مع بعض المجالات بطابع فلكلوري، خلافا لتجارب في دول أخرى، التي للأسف يتم تنظيم الزيارات إليها في إطار تبادل الخبرات والتجارب، لكن يظل أغلبها بدون مردودية وآثار حين العودة إلى أرض الوطن على المواطنين. وهنا يمكن الوقوف على تجربة أوطاوا، العاصمة الإدارية لكندا، التي تغري بالتجول فيها ليلا وتشد إليها الإنسان نهارا، حيث الأنوار المختلفة الألوان تتلألأ في شوارع المدينة الفسيحة التي تتخللها الحدائق والنافورات وتماثيل أشهر الفنانين، وكذا قبر الجندي المجهول، احتفاء بأعياد رأس السنة الميلادية نموذجا.
هنا في هذه المدينة، حين تقف أمام مجلسي النواب والشيوخ الكندي تجدهما مفتوحين أمام المواطنين المهتمين بالسياسة، وكذا الزوار لحضور الاجتماعات والمناقشات التي يثيرها النواب. وغير بعيد تتعدد مظاهر وأشكال وسائل الترفيه الموضوعة من طرف البلدية رهن إشارة المواطنين، فبالإضافة إلى حلبة التزحلق على الجليد المخصصة لهواة هذه الرياضة من مختلف الأعمار، هناك مركز الفنون الذي صمم وفق تصميم فني رائع يحتوي على عدة قاعات للمسرح والسينما ومتاحف، بالإضافة إلى قاعات للمطالعة، وعدد من المقاهي.
الجميل بأوطاوا، إلى جانب ما سبق، هو أن البلدية تفتح أبوابها ليلا بعد انقضاء ساعات العمل، حيث يؤمها المواطنون والمواطنات للترفيه عن النفس، بالإضافة إلى متاحف خاصة بالفنون التشكيلية، وقاعة خاصة بعرض تاريخ موسيقى الروك اندرول، زيادة على مقهى يتوفر على الأكلات الخفيفة. ويسهر على حراسة البلدية عدد من الشبان والشابات يجيبون عن استفسارات المواطنين والمواطنات، كما يقوم رئيس البلدية بين الحين والآخر باستدعاء فرق موسيقية لتقديم عروض فنية في الساحة المقابلة لمدخل الجماعة، حيث يجلب المواطنون والمواطنات كراسيهم للاستماع للأغاني.
مشاهد زادت من فضولي ودفعتني لزيارة عدد من الأسواق التي تعرض مختلف المنتوجات الغذائية والألبسة والعطور المختلفة، فكانت دهشتي عظيمة لارتفاع الأسعار، حيث أن ثمن خبزة مغربية يساوي29 درهم أي 4 دولارات كندية، غير أن ذلك لا يؤثر على رواتب مواطني كندا بصفة عامة حيث أن مداخيلهم تمكنهم من قضاء أغراضهم وتوفير ما يحتاجونه من أكل وشرب وكراء ونقل، زيادة على توفير جزء منها للعطلة الصيفية، بفضل السياسة الحكومية التي تقوم على توفير احتياجات المواطنين، وهو ما يجعل الاختلاف كبيرا، في ظل موجة الغلاء وتدني القدرة الشرائية في بلادنا.
إن مما يؤسف له أن عددا من القائمين على الشأن المحلي لا يهتمون بالعديد من التفاصيل المعيشية، والمتطلبات الحياتية، التي تغذي الجسد والروح على حد سواء، ليظل المواطنون يتكبدون المشاق والصعوبات في مواجهة الارتفاع الصاروخي للأثمنة الحارقة المتواصلة، التي لا ترحم جيوبهم ورواتبهم، التي لم تعرف أية زيادة رغم طوفان الأسعار الحارقة.


الكاتب : أوطاوا: محمد بوهلال

  

بتاريخ : 26/12/2023