في رسالة سامية موجهة للمشاركين في المؤتمر الدولي السابع لتعليم الكبار بمراكش … جلالة الملك يؤكد على أهمية وضع التربية على المواطنة والحس المدني في قلب المشروع التربوي المغربي

أكد جلالة الملك محمد السادس أنه في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم، بات من الضروري منح الكبار فرصا دائمة مدى الحياة، لكسب مهارات جديدة تضمن لهم التأهيل الأمثل لتحسين ظروفهم الحياتية والصحية والعملية، وتمكنهم من سبل العيش الكريم. وأضاف جلالته في الرسالة السامية التي وجهها للمشاركين في المؤتمر الدولي السابع لتعليم الكبار(CONFINTEA VII) الذي انطلقت أشغاله بمراكش، ظهر يوم الأربعاء 15 يونيو الجاري، تحت شعار « تعلم الكبار وتعليمهم من أجل التنمية المستدامة: أجندة تحويلية »، أن تنظيم هذا المؤتمر الدولي، على أرض المملكة المغربية، يعد دعما للجهود التي ما فتئت تبذلها بلادنا، لتوفير تعليم جيد مدى الحياة لجميع أبنائها، بدءا من التعليم الأولي، الذي يشكل ركيزة أساسية للتعلم مدى الحياة، ومدخلا بالغ الأهمية لتحقيق الجودة في مجال التربية والتكوين.
وأبرز جلالة الملك في رسالته السامية التي ألقاها رئيس الحكومة عزيز أخنوش خلال الجلسة الافتتاحية، الأهمية التي توليها المملكة لتعليم الشباب، حيث توفر لهم فرصا متعددة ومتجددة للتعلم، تضمن لهم التمتع بحقهم في الحصول على التأهيل المناسب، الكفيل بضمان اندماجهم الاقتصادي، وتحصيلهم المعرفي وارتقائهم الاجتماعي، بما يحصنهم من آفة الجهل والفقر، ومن نزوعات التطرف والانغلاق.
وأوضح جلالته أن المملكة عملت على تعزيز جهودها للارتقاء بالتكوين المهني للشباب، واعتماد تكوينات بتخصصات متنوعة، تستجيب لحاجيات المقاولات والقطاع العام، وتواكب التطورات العلمية والمعرفية، والتغيرات التي يعرفها المجتمع والمهن، بما يتيح لهم فرصا أفضل للاندماج المهني. وفي هذا السياق قال جلالته «وفضلا عن ذلك، ولتمكين الشباب من الاستمرار في التعلم والتكوين لأطول مدة، خاصة منهم المنقطعين عن الدراسة، تم خلق مبادرة « مدرسة الفرصة الثانية الجيل الجديد للتربية والتأهيل ». حيث تعتمد هذه المبادرة على مقاربة التكوين بالتناوب بين المدرسة والمقاولة، من أجل الإعداد والمرافقة في المشروع المهني الفردي لكل شابة وشاب.»
وأشار جلالته في رسالته السامية إلى البرنامج الوطني الذي اعتمدته المملكة للارتقاء بمحو الأمية، الموجه إلى فئة عريضة من المواطنين والمواطنات، والذي تتجاوز أهدافه عملية تعلم القراءة والكتابة إلى تيسير اندماج الفئة المستهدفة في سوق الشغل، من خلال دورات تكوينية تمكن المستفيدين من تطوير مهاراتهم في بعض الحرف، وتقوية قدراتهم لخلق تعاونيات ومشاريع مدرة للدخل. مؤكدا أن المملكة المغربية تسهر أيضا، على تيسير ولوج النساء إلى التعليم، وتمكينهن اقتصاديا مدى الحياة، حتى يتسنى لهن المساهمة بفعالية في التنمية، وكذا تطوير ذواتهن وتحقيق طموحاتهن الشخصية والعملية.
وقال جلالته «إن احتضان المملكة المغربية لفعاليات هذا المؤتمر، يكرس انخراطها الفعلي في ترسيخ مبدأ التعلم مدى الحياة. وهو ما تجسد على أرض الواقع، من خلال التحاق مدينتي شفشاون وبنجرير بالشبكة العالمية لمدن التعلم، وحصول المغرب على كرسي اليونسكو، بفضل إنشائه مرصدا للتعلم مدى الحياة، ومساهمته في إعداد آليات لتتبع وتقييم مستوى التعلمات، بشراكة مع معهد اليونسكو للتعلم مدى الحياة.»
وأبرز جلالته في رسالته السامية الدينامية التي تعرفها المملكة بفضل تعاون وتضافر جهود جميع الفاعلين، من قطاع عام وخاص، وكذا الجامعات والجماعات الترابية ومنظمات المجتمع المدني والشركاء الدوليين، الذين يسهرون على تنزيل السياسات والبرامج الخاصة بالمتعلم الكبير. وعبر عن حرص جلالته على توفير تعليم جيد لجميع المغاربة، بكل شرائحهم وباختلاف أعمارهم؛ تعليم يضمن الانخراط في عالم المعرفة والتواصل، ويؤهل للحياة المهنية، ويساهم في الارتقاء الفردي والجماعي. مؤكدا في هذا الصدد أن هذا الورش التنموي حظي بدفعة قوية وانطلاقة جديدة، في إطار النموذج التنموي الجديد، الذي تبنته بلادنا، والذي يرمي في شقه التعليمي إلى إحداث نهضة تربوية، غايتها تعزيز وضمان الرأسمال البشري الذي سيساهم في التنمية، مع فتح آفاق واعدة للمستقبل.
وشدد جلالته على أن تحقيق هذه الغاية يقتضي التوعية بالمكانة المتزايدة للعلم والمعرفة، باعتبارهما محددين للتنمية وللنمو الاقتصادي، في عصر يتسم بتسارع التحولات التكنولوجية، مع ما يتطلب ذلك من امتلاك لكفاءات ولمؤهلات جديدة ومتجددة. مؤكدا أن ذلك يتعزز بوضع التربية على المواطنة والحس المدني في قلب المشروع التربوي المغربي، ودعم آليات التربية والتكوين والادماج والمواكبة والتمويل المخصص للنساء، وتعزيز قنوات التعليم والتكوين مدى الحياة، دعما لقدرات كل فرد في بلادنا.
واقترح جلالته في رسالته السامية اعتماد إطار عمل جديد، تحت اسم « إطار عمل مراكش »، تيمنا بالمدينة التي تحتضن أشغالكم، لتوجيه وتطوير تعلم الكبار وتعليمهم في العقد القادم، كوثيقة مرجعية، تشكل خارطة طريق لـ 12 سنة المقبلة، وتضع المتعلم الكبير في صلب السياسات التعلمية، وتكرس مبدأ التعلم مدى الحياة، كرافعة أساسية لتسريع بلوغ أهداف التنمية المستدامة.
وقال جلالته :»وإيمانا منها بضرورة تقوية وتنسيق عملية تتبع إنجاز التوجيهات التي ستصدر عن « إطار عمل مراكش »، وضمانا لاستمرارية الدينامية التي سيطلقها هذا المؤتمر العالمي، ارتأت المملكة المغربية أن تقترح تشكيل لجنة وزارية ما بعد CONFINTEA VII، تجتمع مرة كل سنة، وتسهر على التنزيل الفعلي لكل التوصيات المنبثقة عن المؤتمر، خاصة على المستوى الإقليمي.
وقال أيضا «وضمن نفس الرؤية والتوجه، ولتقوية التزام بلادنا في مجال التعلم مدى الحياة، يقترح المغرب أيضا، إطلاق مبادرة ذات بعد إفريقي، تهدف إلى تقوية التنسيق والتعاون جنوب – جنوب في مجال تعلم الكبار والتعلم مدى الحياة، تتمثل في إنشاء « المعهد الإفريقي للتعلم مدى الحياة .»
وأوضح جلالته أن هذا المعهد سيشكل مركزا إقليميا لتقوية قدرات الجهات الفاعلة والمؤسسات والمنظمات الإقليمية في مجال التعلم مدى الحياة. كما سيسمح بتبادل التجارب الناجحة، ونقل المعرفة، وتقاسم الخبرات في ما يخص تعلم الكبار وتعليمهم. لا سيما على مستوى مدن التعلم الإفريقية، ومن خلالها، ربط أواصر التعاون مع مثيلاتها في ربوع العالم. كما سيستهدف هذا المعهد ـ يقول جلالته ـ الفاعلين المحليين، من صناع القرار السياسي وكذا الممارسين، ورؤساء المنظمات غير الحكومية والباحثين، لتقييم السياسات العمومية للتعلم مدى الحياة، على نطاق قاري، وفق مقاربة تضع المتعلمات والمتعلمين والمكونات والمكونين في صلب الأولويات.
ويجتمع المشاركون في المؤتمر الدولي السابع لتعليم الكبار المنعقد تحت الرعاية السامية لجلالة الملك، من أجل تقييم الإنجازات التي حُقّقت على صعيد تعلّم الكبار، وللوقوف على التحديات التي تعترض سبيلهم، إضافة إلى بلورة إطار عمل يهدف إلى تحويل تعلّم الكبار وتعليمهم إلى واقع في بلدان العالم قاطبة.
ويشجِّع مؤتمر كونفينتيا السابع الدول الأعضاء في منظمة اليونسكو على تطبيق سياسات ووسائل تحفيزية وأُطُر تنظيمية وهياكل وآليات مؤسسية للمساهمة في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية والقيم المشتركة والاستدامة، مع إيلاء اهتمام خاص لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تعزيز الوصول إلى برامج إدماج وتعليم وتعلُّم الكبار، وذلك إدراكًا لما يشهده مجال الذكاء الاصطناعي من تقدم مستمر.
وعرف المؤتمر في يومه الأول تقديم تقرير اليونسكو العالمي الخامس حول تعلّم الكبار وتعليمهم، الذي اعتبر أن التحدي الأساسي الذي يعوق تعلّم الكبار وتعليمهم في شتّى أرجاء المعمورة يتمثل في الوصول إلى الفئات الأشدّ حاجة إليه.
ويُبيّن التقرير المذكور أنه على الرغم من إحراز بعض التقدّم لا سيّما على صعيد مشاركة المرأة، فإنّ الفئات الأشدّ حاجة إلى تعليم الكبار، أي الفئات المحرومة والمستضعفة مثل المتعلّمين من الشعوب الأصلية وسكّان المناطق الريفية والمهاجرين والمواطنين المسنين والأشخاص ذوي الإعاقة، محرومة من الحصول على فرص التعلّم.
ويشير التقرير إلى أن %60 من البلدان أفادت بأنّها لم تُحرِز أيّ تقدّم على صعيد مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة والمهاجرين والسجناء، وأفادت 24 %من البلدان بأنّ مشاركة سكان المناطق الريفية انخفضت، في حين تقلّصت أيضاً مشاركة كبار السن في 24 %من البلدان التي شملتها الدراسة الاستقصائية التي أنجزت في الموضوع، والبالغ عددها 159 بلداً.
ويدعو تقرير اليونسكو العالمي الخامس عن تعلّم الكبار وتعليمهم إلى إحداث تغيير جوهريّ في النهج الذي تتوخاه الدول الأعضاء في مجال تعلّم الكبار وتعليمهم، ودعم هذه الجهود بالاستثمار الكافي بغية ضمان إتاحة فرصة تعلّم الكبار وتعليمهم للجميع.
وبالمقابل أوضح التقرير أن معظم البلدان أفادت بإحراز تقدّم في ما يتعلق بجودة المناهج الدراسية وآليات التقييم والتأهيل المهني لمعلمي الكبار، إذ أكد أكثر من ثلثي البلدان إحراز تقدم على صعيد التدريب السابق للخدمة والتدريب بالممارسة الذي يُقدّم للمعلّمين في مجال تعلم الكبار وتعليمهم، فضلاً عن تحسين ظروف العمل، رغم تباين هذا التقدّم تبايناً كبيراً حسب المنطقة وفئة الدخل. ويسهم هذا التقدّم في الارتقاء بجودة تعليم الكبار.
ويؤكد تقرير اليونسكو المقدم خلال المؤتمر المذكور أن الاستجابة للتحديات المعاصرة، مثل تغير المناخ والرقمنة، يستدعي وجود مواطنين مستنيرين ومدرَّبين ونشيطين، يُقدّرون إنسانيتهم المشتركة والتزاماتهم تجاه الكائنات الحيّة الأخرى وتجاه الكوكب برمته، إذ يضطلع تعليم المواطنة بدور رئيس في هذا المسعى. ويُبينّ التقرير العالمي الخامس عن تعلّم الكبار وتعليمهم في أحد فصوله أنّ ما يقرب من ثلاثة أرباع الدول، أي 74% منها، تعكف على وضع وتنفيذ سياسات متعلقة بتعليم المواطنة.
وللإشارة فالمؤتمر الدولي لتعليم الكبار (كونفينتيا) هو مؤتمر حكومي دولي ينظم من قبل منظمة اليونسكو بهدف استضافة الحوار حول سياسات تعلُّم الكبار وتعليمهم (ALE) وما يرتبط بها من أبحاث وتوعية. وانطلقت فعاليات المؤتمر لأول مرة في أواخر أربعينيات القرن الماضي ويُعقَد منذ ذلك الحين كل 12 إلى 13 عامًا. واستضافت مدينة هِلسينجور (الدنمارك) الدورة الأولى من المؤتمر في عام 1940، تلتها مونتريال (كندا) في عام 1960 ثم طوكيو (اليابان) في عام 1972، وبعدها باريس (فرنسا) في عام 1985، وهامبورج (ألمانيا) في عام 1997، وأخيرًا بيليم (البرازيل) في ديسمبر 2009. وخلص مؤتمر كونفينتيا السادس في عام 2009 إلى اعتماد إطار عمل بيليم (BFA)، الذي سلط الضوء على الدور المحوري للتعلُّم مدى الحياة في مواجهة التحديات والقضايا التعليمية العالمية. وتعهدت البلدان المشاركة بإحراز تقدم في المجالات الخمسة الرئيسية ذات الصلة بتعلُّم الكبار وتعليمهم، وهي: السياسات والحوكمة والتمويل والمشاركة والإدماج والإنصاف والجودة.


الكاتب : مكتب مراكش: عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 17/06/2022