في خضم أزمة الوباء: أسرة أمريكية توثق ظروف خروجها من المغرب

مارلين ودان مواطنان أمريكيان علقا، رفقة أطفالهما الثلاثة، في المغرب، بعد قيود السفر التي اتخذت منذ 22 مارس الماضي مع بدء انتشار الفيروس التاجي الجديد. وهذه الأسرة تعتبر من بين السياح والأجانب الذين تمكنوا من مغادرة البلاد بعدما تقطعت بهم السبل وسدت في وجوههم كل المنافذ سواء البرية , الجوية أو البحرية .
الأسرة التي تهوى ركوب الأمواج كانت قد قررت التوجه جنوب المغرب لكنها لم تتوقع أن رحلتها الأولى إلى إفريقيا والمغرب تحديدا ستنتهي بهذه الطريقة.
ففي الأسبوع الثاني من فبراير ابتدأت رحلة الأسرة الأمريكية من أوروبا نحو المغرب الذي قررت التوجه إليه لاكتشافه وممارسة هوايتها المفضلة به، عابرة الأبيض المتوسط على متن باخرة أقلت أفراد الأسرة وشاحنتهم نحو الضفة الجنوبية للمتوسط من الجزيرة الخضراء، حيث كانوا يمنون النفس بقضاء مدة عطلتهم البالغة تسعين يوما لاكتشاف البلد والتمتع برياضة الركمجة على السواحل المغربية لكن رياح كورونا جرت بما لم تشتهيه أسرة مارلين ودان.
خلال رحلتهم داخل المغرب التي وثقتها الأسرة في قناتها على اليوتيوب، زارت العائلة مدنا مغربية كثيرة قبل أن تدرك أن الفيروس وجد له منفذا للدخول إلى البلد الذي لم يعد محصنا ضده . يقول دان: «في الأسابيع الأربعة الأولى في المغرب، سار كل شيء على ما يرام، وذهبنا إلى شفشاون وفاس وأزرو ومرزوكة ثم إلى تافراوت».
بدت تافراوت، بالنسبة للمواطنين الأمريكيين، وكأنها مكان آمن، ولكن كان على الأسرة التوجه نحو مكان آخر بسبب «مهمة إنقاذ». يتذكر الوالد قائلاً: «في أحد الأيام كنا على الطريق ورأينا صندوقًا من الورق المقوى في الصحراء مع جراء صغيرة بداخله». قرر الزوجان مغادرة القرية الصغيرة الهادئة وجلب الجراء إلى مأوى للحيوانات بالقرب من أكادير، لكن أحد السياح الألمان سيبلغ الأسرة بأن الوضع الصحي معقد وأن السفارة الألمانية طلبت من رعاياها مغادرة البلاد. وبعد مغادرة هذا الألماني المخيم إلى سبتة وعبوره السهل للحدود إلى أوروبا، قررت الأسرة أن تحذو حذوه. ليقرر الزوجان وأطفالهما الثلاثة التوجه إلى كرواتيا، مسقط رأس مارلين.
وأوضحوا: «ليس لدينا أصدقاء أو أسرة في المغرب لرعاية أطفالنا إذا تم نقلنا إلى المستشفى، لذلك قررنا المغادرة». كانت الأسرة مهتمة بشكل خاص بحقيقة أن الحدود مع سبتة مفتوحة للسيارات التي تغادر إلى أوروبا. حقيقة أن مارلين والأطفال يحملون الجنسية الكرواتية جعلت من السهل عليهم اتخاذ هذا القرار: «قررنا التوجه شمالا. في صباح اليوم نفسه ، تم تعليق السفر لمسافات طويلة في المغرب». وقال دان:» في محاولة لمغادرة أكادير خضعت لعدة عمليات تفتيش للشرطة «، مضيفا أنه بعدما سمحت لهم نقطتا التفتيش الأولى والثانية بالمرور رفضت الثالثة، مما اضطرهما إلى سلك طريق آخر خارج مدينة أكادير ومن تم وصلوا في رحلة سهلة وسريعة إلى المراكز الحدودية مع سبتة خلال يوم واحد، ليصطدموا بصف طويل جدا لم يسبق لهم أن شاهدوا مثله من 500 سيارة، وفي نهاية المطاف لم يتمكنوا من العبور لأن الحدود كانت ستغلق في منتصف الليل: « أدركنا أنها ستكون مشكلة بالنسبة لنا. لم يتمكنوا من معالجة 500 مركبة في ثلاث ساعات. كنا نعتقد أيضًا أننا لا نستطيع العودة إلى المخيم».
توقفت العائلة مثلها مثل باقي السائقين الذين لم يتمكنوا من دخول سبتة على جنبات الطريق في انتظار إيجاد خطة بديلة تمكنهم من مغادرة المغرب في أقرب وقت.
بعد الاتصال بالسفارة الكرواتية، سيتم إبلاغ الزوجين بأنهما هما المواطنان الكرواتيان الوحيدان اللذان يحاولان عبور هذه الحدود. يتذكر دان: «كان الكثير من الناس غير مستعدين لهذا الوضع». «لم يكن لديهم ما يكفي من الغذاء والماء، وأصبح بعض الناس غاضبين لدرجة أنهم بدأوا بتفريغ مراحيضهم على الأرض، مما دفع الآخرين إلى التصرف معهم بقوة « ، يصف دان، بعد قضاء ثلاث ليالٍ في الانتظار ، دُعيت المركبات للذهاب إلى ساحة انتظار السيارات التي رتبتها السلطات المغربية خصيصًا لهم، بالقرب من ميناء طنجة المتوسط. كان هذا بمثابة استراحة للأسرة، في انتظار العودة التي طال انتظارها.
يقول دان، «من المدهش أن المنطقة مجهزة بشكل جيد، كان هناك ماء ومراحيض وكهرباء ومخبز ومتجر بقالة صغير، لقد كانت مريحة حقًا» ، على الرغم من أن الأب قال إن « البقاء هناك مع الكثير من الناس الذين جعلوه» غير مرتاح «بسبب الاكتظاظ»، كان يشكل خطرا عليهم فقد أدركت الأسرة بسرعة أن «الكثير من الناس لم يحترموا التباعد الاجتماعي». «تناولوا وجباتهم معا وكانوا يتنقلون في مجموعات».
لكن ولحسن الحظ ، بعد أربعة أيام، سُمح لدان ومارلين وأطفالهم بمغادرة المغرب بأمان. استقلوا باخرة إلى فرنسا، ثم قطعوا مسافة 2300 كيلومتر عبر ألمانيا والنمسا وسلوفينيا قبل الوصول إلى كرواتيا.
وعلى الرغم من أن رحلتهم الأولى إلى المغرب وإفريقيا خيم عليها شبح كورونا والظروف المحيطة به، فإن الأسرة وعدت بالعودة إلى المملكة الصيف المقبل لاستئناف مغامرتها.
لقد كانت أسرة مارلين ودان محظوظة بمغادرة البلاد في خضم هذه الأزمة غير المسبوقة التي يمر منها العالم أجمع، لكن آلاف الأجانب ما زالوا عالقين بالمغرب كما أن آلاف المغاربة الذين كانوا خارج المغرب إبان بدء تنفيذ قرار غلق الحدود مازالوا عالقين هناك في انتظار أن يتم ايجاد حل لإرجاعهم إلى أرض الوطن، حيث علق في الأسابيع الماضية، أكثر من 18 ألف من المغاربة في الخارج منذ أن اتخذ قرار إغلاق الحدود البرية وتعليق الرحلات الجوية في إطار إجراءات مواجهة انتشار فيروس كورونا. ويتوزع هؤلاء عبر دول العالم، لكن غالبيتهم يوجدون في إسبانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا والإمارات، كما يوجد زهاء 383 شخصا بمليلية المحتلة في ظروف أقل ما يقال عنها إنها غير إنسانية، إذ يقيمون مكتظين في خيمة كبيرة لا تتوفر فيها شروط الحماية ولا الوقاية من أخطار الإصابة بعدوى الجائحة إلى جانب غياب الشروط الملائمة للعيش، كما أن الأمور تفاقمت بها بعد أن اجتاحتها المياه في ظل تعامل لا إنساني مع أوضاعهم من طرف الحكومة المحلية لمليلية المحتلة التي حرمتهم من الاستفادة من السكن في مراكز لإيواء المهاجرين، مما دفع عدة جمعيات لحقوق الانسان الى توجيه رسائل للحكومة المحلية تندد فيها بالمعاملة اللاإنسانية التي يلقاها المغاربة هناك.
ومند إغلاق الحدود في وجههم وجه هؤلاء المغاربة نداءات للمطالبة بإعادتهم إلى أرض الوطن مؤكدين أنهم ليسوا ضد الإجراءات التي اتخذتها السلطات المغربية لمحاصرة الوباء وأنهم مستعدون للدخول في حجر صحي حال ولوجهم أٍرض الوطن ولكن وضعهم الاجتماعي الكالح لا يسمح لهم بالبقاء بعيدا عن أسرهم وفي ظروف مزرية بسبب المشاكل المالية والبعد عن ذويهم، وقد نظموا وقفات احتجاجية في المطارات وامام بعض سفارات المغرب بعدد من البلدان مطالبين بطائرات ترجعهم إلى بلدهم .
يذكر أن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني كان قد أشار إلى بعض التدابير التي اتخذتها الحكومة للتخفيف من أزمة المغاربة العالقين في الخارج، من خلال التكفل بهم وإيوائهم، وتوفير الدواء لبعض الحالات، وتجنيد أطر طبية لضمان الرعاية الصحية لهم، كما أكد أن الحكومة تكفلت بمصاريف دفن عدد من المغاربة بالخارج. وقال إن البلاد في وضع استثنائي، مؤكدا على الشروع في”ترتيبات، وتحضيرات، لضمان عودة الجميع إلى الوطن» مبررا الوضع بجهود الحد من انتشار الوباء، مطالبا العالقين بالصبر.
وكانت السلطات المغربية قد سمحت بإجلاء مغاربة يحملون جنسيات مزدوجة إلى بلدان إقامتهم كما فتحدت الحدود أمام أجانب كانوا عالقين بالمغرب مما يؤشر على قرب انفراج أزمة المغاربة العالقين بالخارج.


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 16/04/2020