في أربعينية إدريس الخوري … مدارات من رحيل بحجم الألم

أربعون يوما على رحيلك هناك في عوالم سرمدية، تعود معها صورتك وصوتك الأجش الذي لا يزال رنينه يصدح في ذاكرة أمكنة عديدة جمعتنا، لعل أجملها كان بالصويرة عبر حكايات كثيرة مترعة بكؤوس تشهد على جمال المكان بمقهى باب لعشور أو بمقهى الشاطئ، في مدينة كنت تجد فيها كل السحر وأصوات النوارس وترانيم القداس بالكنيسة المجاورة وكسكس لالا فاطمة بزيت الأركان، الوالدة التي بكت كثيرا عندما أخبرتها بأنك رحلت دون استئدان ……
مؤخرا زرت الصويرة ولالا فاطمة كما هي عادتي، عدت الى مقهانا المفضل، المقهى الذي كان يفضله الراحل ادموند عمران المالح عندما كان يسيح بنا في كتابه «أيلان وليل الحكي» الذي ترجمه الفاضل محمد الشركي، في ليلة هادئة، تغفو فيها موكادور على ركبة البحر قبل أن تنام، قمت خلالها بقراءة الفاتحة ترحما على روحك الطاهرة التي تشبه المحيط في شساعته وتيهانه …
أعظم قرار فعلته هو أن ترحل في هذا الزمن الجاف الذي كنت تكره تفاصيله، كنت تقول لي بأن هناك في وجوه الناس مشاكل كثيرة، كثير من الحزن والعبوس وهو ما ولد لديك عصبية كثيرا ما كانت تدمع معها عيناك بأحاسيس مرهفة، والغريب فيك أنك كنت تدرك وبمشهد حدسي غريب مبكر عظمة ما تنطوي عليه روحك عندما كنت تركن إلى قرارة نفسك بما كانت عليه، وهي أشياء تعلمتها منك، وأنا في بداية تلعثمي الأول في الكتابة والنقد عبر صفحة «على الطريق» التي جمعتني يوما بالأسمراني الجميل سعيد منتسب وبالقاص عز الدين الماعزي وغيرهم …
أبا ادريس، أما كان لك أن تنتظر بعض الشيء حتى نشبع من فيض روحك؟ ونشرب نخب حياة تهرب منا كل يوم، خصوصا وأن الأقدار رمتني إلى مدينة سفلى، أعيش فيها زمني الضائع، وهي المدينة التي كنت قد سميتها في مجموعة قصصية صدرت لك آنذاك بمدينة التراب، يا لسخرية القدر، مجموعة قصصية اكتشف معها العالم أن هناك مدنا فارغة من المعنى إلا من أشباح وأصداء بشرية واهنة وحزينة تجر خلالها تاريخا من الغبن والتشفي والموت البطيء ….
أبا ادريس كيف تخرج من بيننا خلسة وأنت المتوج بيننا إنسانا ومبدعا وفنانا؟، وأنت الذي ملكت معها قوة وعبقرية كانت تأتيك من روحك ومعدنك الصلب الذي أخفق هذه المرة في الصمود في امتحان وجودي لا نجد أمامه غير الصمت والتأمل …
صحيح أن موتك، كما موت العديد ممن هربوا من دنيانا متوجين بكل الحب والتقدير، يجعلنا نقوم بمساءلة معرفية عن هذا الإخفاق الذي يمس الأشياء الجميلة التي تنكسر بسرعة كالأمواج، كنت تقول للجميع بأن الابداع هو مصادرة للموت ونظرة للحياة تكون بديلة في لحظات كنت تحرص على أن تكون ملهمة للروح وللجسد معا، جعلتنا ندرك من خلالها أن الموت هو القاعدة وأن الحياة مجرد استثناء …
أبا ادريس وداعا أيها البهي الشهي، فقد تعددت الأسباب والموت واحد، لكن موت المبدعين موت متعدد يموت عندما يكون داخل عصره ويموت أيضا حين يكون خارج العصر…

باحث أكاديمي


الكاتب : محمد دخاي

  

بتاريخ : 01/04/2022