في حوار مع سارة البعمري، المولّدة بباب تازة

القابلات طوق نجاة الحوامل والرضع
في المناطق النائية

 

انشغل مهنيو الصحة، إناثا وذكورا بمواجهة فيروس كورونا المستجد، وتجنّد الجميع لمقاومة الجائحة الوبائية من أجل الحدّ من انتشار العدوى، والتكفل بالمرضى المصابين، منذ أول مرحلة تتمثل في أخذ العينات من أجل إجراء الاختبارات عليها إلى غاية المرور إلى مرحلة العلاج إلى حين تحقيق التعافي المنشود.
تعبئة شملت المؤسسات الصحية العمومية والخصوصية، وهو ما جعل الاهتمام كله ينصبّ على هذه الفئة المرضى على حساب احتياجات صحية أخرى، وإذا كان الأمر ملموسا في المدن فإن الصعوبات كانت أكثر في المناطق النائية، حيث صعوبة التنقل وضعف البنيات وقلة الموارد البشرية، وهو ما فسح المجال لفئة أخرى من مهنيي الصحة للتأكيد على أهمية الأدوار الطلائعية التي يقومون بها، كما هو الحال بالنسبة للقابلات في علاقة بالحوامل.
وجه آخر للممارسة المهنية في زمن الجائحة الوبائية، تنقل « الاتحاد الاشتراكي» بعض تفاصيله، وهواجسه وعناوين القلق به، من خلال الحوار الذي أجرته مع سارة البعمري، المولّدة بعيادة خاصة بباب تازة.

o هل غيرت جائحة كورونا من منهجية عملك في علاقة بالنساء الحوامل؟
n لقد أرخت الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19 بظلالها على يومياتنا وعملنا، ولا أخفيكم سرا، أنني خلال هذه الفترة كانت تراودني الكثير من الأسئلة في الأيام الأولى، من قبيل لماذا أنا هنا؟ هل علي القدوم العيادة؟  هل سيكون الأمر على ما يرام؟ هل سأكون السبب في نشر الفيروس لأسرتي؟ ….
لكن بالمقابل كان هناك صوت يتردد بداخلي ويقول لي « لا تقلقي، فجسامة وعظمة مهمتك ستحميك»، مما كان يجعلني أبتسم فأواصل طريقي نحو العيادة من أجل فحص الحوامل ومتابعة حملهن أو لكي أساعد بعضهن على الوضع، حسب وضعية الحمل.
o كيف كنت تتوجهين إلى دار الولادة وما هي الهواجس التي ترافقك في طريقك إليها؟
n في الساعات الأولى من صباح كل يوم، غالبا ما كانت هذه الفترة لا تكون عادية في جماعة باب تازة، فقد كنا نتأرجح ما بين الأخبار الصحيحة تارة والإشاعات تارة أخرى،  مما يشعر معها المجتمع المحلي بالخوف.
لقد كنت السيدة الوحيدة التي تحضر للعمل في كل يوم لالتزام أخلاقي جمعني مع نساء المنطقة، ففي ظل نظام صحي شبه مغيب بسبب توجه الكل نحو محاربة الوباء، تعتبر القابلات حبل النجاة للأمهات والأطفال في المنطقة.
كنت أصل في غالب الأحيان إلى جماعة باب تازة حيث تتواجد العيادة  في الساعة الثامنة و 20 دقيقة، وكانت الرحلة تبدأ من منزلي في الساعة السابعة، وطوال المسافة الفاصلة بين المنزل والعيادة، كنت أكون متوجسة وحائرة في بعض الأحيان، خصوصا وأن الكل خائف ويتواجد خلف جدران منزله.
كان شريط الذكريات يراودني وأنا في الطريق، وأسترجع كيف اشتغلت كقابلة بعيادتي، بعد 3 سنوات من متابعة التكوين النظري والتطبيقي بالهلال الأحمر، حيث تلقيت تدريبي على رعاية الأمهات وتوليدهن وكذا رعاية حديثي الولادة، إذ يمنح هذا التدريب للقابلات لتجهيزهن بمهارات إنقاذ الحياة الأساسية، وأتذكر كذلك أيضا كيف اشتغلت لمدة سنتين في العرائش، ونفس المدة في القصر الكبير، واليوم أقوم بتسيير وتدبير هذه العيادة بباب تازة.
o ما هي الإجراءات التي كنت تحرصين عليها؟
n كنت أحرص على اتخاذ كافة الاحتياطات وأتقيّد بالتوجيهات سواء الصادرة عن وزارة الصحة أو عن السلطات المحلية والإقليمية وكذا الوطنية، دون إغفال ما تلقيته بالمعهد، من استعمال المعقمات، والكمامات مع الحرص على استبدالها بعد أي فحص، وصولا إلى تحسيس الأمهات بخطورة الوباء و حثهن على ضرورة اتخاذ الاحتياطات لحماية أنفسهن والجنين وباقي أفراد الأسرة والوطن ككل.
o ما هو تقييمك لدور القابلات في زمن الجائحة؟
n يجب التأكيد على أن القابلات الماهرات، هن الفرق بين الحياة والموت لمئات الآلاف من النساء والرضع، فضلا عن كون فترة الحمل والولادة، هي مرحلة للعاطفة بامتياز، والمولّدة لها دور أساسي في المساعدة على تخفيف الضغط والخوف وطمأنة الحوامل.
وعودة لدور القابلات في زمن كورونا، أقول لكم أن لهذه الفئة دور مهم في المجتمعات، وهي تتواجد كسائر الممرضات والممرضين والأطباء في الخطوط الأمامية، البعض لمواجهة تفشي الفيروس، والبعض الآخر للاعتناء بمرضى غير مصابين بالفيروس ورعايتهم وتقديم الخدمات الصحية التي يكونون في حاجة إليها، وللقيام بذلك، كان على القابلات ضبط طريقة عملهن ومواجهة العقبات الجديدة، لهذا وكباقي زميلاتي القابلات، اضطررت إلى إعادة التفكير في كيفية دعم الحوامل والرضع والتأقلم مع الوضع بتغيير طريقة العمل للحفاظ على صحة الأمهات الحوامل أثناء الوباء، على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية تؤكد أنه لا يوجد دليل يشير إلى زيادة خطر الإصابة بالمرض أو أن الفيروس يمكن أن ينتقل إلى الطفل في الرحم.
وارتباطا بهذه النقطة أشير إلى أن المنتظم الدولي يدبّر هاته المسألة كل حسب تجربته الخاصة، ففي ألمانيا مثلا، منعت بعض المستشفيات من تواجد مرافق للحامل عند الولادة ويتم إخراج النساء من المستشفى في وقت أقل من المعتاد، وذلك بعد ساعات قليلة من الولادة. لكن في الوقت نفسه، لا يزال يُسمح لشخص واحد بمرافقة المرأة أثناء الولادة في إيرلندا والمملكة المتحدة وفرنسا، بينما لا تزال الزيارات ممنوعة في جميع البلدان تقريبا، في حين أنه وفي المغرب يتم السماح لشخص واحد بمرافقة المرأة الحامل.
o ما هي المسألة التي كانت تثير قلقك خلال هذه المرحلة؟
n إن القلق من الولادة يبقى الهمّ الأول للقابلات، وهنّ يأخذنه على محمل الجد، أكثر من المعتاد. القابلات يشعرن  أن دورهن هو تقديم الدعم العاطفي للنساء الحوامل، وكذلك النساء اللواتي يلدن حديثا، في الوقت الذي يُطلب منهن بسبب الجائحة الوبائية إبقاء الاتصال الجسدي عند الحد الأدنى،  علما بأنه بالنسبة لي لا أجد هذا الأمر صعبا لأنني أقدر على التفاعل وجها لوجه معهن.
إن العمل الذي أقدمه للأم والطفل هو عبارة عن «حزمة متكاملة» في ظل مهنة القبالة، التي كانت حلما بالنسبة لي منذ نعومة أظافري، وسأواصل بذل كل الجهود للقيام بذلك، في ظل الجائحة الوبائية وخارجها، لأن ابتسامة حامل بعد الولادة وصرخة جنين يصبح مولودا بعد مغادرته لأحشاء والدته لا تعادلهما أية فرحة.


الكاتب : حاورها: وحيد مبارك

  

بتاريخ : 10/06/2020