فنانون وجها لوجه مع الملك 3- الموسيقار عبدالله عصامي صاحب أغنية نداء الحسن

 عند التحاقي بالجوق الملكي، كنت أنجز أغاني وأقدمها للملك

هناك أحداث كثيرة ومواقف متعددة ،وذكريات تراكمت على مر السنين، منها ما تآكل مع مرور الزمن، ومنها ما استوطن في المنطقة الضبابية من الذاكرة، لكن تبقى هناك ذكريات ومواقف وصور ،عصية على الاندثار والمحو ،لأنها بكا بساطة ،كان لها في حينه ،وقع في النفس البشرية، ليمتد هذا الوقع إلى القادم من الأيام من حياة الإنسان.
في هذه الرحلة، ننبش في ذاكرة كوكبة من الفنانين ،حيث منحتهم إبداعاتهم ، تذكرة الدخول إلى قلوب الناس بدون استئذان، وهي إبداعات فنية ، استحقت كل التقدير والاحترام والتنويه داخل المغرب وخارجه، كما استحق أصحابها الاحتفاء بهم ، ويجدوا أنفسهم وجها لوجه مع ملك البلاد.
هنا نستحضر، ونسترجع بعضا من ذكريات هؤلاء الفنانين المبدعين مع ملوك المغرب ، بعدما صنعوا أسماءهم بالجد والاجتهاد والعطاءات الثرية كما وكيفا، واستطاعوا فرضها في ساحة تعج بالنجوم .

 

الموسيقار والملحن عبد الله عصامي، غنت من ألحانه نجوم الأغنية المغربية، نساء ورجالا، عبدالوهاب الدكالي، عبدالهادي بلخياط محمود الإدريسي، نعيمة سميح، سميرة سعيد، فتح الله المغاري، حياة الإدريسي، سعاد محمد، عتيقة عمار وغيرهم
ألحانه جعلت أعماله الفنية خالدة، ومازالت مهيمنة لحد الآن رغم أن عقودا من الزمن قد مرت على إنتاجها ،مازالت حاضرة بقوة خاصة في المناسبات الوطنية وغيرها، و هذا دليل ملموس على مدى الذوق الرفيع الذي كان يتمتع به الرواد، ومدى إيمانهم القوي وحرصهم على أن يكون الفن فعلا رسالة.
نداء الحسن، أو صوت الحسن ينادي، هذه الملحمة الوطنية، التي ارتفعت إلى مصاف النشيد الوطني الرسمي، بحكم أنها ترجمت بشكل فني وإبداعي، القرار السياسي والسيادي الذي اتخذه الملك الحسن الثاني،من خلال دعوته في خطاب موجه إلى الشعب المغربي، إلى تنظيم المسيرة الخضراء ،لاسترجاع الصحراء المغربية.
في هذا الباب، يقول الموسيقار والملحن عبدالله عصامي لجريدة الاتحاد الاشتراكي، لقد كانت فكرة وضع أغنية تؤرخ لهذه اللحظة التاريخية، بشكل تلقائي، دون أي أن يوحي لنا بذلك أي أحد أو أية جهة، لقد كانت المبادرة نابعة من القلب وعن قناعة.
يتذكر الموسيقار عبدالله عصامي، ويكشف لجريدة الاتحاد الاشتراكي، أن الفكرة بدأت ،حينما سمعت ككل المغاربة خطاب جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني، حول المسيرة الخضراء، إذ تأثرت بذلك ، وقلت مع نفسي ،لابد من التحرك وإنجاز عمل فني يكون في مستوى هذا الحدث التاريخي، كما هو الشأن بالنسبة لباقي الفناين ،ومن أجل تحقيق ذلك اتصلت بعبد السلام خشان رئيس الجوق الوطني، وخاطبته هل استمعت إلى خطاب سيدنا، فرد علي بالإيجاب، لأساله ماذا نحن فاعلون، ولم يتردد في منحي الضوء الأخضر، حيث بعد ذلك زرت الفنان فتح الله المغاري رحمه الله، والذي طلبت منه كتابة موضوع خول المسيرة الخضراء، فمنحني كلمات أغنيتين كان قد كتبهما، وأعطاني حق الإختيار، وبالفعل اخترت كلمات “ نداء الحسن “، حيث قمت بتلحين ذلك في زمن قياسي، ليتم تسجيلها في أقرب وقت، وشارك معنا في ذلك العديد من الفنانين بأصواتهم.
يقول عصامي لقد فكرت في لازمة افتتاحية ،فراودته فكرة عبارة ” الله اأكبر “، التي ستجعل العمل يأخذ طابعا صوفيا روحانيا خالصا، وفي العاشرة ليلا من نفس اليوم ( الأحد) ا كتملت الألحان , رقم قياسي في إنجاز نشيد وطني تقشعر له الأبدان .
وفي اليوم الموالي التقى عبدالله عصامي بعبد السلام خشان يشرح، الذي تولى مهمة التوزيع الموسيقي ووزع النوتات على أعضاء الجوق، و هو الوقت نفسه الذي كان يتوافد فيه الفنانون على التفكير في عمل فني لدعم لحظة انطلاق المسيرة الخضراء .
ومن هنا برزت فكرة الغناء بشكل جماعي ،حيث اجتمع كورال الجوقين الوطني و الملكي ، وشارك في الغناء كما تظهر الأغنية المصورة ،إسماعيل أحمد والمطرب أحمد الغرباوي وعندليب المغرب محمد الحياني ، بهيجة إدريس ، محمود الإدريسي ،عبد المنعم الجامعي محمد علي ،عماد عبد الكبير ،محمد بلبشير والجيلالي زراد ، أما العزف فكان للجوق الملكي بقيادة المايسترو عبد السلام خشان. ومساء الثلاثاء أطلقت الأغنية على أمواج الإذاعة الوطنية وعلى شاشة التلفزة المغربية،
وهي الأغنية التي تقول كلماتها
الله اكبر الله أكبر الله أكبر
صون الحسن ينادي بلسانك يا صحرا
فرحي يا أرض بلادي أرضك صبحات حرة
مرادنا لازم يكمل يالمسـيرة الخضـرا
مسيرة أمة وشعب بـولادو وبناتـو
شعارها سلم وحب والغادي سعداتو
حاملين كتاب الله وطريقنا مستقيم
إخوان فالصحرا يسالونا الرحيم
يا القاصدين الصحرا أبوابها مفتوحة
مسيرتنا الخضرا نتيجة مربوحـة
فيها أمن وسلام فتاريخ مجد الوطن
بلا حرب بلا سلاح معجـزة الزمن
قبل ذلك يقول الموسيقار عبدالله عصامي لجريدة الاتحاد الاشتراكي، علاقتي بالقصر الملكي ، بدأت حينما انضممت إلى المجموعة الصوتية بالجوق الملكي، حيث كنت أسجل قطعا غنائية في الأعياد الوطنية، وأقدمها إلى ملكنا الراحل الحسن الثاني، أو أغاني تتغنى بولي العهد آنذاك سيدي محمد أو مولاي رشيد.
وكان الموسيقار أحمد البيضاوي رحمه الله بصفته مسؤولا منحنا نحن الملحنين فرصة تلحين ستة قطع غنائية في السنة ومد الإذاعة الوطنية بها ، ويكشف عبدالله عصامي، أنه التحق بالمجموعة الصوتية في الجوق الوطني برئاسة الموسيقار أحمد البيضاوي، سنة 1963،حيث كان هناك عمالقة الفن والطرب مثل عبدالقادر الراشدي، لذلك يقول عصامي ،المرء يكبر مع الكبار، حيث كان آنذاك عبدالله عصامي ،يغني ويلحن معا، قبل الالتحاق بالجوق الملكي مع عدد من الفنانين.
ويصر الموسيقار عبدالله عصامي، على أن علاقة الملك الراحل الحسن الثاني كانت علاقة عطف ليس مع الفنانين فقط،بل مع كل شرائح المجتمع، ولم يكن الجانب المادي هو المتحكم في عطاءاتهم، بل كان الروح الوطنية هي المتحكمة، لذلك جاءت مجموعة من الأغاني الوطنية، مثل نداء الحسن، وقمة في المجد التي أداها عبدالهادي بلخياط، وغيرها، لكن قبل ذلك يتذكر عبدالله عصامي، حينما كنت مازلت في مراكش، أديت أغنية نشيد الوطن بآلة العود سنة 1958، ،كانت أغنية ممتازة وهائلة، فمنذ صغرنا تعلقنا بالحب للوطن، منذ كنا في المسيد .
الخلاصة بالنسبة للموسيقار عبد الله عصامي، أن الملك الحسن الثاني رحمه الله أو الملك محمد السادس حفظه الله، كانا يعتنيان ليس بالفنان فقط،بل بالجميع .الموسيقار والملحن عبد الله عصامي ،
درس الصولفيج، وحاز فيه الجائزة الأولى، كما حصل على الجائزة الأولى في الهارموني، وآلة العود، والوسام الأول في الكونتربوا، كما درس آلة العود، الموسيقى العربية، التوزيع وغيرها.
وفي سنة 1990 أصبح رئيسا لجوق الدار البيضاء، إلى حدود 1995، حيث أحيل على التقاعد، ليلتحق بعد ذلك بالتدريس بالمعهد الموسيقي بالدارالبيضاء.


الكاتب : من اعداد: جلال كندالي

  

بتاريخ : 25/03/2023