في ذكرى 32 لوفاة القائد الاتحادي الكبير. .مرافعات عبد الرحيم بوعبيد عن الصحراء المغربية أمام الهيئات الدولية

تحل يومه الاثنين، الذكرى 32 لوفاة القائد الكبير عبد الرحيم بوعبيد، الكاتب الأول الأسبق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي توفي بتاريخ 8 يناير 1992، مخلفا حزنا كبيرا في صفوف الحركة الوطنية خاصة وللشعب المغربي عامة، حيث كانت جنازته رحمة الله عليه، حاشدة تعبر عن حب المغاربة لهذا الرمز التاريخي بدفاعه المستميت عن كل القضايا العادلة، وترافعاته عن الوحدة الترابية التي لا تزال شاهدة عن ذلك. ننشر هنا عرضا للقائد عبد الرحيم بوعبيد حول « قضية الصحراء المغربية أمام الهيئات الدولية»، وجوابا بعثه من مدينة وجدة للرئيس الجزائري الراحل بومدين، بالإضافة إلى بعض الخفايا التي ترتبط بمفاوضات الاستقلال.

 

قضية الصحراء: حقائق التاريخ

في عرض للقائد عبد الرحيم بوعبيد حول « قضية الصحراء المغربية أمام الهيئات الدولية»، من تنظيم جمعية قدماء ثانوية مكناس، تساءل الراحل : لمــاذا تـأخر المغرب إلى اليوم ولم يقم في الماضي بما قام به اليوم من انتفاضة ووحدة وطنية من أجل قضية مقدسة وهي تحرير الصحراء؟ ثم كيف كانت نظرة الحركة الوطنية أيام نشأتها وخلال خطواتها الأولى الى الصحراء؟ مؤكدا أن هذه بالطبع حقائق تاريخية لابد من ذكرها لنقوم بنوع من النقد الذاتي، ماذا كان ينبغي أن نفعل في الماضي أيام الكفاح الوطني أثناء الاستعمار وبأي شئ كان ينبغي أن نقوم ضد الاستعمارين الفرنسي والإسباني آنذاك؟ لابد من سرد هذه الحقائق التاريخية: يجب أن نعرف أن احتلال المغرب لم يبتدئ بتوقيع عقد الحماية بتاريخ 30 مارس 1912 بالنسبة للحماية الفرنسية وما تبعها من امتداد النفوذ الإسباني إلى شمال المغرب وجنوبه بواسطة توقيع عقد الحماية الإسباني في نفس السنة، ولكن الاستعمار، إسبانيا كان أو فرنسيا، ابتدأ في الحقيقة باحتلال عدة مناطق من الصحراء المغربية قبل توقيع عقدي الحماية الفرنسي والإسباني سنة 1912، لقد وقع احتلال الصحراء الشرقية والجنوبية والغربية بواسطة التسرب عن طريق السينغال وإفريقيا السوداء والجزائر، وهكذا احتلت في الشرق «توات» وما حولها بناحية فكيك وفي الجنوب على ضفاف وادي درعة تيندوف ونواحيها، وعلى هذا الشكل تم احتلال الصحراء الغربية، الساقية الحمراء ووادي الذهب… بعد هذا تم توقيع عقد الحماية على المنطقتين كأن المناطق الأخرى ليست من المغرب وخارجة عنه. بعد عقد الحماية أصبح شغل الوطنيين الشاغل هو إبطال مفعول عقد الحماية المفروض علينا وتحرير المناطق التي يمتد إليها نفوذ الدولتين الحاليتين بمقتضى بنود عقد الحماية. أين يبدأ التراب الوطني وأين ينتهي: وعندما نعود الى الوثائق الوطنية مثلا وثيقة الاستقلال سنة 1944 نجد أننا طالبنا فيها بالاستقلال الوطني على أساس الوحدة الترابية للبلاد وصيانة التراب الوطني. لقد كنا ونحن شبان نتساءل عن حقيقة هذا التراب الوطني: ما هو هذا التراب؟ أين يبدأ وأين ينتهي؟ كان تصرف الحركة الوطنية يقوم على أساس سياسة تجزئة الكفاح الى مراحل، تبتدئ بإلغاء الاتفاقات الدولية التي فرضت على المغرب في شكل حماية وإعلان الاستقلال الوطني على المناطق المحمية على أن يتم ذلك في دائرة احترام وحدة التراب الوطني، ثم تأتي مراحل تحرير المناطق التي فرض عليها الاستعمار المباشر في الشرق والجنوب من طرف الفرنسيين وفي الغرب من طرف الإسبان والتي أصبحت تابعة إما لفرنسا وإما لاسبانيا. لننظر مثلا الى المناطق الصحراوية التي تقع في الشرق والجنوب الشرقي للمغرب وهي التي أصبحت الآن جزءا من التراب الجزائري، لقد كانت هذه المناطق كلها أو جلها تابعة للمغرب، ثم لما تم احتلال الجزائر والصحراء والمغرب، فكر الاستعمار في فصل هذه المناطق حتى عن الجزائر نفسها إداريا وقانونيا، باعتبارها مناطق أساسية، فكانت الجزائر وكانت مناطق أخرى صحراوية خارجة عن الجزائر. ذلك هو موقف الحركة الوطنية أثناء كفاحها الوطني إزاء مشكلة الصحراء، على أنه لابد من شهادة تاريخية وهي أن أول شخص بحث في قضية الصحراء ونادى بتحريرها هو المرحوم علال الفاسي، وذلك خلال سنتي 1947 و1948 من القاهرة. وهكذا يتأكد أن معالم التراب الوطني غير الحدود في وثائق الحركة الوطنية إلا ما كتبه أو قاله المرحوم علال الفاسي. قضـية الـصحراء و»إكـس لـيبان» تلك كانت وضعية الصحراء في كفاحنا قبل الاستقلال أما ما قمنا به بعده، فهناك عدد من الناس يتساءلون أحيانا عن حسن نية وأحيانا كثيرة عن سوء نية وعناد ومكابرة: لماذا لم نضع قضية الصحراء ونطرحها وقت وضع معاهدة الاستقلال؟ وجوابنا هو أنه وقت معاهدة الاستقلال كانت الوثائق الرسمية للمغرب، سواء كانت وثائق ملك المغرب أو الحركة الوطنية نفسها كانت تركز على إلغاء نظام الحماية وإحلال نظام الاستقلال محله، وإلغاء نظام الحماية يعني تحرير المناطق التي كانت تحت الحماية. كل هذا ضروري لإزالة كل لبس وتبديد جميع الأوهام وإلغاء كل المجادلات، فقد قيل: لماذا لم تطرح قضية الصحراء أثناء محادثات إكس ليبان؟ ونقول لهؤلاء أولا إن محادثات إكس ليبان لم تكون لتحديد تراب المغرب وإنما كانت مذكرات وتبادل وجهات النظر، لكننا لما حان وقت وضع معاهدة الاستقلال 2 مارس 1956 وضعت قضية الصحراء التي اقتطعت من التراب المغربي، حينذاك وضعت الحكومة المغربية 3 تحفظات وكنت أنا مكلفا من قبل الحكومة المغربية بإبداء هذه التحفظات التي كان أحدها يتعلق بوضعية القواعد الأمريكية بالمغرب والثانية بالصحراء الجنوبية: جنوب وادي درعة وجنوب فجيج وبالأخص في ما يتعلق بمدينة تيندوف.
تحـفظات …والـتزامات

إذا كنا قد قمنا بتحفظات أثناء وضع معاهدة الاستقلال، فقد كانت لدينا التزامات إزاء الثورة الجزائرية التي تتطلب منا التضامن معها وإحباط مناورات الاستعمار الذي كان يرمي إلى التفرقة وفك التضامن المغربي الجزائري، لكن فضل المغرب أن يقوم بدراسة قضية الصحراء مع الجزائريين بدل دراستها مع المستعمرين حفاظا على مبدأ التضامن مع الثورة الجزائرية، بل ذهب المغرب إلى أكثر من ذلك، فقد عرضت عدة حكومات فرنسية على المغرب وضع قضية الصحراء أثناء مفاوضتها مع الجزائريين إلا أن المغرب رفض ذلك مرجئا الأمر إلى محادثات ثنائية بينه وبين الجزائريين. كان هذا ضروريا للحفاظ على جبهة تحرير المغرب العربي ومساندة كفاح الشعب الجزائري الذي كان الكفاح التحريري من التراب المغربي المستقل. وقد اعتمد المغرب على وعد من الحكومة المؤقتة الجزائرية بأن مشاكل الصحراء سيتم حلها بين الحكومتين المغربية والجزائرية بعد أن تستقل الجزائر.

وفـاء لروح جـبهة تحـرير الـمغرب الـعربـي

أما الصحراء الغربية فقد وضعنا مشكلها بمدريد أثناء وضع معاهدة استقلال شمال المغرب سنة 1956 وقمنا بالتحفظات اللازمة في شأن هذه المنطقة، وقلنا للإسبانيين إن وضعية هذه المنطقة أكثر وضوحا من وضعية المناطق الصحراوية الخاضعة للنفوذ الفرنسي، فقد ظلت الساقية الحمراء ووادي الذهب ضمن مناطق الحماية الإسبانية إلى سنة 1946، ومعنى هذا أن إلغاء الحماية عن الشمال وطرفاية يستتبع بالضرورة إنهاء الاحتلال في كل المناطق الصحراوية بما فيها الساقية الحمراء ووادي الذهب، وهذا معنى النص في معاهدة الاستقلال على استكمال الوحدة الترابية وصيانة هذا التراب، لكن المشكل في القضية هو أننا كنا نتصرف تصرفا خاصا إزاء اسبانيا، فقد كانت تدعي أنها الدولة الأوربية الوحيدة التي حافظت على علاقات طيبة مع العالم العربي، وكانت تزعم أنه لولا المنطقة الشمالية لما أحرز المغرب على استقلاله… فكان تصرفنا إزاءها – تبعا لذلك – يرمي إلى عدم إحراجها، وهناك جانب آخر أساسي من الناحية التاريخية وهو أن إسبانيا سمحت للجزائريين بأن يمارسوا عدة نشاطات فوق ترابها كالاتصالات وعقد الاجتماعات، وطبعا فإن ذلك كان تحت مراقبة الأجهزة الإسبانية إلا أن الجزائريين كانوا في حاجة إليه. فكان لديهم نوع من حرية التصرف والتنقل والاجتماع في مأمن من مراقبة ومطاردة السلطات الفرنسية. كل هذه العوامل جعلت إسبانيا تستفيد وتطور هذه الأشياء التي ستصبح في ما بعد أشياء قاهرة وحقوقا مكتسبة، كما لو كان ذلك ثمنا لبعض المساعدات التي منحتها لنا أثناء كفاحنا للاستعمار الفرنسي، والتي ساعدت بها أعضاء جبهة التحرير الوطني الجزائري الذين كان كفاحنا مرتبطا بكفاحهم، وفاء لروح جبهة تحرير المغرب العربي. الجزء الـذي ينتظـر الـتحـريـر أيها الإخوان، أيها السادة: هذه التفاتة إلى الماضي كانت ضرورية لنعلم هل كانت تصرفاتنا إزاء قضية الصحراء في مستوى ما كان ينبغي أن نقوم به أم أنها كانت دون ما كان في إمكاننا أن نقوم به إزاءها؟ ومهما يكن فهذا هو الواقع: فابتداء من سنة 57 الى سنة 1960: دخلت قضية الصحراء طورا جديدا يتمثل في المطالبة الرسمية من المغرب بتحريرها، باعتبارها جزءا من ترابه الوطني بما في ذلك الصحراء الشرقية والجنوبية. وعلى الصعيد الرسمي طرحت القضية في خطاب ملكي ألقاه المرحوم محمد الخامس بمحاميد الغزلان سنة 1957 ، وبذلك أصبحت المشكلة مطروحة وطنيا ودوليا، غير أن تصرفاتنا مع الإسبانيين سارت كما وصفتها قبل على أساس عدم إحراجهم بالإضافة إلى ما كان مؤملا من الإسبانيين من تفهمهم للمشكل واعترافهم بالحق لأصحابه والاعتراف بالجميل للمغرب الذي حرص في علاقته معهم على عدم إحراجهم، لكن بعد استقلال الجزائر أصبحت الأمور واضحة فأنا لن أتحدث عن الصحراء الجنوبية أو الشرقية لأن الموضوع يحدد إطار الحديث في الصحراء المحتلة من طرف إسبانيا. كانت هناك اتفاقات مع الجزائر إلا أن هذه الاتفاقات لا تلزم الشعب المغربي. إن حل جميع مشاكل الحدود يجب أن يتم في إطار وحدة المغرب العربي. عندما نستعرض هذه الأحداث التاريخية لا نريد من وراء ذلك الانتقاد، بل لنسجل الوحدة الوطنية والإجماع الوطني من القمة الى القاعدة، من الملك إلى الشعب، ولنقول بصراحة للشباب المغربي: إننا طلبنا باستقلال فحرر طرف منه وبقي طرف آخر ينتظر التحرير.
اللـجوء إلى محكمة الـعدل الـدوليـة وإحراج إسبـانيـا

أؤكد لكم أننا ذهبنا للأمم المتحدة لنزيل الغموض واللبس الذي علق بهذه القضية، وأؤكد لكم بأن ذلك لم يكن سهلا: لقد ذكرنا بكفاح الجزائر وموقف إسبانيا في الماضي وفسرنا تردد المغرب ووضعناه في إطار التضامن مع كفاح الشعب الجزائري، وأثبتنا شكاية المغرب ضد إسبانيا أمام الهيئات الدولية سنة 1964 وإتباع الشكاية بملتمس يؤكد أن هناك نزاعا على السيادة بهذه المنطقة. ومما يؤسف له أن المغرب لم يسلك خلال السنوات الماضية طريق الملتمس الأول وقام بتصرفات استفادت منها إسبانيا واستفاد منها آخرون لا أذكر أسماءهم، وبذلك حلقت أطماع بالمنطقة، وأصبح هؤلاء يتملصون من فتح ملف القضية ليقينهم بسلامة موقف المغرب وقوة حجته، وكثيرا ما كان إخواننا الأفارقة يسألوننا، لماذا لم تقولوا هذا من قبل؟ وهكذا اضطررنا إلى التذكير بمواقف المغرب السابقة وإثارة قضية السيادة التي طرحها ملتمس المغرب المقدم سنة 1964، وعندما وصلت الأمور إلى هذا الحد وبعد مواقف إسبانيا التي أصبحت تستهدف فصل المنطقة عن المغرب وإقامة حكومة صورية لاستمرار تسلطها، واستغلالها لهذه المنطقة بواسطة منح استقلال تحتفظ فيه لنفسها بالخارجية والدفاع والمالية. بعد هذا أصبح ضروريا فضح مواقف اسبانيا، ولذلك رفض المغرب الاستفتاء لأنه ليس من المعقول أن يقبل استفتاء في جزء من ترابنا الوطني. لقد طالب المغرب برفع القضية إلى محكمة لاهاي بعد أن رفض الاستفتاء، وهو يريد من ذلك إحراج إسبانيا وحمل الأطراف المعنية على توضيح آرائهم في القضية، وكان هذا الحل سليما لأنه جنب المغرب الوقوع في العزلة سيما بعد مواقف المغرب السابقة من قضية الصحراء. إن إحراج إسبانيا يتجلى في ضعف حجتها أمام المغرب إذ كانت ولا تزال تدعي أنها وجدت الصحراء أرضا خالية لا سيادة لدولة عليها، ولذلك فان أمر الصحراء لا يعني في منطقها إلا سكانها وإسبانيا، ولذلك قررت استفتاءهم، ولهم بعد ذلك أن يقرروا ما يريدون، وإذا كان هذا صحيحا فلماذا رفضت الذهاب إلى محكمة العدل؟

الطـريق الـصحيـح نحـو الـتحريـر

إننا موقنون أن محكمة لاهاي ليست هي طريق التحرير ولكنها وسيلة من الوسائل السياسية التي لابد من استعمالها لكن يبقى الطريق الصحيح للتحرير الوطني وتصفية الاستعمار، انه لكي يكون التحرير كاملا لابد من عمل ناجع وفعال. وقد أكدت الجلسات التي حضرناها والتي ترأسها جلالة الملك أن المغرب سيستعمل جميع الوسائل لتحرير ترابه. وأخيرا: هناك سؤال لابد منه: ما هو موقفنا من موريطانيا؟ لابد من توضيح هذا الجانب الهام من قضية الصحراء. لقد كانت سياسة إسبانيا تقوم على استغلال واستفادة من الخلافات حول الصحراء، بل لم تكن تتورع عن الدس بين المغرب وموريطانيا لتخويفها من المغرب عندما تصبح حدوده متصلة بحدودها. موقفنا الآن من القضية واضح، بالنسبة لتحرير الصحراء من قبضة الاستعمار، يجب استعمال جميع الوسائل مسلحة وغير مسلحة، وبالنسبة لعلاقتنا مع موريطانيا فلا بأس أن نوضح حقيقة علاقة سكان الصحراء المحتلة بالمغرب من جهة وموريطانيا من جهة أخرى، فقد كان سكان الساقية الحمراء ووادي الذهب صلة الوصل بين جنوب المغرب وشمال موريطانيا، فيجب اليوم أيضا كما كان الأمر بالأمس ان تكون هذه المنطقة من أسس التعاون بين البلدين الشقيقين. إن العلاقات القائمة بين الدول اليوم ليست هي علاقات الأمس، وأن مغرب اليوم هو غير مغرب البارحة، علينا أن نفهم الوضع الدولي اليوم وخاصة في إفريقيا. في القديم لم تكن هناك دول بمفهومها الصحيح إذا استثنينا المغرب وإثيوبيا ومصر، والواقع اليوم: إن أكثر أعضاء الأمم المتحدة هي دول جديدة تعيش ضمن الحدود التي ورثتها عن الاستعمار، فيجب أن تتطلع الى آفاق جديدة بروح منفتحة وعقلية جديدة تصل بين الماضي والحاضر وتؤهل المغرب ليلعب دوره التاريخي في نشر الحضارة وتحرير المنطقة بأكملها من الاستعمار بأشكاله المختلفة.
الراحل عبد الرحيم بوعبيد يجيب بومدين من وجدة

« إن قضية اليوم هي قضية الصحراء المغربية وكفاح الشعب المغربي من أجل وحدة ترابه، وكيف تصبح هذه القضية قضية مصيرية للشعب المغربي..». بهذه الكلمات انطلقت مداخلة الزعيم الراحل عبد الرحيم بوعبيد أمام حشد غفير من مناضلي وساكنة وجدة في 23 يونيو 1975، أسابيع قبل انطلاق المسيرة الخضراء في اتجاه الصحراء المغربية. كما عرف عن الراحل وضوحه مع الجميع: «نريد تحرير هذه الصحراء لا ليصبح الصحراويون في حالة من العبودية والاستغلال، ولكن نقول لهم نريد تحريرهم حتى يصبح المغرب بأجمعه، بشعبه وبكل قطاعاته، أخذ مصيره بنفسه على أسس الديمقراطية وحسب الاختيارات التي اختارها لنفسه بمراقبته على الحاكمين .. «. ويضيف القائد «فالتحرير مرتبط كل ارتباط بإقامة نظام ديمقراطي صحيح في هذه البلاد.. «. وأكد بوعبيد، بلغة الواثق والمطلع، «أننا في الظروف التي نعيشها اليوم على أهبة أن يؤخذ الاتجاه الضروري لتحرير الصحراء فعليا، لأن وقت المماطلة وظرف الانتظار وظرف المساومة وظرف الديبلوماسية السرية انتهى.» وشدد الراحل على أن قضية الصحراء هي قضية 17 مليون مغربي – عدد سكان المغرب انذاك – «فلا يمكن أن تكون هناك مهاودة ولا مساومة ولا يمكن أن نقبل شانطاج ولا ضغط من أي جانب.» واستغل القائد الكبير مناسبة التجمع للرد على بعض تصريحات بومدين: «إنني أتوجه للسيد بومدين كرئيس حزب وكمناضل لا كرئيس دولة، لأن أمر الدولة لا يعنيني، فلست في الحكومة، فأنا مناضل وأريد أن أجيب عن تصريحات مناضل آخر.. نريد أن نقول لرجال الثورة والشعب الجزائري ليس لنا فيما يرجع للصحراء الغربية التي هي تحت السيطرة الاستعمارية، ليس لنا أي نزاع مع الشعب الجزائري ولا مع الحكومة الجزائرية، فالنزاع الوحيد هو بيننا وبين الاستعمار الأطماع الامبريالية..» وتضمنت الردود ثماني نقط أساسية. 1 – فالنقطة الأولى التي جاءت في التصريح، تتكلم عن مستقبل المغرب العربي ووجوب الوحدة والتضامن، ونحن نقول للسيد بومدين، ليس هناك أي خلاف بيننا وبينكم في هذه النقطة، إلا أنه نريد أن نعطي لكلمات وحدة وتضامن وتعاون وبناء مغربي عربي مدلولا دقيقا وصحيحا. 2- النقطة الثانية متعلقة بما جاء في الأنباء التي وردت علينا، إنه قال في قضية الصحراء وقع مشكل «خارج عن إرادتنا»، ومعنى ذلك أنه لم يرده، كان هذا النزاع أو هذا التعقيد جاء وحده تلقائيا، ونحن نقول: نعم لم يكن هنا في أول الأمر أي نزاع، في سنة 1956 كان إخواننا الجزائريون – أعضاء الثورة الجزائرية والجبهة كانوا مطلعين على كل قضايا المغرب. 3 – هنا النقطة الثالثة والمتعلقة بالاتفاق بين المغرب وموريتانيا، كيف أن يفسر أن حركة موريهوب الأولى، وهي حركة انفصالية كانت في الجزائر، تسلح في الجزائر، تعطاها وسائل الإعلام في الجزائر، ثم تراجعت هذه الحركة عن موقفها وخرجت من الجزائر وذهبت الى بروكسيل، وصرحت أنها كانت تحت قيادة وضعنا يدعو الى الانفصال، وذلك عندما تبين لها أن الصحراء الغربية ليس لها أي مستقبل، دون مستقبل إدماجها مع الشعب المغربي وكل أجزاء الشعب المغربي، قلنا انتهت هذه الحركة، ولم تعد تسايرهم، فخلقوا حركة أخرى تسمى «البوليساريو» وتوجد بتندوف المدينة المغربية، ثكنات لتدريب هؤلاء الانفصاليين، وهم جماعة قليلة، ولكن يحظون بكل المساعدات من طرف الإسبانيين أنفسهم، يزودونهم بالامال والسلاح وأخيرا جاءوا بأحد الموريطانيين المسمى أحمد ولد مسك، وكان هو ممثل الحكومة الموريطانية في مجلس الامن وحكم عليه من أجل الارتشاء… اعتقدنا بأن الأمر انتهى وأنه لم يبق هناك أي مشكل، لا لأن الاتفاق بين المغرب وموريتانيا أظهر البوليساريو على حقيقته، وأصبحت الجزائر تصرح علنيا ورسميا بتقرير المصير. كل ذلك يبين بوضوح أن الخلاف بين المغرب وموريتانيا كان مبررا من المبررات، فلما زال هذا المبرر خلقوا مبررا آخر، لو كان هناك إنصاف، وهناك تجاوب مع الرأي العام الجزائري وماضي الثورة الجزائرية، لكان على المناضل الأول في جبهة التحرير الوطنية بالجزائر أن يتكلم مع الأطر بهذه اللغة، وبهذه الصراحة، ولا يتكلم كلاما فيه شيء من اللبس ومن الغموض. 4 – وجاء في النقطة الرابعة أن الثورة الجزائرية كان لها دور حاسم في تحرير المغرب العربي بأجمعه وتحرير إفريقيا، وتكلم عن مليون ونصف من الضحايا في الجزائر، نحن ننحنى اليوم كما انحنينا في كل وقت أمام كل الضحايا الذين لقوا حتفهم في ميدان الشرف ضد الاستعمار وضد التدخلات الأجنبية، لذلك فالموضوع ليس موضوع فصل هذا أو ذاك، لكن هو شيء بسيط يرجع إلى معطيات تاريخية مازالت حية ومازالت في الأذهان. الثورة الجزائرية انطلقت أساسا وقبل كل شيء من المغرب، لاندعى أن المغرب قام بتحرير الجزائر في محل الشعب الجزائري، نحن لا نقول ذلك ولا ندعي ذلك، لكن التاريخ يشهد بكل ما يعنى الثورة المسلحة، وأريد هنا أن أذكر بشيء بسيط على وجه المثال، وهو أن أول باخرة حاملة للسلاح أتت إلى المغرب، وجاءت إلى الناضور هنا، ومنعها الإسبان من الدخول إلى ميناء الناضور، وتعطلت الباخرة في البحر ثم رست. فمن أتى بالسلاح الذي كان على ظهر الباخرة؟ إنهم رجال المقاومة المغربية وجيش التحرير، فهم الذين حملوا السلاح من وسط البحر، كيسا بعد كيس، صندوقا بعد صندوق، بل حملوا على ظهورهم ركاب السفينة، ومن بين ركاب السفينة كان يوجد السيد بومدين. إننا لانمن بذلك عندما نذكر هذه الحقائق، نؤكد أشياء تاريخية معروفة، وماذا صنع بذلك السلاح؟ تقاسمته الثورة الجزائرية والثورة المغربية، وماذا كان حظ الجزائر؟ أعطينا للجزائر الحظ الأوفر، ونقل السلاح على ظهر المناضلين المغاربة حتى الولاية الرابعة داخل الجزائر. وانتم أهل وجدة لايمكنكم إلا أن تتذكروا كيف أكرمتم إخواننا رجال الثورة في الجزائر، وكيف كانت لهم الحرية المطلقة في التنقل والاستفادة وأخذ السلاح من الحكومة المغربية، والمواد الأولية وكل الأعتدة، كلكم تتذكرون ذلك، وربما نسيه البعض من الذين كانوا في الوقت قاطنين بالجزائر. هناك نقطة خامسة: تتعلق بقول السيد بومدين «نحن الذين حركنا قضية الصحراء». جاءت الأخبار أن الحكومة الجزائرية هي التي حركت قضية الصحراء، وهذا شيء لايستحق ربما الجواب، لأن الذين حركوا قضية الصحراء هم المغاربة، وحركوها منذ سنة 53 و54 وحتى 58. ومات من أجلها عدد من الضحايا، وكان جيش التحرير، ومن بعد كانت في المحافل الدولية، أي مبرر لقول ذلك لشعب واع، وأن يقول له بأننا نحن الذين حركناها، التحرك الوحيد الذي نعرفه الآن هو تحرك جماعة الانفصاليين، هذا هو التحرك الوحيد الذي نلاحظه جميعا، ومع كل الاسف. 6- النقطة السادسة: نتذكر أنه في أول تصريح، كان مبرر من المبررات، وهو أنه كان هناك خلاف بين المغرب وموريطانيا، لذلك كان لا يراد التدخل بين إخوه. لكن فيما بعد، في النقطة السادسة قيل: إذا أهل الصحراء قبلوا أن يقتسم وطنهم بين موريطانيا والمغرب، فلهم ذلك، معنى ذلك: أنني لا أحبذ الاتفاق بين المغرب وموريطانيا. فهذا تناقض واضح وصريح، ومعنى ذلك موضوعيا أننا نفضل بقاء الاستعمار الإسباني في هذه المنطقة بدلا أن يكون اتفاق بين المغرب وموريطانيا على منطقة الصحراء الغربية. 7- النقطة السابعة: تقول إننا نؤيد مبدأ تقرير المصير، وأن لأهل الصحراء الحق في تقرير مصيرهم. وإذا كان هناك استفتاء، فالجزائر لاتتدخل. معنى ذلك موضوعيا أننا نؤيد الخطة المقترحة من طرف الاستعمار الإسباني بوضوح. لكن لنرجع لتقرير المصير، وهذه هي المغالطة الكبرى التي يجب أن يعلمها المغاربة. تقرير المصير هو مبدأ وقع عليه التصويت في الأمم المتحدة سنة 1960، يعنى قبل أن تكون الجزائر مستقلة ودولة داخل الأمم المتحدة، ماذا يقول مبدأ تقرير المصير. مبدأ تقرير المصير فيه ثلاث نقط، وليس فيه نقطة واحدة، ليس كويل للمصلين. النقطة الأولى تقول: ملتمس الأمم المتحدة لعام 60، تقرير المصير يحصل عندما يكون هناك شعب تحت الاستعمار، وأخذ استقلاله. النقطة الثانية: تقرير المصير يحصل عندما يريد شعب عن طواعية، أن يلتحق بشعب آخر. النقطة الثالثة: تقرير المصير يكون إذا كانت المنطقة المحتلة أصلا راجعة لمنطقة محررة. إذن تقرير المصير ليس حتما دائما الاستقلال بالاستفتاء عندما تأتي أرض أو شعب لا ماضي له، ماضيه هو الحدود التي وضعها الاستعمار، بطبيعة الحال مصيره هو الاستقلال إذا كان الشعب طرف منه محرر وطرف غير محرر، يلتحق بالمحرر، لذلك أيها الإخوان، أيها الشباب إياكم وأن تقبلوا قضية تقرير المصير على أنها مبدأ، بل إننا نقول لخصومنا الذين يغالطون الرأي العام أن قضية تقرير المصير لا تنحصر في الاستفتاء، هذا كذب محض وتزوير لمقررات الأمم المتحدة نفسها. ومن جانب آخر، أهل الصحراء، الحمد لله مادام قد قال: أهل الصحراء الغربية، لأنه هناك صحراء غربية، وهناك صحراء شرقية، وهناك صحراء وسطى، كلهم من سلالة واحدة ومتجانسون مع بعضهم البعض، ومن عائلات واحدة، وجغرافيتهم جغرافية واحدة، واقتصادهم اقتصاد واحد، وثقافتهم ثقافة واحدة. لماذا ننظم الاستفتاء في الساقية الحمراء ووادي الذهب ولا ننظمه في تندوف وتوات. 8- جاء في آخر هذا التصريح أن الجزائر مازالت مصممة على تشييد المغرب العربي، مغرب الفلاحين مغرب العمال، ومغرب الشعوب. نحن متفقون كل الاتفاق على هذا التصريح، وكان دائما هدفنا تشييد مغرب عربي على أسس ديموقراطية صحيحة. لكن أين نحن اليوم من حيث الواقع والعمل وتصرف القادة الجزائريين من هذا التصريح؟ فهل بناء المغرب العربي وتوحيد شعبه يقتضي أول الأمر العمل على تجزئته؟ هل بناء المغرب العربي يتطلب العمل على إنشاء وضع مزيف في الصحراء؟
عبد الرحيم بوعبيد يقترح إنشاء منطقة للتعاون المغاربي

أعتقد أولا وقبل كل شيء، أن هناك خصاصا في الإلمام بالموضوع، فما ألاحظه هو استعمال مقاربات تبسيطية لتفسير مشكلة تحرير الصحراء من الاستعمار، ولا ننسى أن الرأي العام الاسباني ظل جاهلا بالمسألة الاستعمارية خلال مدة زمنية طويلة، وحتى قبل بضعة شهور ظلت هذه المسألة «من الملفات المحفوظة» وقبل أن أجيبك عن سؤالك، أود أن أوضح أمرا أساسيا، فلا المغرب هو بلد رجعي كما يقدم للرأي العام، ولا الجزائر هي بطبيعة الحال بلد اشتراكي·
يتعين التمييز بين الجزائر كبلد، وبين فريق بومدين الذي له تطلعات هيمنية في المنطقة، ويواجه معارضة صامتة، وبالعودة الى موضوع الصحراء أقول: هو مشكل مطروح تاريخيا بين القوة الاستعمارية والمغرب، دون أن يكون للجزائر ولا حتى لموريتانيا في أي لحظة أدنى مطلب في هذا الشأن···
الشعب الصحراوي؟
لم يبدأ الحديث عن الشعب الصحراوي إلا عندما برزت مناجم الفوسفاط وحظوظ استغلالها الصناعي، أما قبل ذلك فلم يكن أحد يهتم بالشعب الصحراوي، دعني أوضح لك أن الصحراء منطقة جغرافية شاسعة جدا ومن بين أطرافها توجد الصحراء الغربية· والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية له اقتراح محدد في هذا الموضوع يتعلق بخلق منطقة للتعاون بين الأقطار المغاربية الثلاثة·
في حديث كان لي مساء أمس مع رئيس الحزب الاشتراكي الشعبي الأستاذ تييرنو غالبان سألني إن كنت أعترف بوجود لاجئين، فأجبته نعم، هناك لاجئون، ولكن يتعذر معرفة مواطنهم الأصلية، قد يكون بعضهم «انفصاليين» من الصحراء الغربية، والبعض الآخر وافدين من منطقة الساحل، والكثيرون من تندوف نفسها، أغلبهم من النساء والأطفال، لكن الدرع المسلح للبوليساريو، ولا ننسى ذلك، هو الجيش الجزائري·
الاشتراكية الإسبانية في تقديري أمامها خياران: إما الاشتراكية الديمقراطية الأوربية، وإما الاشتراكية المتوسطية في أفق تمكين جميع البلدان المطلة على ضفتي المتوسط من التصرف في حوضها بتحرر عن القوى العظمى. بهذا المعنى يكون على الاشتراكية الاسبانية المتطلعة مثل حزبنا الي الديمقراطية، أن تلتقي معنا في خندق واحد، فنحن بلدان يشكلان مفتاح حوض البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا وأوربا·
وإن كان لابد من حضور صحراويين من العيون بغرض عرض وجهة نظرهم، إضافة الى ذلك، فإنني أود باسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية دعوة الصحفيين الإسبان لزيارة الصحراء·
«الصفقات» توجد في كل الحكومات، بما فيها الحكومات الديمقراطية وحتى الاشتراكية، ولا أعتقد أن مثل هذا الملف قد يكون موجودا، لكني أود التوضيح بأن التحول غير المنتظر في السياسة الاسبانية حول الصحراء، كان بسبب المرض المفاجئ للجنرال فرانكو، ذلك أن فرانكو لو استمر على قيد الحياة، لظل متشبثا بنظريته حول صحراء مستقلة تحت الحماية الإسبانية·

أنقذنا وحدة الوطن ولكن وحدة الحزب تصدعت عميقا

في الدفتر الثالث من مذكراته، ترجمة وتقديم عبد الحميد جماهري، ُيسلط عبد الرحيم بوعبيد، باعتباره أحد الوطنيين الذي تتبعوا عن كثب وشاركوا ودافعوا عن استقلال البلاد، السياق الدولي والوطني والداخلي لحزب الاستقلال الذي تمت فيه مفاوضات الحرية، ويقدم الفقيد الكبير إضاءات جديدة على أسئلة وتساؤلات متعددة تخص ايكس ليبان وآراء القادة الاستقلاليين وبعض الخفايا التي ترتبط بمفاوضات الاستقلال، وهو يقدم المعطيات التي عاشها ويعيد ربطها بالسياق الذي كانت تتفاعل داخله وقتها، ونكتشف معطيات جديدة، لم تسترع كبير اهتمام من طرف المؤرخين أو الباحثين من قبيل موقف إسبانيا وتكتيكاتها حول القضية المغربية، والحياة التي كان يحياها المقاتلون في منطقة خاضعة للاستعمار، لكنها في الوقت ذاته فضاء للتداريب والتخطيط لعمليات المقاومة.
في الوقت الذي يكتب المغرب فيه تاريخه، بكثير من الجرأة والشجاعة مع الذات، وبكثير من التمحيص أيضا والمقارنات والتركيبات الدينامية للأحداث والشهادات، تعتبر مذكرات عبد الرحيم مهمة، إن لم نقل مفصلية، في ترتيب الذاكرة وترتيب الفترات التاريخية. يقول الراحل في هذه المذكرات التي سبق نشرها على صفحات الجريدة بترجمة وتقديم عبد الحميد جماهري:
« ماذا لو أن الحكومات الفرنسية، من باب الافتراض المحض، طلبت من المفاوضين المغاربة، مقدمة لنظام الترابط المتبادل، إبرام اتفاق عسكري للدفاع المشترك بين البلدين؟ مثل هذا الاحتمال لم يكن مستبعدا. وإذا كان قد قُدر له أن يكون، كان ولابد من إبداء رأي واضح بدون عداء ولا حزازات عوض اللجوء الى حذلقات غير مجدية.وفي هذا الباب، لا يمكن أن نقول بأن بعض الشخصيات الرسمية، ولا سيما في الكي دورسيه (وزارة الخارجية) لم تكن تتوفر على ملفات مهيأة جيدا. وهكذا ذكروني بتصريح سابق لصحيفة «فران- تيرور» أدلى به علال الفاسي إبان اقامته في باريز في ابريل 1947 . ففي هذا التصريح، دعا زعيم حزب الاستقلال إلى «معاهدة» للتحالف بين فرنسا والمغرب تعوض معاهدة الحماية.. وقتها «ستدرك فرنسا أن المغاربة الذين كانوا إلى جانبها خلال المراحل العصيبة، لمدة خمس وثلاثين سنة، لم يغيروا موقفهم في ما يخص علاقاتهم مع حليفتهم فرنسا»• (هذا التصريح الذي صدر في الصحيفة الباريزية «فران تيرور» ، في أبريل 1947، تمت إعادة نشره حرفيا تقريبا في كتاب علال الفاسي «الحركات الاستقلالية في المغرب العربي<» ، ص 329 ). وقد كان التذكير بهذا التصريح ، أقل ما يقال عنه أنه مزعج.وقد حاولت إقناع بعض المخاطبين أن هذا الموقف كان يخضع لسياق سياسي مخالف للسياق الحالي، وبالتالي فإن المفاوضات الفرنسية المغربية لا يمكن أن تتم إلا على الأسس التي حددتها الوثيقة الرسمية الوحيدة، هي اتفاقية سيل سان كلو. كان علينا أن نؤكد بأن مغربا جديدا ومستقلا ستكون له انشغالات أخرى ذات أولوية: انشغالات إقامة مؤسسات ديموقراطية، وانشغالات تحديد أهدافها على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، انشغالات إدماج الأغلبية الكبرى من شعبنا في القطاع العصري الموروث عن الاستعمار، وهو ما يعني إذن النهوض بالإنتاج والتربية والتكوين والادخار والاستثمار. وعليه، فإن مشكلة اتفاق الدفاع المشترك، في نظرنا، ما هي سوى مشكلة مغلوطة أو طريقة ما للقبول بشكل من التبعية والخنوع. وقلنا إنه لا نرى ماهو التهديد الخارجي الذي يخيم على بلدنا المستقل حديثا لكي يفرض على نفسه الانشغال بإبرام اتفاق عسكري أو تحالف دفاعي. زد على ذلك أن اتفاقا للدفاع المشترك مبرما مع فرنسا، لا يمكنه أن يمر بدون أن يدفع الحكومة الإسبانية إلى أن تطلب التعامل معها على قدم المساواة، ولماذا الولايات المتحدة الامريكية التي يمكنها أن تشترط من جهتها أن توضع الأسس القانونية بالنسبة لقواعدها العسكرية القائمة سلفا، والتي تفتقد هذا السند القانوني. [ من باب التذكير، نورد هنا حكاية وقعت إبان الحكومة الثانية التي ترأسها البكاي.فقد قام وزير الشؤون الخارجية أحمد بلافريج بتقديم مشروع إسباني للدفاع المشترك الى مجلس الوزراء، وقد كان من الوارد جدا أن اسبانيا كانت تسعى بواسطة هذه الوسيلة الى الإبقاء على جزء من جيوشها في المناطق التي كانت تسيطر عليها خلال الحماية. اعترضت بالقول : ما هي الأسباب التي تدفعنا الى القبول بمجرد مبدأ هذا الاتفاق؟ أجابني أحد الزملاء المعروفين: «لا يمكننا أن نبقى بدون تحالف عسكري! فإذا حدث أن وقعت حرب غدا سنجد أنفسنا وحيدين ومعزولين» • أجبته «إذا كانت الحرب ستقع، فهي لن تقع سوى بين القوى العظمى وبين حلفائها. وفي هذه الحالة أفضل أن تبقى بلادنا بعيدة، معلنة حيادها» • وفي الأخير لجأنا الى تحكيم محمد الخامس، فبقي المقترح الاسباني حبرا على ورق ] ويتبين من خلال ما سبق، أن دورة اللجنة التنفيذية للحزب التي انعقدت بمدريد، قبل تشكيل أول حكومة مغربية، مكنت من تبديد حالات سوء الفهم التي تراكمت منذ سنوات، ومكنت من تحديد خط عام أكثر دقة ما أمكن• وفي النهاية، وجد علال الفاسي وأحمد بلافريج أنفسهما معا، وسط إخوانهما. وتجدر الإشارة أيضا إلى حضور عبد الكبير الفاسي، ابن عم السي علال ومساعده الذي قام بمقرر اللقاء. أتاحت لنا رحلتنا الى مدريد كذلك اللقاء ببعض أعضاء المجلس الأعلى للمقاومة وجيش التحرير. وأثناءها علمنا بقرار الطرد من هذا المجلس في حق عبد الكبير الفاسي لأسباب يصعب التسليم بصوابها. بعد عقد ندوة صحافية في فندق «فيلاسكويز» حيث كنا نقيم، افترقنا للعودة الى المغرب، وبقي سي علال وحده شهورا في طنجة، غير أن قناعتنا المشتركة بين الجميع كانت هي أن عملية التوضيح والشرح تفرض نفسها عاجلا لفائدة مناضلي القاعدة الحزبية، ولا سيما رفاقنا المقاومين.وقد تبين من بعد أن هذه المهمة كانت صعبة.. فقد تعرضت وحدة الحزب لهزة كبيرة، لكن وحدة الوطن سلمت، بحيث أن عودة محمد الخامس إلى الرباط أتاحت استكمال المراحل الأخيرة من تحرير البلاد من وصاية الحماية. وبذلك انفتح أمامنا عهد جديد، بآماله وأوهامه، وبخيباته أيضا.


الكاتب : إعداد : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 08/01/2024