في زمن «وحدة المدينة» وتقريب الخدمات الصحية من المواطنين : «الانتماء الترابي» شرط لعلاج مرضى راميد في مستشفيات الدارالبيضاء؟

يؤكد عدد من المتتبعين لتدبير الشأن المحلي، أن الفلسفة التي قامت عليها «وحدة المدينة»، والتي كانت تروم إعداد برامج ومخططات برؤية شمولية للمدينة كبنية واحدة وتسعى لضمان عدالة مجالية من خلال تقريب الخدمات المختلفة إلى المواطنين، لم تجد صداها إلى غاية اليوم، إذ ظل التباين حاضرا والفرق واضحا بين مختلف الأحياء، واستمر التمييز بين الراقية منها والشعبية قائما، كما هو الحال بالنسبة للدارالبيضاء نموذجا.
وضعية لا تقف عند حدود المجالس المنتخبة، فهي ترخي بظلالها على المنظومة الصحية والبنيات الاستشفائية كذلك، فكثير هي الحالات التي تم توجيهها من أطراف المدينة إلى المستشفى الجامعي ابن رشد، بعد ساعات من التنقل والانتظار والترقب لتكون النتيجة في نهاية المطاف هي الإحالة بسبب غياب طبيب مختص، أو عدم وجود اختصاص ما، أو لعدم التوفر على تجهيزات كافية، كما هو الشأن بالنسبة لتلك الموجهة لمرضى الربو من أجل مساعدتهم على التنفس وتفادي نوبة مرضية، أو افتقاد جهاز «سكانير» أو نفاد مخزون المفاعلات المخبرية، على سبيل المثال لا الحصر، والكثير من الحالات الأخرى لنساء حوامل وغيرهن، التي تؤكد على أن أعطاب المنظومة في مدينة بحجم الدارالبيضاء هي متعددة، وبأن التباين في الخدمات الصحية هو العنوان العريض لها، الأمر الذي تزداد حدّته تفاقما في مناطق أخرى؟
وإذا كان «الخصاص» يشكل الدافع الأساسي لتقليص أعداد المرضى داخل مجموعة من المستشفيات الإقليمية، فإن العمل بـ «مبدأ الانتماء الترابي» و«النفوذ الجغرافي» في التعاطي مع عدد من الحالات المرضية، يطرح هو الآخر أكثر من علامة استفهام، إذ في الوقت الذي يتم توجيه مرضى نحو المستشفى الجامعي، يتم حرمان مرضى آخرين من خدمات صحية، وإن كانت وضعيتهم المرضية صعبة وتستوجب التدخل لإنقاذهم، بدعوى عدم سكنهم في المنطقة التي يتواجد فيها المستشفى، وبأن بطاقة «راميد» التي يتوفرون عليها صالحة للاستعمال فقط في المستشفى المتواجد في النفوذ الترابي للعنوان الذي تشير إليه البطاقة الوطنية وبطاقة المساعدة الطبية؟
وضعية عاينتها «الاتحاد الاشتراكي» في مستعجلات عدد من المستشفيات، التي رفض فيها القائمون على تفاصيلها الإدارية استقبال مرضى، قد يكونون في زيارة لأفراد من أسرهم، بمناسبة من المناسبات، وتعرضوا لأزمة صحية ليلا تطلبت نقلهم على وجه الاستعجال إلى أقرب مستشفى، وكانت وضعيتهم تحتّم إجراء تحاليل مخبرية وفحوصات مختلفة لتحديد سبب العارض الصحي، لكن، وخلافا لذلك، تمت دعوتهم للمغادرة صوب مرفق صحي آخر، بالرغم من التبعات الوخيمة التي قد تترتّب عن هذا الإجراء، الذي لا يشمل سكان مدينة الدارالبيضاء فقط، والتي يعلم الجميع كيف أن عددا من أحيائها وامتداد عمالات مقاطعاتها أصبحت بمثابة مدن، كالحي الحسني والبرنوصي وغيرهما، بل يطال حتى زوار المدينة القادمين من مناطق أخرى، الأمر الذي يتطلب تصحيحا لتقديم الخدمة الصحية لمن هم في حاجة إليها في أسرع وقت، لتخفيف آلامهم وإنقاذهم، بعيدا عن هاجس الخوف من «سوط الرقابة» الذي يدقّق في تفاصيل المستفيدين، ويجعل من «الانتماء الترابي» شرطا للعلاج!


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 02/11/2021