المغاربة يحبون كرة القدم ولا يهتمون كثيرا بالفوز أو الخسارة
وهذا ما أسس لتطوير اللعبة

غالبية المشجعين الصينيين ذهبوا إلى الفراش متأخرين بسبب مشاهدة
مباريات المنتخب المغربي في مونديال قطر

«لقد زرت المغرب، ومن مواقف السيارات وصولا إلى الشواطئ المليئة أعجبت بالأطفال الذين يلعبون كرة القدم التي هي مميزة في هذا البلد»، هكذا ذكر «شو يانغ» المعلق في التلفزيون الصيني المركزي (CCTV) المملكة خلال بثه لمباريات كأس العالم لكرة القدم في قطر، مشيدا بنجاح الفريق المغربي لكرة القدم.
أصبحت عبارة «كرة القدم الخالصة»على الفور كلمة طنانة على الإنترنت، ومنذ ذلك الحين يشار إلى كرة القدم المغربية على أنها «خالصة». وفي هذا الصدد يقول «لي تشانغ لين»سفير الصين بالمغرب:»يعجبني أن المغاربة يحبون لعب كرة القدم، وأنهم يعتقدون أنها لعبة بسيطة وممتعة للغاية، وأنهم لا يهتمون كثيرا بالفوز أو الخسارة، وهذا بالضبط ما وضع الأسس لتطوير كرة قدم قوية في المغرب”.

n تتويج الكرة المغربية بتنظيم كأس العالم!

في تاريخ 4 أكتوبر 2023، أعلنت الفيفا أن المغرب وإسبانيا والبرتغال ستستضيف معا كأس العالم 2030. وفي اليوم نفسه، أصدر الملك محمد السادس بيانا “شكر فيه الفيفا على إشادتها بمكانة المغرب المهمة في كرة القدم العالمية”، وقال إنه”سيبذل قصارى جهده للتحضير لهذا الحدث”، حيث يأتي هذا الحدث كنتيجة لشعبية المنتخب المغربي لكرة القدم في كأس العالم في قطر، مما جعل المغرب ثاني دولة عربية وإفريقية تستضيف كأس العالم، والتي ستسبقها كأس الأمم الأفريقية 2025، وكأس الأمم الأفريقية للسيدات 2024، وكأس العالم للأندية المكونة من 32 فريقا في عام 2029 ..
وضعت كل هذه الأحداث الرياضية، المغرب مرة أخرى في “دائرة الضوء”من قبل وسائل الإعلام الدولية، وولدت اهتماما كبيرا حول أسباب تقدم كرة القدم المغربي.
يقع المغرب في شمال غرب إفريقيا، وهو بلد متوسط الحجم تغطي الغابات فيه حوالي 20% من مساحة البلاد، تحديدا الجزء الشمالي من مناخ البحر الأبيض المتوسط، كما أن الجزء الأوسط من المناخ الجبلي يعتبر شبه استوائي، في حين أن الشرق والجنوب يتمتعان بمناخ صحراوي وجاف، وكل هذه الظروف المناخية تعتبر جيدة لتطوير كرة القدم وتوفير ممارسة عملية. لكن كرة القدم المغربية يمكن أن تذهب أبعد من ذلك بسبب استنادها على”الحب النقي”للجمهور المغربي. إن شعبية كرة القدم في المغرب عالية وتساهم في تقوية نظام البطولة الوطنية (الشامل نسبيا، مع مستويين من البطولة الاحترافية وثلاثة مستويات من بطولة الهواة، بإجمالي أكثر من 100فريق مشارك).
استخدم الملك محمد السادس – من جهته – نفوذه لتعزيز شعبية كرة القدم وتطورها، وبادر إلى إنشاء أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، التي تعمل كقاعدة لتدريب شباب المنتخب الوطني لكرة القدم، كما فتح 12مدرسة في 12منطقة من البلاد، والتي أنتجت على مر السنين عددا من المواهب المتميزة، 3 منها شاركوا في كأس العالم في قطر.
فخلال كأس العالم في قطر، أتيحت لي الفرصة لاكتشاف هوس الناس بكرة القدم. في كل مرة يفوز فيها المنتخب المغربي بمباراة، نرى في كل مدينة توافد العديد من الأشخاص الذين يرتدون أقمصة الفريق الوطني إلى وسط المدينة للاحتفال بالحدث. وكثيرا ما كان الملك محمد السادس – المعروف بأنه المشجع الأول للمنتخب الوطني – يقود سيارته في الشوارع ملوحا بالعلم الوطني، مشاركا فرحته بالحدث مع الشعب المغربي/ كما بلغ الحد بالعديد من مجموعات المشجعين إلى التنقل صوب قطر لحضور المباريات، ناهيك عن عرض الخطوط الملكية المغربية أسعارا مخفضة لتشجيع المشجعين على السفر لتشجيع الفريق.
وبعد نهاية مشوارهم هناك، استقبل اللاعبون برفقة أمهاتهم بحرارة من قبل الملك وولي العهد والأمراء في القصر الملكي، وقد غطت وسائل الإعلام المغربية هذا الحدث غير العادي تغطية كاملة، مما عزز بشكل كبير من وطنية وفخر المغاربة.
عندما التقيت بالمغاربة، كان لدي انطباع بأن الجميع هم ممارسون يأخذون الوقت للعب كرة القدم خلال عطلة نهاية الأسبوع. ويعد الحديث عن كرة القدم ومشاهدتها أحد الموضوعات الرئيسية للمحادثة، وطريقة مهمة لتعميق روابط المودة المتبادلة بين أقطاب المجتمع المغربي، إذ بعض أصدقائي موظفون حكوميون، وبعضهم أساتذة جامعيون، وبعضهم رجال أعمال وبعضهم جيران، لكنهم يتشاركون نفس الشغف بالمستديرة.

n شغف صيني بكرة القدم المغربية..

تزامنت مباراة المغرب ضد البرتغال بالصدفة مع عطل في تلفاز المنزل، مما دفعني للتوجه إلى منزل أحد جيراني “أيديس” (85 عاما) لمشاهدة المباراة، حيث أعطاني كوبا من الشاي وقدم لي طبقا من المعجنات التقليدية، وأخبرني أن ابنته ذهبت إلى قطر لمشاهدة المباراة.. عندما رأى انتصار المغرب على البرتغال، كان الرجل العجوز سعيدا جدا لرؤية صرخات انتصار المغرب تجول في المنزل.
وفي المرة الأخرى، ذهبت إلى منزل صديقي ورجل الأعمال “ياسين” لرؤية مباراة المغرب ضد فرنسا. دعا عشرات الأصدقاء لمتابعة المباراة معا، حيث وقفوا وغنوا النشيد الوطني قبل المباراة وعلى الرغم من خسارة المغرب أمام فرنسا، إلا أنهم تناولوا العشاء وغادروا بسعادة.
في الخطب التي ألقيتها بعد ذلك في مختلف المناسبات، هنأت الفريق المغربي على إنجازه الكبير وقلت “إن الغالبية العظمى من المشجعين الصينيين ذهبوا إلى الفراش في وقت متأخر لمشاهدة كرة القدم المغربية في شخص أداء المنتخب المغربي، وأن اللاعبين المغاربة أدوا بشكل رائع من الناحية الفنية، لكنهم فهموا أيضا أن المغرب وموناكو والمكسيك هي ثلاث دول مختلفة”.
وفي نهاية يوليوز2023، أقيمت بطولة العالم لكرة القدم للمدارس الثانوية في الرباط، وتنافس فريق “شاندونغ جينان ليشينغ” لكرة القدم للسيدات رقم 2 وفريق “هيبي باودينغ” لكرة القدم للسيدات رقم 1حتى النهائي، وكان ملعب “مولاي عبد الله”مليئا بمشجعي المدارس الثانوية المحليين، حيث كان الفريقان الصينيان يهتفان ويصرخان.
أخبرني وزير التعليم والرياضة المغربي، الذي حضر المباراة في المكان، أنه “لم يتوقع أن يلعب فريق كرة القدم النسائي في المدرسة الثانوية الصينية بهذه المهارة الكبيرة، كما أنه يأمل أن تتاح للبلدين المزيد من الفرص للتبادل والتعلم من بعضهما البعض”.
وفي نونبر 2023، دعيت إلى جامعة “ابن طفيل”في القنيطرة لحضور المباراة بين المنتخبين الجامعيين المغربي والآسيوي، وجاء ثلاثة من قدامى اللاعبين في المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم (شاركوا في كأس العالم لكرة القدم 1970في المكسيك)، لتدريب لاعبي الجامعة، وبالصدفة كان أحدهم يدعى “ابن طفيل” كذلك. سألت العديد من الأسئلة حول تطوير كرة القدم الصينية، وأعربوا عن تمنياتهم الطيبة لكرة القدم الصينية، كما التقطوا الصور معي. وقال رئيس اللجنة التحضيرية لكأس العالم 2030، فوزي لقجع: “إن المغرب، إلى جانب البلدين المستضيفين الآخرين، عازم على احتضان النسخة الأكثر استثنائية في تاريخ كأس العالم، ليس فقط من حيث المرافق الرياضية الحديثة، ولكن أيضا في مجال تعزيز الحوار بين الحضارات والتبادل الإنساني. والأهم من ذلك، يجب أن تترك إرثا لا ينسى للجيل القادم وأن تكون بمثابة نموذج للأحداث المستقبلية من هذا النوع”.

n خطوات مهمة نحو تنظيم ناجح..

في الآونة الأخيرة، وتحت القيادة الموحدة للجنة الإعداد لكأس العالم، تعاونت إدارات الهندسة والنقل والاتصالات والسياحة وغيرها في المغرب بهمة، واتخذت خطوات لتلبية متطلبات الفيفا. بادئ ذي بدء، وقعت لجنة التحضير لكأس العالم والمدن الست المستضيفة خطاب مسؤولية، مطالبين باستكمال تنفيذ أنظمة النقل والخدمات الطبية وخطة تجديد الإقامات الفندقية، واتخاذ الترتيبات اللازمة لاستخدام المرافق ذات الصلة بعد المباراة.
كذلك، تم بناء ملاعب جديدة أو توسعة أخرى لتسليط الضوء على السمات المعمارية للمغرب. تقرر بناء أكبر ملعب في العالم، بسعة 115ألف شخص في منطقة بنسليمان (شمال الدار البيضاء) في منشأة تبلغ مساحتها 100هكتار، باستثمار بلغ 5 مليارات درهم، والتي سينفذها فريق من المصممين بقيادة المهندس المعماري المغربي الشهير طارق ولعلو (مصمم الجناح المغربي في معرض دبي العالمي 2020 في الإمارات العربية المتحدة). بالإضافة إلى ذلك، سيتم تجديد وتوسيع 6 ملاعب لكرة القدم على نطاق واسع، كما يسرع المغرب خطة توسيع خطوط السكك الحديدية عالية السرعة لربطها بشبكة السكك الحديدية الحالية.
كما تم إطلاق مناقصة لخط السكك الحديدية عالية السرعة بين القنيطرة ومراكش، ودخل خط السكك الحديدية عالية السرعة بين مراكش وأكادير مرحلة التصميم. وأيضا تم تكليف شركات مثل اتصالات المغرب بتحسين أداء مرافق الاتصالات وتحسين جودة صبيب الإنترنت لتلبية متطلبات البرامج التلفزيونية والمعجبين في جميع أنحاء العالم.
وأيضا وضع قطاع السياحة – من جهته – خطة لاستقبال 26 مليون سائح بحلول كأس العالم 2030، كما أنه دعا المستثمرين المحليين والأجانب إلى بناء فنادق جديدة لإضافة 500 ألف سرير إضافي إلى 300 ألف سرير متوفرة في الفنادق الحالية.
وفي السنوات الأخيرة، تم تسليط الضوء على المزايا الجمالية والسياحية للمغرب وما يتمتع به من سمات مميزة أخرى، من حيث الموقع الجغرافي والاستقرار السياسي والاجتماعي وبيئة الأعمال وغيرها من الجوانب، واستمرت قوة البلاد التنموية في الزيادة لتصبح أكثر فأكثر وجهة رئيسية للمستثمرين الدوليين. يمكننا أن نتوقع أن تنظيم كأس العالم سيجلب العديد من الأرباح (باختلافها) للمغرب، ولكنه أيضا سيساهم في تطور البلاد بخطوات واثقة من خلال غرس ديناميكية قوية داخلية.
مؤخرا، قمت برحلة خاصة للقاء رئيس اللجنة التحضيرية لكأس العالم في المغرب، وأعربت عن “استعداد الصين لتقاسم تجربتها في استضافة الأحداث الرياضية مع المغرب، فضلا عن دعم الحكومة الصينية للشركات الصينية ذات السمعة الطيبة، التي يمكن أن تشارك في بناء مرافق كأس العالم”. وأشاد الرئيس من جهته بـ”الشركات الصينية التي بنت منشآت رياضية كبيرة في العديد من البلدان على مر السنين، وساهمت في نجاح المنافسات الرياضية العالمية”، كما دعا الشركات الصينية إلى “المشاركة في بناء الملاعب والسكك الحديدية والطرق السريعة وشبكات الاتصالات وغيرها من المرافق بمختلف أشكالها في المغرب، ومساعدة المغرب على استضافة كأس العالم 2030 الاستثنائية على أعلى مستوى”.