في بلاد عزرا باوند، الشعر يستعيد بريقه

 

«إن مات الشعر أين سيكون أمل العالم»، هذا الترابط غير المنفصم بين الشعر والأمل والحياة الذي تعكسه مقولة الشاعر السنغالي الشهير ليوبولد سيدار سنغور، يجد له صدى واسعا في الولايات المتحدة، حيث يتزايد الإقبال على الشعر المعاصر بإيقاع غير مسبوق يدفع بالنقاد المتتبعين إلى الحديث عن عصر جديد من هذا النوع الأدبي.

منذ فجر التاريخ، كان الشعر موجودا دائما باعتباره ذلك «العالم» اللامحدود الذي يقدم هوامش تعبير لا يمكن فهمها من الوهلة الأولى، حيث تحتدم المنافسة بين الخيال والواقع وتتأرجح المشاعر على ضفاف السعادة والحزن والفرح وخيبة الأمل.
كتبت الكاتبة الأمريكية ليا أسميلش أنه «مر وقت، ليس ببعيد، كان فيه بالإمكان ذكر شاعر واحد أو اثنين فقط، وعادة ما يتعلق الأمر بشخصيات غادرتنا منذ زمن بعيد مثل روبرت فروست أو والت ويتمان».
لكن، على أرض عزرا باوند وإدغار آلان بو ومايا أنجيلو، تغير هذا الواقع بشكل جذري خلال السنوات الأخيرة وبدأ الشعر باعتباره شكلا بديعا من الفن والتعبير يحقق مزيدا من الحضور، ولم يعد حكرا على النخبة.
وفي تحليل نشر على الموقع الإلكتروني لقناة «سي إن إن» الأمريكية، اعتبرت الكاتبة أسميلش أنه على الرغم من أن الشعر كان موجودا على مر العصور، وقوبل في صفوف العامة بالإشادة، إلا أن هذا النوع يجد له حياة جديدة في المخيلة الجماعية اليوم، مشيرة إلى أن الشعر لم يعد مرادفا للدروس الرتيبة داخل حجرات الدراسة.
هذا الاعتراف المتميز بـ»قوة الكلمة وجمالها» في أرض العم سام، برز جليا في عام 2021 عندما منحت مؤسسة «ماك آرثر»، وهي مؤسسة خيرية شهيرة مقرها في شيكاغو، «منحة العبقرية» المرموقة لثلاثة شعراء، كان أولهم في سنة 1998، وهم حنيف عبد الرقيب، ودون مي تشوي، وريجنالد دواين بيتس.
وتأتي المشاركة المتميزة للشابة أماندا جورمان في حفل تنصيب الرئيس جو بايدن في يناير 2021 لتؤكد المكانة المتزايدة التي أصبح يحظى بها الشعر على الساحة الأمريكية.

وحسب أسميلش، لم يكن من الممكن أن تحدث هذه «الطفرة الشعرية» في الولايات المتحدة لولا المساهمة الكبيرة «للشعراء السود»، ولا سيما أولئك المنحدرين من أصل إفريقي الذين يتمتعون في الوقت الراهن بمزيد من الدعم الواضح من دور النشر والمنظمات الخيرية.
وفي هذا الصدد، قال الشاعر تييمبا جيس، الذي تألق في قصائده الشعرية «ليدبيلي» و»أوليو»، لشبكة «سي إن إن» إنه «على مدى السنوات الـ25 والـ30 الماضية، كانت هناك نهضة في الشعر الأسود، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى المنح وعمل العديد من المنظمات» التي تدعم الشعراء.
وقال الحائز على جائزة بوليتزر المرموقة إن منظمات مثل «أوبدسيان»، وهي مجلة أدبية تدعم الأعمال الأدبية الإفريقية، و «واترينغ هول»، التي تعمل على الترويج لمنشورات «الشعراء السود» من الجنوب، جعلت من الممكن عيش «هذه اللحظة من التألق».
من جهة أخرى، يرى بعض النقاد أن القصائد الشعرية تطورت على مر السنين وأصبحت في متناول القراء من جميع المعتقدات.
وفي هذا السياق، تؤكد الشاعرة أدا ليمون أن «معظم القراء لا يحتاجون إلى الاطلاع على مرجعية سونيتات شكسبير لتثمين القصائد المعاصرة».وأضافت «ربما كانت هناك مراجع أدبية أو لغة معينة جعلت الأشعار في متناول الشعراء» فقط، موضحة أن القارئ المعاصر أصبح أكثر ارتباطا بالنص الذي يتطرق لاضطرابات التجربة الإنسانية بكل تجلياتها، وفي الوقت ذاته، ببعده التجريدي والفكري، حيث إن القصائد أصبحت في متناول القارئ العادي.
وقالت «هناك اعتراف معين بأن الشعر دخل في حوار مع أشخاص حقيقيين ولم يبق حكرا على الوسط الأكاديمي».
ويبدو أن الشعر أصبح، بفضل هذا التحول، أكثر شهرة وأضحى متاحا للجمهور الأمريكي كما يعكسه العدد المتزايد لقرائه.
وحسب الإحصاءات الصادرة عن الصندوق الوطني للفنون سنة 2018، فإن 28 مليون أمريكي بالغ، وخاصة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 سنة، قرؤوا قصائد خلال سنة 2017، وهو رقم قياسي لم يتم تسجيله منذ عام 2002.
كما ساهمت عوامل أخرى في تنامي الإقبال على الشعر في الولايات المتحدة، لا سيما انتشار البودكاست المخصص لهذا النوع الأدبي والصعود القوي للشعراء الشباب مثل أوسيان فوونغ ومورغان باركر الذين يثيرون اهتمام عدد كبير من القراء.

لكن شبكات التواصل الاجتماعي هي التي ساهمت، حسب الشاعرة ليمون، في تحقيق تقارب بين عامة الشعب الأمريكي والشعر، مضيفة «أعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي سمحت للشعر بأن يصبح في متناول الجميع».
وأشارت إلى أن الحسابات المخصصة للشعر على انستغرام وفايسبوك ومختلف المنصات الأخرى، علاوة على الإقبال المتزايد على شبكات التواصل الاجتماعي من قبل الشعراء للترويج لأعمالهم، غيرت الطريقة التي كان يصل بها هذا الجنس الأدبي إلى الجمهور، مبرزة أن هذا النوع من «اللقاءات وجها لوجه مع الشعر المعاصر والقديم» يعد عنصرا حاسما في الدينامية الأدبية الحالية.
من جهة أخرى، يأتي العدد المتزايد لهواة الشعر الذين يتوافدون على المواقع الإلكترونية المخصصة، لينضاف إلى هذا الزخم الجديد. ففي سنة 2021، سجلت بوابة «Poets.org»، التي تنشر قصيدة يوميا، أكثر من مليون زيارة، علاوة على تنامي عدد المنظمات التي تعرض نشر أعمال الشعراء بشكل مجاني.
ويعد هذا الزخم، الذي ينجلي عبر جوانب مختلفة، بالنسبة للبعض، بمثابة العصر الذهبي الحقيقي للشعر الأمريكي، بينما يرى البعض الآخر أنه امتداد جعل من الممكن إزالة هذا النوع الأدبي من يد النخبة وتقريبه من عامة الناس المرتبطين ارتباطا وثيقا بـ»قوة الكلمة وجمالها».


الكاتب : كريم اعويفية (و.م.ع)

  

بتاريخ : 23/04/2022