في غياب مؤسسة وطنية تعنى بالترجمة .. 3مغاربة في بوديوم جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي

فاز ثلاثة مترجمين مغاربة أول أمس الثلاثاء، بالدوحة، بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في دورتها التاسعة، وهم نادية العشيري ومحمد برادة ولحسن اليازغي الزاهر.
وهكذا تم تتويج محمد برادة أستاذ الأدب الاسباني بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز بفاس ونادية العشيري، الأستاذة بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة عن عملهما المشترك الذي هو عبارة عن ترجمة من الإسبانية إلى العربية لكتاب “الأدب السري لمسلمي إسبانيا الأواخر” لمؤلفته الباحثة والمؤرخة في جامعة بورتو ريكو بأمريكا اللاتينية لوثي لوبيث بارالت التي تعتبر من بين أحفاد “الموريسكيين»، وبالمركز الأول مكرر فاز أيضاً مارك جمال عن ترجمة كتاب «خريف البطريرك» لغابرييل غارسيا ماركيز.
يتطرق الكتاب لموضوع المسلمين الموريسكيين الذين اضطهدوا بشراسة، سواء الذين وقع تهجيرهم قسرا بعد أن نكث الحكام الجدد لغرناطة والأندلس تعهدات أسلافهم باحترام حقوقهم الدينية والاجتماعية والقضائية أو للمسلمين الأواخر ممن علقوا في إسبانيا إبان الطرد القسري الذين خيروا البقاء هناك بعد سقوط الأندلس على أيدي المسيحيين.
يعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب في تاريخ الأندلس والموريسكيين وقد حقق هذا الكتاب في «الأدب السري» للمسلمين الموريسكيين بغاية تنوير الباحثين والعلماء وصناع القرار في أوروبا والعالم الإسلامي والعالم أجمع حول تقلب المواقف في إسبانيا والأندلس والبحر المتوسط بين الانفتاح والحوار من جهة، والقمع والاضطهاد للمخالف ثقافيا ودينيا من جهة أخرى.
الكتاب تروم مؤلفته لوثي لوبيث بارالت ، كما مترجماه، المساهمة في إعادة الاعتبار للحوار بين الثقافات والأديان بعد الكشف عما تعرض له الموريسيكون من اضطهاد رغم ما قدموه من معارف وخبرات للعالم.

أما لحسن اليازغي الزاهر، الأستاذ بجامعة شمال كولورادو بالولايات المتحدة الأمريكية، فقد تم تتويجه بالمركز الثاني في فئة الترجمة من اللغة العربية ألى الانجليزية لكتاب “تلخيص الخطابة” لابن رشد، وذلك بعدما تم حجب المركز الأول.
ويعرض كتاب «تلخيص الخطابة» لابن رشد أو ما اتفق على تسميتها بالشروح الوسطى والتلخيصات، لتراث أرسطو بثلاث طرق، عرفت الأولى باسم (الجوامع الصغار) وفيها يتحلل من نص أرسطو ويتحدث بنفسه. وسميت الثانية: (الشروح الوسطى) أو (التلخيصات) وفيها يبدأ الكلام في كل فقرة بقوله: (قال) ثم يورد بضع كلمات من أوائل الفقرة، ويمضي بعد ذلك في الشرح دون أن يتميز ما لأرسطو مما لابن رشد. وعرفت المجموعة الثالثة باسم (التفسيرات والشروح) وفيها يورد كلام أرسطو فقرة فقرة بحروفها، ثم يمضي في تفسير عباراتها. وكان الرأي السائد في عصر النهضة أن ابن رشد كتب (الجوامع الصغار) في عهد الشباب، و(التلخيصات) في عهد نضوجه و(الشروح) في شيخوخته. وقد حفظت لنا الترجمات العبرية لأعماله تواريخ كل كتاب، فتلخيص الخطابة مثلاً ألفه في قرطبة سنة (570 هـ 1174 م) ولا يعرف على وجه الدقة هل اعتمد في تأليفه على ترجمة حنين بن إسحق، أم ترجمة إبراهيم بن عبد الله النصراني.
«تلخيص الخطابة» تتوفر نسختان منه، تحتفظ بالأولى مكتبة جامعة ليدن بهولندا، وهي بخط مغربي جميل، بلا تاريخ، وتقع في (228) ورقة. وتحتفظ بالثانية المكتبة اللورنتية بفيرنتسة في إيطاليا، وتقع في (208) ورقات، بخط مغربي واضح، وهي بلا تاريخ أيضاً. ولرينان وصف مفصل لهذه النسخة في كتابه (ابن رشد والرشدية/ ص81) وفي كل من النسختين ما ليس في الأخرى. طبع الكتاب كاملاً لأول مرة بتحقيق د. عبد الرحمن بدوي (الكويت 1959م). كما قام بنشر الترجمة العربية القديمة لكتاب (الخطابة) لأرسطو، والتي لم يطلع عليها ابن رشد.
يطرح هذا التتويج، خاصة في صنف الترجمة، مجموعة من الأسئلة المرتبطة بغياب مؤسسة وطنية تعنى بحقل الترجمة ترعاها الدولة ممثلة في الهيئات والوزارة ذات الصلة، مؤسسة ترتقي بها من وضع الهواية إلى وضع مؤسسي عملي يضمن لها الاستمرارية وفق استراتيجية ومشروع ترجمي معقلن، وواضح المعالم، ترصد له الإمكانات المادية والبشرية كما هو الشأن في بلدان قريبة منا كإسبانيا أو عربية كمصر ولبنان ودول الخليج، حيث أن مجهودات المترجمين المغاربة والتي تبقى في الأساس، مبادرات فردية سواء على مستوى الاختيارات أو دور النشر، تذهب باتجاه الخارج، نظرا لغياب رؤية استراتيجية في هذا المجال، لأن العمل الترجمي المنظم والمنتظم والمدعوم هو ما يستطيع خلق حركية ترجمية تساهم في تجسير المعارف والتعريف بالإنتاجات المحلية وإشعاعها عالميا.
بجوائز فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإسبانية فاز بالمركز الأول «خايمي سانشيثراتيا» عن ترجمة كتاب «أخبار أبي تمام» لمحمد بن يحيى الصولي، وبالمركز الثاني «نويميفييروباندير» عن ترجمة كتاب «جمهورية كأن» لعلاء الأسواني، وجاء في المركز الثالث «بيدروبوينديابيريث» عن ترجمة كتاب «التربيع والتدوير» للجاحظ، وبالمركز الثالث مكرر «أنجلينا غوتييريث ألمانيرا» عن ترجمتها لكتاب «النسوية في شعر المرأة القطرية» لحصة المنصوري.
وفي فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية حُجب المركز الأول، وتوج الى جانب اليازغي بالمركز الثاني مكرر كل من “صوفيا فاسالو” و”جيمس مونتجومري” عن ترجمة كتاب “الهوامل والشوامل” لأبي حيان التوحيدي وأبي علي مسكويه، وجاء في المركز الثالث كل من “أليساندرو كولومبو”و”ميريا كوستا” عن ترجمة كتاب “الحصرم” لزكريا تامر.
وفي فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربيةح ُجب المركز الأول، بينما تُوج بالمركز الثاني أحمد محمود إبراهيم عن ترجمة كتاب “قال رسول الله، شرح الحديث في ألف عام” لجويل بليشر، وجاء في المركز الثاني مكرر محمود محمد الحرثاني عن ترجمة كتاب “مبادئ القانون الدولي العام لبراونلي” لجيمس كروفورد، أما المركز الثالث فكان للدكتور إبراهيم الفريح عن ترجمة كتاب “نشأة الكتاب العربي” لبياتريسغروندلر، وجاءت في المركز الثالث مكرر الدكتورة يمنى طريف الخولي عن ترجمة كتاب “الإسلام والمواطنة الليبرالية.. بحثاً عن إجماع متشابك” لأندرو ف. مارش.
وفي فئة الإنجاز للّغة الإسبانية، فاز كل من: خوسيه ميغيل بويرتا، ومؤسسة الثقافة الإسلامية، وبسام البزاز، ودار ممدوح عدوان للنشر، ومركز دراسات آسيا وإفريقيا التابع لـ “الكوليخيو دي ميخيكو”، ومدرسة طليطلة للمترجمين.
أما جائزة الإنجاز في اللغة الإنجليزية فكانت من نصيب عبدالله بن ناصر الوليعي، وفاز المركز الإسلامي للبحوث العلمية وعبد الحي أبرو بجائزة الإنجاز في اللغة السندية، بينما كانت جائزة الإنجاز في اللغة الصومالية من نصيب فارح محمد أحمد وعبد العزيز حسن يعقوب، وذهبت الجائزة ذاتها في اللغة البلغارية لكل من تزفيتان ثيوفانوف، وقسم الدراسات العربية والسامية بجامعة صوفيا، وفسيلينا رايجيكوفا.
ومَنحت جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي جائزةً تشجيعية لكل من: مدارات للأبحاث والنشر، والمترجمة الدكتورة عائشة يكن من إندونيسيا.
يذكر أن جائزة الشيخ حمد للترجمة، التي تبلغ قيمتها المالية الإجمالية مليوني دولار أمريكي، تستهدف المبرزين في حقل الترجمة، سواء أكانوا أفرادا أم مؤسسات، لتكريم الإنجاز والجهود طويلة الأمد المبذولة في مجال الترجمة، وتقدير دور الفاعلين في هذا المجال في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، ومد جسور التواصل بين الأمم، وإشاعة التنوع والتعددية والانفتاح.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 14/12/2023