في التجمع الحاشد بالعيون، الكاتب الأول ادريس لشكر: من مسيرة التحرير إلى مسيرة الوحدة إلى مسيرة التنمية… ظل الاتحاد وسيظل في قلب الجبهة الوطنية الموحدة

أيها الحضور الكريم من ضيوف، و شيوخ وأعيان وممثلين للقبائل الصحراوية في هذه الجهة العزيزة على بلادنا،تحية لكم ، وتحية لكل الحاضرات والحاضرين، تحية لكل من حضر من مختلف مناطق الجهة إلى حاضرة العيون لكي نتبادل الحديث حول قضايا بلادنا و ننصت لبعضنا البعض حول القضية المركزية ألا وهي قضية الوحدة الوطنية .

مسيرة التحرير، يوم قال محمد الخامس :إنني على استعداد لحمل السلاح

ونحن نجتمع الآن ، وطيلة الطريق الى مقر تجمعنا هذا، رجعت بي الذاكرة إلى أبناء هذه المنطقة الأشاوس ، وإذ نترحم جميعا على المجاهدين من الآباء والأجداد نرجع بالذاكرة قليلا إلى الوراء لكي نتحدث حول ما سطروه من روائع ومفاخر في ثورة الملك والشعب و نستعيد من خلال هذه الجلسة الاعتزاز الكبير بما أسدوه من ملاحم. ويكفي ، وهنا العودة إلى شهر فبراير هذا ، وفيه لا يمكن للعيون وكل مناطق الصحراء إلا أن تتذكر الملاحم التاريخية الخالدة وأساسا منها محطتان :
المحطة الأولى ، كانت هي معركة «الدشيرة » الخالدة والمحطة الثانية هي المسيرة الخضراء وجلاء آخر جندي أجنبي عن هذه الأقاليم الجنوبية ؛
ولا شك أن من بين الحاضرين معنا من يتذكر أنه من بعد عودة المغفور له محمد الخامس رحمه الله وأسرته من المنفى ، هبَّ أعيان هذه المنطقة ومثُلوا بين يدي جلالته ، وقد جاؤوا خصيصا لتجديد البيعة وتأكيد إرادتهم على مواصلة الكفاح لتحقيق الوحدة الترابية. وقتها خاطبهم جلالة الملك محمد الخامس وقال لهم «إنني على استعداد لحمل السلاح مع أبنائي للجهاد واسترجاع المناطق المحتلة» . ونحن نتحدث قبل أن تستقل الجزائر وقبل أن تطرح قضية الصحراء في الأمم المتحدة، نتحدث عن نهاية الخمسينيات ، ومنها يوم 25 فبراير 1958 الذي سيشكل محطة بارزة في مسار استكمال الوحدة الترابية، لماذا؟ لأن تجمعا كبيرا سيعقد وقتها في محاميد الغزلان بزاكورة، وسيختار أبناء هذه المنطقة كذلك ، من شيوخ وأعيان ،تشكيل وفود والتوجه إلى محاميد الغزلان لتأكيد استمرارهم في الكفاح ؛
هنا انطلق جيش التحرير ، وكانت تلك المعارك الكبرى لتحرير الصحراء من الاحتلال الإسباني، وبالفعل كانت معركة الدشيرة، ومعركة الدشيرة جاءت استمرارا لمعارك أخرى فيها أم لعشار والسويحات وأكادير أفلا ، وهذه كلها معارك أدارها جيش التحرير في هذه المناطق وبأبناء الصحراء وبأعضاء جيش التحرير الذين كانوا كلهم في هذه المنطقة من الجنوب ومن الأقاليم الصحراوية. ذلك الكفاح المسلح الذي كاد أن يهزم إسبانيا لولا تحالف فرنسا وإسبانيا والقيام بعملية «المكنسة»أو «ايكوفيون» والتي كانوا يهدفون من ورائها إلى «كنس» هذه المنطقة من المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وكانت من أخطر العمليات التي قام بها المستعمر ضد جيش التحرير،مما اضطر هذا الاخير وقتها إلى الانسحاب إلى الشمال..
أخواتي أخواني ، هذه هي حقيقة التاريخ في الصحراء. ومن وقتها لم يتخلف المغرب نهائيا عن طرح القضية، وهكذا طرحت قضية الصحراء أساسا في سجلات الأمم المتحدة في سنة 62 قبل أن تستقل الجزائر عن فرنسا ، في ذلك الوقت طرح المغرب على الأمم المتحدة مطلب تحرير المنطقة الصحراوية، هذا هو التاريخ الحقيقي للصحراء المغربية، الصحراء التي أصر وتحرك وقاوم وتسلح أبناؤها وذهبوا إلى إخوانهم في الداخل لتأكيد وحدتنا جميعا، للتأكيد أن المغاربة في صحرائهم والصحراويين في مغربهم ، ونحن جميعا إخوة متراصين.
مسيرة التحرير هاته، و التي كان بطلها محمد الخامس رحمة الله، لم تؤد وقتها إلى تحرير الصحراء، كما أراد المغفور له محمد الخامس والقوى الحية في البلاد وإن أكدت أن الملك الراحل كان على ارتباط وثيق بالمقاومة في المنطقة ،إن لم نعتبره الموجه للمقاومة وجيش التحرير وللمعارك التي وقعت حينها.
وحتى لا ننسى، فمن بعد خطاب طنجة سنة 1947 كان هناك خطابان ملكيان ورسائل واضحة بأن الملكية بقيادة محمد الخامس الى جانب أبناء شعبه سيقاتل ويجاهد ، و قد استعمل كلمة الجهاد من أجل تحرير الصحراء..
لكن ،مع كامل الأسف عاكسته الأوضاع الدولية والقطبية التي كانت قائمة وقتها، حيث أن قطب الاتحاد السوفياتي كان بطبيعته مع النظام الجزائري والغرب ، باعتباره القوى المستعمرة، كانت عنده أطماع وخطط بعدم إرجاع الصحراء إلى مغربها، وهذا بطبيعة الحال جعل المغرب في وضعية صعبة وعشنا مؤامرات من طرف هؤلاء وأولئك أدت إلى أنه لا يمكن نهائيا طبقا لموازين القوى التي كانت عالميا أن يتم تحرير الصحراء بالسلاح فاختار الحسن الثاني، وكان مبدعا حقيقيا في مبادرته، أسلوبا آخر لاسترجاع هذه الصحراء هو المسيرة الخضراء ؛

المسيرة الخضراء… مسيرة الوحدة

المسيرة الخضراء هي مسيرة المغاربة جميعا وتذكرون أنه في وقتها ، من كل مدينة مدينة ، من كل قرية قرية و من كل دوار دوار ، شارك المغاربة في المسيرة ولو بعضو واحد أو اثنين . وشاركت المرأة المغربية ، كما تتذكرون بنسبة 10%، ويمكننا القولان الكوطا بدأت في الجهاد ، و مع الجهاد..
وبعد استرجاع الصحراء، وفي فبراير 76 كان انسحاب آخر جندي إسباني من هذه ارض الصحراء الطاهرة .
أخواتي إخواني أيها الحضور الكريم،
بطبيعة الحال خرجنا من مسيرة ، كما قلت ، مسيرة الجهاد والتحرير إلى مسيرة أخرى وهي مسيرة الوحدة التي قادها الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله ، ولم تكن الأمور سهلة ، ويذكر أبناء الصحراء ، ما عاناه الشعب المغربي برمته وما عاناه أبناء الصحراء بصفة خاصة.. ، وكان ميزان القوى مختلا لصالح الجارة الجزائر التي كانت مدعومة من طرف قادة ليبيا الذين سلحوا وقدموا الأموال، و تم استغلال الوضع الاقتصادي الذي تنعمت فيه الجزائر بعد حرب أكتوبر 73 والذي أدى إلى تخمة في الثروات وظفها نظام الجزائر كلها مع كامل الأسف ضد المغرب.
ومسيرة الوحدة هذه ضحى من أجلها المغاربة وعلى رأسهم أبناء هذه الأقاليم الجنوبية الذين تعرضوا للذبح وتعرضوا للهجومات ، حيث لم تكن هناك لا جدران أمنية ولا تسليح يقيم التوازن المطلوب في المواجهات.. ، وكانت الصعوبة أن الدعم لم يكن غربيا ولا شرقيا ولذلك عول المغاربة على أنفسهم وعول الصحراويون على أنفسهم وعولنا جميعا على كفاحنا كمغاربة من أجل الحفاظ على الوحدة الترابية.

من حسن حظ هذا الوطن أن الأمانة تنتقل من ملك لملك

المسيرة كانت طويلة ، لكن ومن حسن حظ هذا الوطن أن الأمانة تنتقل من ملك لملك ، وانتقلت الأمانة إلى جلالة الملك محمد السادس نصره الله.
وعندما ربطتم الحاضر بالماضي، ورجعتم إلى بعض الخطب ستجدون فيها صدى خطاب «محاميد الغزلان»، ذلك الذي قاله محمد الخامس رحمه الله في محاميد الغزلان ، وما قاله الحسن الثاني رحمه الله في خطاب المسيرة ، ستجدون صداه في كل خطب جلالة الملك محمد السادس والذي استطاع بحكمة وتبصر وصرامة في نفس الوقت أن يقوي موقع المغرب، جلالة الملك محمد السادس عندما تحدث بكل صرامة قال «إن المغرب سيتعامل انطلاقا من نظارات الصحراء التي يرى بها العالم »…
إن المغرب اختار بكل مسؤولية الدفاع عن وحدة ترابه، وإذا كنا في ظروف معينة خرجنا من منظمة الوحدة الإفريقية، وإذا كان المغرب في ظروف معينة قبل الاستفتاء لأنه لم يكن أمامنا وقتها أي حل إلا القبول به وإلا سينهار كل شيء، لكن تغير الظروف وتغير موازين القوى أدى إلى أن المغرب ، الذي لديه مشروع قوي ، أصبح له صدى في مختلف مناطق العالم ؛ كل الدول وكل المنظمات ، إقليمية وجهوية ودولية بدأت تتعامل مع المغرب بنوع من الندية، وهذه الندية هي التي أتت بالمكاسب التي تحققت خلال السنوات الأخيرة :
المكسب الأول ، كان في العودة إلى الاتحاد الإفريقي، وفي العودة إلى الاتحاد الإفريقي عودة إلى عمقنا الإفريقي
والمكسب الثاني ، هو إجلاء الانفصاليين عن منطقة «الكركرات» في الحدود مع موريطانيا ، وهذا الأمر جعل العمق الإفريقي للمغرب بدون أي حاجز أو عائق.
المكسب الثالث والأساسي ، هو اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة المغربية على الصحراء، بطبيعة الحال هذا سيخلق لدى من تعودوا على استعباد الناس واستعمارهم والاستيلاء على خيراتهم (سيخلق) عندهم نوعا من الحقد والحسد وهو ما تحدث عنه المتحدثون بأن دولا أوربية لم تعجبها هذه الندية التي تعيشونها في بلدكم .
لاشك أن كبار السن منكم يتذكرون كيف كانت إسبانيا تتعامل معنا، لا بصدد بيع المتوجات الفلاحية المغربية إلى أوربا ومرورها بإسبانيا ولا بالنسبة لصيد السمك والمطالب التي كانت لهم، ولا بالنسبة لمجموعة من الامتيازات وكانوا يحاولون الحفاظ على تلك العلاقة التي هم فيها «فوق» ونحن «تحت» على أساس الاستمرار في الاستفادة من البقرة الحلوب. المغرب في عهد محمد السادس أكد للجميع أننا دولة بمشروع وأن الدولة لن تتنازل قيد أنملة عن صحرائها وأننا سندافع عليها. بالغالي والنفيس .
اليوم نعقد هذا التجمع الذي يمكن أن نسميه عرسا نضاليا كبيرا لنكون جميعا شهودا على المشروع التنموي الكبير التي تنجزه بلادكم في الأقاليم الجنوبية:
وهنا أتساءل معكم : هل هذه هي العيون التي تركت إسبانيا لما غادرت البلاد؟ هل تركت إسبانيا هذه البنيات الأساسية من مطار وميناء وطريق سيار وهذه المباني التي رأيناها اليوم في حاضرة الجهة ؟! اليوم رأينا مدينة مغربية ، رأيناها ترقى وتتجاوز عواصم دول إفريقية، عحيث لا ترقى إلى مدينتكم العيون . هناك مجهود حقيقي، يمكن لي أن أقول بكل مسؤولية بأن ما تعيشه الأقاليم الجنوبية هو نهوض تنموي كبير .
و هنا نسأل أيضا : إخواننا المحتجزون في الجزائر ، كم مكثوا في مخيمات اللاجئين بتندوف ، عندما اختاروا أو أرغموا على الذهاب إلى تندوف ليستعملوا كورقة إلى يومنا هذا ، كم مكثوا هناك؟ وما هي أوضاعهم؟ وأنتم ترون الجواب في الخيام التي يضعونها لهم ويبيعون لهم الوهم، وأنا متأكد أنه إذا فتحت الأبواب لأبنائنا هناك والذين نريد أن يكونوا بخير سيلتحقون بكم وبأبناء وطنهم.

أخواتي اخواني

من الواجب أن ينخرط الجميع في مشروعنا التنموي في هذه المناطق الجنوبية بدون أن تعجزنا المسألة المادية ، لتمويل هذا المشروع أو ذاك أو لتحقيق هذه المنفعة أو تلك ، فالصحراء بحاجة لأي درهم مغربي حتى نقدم النموذج البديل الحقيقي لما عليه الصحراء الموحدة ، الصحراء المغربية،
ولذلك ومن قبيل إنصافكم أنتم وإنصاف أبنائكم أن يكون في جهة العوين مستشفى جامعي و من قبيل الإنصاف أن يكون بالجهة ذلك المركب الثقافي الترفيهي والرياضي الذي رأيناه صبيحة هذا اليوم والذي سيكون في خذمة أولادكم وبناتكم اللواتي سيكون لهن أيضا مركب نسوي يمارسن فيه رياضة كرة القدم والسباحة والتثقيف .. علاوة على معلمة المكتبة الوسائطية المبهرة.
بكل مسؤولية أكرر بأن تجمعكم اليوم يؤكد للخصوم أنكم جبهة موحدة ، جبهة متحدة ، جبهة وراء جلالة الملك . ورسالتنا جميعا هي أن المغاربة لا يفرقهم الانتماء لهذا الحزب أو ذاك عندما يتعلق الأمر بقضيتنا الوطنية ، فنحن جميعا مغاربة ، وكلنا دافعنا وندافع وسندافع عن مغربية صحرائنا.
وإذ أنوه بحذركم و يقظتكم و كفاحكم لا يسعني إلا أن أنوه بوحدتكم، والدليل أننا نحن نقوم بالمعارضة في المغرب كله ولكن لا نقوم بالمعارضة في الصحراء، نحن محليا وجهويا في هذه المنطقة مستعدون للانخراط من أجل أن تنمو هذه المنطقة ويكون جوابنا جوابا واحدا لكل الخصوم ولكل الأعداء ولذلك ستجدوننا جميعا موحدين.