فنانون وجها لوجه مع الملك -30- عتيقة عمار: الملك الحسن الثاني يقول لي « ا لجبيح مزيان.. عنداك تسمعي هاد الهدرة وتكاسلي»

هناك أحداث كثيرة ومواقف متعددة ،وذكريات تراكمت على مر السنين، منها ما تآكل مع مرور الزمن، ومنها ما استوطن في المنطقة الضبابية من الذاكرة، لكن تبقى هناك ذكريات ومواقف وصور ،عصية على الاندثار والمحو ،لأنها بكا بساطة ،كان لها في حينه ،وقع في النفس البشرية، ليمتد هذا الوقع إلى القادم من الأيام من حياة الإنسان.
في هذه الرحلة، ننبش في ذاكرة كوكبة من الفنانين ،حيث منحتهم إبداعاتهم ، تذكرة الدخول إلى قلوب الناس بدون استئذان، وهي إبداعات فنية ، استحقت كل التقدير والاحترام والتنويه داخل المغرب وخارجه، كما استحق أصحابها الاحتفاء بهم ، ويجدوا أنفسهم وجها لوجه مع ملك البلاد.
هنا نستحضر، ونسترجع بعضا من ذكريات هؤلاء الفنانين المبدعين مع ملوك المغرب ، بعدما صنعوا أسماءهم بالجد والاجتهاد والعطاءات الثرية كما وكيفا، واستطاعوا فرضها في ساحة تعج بالنجوم .

 

تواصل الفنانة عتيقة عمار استحضار ذكرياتها في القصر الملكي ولقائها وجها لوجه مع الملك الراحل الحسن الثاني، وفي هذا الإطار تقول، حينما تم اقتراحي من طرف الجوق الملكي كي أكون من بين الفنانين المغاربة الذين سيحيون إحدى الحفلات، والمتعلقة بالاحتفاء بـ « شعبانة « كما يحتفي بذلك دائما المغاربة، تم الاستعداد لهذا اللقاء بشكل كبير، لأن الأمر يتعلق بالغناء أمام ملك البلاد، وهو المعروف عنه أنه ملم بعالم الموسيقى ، بل كان يحاجج في ذلك عمالقة الفن والطرب، وكانت ملاحظاته دائما صائبة وفي الصميم.
المهم، تضيف عتيقة عمار، حينما جاء دوري لأغني، تقدمت للسلام على جلالته، إنه شعور لا يوصف، من هيبته رحمه الله، أحسست وكأن قدماي لا تستطيعان حملي، في هذا الحفل كان يتواجد أيضا مؤنس جلالة الملك الحسن الثاني، « بين بين «، وهو ينحدر، كما هو معلوم، من مراكش، لما رآني، وقد علم بأنني أيضا بهجاوية « بنت مراكش «، نادى بأعلى صوته « هاهي بنت لبلاد «، وخاطبني آخرون « حمري لنا وجهنا أبنت لبلاد «.
طلب مني وأنا مقبلة على أداء الأغنية التي تمرنت عليها، إن كنت أفضل أن أمسك الميكروفون بيدي وأغني أوالعكس، ففضلت أن أمسكه بيدي، لأنني أجد في ذلك راحة، وتضيف عمار، بعد أن أديت الأغنية، بدا الكل راضيا على أدائي، فما كان من جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، إلا أن أثنى علي وقال « تبارك الله عليك، الله يرضي عليك أبنتي «، لن أنسى هذه اللحظة طيلة حياتي مازلت أتذكرها، وكأنها وقعت البارحة.
في اليوم الموالي عدنا إلى القصر الملكي، وكنت قد تمرنت على أداء إحدى الأغاني، لكن إحدى الفنانات قالت للملك الحسن الثاني رحمه الله، إنها تدربت على الأغنية التي اتفقت مع الجوق الملكي على أدائها، لكن الفنان القدير عبدالسلام خشان رئيس الجوق، تدخل وأخبر الملك بأن التمرين بخصوص هذه الأغنية كان معي، حينئد أمر جلالته أن نؤديها بشكل مشترك قائلا « كل وحدة تغني النص» .
بعد هذا الحضور توالت الدعوات ،وأتذكر تقول الفنانة عتيقة عمار، إن الملحن الكبير عبدالعاطي أمنا، قام بتلحين أغنية وطنية لي، من كلمات الشاعر الكبير وجيه فهمي صلاح ،لكن حين أردت تسجيلها، اعترضتني العديد من العقبات، وتضيف عتيقة عمار قائلة، في إحدى المرات أديت أغنية داخل القصر الملكي، من ألحان الموسيقار أحمد البيضاوي ، وقبل الأداء، استغرق وقت طويل « ف لمساوية « ،مما دعا الملك الحسن الثاني رحمه الله، إلى أن يعلق على ذلك بالقول « باينة الأغنية واعرة « ،ومرة أخرى تضيف الفنانة عتيقة عمار، أديت أغنية من ألحان المرحوم محمد بلخياط، هذا الفنان القدير ،كان خلوقا وإنسانا بكل ماتحمل الكلمة من معنى، حيث كان اللحن « شعبي وخفيف « ،وقد أعجب الملك الحسن الثاني بريتم هذه الأغنية، وبعد أن أكملتها في الأداء، قال لي الملك رحمه الله « تبارك الله عليك را لجبيح مزيان « ثم زاد قائلا « عنداك تسمعي هاد الهدرة وتكاسلي « ، لقد فرحت كثيرا بهذه الشهادة ،إلى درجة أن الكل أصبح يذكرني بها كل مرة .
وتتذكر الفنانة عتيقة عمار، أنها لما كانت تغني في حضرة الملك، من ألحان محمد بلخياط، نادى الحسن الثاني، الحاجة حليمة، وهي شخصية معروفة، وقال لها « يالله قولي صلى وسلام على رسول الله «.
لقد ترددت كثيرا على القصر الملكي، وأديت العديد من الأغاني في مناسبات عديدة، من توقيع عبداللطيف السحنوني، أحمد البيضاوي، عبدالعاطي أمنا، كما غنيت قطعا وطنية، إذ كنا ننتظر هذه المواعيد الخاصة بالأعياد الوطنية بفارغ الصبر ، كما كان التنافس بين الفنانين وخاصة الملحنين تنافسا شريفا، لذا نجد أفضل وأجود الألحان في هذه الفترة هي ألحان الأغاني الوطنية، وتضيف أنه ذات مرة، كانت تغني أمام الملك الراحل الحسن الثاني، أغنية من ألحان الموسيقار أحمد البيضاوي، وحين انتهيت من أدائها تقول الفنانة عتيقة عمار، سأل الحسن الثاني ،من تلك الفنانة المصرية التي غنت من ألحان أحمد البيضاوي، فكان الجواب، هو الفنانة هدى سلطان، فقال لهم جلالته، « عطيوها لهاد البنت غتغني أحسن منها، وإلمغناتها أفضل منها هانا هانتوما «، لقد فرحت كثيرا بهذه الشهادة تقول عتيقة عمار ،شهادة من ملك عظيم وفنان كبير اسمه الحسن الثاني رحمه الله.

 

 


الكاتب : إعداد جلال كندالي

  

بتاريخ : 28/04/2023