في حوار للبرلماني محمد ملال مع جريدة الاتحاد الاشتراكي: تضارب المصالح يعيق إعمال الشفافية ومحاربة الريع والاحتكار

تصدينا للتغول الثلاثي الذي حاول الاستئثار بالمؤسسات المنتخبة

 

يعتبر البرلماني محمد ملال، في حوار مع جريدة الاتحاد الاشتراكي، أن الحكومة عاجزة عن مواجهة اختلالات المضاربين والمحتكرين للسلع والخدمات،  وأن الحكومة بإجراءاتها الاستعراضية تعطي الفضاء لهؤلاء للتمادي في افتراس القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، وأوضح رئيس لجنة البنيات الأساسية والطاقة أن اللجنة التي يرأسها قامت بمهام استطلاعية ودراسة مواضيع مختلفة مرتبطة بهموم المغاربة خاصة في مجال الطاقة والماء الصالح للشرب والنقل والسلامة الطرقية، وفي المجال التشريعي اشتغلت اللجنة على قوانين مهيكـلة لمجال إنـتاج الكهرباء. وكشف ملال ضعف الالتقائية واختلالات في الحكامة في مجال المؤسسات العمومية ما يضيع الوقت والجهد، وشدد قائلا «حاولنا في الفريق الاشتراكي التصدي لهذا التغول من خلال الدفع بمقتضيات الدستور والنظام الداخلي، ثم إننا في مراجعة النظام الداخلي تقدمنا بأزيد من 30 تعديلا لمواجهة الانحراف الأغلبي، وفي إطار تفعيل المحاسبة دعونا كفريق إلى  محاربة الاحتكار والريع والفساد واعتماد الشفافية، لكن للأسف بعض أعضاء الحكومة هم من هؤلاء، فكيف يمكن تحقيق ذلك مع تضارب المصالح؟!».

 

– كانت اللجنة التي ترأسونها والخاصة بالبنيات الأساسية والطاقة مثار تنويه من الجميع، أغلبية ومعارضة، لدى اختتام الدورة الماضية، ما السر في ذلك ؟
– منذ بداية الولاية التشريعية وبعد انتخابنـا كرئيس اللجنة باسم الاتحاد ألاشتراكي تم تسطير برنامـج عمل تماشيا مع اختصاصات اللجنة  المعتمدة في المجال التشريعي والرقابي، حيث وضعت لائحة للمواضيع التي سنشتغل عليها في السنة الأولى وكذا في هذه السنة من أيام دراسية ومهام استطلاعية ودراسة مواضيع مختلفة مرتبطة بهموم المغاربة، خاصة في مجال الطاقة والماء الصالح للشرب والنقل والسلامة الطرقية، وفي المجال التشريعي اشتغلنا على قوانين مهيكـلة لمجال إنـتاج الكهرباء، وفي هذا الصدد تمت المصادقة على قانونين هامين في مجال الطاقات المتجددة تنزيلا للرؤية الملكية للتحول الطاقي والاستراتيجية الطاقية التي أطلقها جلالة الملك منذ 2009.
– استمعتم لعدد من المسؤولين في عدة قطاعات، كيف تقيمون جدواها؟
–  من خلال استماعنا لمجموعة من المسؤولين الحكوميين ورؤساء المؤسسات العمومية، السمة الغالبة على هذا النقاش أن هناك مجهودات مهمة تبذلها الدولة لتقديم خدمات تحفظ الكرامة للمغاربة، وتجعل بلادنا في مستوى تطلعات المواطنات والمواطنين وفي مستوى ما يريده جلالة الملك لبلدنا على مستوى توفير البنيات التحتية والخدمات الأساسية للمغاربة من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه.
ويمكن استخلاص بعض النواقص في المجهود المبذول من طرف الحكومة والمؤسسات العمومية من خلال النقط التالية:
ضعف الالتقائية واختلالات في الحكامة، وعدم وجود رؤية محلية، إقليمية وجهوية في مختلف البرامج، وعدم احترام الخصوصية الإقليمية والجهوية، وفي بعض الأحيان نعتقد أن هناك صراعا بين بعض المتدخلين في قطاعات محددة، وهذا الصراع يولد تأخرا في الإنجاز وتضييعا للوقت والمجهود الاستثماري، وبالتالي لابد من تصورات واضحة بمسؤوليات محددة وبتوازن في اتخاذ القرارات المرتبطة بالتخطيط والتنزيل.
– من خلال لجنتكم هل هناك توجه لتنزيل اللا تمركز وتأكيد العدالة المجالية؟
–  هناك نوايا ومخططات لاعتماد اللاتمركز الإداري لكن إعماله يبقى دون مستوى التطلعات، حيث لا نجد مخططات مديرية واضحة لتنفيذه وجعل الإدارة قريبة من المواطن لتحقيق العدالة المجالية والالتقائية اللازمة بين مختلف المتدخلين الترابيين في برامج مشتركة وتصورات منسجمة لتنمية محلية إقليمية وجهوية شفافة وواضحة وذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية، إعمالا للدستور وتحقيقا للعدالة المجالية والاجتماعية المنشودتين.
o o هل هناك قطاعات ترفض أو تتماطل في المثول أمام اللجنة؟
n n  للأمانة ما شهدناه خلال السنة الأولى مشجع حيث شاهدنا تجاوبا لابأس به مع اللجنة من طرف أعضاء الحكومة، وكذا بعض رؤساء المؤسسات والمقاولات العمومية، لكن ما يلاحظ هو ضعف الوثائق والمستندات المتعلقة بأنشطة بعض المقاولات العمومية، حيث لوحظ خاصة عند دراسة الميزانيات الفرعية عدم حضورهم في أشغال اللجنة، ومنح المعلومات والإحصائيات المتعلقة ببعض المؤسسات العمومية.
– ما المنهجية التي تتبعونها كرئيس في تدبير الأمور بين المعارضة والأغلبية داخل اللجنة ؟
–  من ناحية تدبير أشغال اللجنة، فهو أمر ينظمه النظام الداخلي والرئيس هو رئيس الجميع، وعند الاختلاف نحتكم للديمقراطية وأحكام ومقتضيات الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب، وخلال هـذه المدة هناك انضباط تام ولا مشاكل بين الأغلبية والمعارضة في تدبير النقاش داخل اللجنة لأن المواضيع التي أثيرت حصل حولها إجماع، خاصة  تلك المتعلقة بالتشريع، وكذا الجانب الرقابي حيث تمت دراسة مواضيع تتعلق بالطاقة سواء الكهربائية أوالمحروقات، والكل مجمع على أنها تحتاج إلى مجهود من طرف الحكومة لتصويب الاختلالات التي تعتريها.
– كيف تدبرون كفريق اشتراكي علاقتكم مع الحكومة في نظام داخلي تنتقدونه باستمرار ؟
–  نحن لا ننتقد النظام الداخلي، بل ننتقد الحكومة وأغلبيتها اللتين تريدان القفزعلى مقتضيات الدستور والنظام الداخلي، من خلال ما أسميناه بالتغول الثلاثي والاستحواذ على المؤسسات والقرار داخل هذه المؤسسات دون الاكتراث بما أعطاه الفصل 10 من الدستور للمعارضة من حقوق، وكذا ما تم التنصيص عليه في النظام الداخلي من حقوق ومكاسب للمعارضة البرلمانية.
وقد حاولنا في الفريق الاشتراكي التصدي لهذا التغول من خلال الدفع بمقتضيات الدستور والنظام الداخلي، ثم إننا في مراجعة النظام الداخلي تقدمنا بأزيد من 30 تعديلا لمواجهة الانحراف الأغلبي داخل المجلس الحكومي من خلال التهرب من المساءلة البرلمانية، وثم قبولها بعد نقاش طويل، وكنا الفريق الوحيد الذي كان سدا منيعا أمام هذا الانحراف والتطاول على الدستور والمنهجية الديمقراطية في بلادنا.
– عرف المغرب موجة غلاء مست القدرة الشرائية ومختلف السلع، كيف تقيمون تدخل الحكومة ؟
–  في الواقع، الحكومة عاجزة عن مواجهة اختلالات المضاربين والمحتكرين للسلع والخدمات، بل هي بإجراءاتها الاستعراضية تعطي الفضاء لهؤلاء للتمادي في افتراس القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، وأيضا الحكومة مكنت بعض المضاربين في القوت اليومي للمغاربة من فرص الاغتناء الفاحش عبر سن إجراءات تنظيمية لتمكينهم من الاغتناء على ظهر القدرة الشرائية للمواطنين، وليكن ملف استيراد العجول من الخارج خير دليل على هذا التواطؤ المفضوح.
وعبرنا في الفريق الاشتراكي عن خطورة عدم اكتراث هذه الحكومة بما يعانيه المغاربة في قفتهم اليومية، وفي تدني الخدمات العمومية، عبرنا عن ذلك خلال مناقشة قانون المالية لهذه السنة (2023)، حيث ارتفعت إرادات الضرائب بأكثر من 30 في المائة وتراجع دعم قطاعات ومواد أساسية، وهذا يوضح تغليب الحكومة للتوازنات الماكرواقتصادية على التوازنات الاجتماعية الأساسية.
– ماذا اقترحتم كفريق اشتراكي لمواجهة غلاء الأسعار سواء المواد الغذائية أو المحروقات ؟
–  اقترحنا مراجعة الضريبة على المحروقات وعلى بعض الخدمات والسلع الأساسية، وإعادة النظر في توجيهات المخطط الأخضر بالاعتماد على تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المواد الأساسية كالقمح والخضر والفواكه، واعتماد المقاربة الاستراتيجية وليس المقاربة المحاسباتية الضيقة، محاربة الاحتكار والريع والفساد واعتماد الشفافية، لكن للأسف بعض أعضاء الحكومة هم من هؤلاء، فكيف يمكن تحقيق ذلك مع تضارب المصالح.
– يستمر الاتحاد الأوروبي في مهاجمة بلادنا وقد رد المغرب، كيف تقيمون هذا الهجوم؟
–  الممارسات الاستفزازية للبرلمان الأوروبي ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، خاصة أن أوروبا تعيش، اليوم، أزمات مع تنامي الراديكالية والقومية والعداء للأجانب بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تواجهها القارة العجوز. فالإجماع الذي شهدته الجلسة التي نظمها البرلمان المغربي للرد على البرلمان الأوربي كانت خير دليل على أنه عندما يكون المغرب مستهدفا والمصلحة الوطنية مهددة لا نرى معارضة وأغلبية بل مؤسسات وطنية مصطفة لمواجهة كل الأخطار المحتملة، وكلمة الفريقين الاشتراكيين كانت متميزة وقطعت مع لغة الخشب وأنا مع مضمونها.
– كيف تقيمون تجربة تدبير الجهوية من خلال جهة مراكش الحوز التي تنتمون إليها ؟
–  ورش الجهوية المتقدمة هو مكسب حقيقي للمغاربة، وهو منطلق حل إشكالية العدالة المجالية وتحقيق التنافس الجهوي والإبداع الجهوي وإبراز المؤهلات الطبيعية والبشرية لكل جهة، وهو مشتل لإنتاج نخب جديدة.
لكن في الواقع لايزال هذا الورش لم يصل بعد إلى النتائج المرجوة، خاصة مع ما أفرزته الانتخابات الأخيرة من استحواذ الثلاثي الحزبي على كل المجالس، وعلى مستوى جهة مراكش آسفي هناك تقدم في إنجاز مجموعة من الأوراش المبرمجة خلال الولاية السابقة، خاصة المتعلقة بالبنيات التحتية والماء الصالح للشرب، ولكن هناك إشكال العدالة المجالية داخل الجهة وبعض التقصير من جهة اعتماد برنامج التنمية الجهوية، ونحن في الفريق الاشتراكي داخل هذه الجهة نحاول إقناع الأغلبية المسيرة للمجلس لتصويب الاختلالات والملاحظات التي استخلصناها.
– قدم المنتخب المغربي لكرة القدم عرضا كرويا غير مسبوق، لاعربيا ولا إفريقيا، في دورة كأس العالم بقطر. بالنسبة لك ما هي الدروس والعبر؟

–  في الواقع ما قدمه المنتخب الوطني لكرة القدم في مونديال قطر كان معجزة كروية وفخرا كبيرا للمغاربة، وبداية عهد جديد في كرة القدم الوطنية والإفريقية والعربية، كما أن لهذا الإنجاز مكاسب أخرى خاصة في مجال الإشعاع الوطني اقتصاديا، ثقافيا وطبعا رياضيا، وهذا الإنجاز يجب أن يكون دافعا لتطوير كرة القدم على مستوى البطولات الوطنية، وجعل الرياضة صناعة حقيقية وسياسة عمومية متكاملة يساهم فيها الجميع.


الكاتب : حوار : محمد الطالبي

  

بتاريخ : 28/02/2023