في تقرير “جودة التربية والتكوين في المغرب في ظل دستور 2011.. عشر سنوات من التردد»

عدد المنقطعين عن الدراسة بلغ ذروته سنة 2015 بأكثر من نصف مليون منقطع أي حوالي 9 في المئة من إجمالي عدد المتمدرسين في التعليم العمومي

 

أكد تقرير للخبير التربوي عبد الناصر ناجي، رئيس “الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم-أماكن» أن تدريس العلوم والرياضيات يشهد أزمة عميقة تتجلى بشكل خالص في ضعف التعلمات وفي انخفاض اهتمام المتعلمين بمادتي العلوم والرياضيات، وعزا الناجي ذلك إلى أن المواد العلمية يتم تدريسها بشكل لا يحفز التلاميذ، حيث أظهرت الدراسة التي نشرتها شبكة المعلومات بأوروبا أن المستوى المعرفي الذي وصل إليه التلاميذ مرتبط بمدى كفاءة مدرسيهم وأن التركيز على العمل التطبيقي يسمح ببناء التفكير المنطقي للعلماء الأكثر تعقيدا، ومن هنا، يقول الخبير التربوي، تأتي أهمية تعزيز تكوين المدرسين وتعزيز أساليب التدريس المبتكر. واعتبر عبد الناصر الناجي في تقرير معنون بـ”جودة التربية والتكوين في المغرب في ظل دستور 2011.. عشر سنوات من التردد” ، أن هناك ثلاثة أبعاد من قبل المتخصصين في الديداكتيك لتيسير تدريس العلوم وهي : الاختلافات في المواقف والاهتمامات بين الفتيات والفتيان، إلمام المدرس بتنفيذ التجارب المعقدة، مراعاة المفاهيم العفوية للتلاميذ وأساليب الاستدلال لديهم.
التقرير أورد أن النتائج التي يحصل عليها التلاميذ في الامتحانات تعتمد بشكل أساسي على عاملين : متطلبات الامتحانات ومتطلبات المناهج، وخلص في هذا السياق إلى أن التلميذ قد يحصل على نتائج مرضية لكن دون أن يكون لديه بالضرورة مستوى تعليمي مرض، ويرجع السبب في ذلك، حسب التقرير دائما، إما لأن متطلبات المنهاج كانت أقل مما كان ينبغي، أو لأن متطلبات الاختبار لا ترقى إلى مستوى المنهاج أو كليهما، كما أن الامتحانات تتأثر أحيانا يقول الخبير التربوي بالقرار السياسي عندما يهدف إلى نسبة نجاح معينة فيتم الشعور بصعوبة أو سهولة الاختبارات طوعا أو لا إراديا وفي هذه الحالة يتم التدبير بالنتائج متحيزا بشكل مضاعف، لأن هذه الأخيرة لا تعكس المستوى الحقيقي للمتعلمين.
وفي هذا السياق أكد التقرير أن النتائج التي حصل عليها التلاميذ المغاربة في التقييمات الدولية تظهر الطريق الطويل الذي لا يزال يتعين سلكه في هذا المجال، حيث أن هذه التقييمات تكشف عن فجوة كبيرة بين متطلبات المنهاج على المستوى الدولي وما يتم تدريسه بالفعل للتلاميذ المغاربة، والذي لا يتوافق مع ماهو مقرر في المناهج الرسمية. وأرجع التقرير ذلك لأسباب مختلفة تتعلق بالفجوات الهائلة في التكوين الأساس للمدرسين وفي التطور المهني لكفاياتهم ونقل التواصل بين المصممين والممارسين ونقص التقييم والرصد … مؤكدا أن ممارسات تقييم التعلمات الحالية في المغرب تعمل فقط على إبراز هذه الفجوات كما تلعب المراقبة المستمرة دور التقييم الاجمالي حصريا بجميع مستويات التعليم بدل أن تقوم بدور التقييم التكويني ويتم استخدامها كصمام أمان لنظام التعليم.
وخلص التقرير في هذا الصدد إلى أن هذا النوع من التقييم لا يسمح سوى بتضخيم نقط التلاميذ للتعويض عن النتائج الكارثية المسجلة في الامتحانات بل يحفز أحيانا على الهجرة، يقول التقرير، إلى التعليم الخاص الذي يتساهل في النقط الممنوحة في المراقبة المستمرة وبالنسبة للتعليم العمومي فقد أصبحت الدروس الخصوصية المدفوعة الأجر عملة رائجة بالنسبة لبعض المدرسين وبمثابة مراقبة مستمرة بطريقة أخرى اكثر خطورة.
تقرير «جودة التربية و التعليم في ظل دستور 2011عشر سنوات من التردد» أكد أن التقييم الاشهادي الذي يتم تحقيقه بواسطة امتحانات نهاية السنة يخضع عمليا للمنهاج الحقيقي الذي يتم تنفيذه فعليا في الفصول الدراسية بدلا من أن تمليه تعليمات المنهاج الرسمي وهي طريقة، حسب التقرير، تخلق سباقا نحو القاع مما يؤثر على جودة التعلمات. وانتقد التقرير في هذا الصدد النظام الذي يحكم امتحان البكالوريا داعيا إلى أنه حان الوقت لإزالته لكونه يعتمد مستوى التحكم في الكفايات في بعض المواد الدراسية قبل عام واحد من خلال الامتحان الجهوي متسائلا : من قال إنه بعد مرور عام من إنجاز التقييم سيبقى مستوى التلميذ على حاله أو أنه سيتدهور؟ مشيرا إلى أن هذه المواد يستمر تدريسها في السنة الثانية من البكالوريا لكن مع تهميش واضح، خاصة في مؤسسات التعليم الخاص التي تركز على الإعداد للامتحان الوطني الذي لا يمتحن فيه التلاميذ في هذه المواد.
وبالنسبة لمناهج المستويات المختلفة شدد التقرير على أن تصميمها تم على عجل بطريقة مجزاة و منعزولة، ولم يتم تنفيذ عمليات المراجعة التي تمت على مستوى المناهج كجزء من نهج نسقي يشمل جميع مستويات التعليم المدرسي ناهيك عن التعليم العالي باعتباره امتدادا طبيعيا لقطاع التعليم المدرسي، مشيرا إلى أنه من المألوف العثور على اختلافات في المقاربات بين برامج ومستويات التعليم المختلفة في نفس المواد الدراسية فضلا عن التكرار والتناقضات، والسبب حسب التقرير، أن لجان مراجعة البرامج الدراسية المختلفة تعمل بطريقة منعزلة دون أن تكون ملزمة بالتوافق مع مرجع مشترك أي الإطار المرجعي الوطني للمنهاج الذي لا تتوفر عليه المنظومة التربوية المغربية ودون أن تكون على علم بالمتطلبات على مستوى التعليم العالي.
ولم يغفل التقرير توجيه سهام الانتقاد لبعض المسؤولين الذين يسارعون إلى إلقاء اللوم على الآخرين في الفشل عندما تواجههم المشاكل والذين يسمحون لأنفسهم بتقييم الآخرين بدل أن يلقوا باللوم على أنفسهم في ما وصلوا إليه من عدم الوصول إلى الأهداف التي حددوها لأنفسهم.
وبخصوص أهداف الإصلاح المرتبط بميثاق التربية والتكوين استنتج التقريرأنه لم يتم تحقيق العديد منها، وذلك راجع إلى نقص الموارد الذي يتجلى أولا في ما يتعلق بالولوج إلى التعليم حيث لم يتم بناء مدارس كافية لتحقيق هدف التعليم للجميع وخاصة في الوسط القروي وثانيا على مستوى الموارد التعليمية التي لا تكفي لضمان جودة التعلم حيث يلاحظ عدد من المدرسين عدم وجود موارد تعليمية في فصولهم مما يمنعهم من أداء مهمتهم التدريسية في أفضل الظروف، ودعا التقرير إلى ضرورة الاستثمار في جودة التعلمات حتى نتمكن من استخدام الأموال المكتسبة في تحسين جودة التعليم.
وفي محور أخر من محاور هذا التقرير الهام الذي أصدرته جمعية اماكن، تم التطرق إلى المسؤولية الاجتماعية للمدرسة، وأورد إحصائيات بالآلاف عن عدد التلاميذ المنقطعين عن الدراسة، مؤكدا أن الشباب من الأسر الفقيرة لا يتمتعون بنفس فرص الوصول إلى التعليم العالي مثل نظرائهم من الأسر الميسورة، مستنتجا أنه ليست وحدها القيود المالية المسؤولة عن ذلك لكن القاسم المشترك بيها هو القاسم الاجتماعي حيث أن افتقار الآباء الى الموارد المالية يمنعهم من توفير المناخ التعليمي المناسب لاطفالهم إضافة إلى كونهم يعيشون في ظروف اجتماعية معيقة تمنعهم من النمو بشكل طبيعي.
وحسب التقرير فإن المدرسة عليها مسؤولية اجتماعية كبيرة ينبغي أن تتحملها خاصة في المغرب، حيث يغادر جزء كبير من التلاميذ المدرسة قبل إكمال التعليم الثانوي التأهيلي. وكشف أن عدد المنقطعين عن الدراسة بلغ ذروته سنة 2015 بأكثر من نصف مليون منقطع، وهو مايشكل حوالي 9 في المئة من إجمالي عدد المتمدرسين في التعليم العمومي، على الرغم، يقول التقرير، من أن الأسر تتلقى مساعدات مالية لإرسال أطفالها إلى المدرسة في إطار برنامج «تيسير» لكنها مساعدات غير كافية، فالمساعدة الاجنماعية الممنوحة أقل بكثير من تلبية الحاجيات الأساسية للأطفال من الأسر المحرومة والمساعدات المالية برسم برنامج» تيسير» لا تؤثر بشكل إيجابي على التحصيل الدراسي للتلامذة (الهيئة الوطنية لتقييم المكتسبات المنجز سنة 2019). إضافة إلى أن المطاعم المدرسية ليست معممة على جميع التلاميذ المعوزين كما أن الداخليات تحتاج التأهيل الكافي مما يغذي لدى بعض من يستفيدون من خدماتها الرديئة، حسب التقرير، الرغبة في ترك المدرسة مبكرا، وهو ما يفسر ولو جزئيا الانقطاع عن الدراسة.


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 20/01/2022