في علاقة الفلسفة بالشراسة والعنف

يرى دارسون كثيرون بأن مؤلفات أفلاطون الفلسفية هي الأساس الذي نهضت عليه الفلسفة السياسية. لقد انشغل أفلاطون بطرح أسئلة الراهنية السياسية التي عاشها وانوجد فيها، وصاغ أحكاما عن تاريخ المدينة التي إليها انتمى، إذ قادت الاضطرابات والقلاقل الداخلية التي كانت الديمقراطية الأثينية أولى ضحاياها هذه الأخيرة إلى الانخراط في استراتيجية امبريالية كانت في نهاية المطاف مدمرة لها لأنها انهزمت في حرب البيلوبونيز ضد إسبرطة وحلفائها. شخص أفلاطون أعراض التاريخ الذي عايشه في عصره والذي أوضح من خلاله الأسباب السياسية لعنفه المميز. قد تكون حرب البيلوبونيز ثم الهزيمة وسقوط الديمقراطية مع نظام المستبدين الثلاثين ثم ترميم الديمقراطية وإصلاحها بطريقة مضطربة وملتبسة، هي كلها حالات للفوضى التاريخية أفرزتها الطريقة الفاسدة التي عبرها كان النظام الأثيني يتضمن عنفه الاجتماعي الخاص .
يعتقد أفلاطون بأن هذا النظام فاسد منذ ولادته لأنه ولد من ضعف أبناء العائلات الأوليغارشية الذين أفسدتهم واستحوذت عليهم رغبتهم الخاصة في المتعة، ومن انبثاق سيادة الشعب. (حدث انبجاس الديمقراطية ينتج ذاته …حين يقوم الفقراء الأقوياء بانتصارهم بإبادة البعض، ونبذ الآخرين وأيضا تقسيم السلطة السياسية ومسؤوليات الحكم مع الذين تبقوا) (أفلاطون –الجمهورية –الفصل8). تنهض هذه الديمقراطية الأثينية على استباحة كل شيء وعلى الحرية، وهو ما يكشف الترابطات الملتبسة والعميقة جدا الكامنة بين الديمقراطية والاستبداد لأن نظام المساواة المطلقة، ونظام استبداد الرغبة الناعم يولد مباشرة النظام الاستبدادي بوضوح حيث تسود الهيمنة المطلقة. ينزع الحشد غير المستقر والفوضوي، الذي يعثر باستمرار على حوافز وأسباب جديدة لإشعال حرائق المنافسات الاجتماعية الملتبسة ، إلى أن يضع على رأس هرم السلطة فردا يفترض فيه حل هذه التناقضات بواسطة فن محكم يجمع بين الخديعة والعنف المفتوح، كما لو أن المستبد الذي هو شخص ذو سلوك وقيم مشوشة ومضطربة بشكل خطير، يستدعى للسهر على جسد سياسي مريض بدعوى أنه يمكنه شفاء هذا الأخير. يقترح أفلاطون حلا راديكاليا للخروج من الأزمة ويتمثل في جواب أوحد يصاغ وفق أنماط مختلفة، منح الفلاسفة السلطة العليا وإعادة تفكير نظام العائلات بالشكل الذي يؤسس لجماعة مدنية، أو تحديدا، تعويض العائلة باعتبارها الجماعة الأولى بالمدينة (وهما النمطان المميزان للجمهورية الفصل8 )، وإعادة النظر في غايات السلطة الملكية ، وتأسيس مبادئ جديدة مطلقا بصدد كل أشكال العيش المشترك سواء تعلق بالممارسات التربوية في الطفولة الأولى، أو أنظمة الاحتفالات الجماعية وتنظيم حفلات الزفاف والولادات والدين المدني (كتاب «القوانين»).
أيا كانت التفاصيل، فإن المبدأ الذي يقوم عليه الحل الأفلاطوني يؤول إلى منح الفلسفة مفاتيح السلطة السياسية. دأب الكثير من الدارسين والقراء على اختزال العملية الأفلاطونية كلها في أطروحة الفيلسوف الملك الشهيرة لأن هذا المقترح المتميز داخل الإطار النظري لكتاب (الجمهورية) يبرز بوضوح التناقض المركزي للحل المقترح. فالسلطة الشرعية يجب أن تؤول إلى من يتحكم في رغبته، وليست لدية الحاجة ولا الرغبة في الهيمنة على الآخرين لأن الهم السياسي ليس انشغاله الرئيس، إذ يقع إسناد السلطة بالضبط لمن لا يريد ذلك لأنه لا يريدها.تمنحنا شخصية سقراط، كما وصفها ووضع معالمها وملامحها أفلاطون، من وجهه نظر تاريخية، في سلوكه المدني صورة تقريبية للفيلسوف الملك، الذي يتجاهل العناية بمصالحه الشخصية، ويعلن عدم ممارسته للسياسة علما بأن نزعته الوطنية كانت أسطورية، وحين حكم عليه بالإعدام، ومنح حلا مواربا هو إمكانية الهروب، فضل البقاء في سجنه دون ضغينة تجاه مواطنيه ليحترم الشرعية إلى آخر نفس. ينطرح سقراط نوعا ما كنسخة سالبة للمستبد، الإنسان العنيف الذي تجعله شهيته الحيوانية غير قابل للإشباع. إن تحكم سقراط في نفسه لا يجعله فقط زاهدا في رغبته الحسية، بل يفتح أمامه طريق السعادة الدائمة، ذلك الهدف الذي يسعى إليه الكل.
ينهض المعمار الفلسفي إذن، على أساس أنثربولوجي، أي تمثل للواقع الإنساني يستعمل كدعامة لنظرية القيم التي صيغت فلسفيا. يقارن المستبد بكائن غير طبيعي ولا إنساني، لأنه حسب الصورة الأفلاطونية القوية مثل إنسان مستأذب يفترس الجنس الذي ينتمي إليه كما تشير إلى ذلك الأسطورة الإغريقية.قد تنجم الطبيعة الاستبدادية عن اللعنة التي أصابت الملك ليكاوون بعدما قدم كطعام لزيوس كبير الآلهة لحم طفل،وحتى يعاقبه الإله فقد حوله إلى ذئب.تتضمن الأساطير الإغريقية العديد من حالات خداع الآلهة التي يتم عقابها من خلال نزع الصفة الإنسانية عن المعاقبين وإضفاء صفة الحيوانية الفعلية على الملك.إلا أن السياسة بالنسبة لأفلاطون، تعرض الناس، أكثر من أي ميدان آخر للفعل الإنساني، لمخاطر فقدان الصفة الطبيعية، مادامت (hubris) السلطة تمنح الإنسان الذي يملكها وسائل حقيقية للاضطلاع بمحك لا بقياس الرغبة.
يمكن المنعطف الفلسفي من إعادة التفكير في شروط سلوك يتم وفق قياس معتدل، وهو ما يسهم فيه الفيلسوف عبر بناء أنثربولوجيا معيارية تنشغل أولا بمصادر العقل لبناء ميتافيزيقا الحق والخير.ذاك ما يضفي أهمية على عناصر السيكولوجيا التي يقررها أفلاطون بصدد ثلاثية الروح (الجزء الراغب،الجزء الفعال والجزء المفكر)، والدعوة إلى إخضاع الجزأين الأوليين إلى الثالث.
ولد تقليد الفلسفة السياسية الكلاسيكية مسلحا بالمذهب الأفلاطوني، حيث تبنى كمبدأ ناظم له، بأن اللجوء إلى العنف في السياسة هو السمة التي تميز الإفلاس الإنساني، وأنه من الضروري ،أمام جنون الجماهير والحشود المستعدة دوما لحمل شخص مستبد إلى أعلى هرم السلطة، اللجوء إلى النموذج التفسيري الفلسفي. وحدها الفلسفة إذن قادرة على كشف مبادئ الفعل الإنساني وتوجيهه من طرف القيم الأساس لما هو عادل وخير. يتمثل الحل الفلسفي الكلاسيكي بشكل أقل في سياسة ما بل في نوع من الإيطيقا وفق المبادئ التي تمنح الإنسان كرامته، من حيث هو كائن مفكر. انبنت الفلسفة الكلاسيكية على فضح العنف في السياسة من حيث هو عارض دال على سلوك منحرف، لكن عناصر أخرى ستظهر لصالح خط فكري مختلف جدا وستتبلور داخل نمط مختلف من الخطاب حول السياسة. يحضر ماكيا فيلي هنا كعنصر حاسم لرصد إرهاصات هذا التصور المغاير للسياسة داخل المتن المعرفي الذي خلفه مؤرخو العصور القديمة. راجت ضمن ما يسمى الأسطورة الماكيافيلية السوداء الفكرة التي تقول بأن ما كيافيلي استثمر العنف ووظفه كأداة لصالح تصور خاص للسياسة. لكن فكرة كهذه تختزل تصوره إلى مجرد نزعة براغماتية ضيقة حتى أن الكثيرين اختزلوا المنظر في كتاب (الأمير) واعتقدوا بأنه كتابه الوحيد، مؤولين إياه ككتاب عملي مليئ بإرشادات ونصائح وقابل للاستعمال من طرف الطامحين في السلطة وفي ممارسة الاستبداد المطلق. لكن الكتيب الصغير(الأمير) هو جزء من مجموعة من الأعمال ذات الاستلهام والعمق الجمهوري مثل (خطابات حول العشارية الأولى لتيت –ليف)و(حكايات من فلورنسا). كما أن التجربة الشخصية لماكيافيلي، كانت تجربة مدافع عن جمهورية فلورانسا ، مما عرضه لعقاب قاس من طرف عائلة ميديسيس. لكن تصوره لا علاقة له بالنزعة الإنسانية المدنية، لأن ماكيافيلي قلب التقليد الجمهوري رأسا على عقب واستعاد بعض معالمه لكن بطريقة نقدية، فهو ليس المبشر باستبداد الأمير ولا المدافع الفاضل عن نزعة جمهورية كلاسيكية. يشكل هذان التأويلان، دون شك، العنصرين اللذين ساهما في انتشار فكر ماكيافيلي وفي استعادة أفكاره واستثمارها بالرغم من صعوبة اختزال خصوصية هذا الفكر في أي من التأويلين. لا تختزل الماكيافيلية ( أي تاريخ تأويل هذه الفكر والتموقف معه أو ضده). ماكيافيلي، الذي لا يمكن اختصاره أيضا في مجرد شعارات تتكرر باستمرار وفي أقوال مستمده منه، لأنه محاولة للتوفيق بين خطابين أصيلين مطلقا، يرمي الأول إلى إحياء العلوم السياسية، والثاني عبارة عن تحديد مذهل للايثوس السياسي. هذا المنحى الثاني بالذات، المتعلق بالسلوكات والممارسات والصراعات السياسية (الايثوس) هو الذي يكشف طابع الشراسة الذي يولي مكانة رئيسة للعنف داخل السلوك السياسي. إنها تجسيدات لأنثربولوجيا الشراسة في السياسة.تتضمن أعمال ماكيافيلي الكثير من المقاطع التي تدهش القارئ بقسوتها الواضحة، مثل تلك التي تشرح بأنه من الواجب عدم التردد في القضاء على كل أفراد عائلة الخصوم وإلا فسيظل هناك ابن مستعد للانتقام لأبيه وأن الناس ، بشكل عام، يجب إما مداعبتهم أو القضاء عليهم، وأن الضربة الموجعة أو القاتلة يجب توجيهها دفعة واحدة، لا بسبب الاهتمام بمعاناة الآخر حتى لا يتعذب كثيرا، بل لأن هذا الأخير سيحتفظ عنها بذكرى أقل سوءا، وأخيرا بأنه لا يجب أن نقول لمن نريد قتله «اعطني سلاحك، لأنني سأقتلك به» ولكن فقط «أعطني سلاحك» لأنه حين نحصل على السلاح يمكن حينها، حسب ماكافيلي، تحقيق أهدافنا. إنها سمات قد نعتبرها فقط أثرا عمليا لعلم السياسة الماكيافيلي مادام مشروع المؤلف كما قرر في (الأمير/فصل17) طرح (شيء نافع لمن يفهمه)، ومادام الواقع السياسي مخترقا عادة من طرف العنف فمن الضروري إذن تبني لغة القوة والتحدث بها،لأنها الجديرة بوصف رهانات السلطة بطريقة واقعية. لقد حاول ماكيافيلي إعادة «الحقيقة الفعلية» للسياسة، وقد يكون لهذا السبب تحديدا منظرا واقعيا فقط ولا شيء آخر.
الملاحظات والإشارات الماكيافيلية الواردة أعلاه والتي تدهش القارئ بقسوتها العارية، يلزم اعتبارها جزءا من مشروع يروم إعادة تأسيس الأخلاق السياسية،عبر صيغة تمثل للإنسان انطلاقا من بعض العناصر المتفرقة في المذاهب السياسية القديمة. يرى ماكيافيلي الفضيلة مثلا من وجهة نظر القوة ويعتبرها كطاقة منتصرة تمتاح قوتها من الرغبة والانهمامات. وحدها الحرب تكشف كنه الفضيلة كقدرة لقياس الذات لذاتها، وفرضها على الآخر في مواقف الصراع. يدحض ماكيافيلي التحديد الكلاسيكي للفضيلة باعتبارها «الاعتدال الوسطي»كما حددها أرسطو في (أخلاق نيكو ماخوس) من خلال محاولة إعادة تفكير المعيار الإيطيقي للسلوك السياسي، ويدحض عبر ذلك مبدأ إمكانية أن يكون سلوك يتصف بالاعتدال بمثابة معيار، معتبرا أنه يستحيل تغيير الإنسان العنيف تغييرا جذريا عبر التعلم الفلسفي. إنها سياسة ناهضة على الصراع والشقاق ولقد بين ماكيافيلي في كتابه عن تيت ليف بأن الانهمامات والرغبات هي التي تحفز السلوك الإنساني وتوجهه. لكنه بين مع ذلك بأنه من النادر العثور على إنسان تحركه انهماماته ورغباته فقط، يكون قادرا على الرقي إلى مستوى اتخاذ قرار ضروري في السياسة (لا يعرف الناس أبدا كيف يكونون أشرارا بشرف ولا أخيارا بشكل كامل.كما كتب في الفصل الأول من (خطابات حول العشارية الأولى)،وعندما يتضمن فعل سيء في ذاته العظمة، أو يكون جزئيا متصفا بالعطاء والأريحية، فإنهم لا يعرفون كيفية إنجازه). يضرب ماكيافيلي مثلا على ذلك بحاكم،بيروجيا، المستبد، جيوفانيا غولو باغليوني الذي اختطف البابا يوليوس الثاني، ولكنه لم ينجح في توجيه ضربة قاتلة لعدوه الأبدي. يعلق المؤلف على ذلك، مندهشا من هذا العجز، مبرزا بأن رذائل أمير بيروجيا الكثيرة تمنعه من أن يرى في ذلك انعكاسا لطيبوبة روحه، لأن تراكم الرذائل العادية جدا لا يكفي إذن لمنح العظمة والمجد السياسيين لحاكم ما. لو أن الرجل استغل تلك الفرصة السانحة وقتل البابا، لأنجز شيئا قد تتجاوز عظمته، حسب ماكيافيلي، سفالة شخصيته ورذائله. يكمن المجد السياسي إذن في النسيان الإرادي للشروط الإنسانية العادية. هنا نصل إلى الفصل الثامن عشر الشهير من كتاب (الأمير) حيث يقرر ماكيافيلي بأن المسؤول السياسي الفاضل، حسب المعيار الجديد الذي طرحه، يجب أن «يتبنى سلوك الحيوان». الفصل الثامن عشر اشتهر بتأويله الحيواني للسلوك السياسي وهنا تمكن قوته التأسيسية، إذ ليتقن صيرورته نصف إنسان، نصف حيوان، S’animaliser ينصح الأمير بوضوح بأن «يتحيون»
وأن يجمع بين قوة الأسد ودهاء الثعلب. يتعلق الأمر بإعادة طبيعة الإنسان وفق معيار جديد. لم يعد ضروريا تعلم أولويات اللعبة السياسية، بل يجب معرفة كيفية التحول حتى يصير الإنسان متميزا وفق نظام جديد للقيم.هناك أخلاق مغايرة يطرحها ماكيافيلي في الأمير، نظام آخر من القيم غير الأخلاق المتعالية واللاهوتية المتوارثة عن التقليد اليهودي المسيحي، ولهذا يمكن النظر لهذا الكتيب الصغير أو .من حيث هو أكثر من مجرد رسالة في التاكتيك السياسي لأنه ينزع إلى تأسيس Opuscule الكراس
إيتوس سياسي جديد. ينصح المؤلف في الفصل السابع بمحاكاة موقف سيزار بورجيا لا فقط لأن هذا الأخير حاكم داهية بل لأن مزاجه الشخصي يبرز بوضوح انقلاب القيم الواجب إنجازه في إيطاليا. اعترف ماكيافيلي بشراسة بورجيا باعتبارها أحد عناصر المعيار الجديد للسلوك السياسي الذي يجب تبنيه من أجل تحديد البلاد، يقول ماكيافيلي في الفصل المشار إليه(وقد كانت هناك في شخصية الدوق الكثير من الشراسة والفضيلة، وكان يعرف جيدا كيف يمكن أن يضم الناس إلى صفه أو يفقدهم، وكانت الأسس التي أقرها في وقت وجيز بالغة الصلابة لو لم يتحالف ضده جيشان، أو كان في صحة جيدة، لتجنب كل تلك الصعوبات). يذكر ماكيافيلي مشهد إعدام الحاكم روميرو دي لوركا من طرف سيزار بورجيا كدليل على شراسة هذا الأخير وجدارته بالاعتراف به، وهي الشراسة التي اقترنت بالدهاء السياسي واتخاذ القرارات الحاسمة،لأنها شراسة الوحوش الكاسرة التي لا تخضع أفعالها لأي سنن تقليدية للقيم الإنسانية: (….ذات صباح في مدينة سيسينا ،قطع(جسد روميرودي لوركا) إلى نصفين وسط الساحة الكبرى، واضعا قطعة خشب وسكينا داميا بمحاذاته ولقد دفعت شراسة هذا المشهد الساكنة إلى الإحساس في آن بالفرح والاندهاش)(فصل7).
قلب الأخلاق الموروثة هذا، يتوافق أيضا مع التحديد المضاعف لمفهوم الوطن عند المؤلف، ولنزعته الوطنية المتطرفة لأن كل الاعتبارات الناجمة عن الأخلاق المشتركة (التقليدية،الإنسانية والمسيحية) لا تصمد أمام ضرورة الدفاع عن الوطن. تتحكم الضرورة في الفضيلة أكثر مما يتحكم فيها الاختيار الحر. لقد كان الفشل مآلية المشروع المكيافيلي ولم تستثمر وتستلهم حلوله السياسية أي جهة من الجهات، لا النظام الجمهوري ولا حكومة عائلة ميديسيس، ولم تعرف إيطاليا تبعا لذلك، أي تجديد أخلاقي. لكن إرث ماكيافيلي وتأثيره اشتغل وانعلن، داخل الفكر السياسي الحديث الذي يمكن القول بأن كل الأعمال الكبرى التي أفرزها كانت معه إما استمرارا له أو دحضا له، خصوصا بعدما أدخل الشراسة كنموذج تفسيري للممارسة السياسية.
الآن يمكن القول بأن النزعة الإنسانوية بمختلف تأويلاتها قد فشلت في المجتمعات الما بعد حداثية ،وأصبحت الشراسة سائدة مع مختلف أشكال العنف المعمم. لهذا بالذات يظل النموذج التفسيري كما طرحه ماكيافيلي، محتفظا براهنيته.


الكاتب : مصطفى الحسناوي

  

بتاريخ : 06/11/2020