في نازلة تؤكد عدد من الوقائع على أنها من «صنع شهود الزور» : مطالب قوية في خنيفرة بإعادة النظر في ملف مواطن ستيني محكوم بعشر سنوات نافذة

 

طفا ملف مواطن محكوم ب 10 سنوات نافذة على سطح الأحاديث بخنيفرة من جديد، مع مطالب قوية بإعادة النظر والتحقيق في القضية التي أدين من أجلها، وذلك بعد وقوف المتتبعين على أن اعتقال هذا المواطن وراءه عناصر تنتمي ل «شبكة شهود الزور» فات للنيابة العامة المختصة لدى ابتدائية خنيفرة، الأمر بتفكيكها واعتقال بعض أفرادها إثر افتضاح أمرهم في قضايا مختلفة، قبل أن يتبين للكثيرين بكون ملف المواطن المذكور، موح بني، جزء من قائمة ضحايا الشبكة المشار إليها على خلفية استغلال ظروفه الاجتماعية وتوريطه في قضية اعتداء لم يرتكبها لكونه فقط «تجرأ»، ذات يوم، على الإدلاء بشهادة في حق أحد عناصر أفراد الشبكة.
المواطن، موح بني، البالغ من العمر 62 سنة، والملقب ب «الحديديوي»، راعي غنم في تراب جماعة أكلمام، إقليم خنيفرة، ويعيش على رأس أسرته الصغيرة ظروفا اجتماعية ومعيشية صعبة، شاءت الأقدار اللعينة أن يسقط في كمين «عصابة الزور»، التي كان يقودها شخص نافذ بالمنطقة، يتقن لغة التهديد والوعيد في وجه أي كان من الساكنة المغلوب على أمرها، وقد فات لأحد المواطنين أن تمكن من فضحه عبر تسجيل صوتي وهو يلقن شبكته خطة لعملية شهادة زور ترمي إلى توريط قريب له في ارتكاب عملية سرقة، ذلك قبل أن تغوص الأوساط المجتمعية بالإقليم في متابعة تطورات ما يعرف ب «ضحايا» البيانات الكاذبة والتهم الباطلة.

فصول المؤامرة السوداء

وتعود فصول «المؤامرة» إلى عام 2020، حين تقدم عون سلطة للدرك الملكي بشكاية، يتحدث المتتبعون عن كونها «مفبركة»، زعم ضمنها المعني بالأمر «أن عصابة اعترضت سبيله وأقدمت على تعنيفه وسلبت منه مبلغا ماليا كان بحوزته»، مدعيا أنه لم يتعرف إلا على فرد من هذه العصابة، في إشارة للمواطن (الراعي) بالاسم والسكنى، ومستعينا في ذلك بأقوال رفاقه في «شبكة الزور» المتحدث عنها، وبناء على ذلك باشر الدرك تحرياته انطلاقا من البحث عن الراعي الذي كان غائبا في عمل بمسقط رأسه إملشيل، وهو الغياب الذي اعتبره الدرك «حالة فرار مقصود»، ليتم حينها إصدار «برقية بحث وطنية» في حقه، ولما بلغه النبأ تقدم للدرك مستفسرا الأمر ليتفاجأ، بدهشة كبيرة، بأنه متهم في قضية الاعتداء على عون السلطة.
وخلال البحث مع المتهم المعني بالأمر، نفى جملة وتفصيلا حكاية «الاعتداء الوهمي»، مؤكدا أن التهمة باطلة وليست سوى «مؤامرة انتقامية جراء وقوفه في وجه أحدهم بعدم كتمان شهادة ضده»، فيما حاول الدرك تعميق البحث مع عون السلطة في موضوع الاتهام، كما جرت مطالبته بإحضار هاتفه النقال لتفتيش ذاكرته، إلا أنه ادعى، بشكل مشبوه، أن هاتفه ضاع منه، ورغم كل ذلك لم يجد الدرك غير عرض ملف القضية أمام القضاء، حيث أحيل هذا الملف من جنحة إلى جناية بتهمة «السرقة الموصوفة والتعدد والعنف»، أدين المواطن الراعي بسببها بسنة نافذة على مستوى الجنايات الابتدائية لترتفع العقوبة بالهيئة الاستئنافية إلى 10 سنوات نافذة.
وبينما سبق للنيابة العامة المختصة أن قامت بإحالة ملف المواطن على الاستعلامات العامة للبحث والتقصي في غموضه، كشفت مصادر متطابقة عن مراسلة قام وكيل الملك لدى ابتدائية خنيفرة، ذ. حاتم حراث، بتوجيهها للوكيل العام لدى استئنافية بني ملال، ملتمسا منه فيها إعادة النظر في حيثيات الملف، وهو ما تم فعلا من خلال الوقوف على حقيقة «عصابة الزور»، ليتم اعتقال أفراد من شبكة شهود الزور وزعيما لهم، حيث تمت إدانتهم بأحكام مخففة عكس ما كان منتظرا، وقد قضوا العقوبة المحكوم بها عليهم، فيما ما يزال المتهم خلف قضبان السجن ينتظر إنصافه وعودته لأسرته وأطفاله، حيث جرى نقله من سجن بني ملال إلى سجن خنيفرة.

تشرد بحجم المأساة

ويوما بعد يوما يزداد عدد المطالبين بإعادة النظر في ملف المواطن، موحى بني، والعمل على إنصافه ورد الاعتبار لحقوقه، علما أن أسرته طالها التشرد بعد اليأس من عدم إيلاء نداءاتها ما تستحقه من العناية والاهتمام، إذ اختارت زوجته (ش. فاطمة) الرحيل لمنطقة اغرم العلام، ضواحي مدينة القصيبة، للعمل بالضيعات الفلاحية بأجر زهيد، على الأقل لتوفير لقمة عيش كريم، لها ولأبنائها الثلاثة الصغار، تحت سقف غرفة قامت باكترائها، بينما لجأ ابنها القاصر للعمل ضواحي مراكش، في انتظار كلمة العدالة التي لهم فيها الثقة الكاملة بحجم أملهم في «شروق الحق» حتى يعود لهم والدهم ويعود الدفء لأسرتهم الصغيرة.
وبعد قضاء المواطن، المنحدر من آيت حديدو، لحوالي ثلاث سنوات خلف القضبان، من أصل المدة المحكوم بها عليه، بدأت مكونات حقوقية، إقليمية وجهوية، تبحث في قصته، فيما لم يفت اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان لجهة بني ملال خنيفرة الشروع في دراسة حيثيات القضية، تزامنا مع دورية موجهة من المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلى رؤساء محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية، حول «وظيفة معلوماتية جديدة بنظام تدبير القضايا الزجرية (ساج 2)، للمساعدة على ضبط الشهود في مختلف القضايا الزجرية»، مقابل توفير آلية رقمية لمساعدة القضاة في ذلك وكشف «محترفي شهادة الزور» على مستوى محاكم البلاد.

أبرياء خلف القضبان

وكثيرا ما وقف الرأي العام على وجود ضحايا يقبعون خلف أسوار السجون، فيما سبق لمجموعة من الضحايا، يقطنون بأحياء مختلفة من مدينة خنيفرة، أن تقدموا، قبل عدة أشهر، للنيابة العامة لدى ابتدائية خنيفرة، بشكاية جماعية يشرحون فيها حجم المعاناة والأضرار التي طالتهم، وطالت أسرهم، بسبب «شهود الزور» المعنيين بالأمر، ومنها نازلة المواطن، موح بني، الذي تمت إدانته قضائيا بعشر سنوات سجنا نافذة، على خلفية ملف دخل فيه عون سلطة بشهادة اعتبرتها أسرة المعني بالأمر «باطلة وانتقامية»، بينما شدد الكثيرون على ضرورة تدخل السلطات المسؤولة لتعميق البحث والتحقيق في ملف هذه القضية.
ومن خلال شكاية جماعية، فات للجريدة التوصل بنسخة منها، أكد فيها أصحابها أنهم وقعوا ضحية «شهود الزور» الذين يتحركون بزعامة عنصر معروف، ومشاركة أزيد من عشرة أشخاص، تم ذكر أسمائهم في نص الشكاية، بالقول إنهم يتناوبون في الأدوار، فتارة ضحايا وتارة شهود، بهدف إما الابتزاز والاحتيال، أو الانتقام ممن يخالف نزواتهم، فيما استعرض الضحايا المشتكون جوانب مما أسموه ب «أفعال المعنيين بالأمر» والمتجلية أساسا في مجموعة من الملفات التي تخص هؤلاء الضحايا، مستعرضين نماذج من هذه الملفات بما حملته من أرقام المحكمتين الابتدائية بخنيفرة والاستئنافية ببني ملال.
ومن المؤكد أن محاكم المملكة تعج ب «شهود الزور» الذين يمتهنون هذا السلوك الإجرامي الذي يجرمه القانون المغربي دون تساهل، إذ أفرد القانون الجنائي المغربي، في الفصول من 368 إلى 379، الجزاء على كل شخص قدّم شهادة الزور، وتختلف العقوبة حسب نوعية القضية، وقد يعاقب من شهد زورا، سواء ضد المتهم أو لصالحه، بالسجن من 5 سنوات إلى 10 سنوات في الجنايات، باعتبار»شهادة الزور هي تغيير الحقيقة عمدا»،»ومن شأنها تضليل العدالة لصالح أحد الخصوم أو ضده إذا أدلى شاهد بعد حلف اليمين في قضية جنائية أو مدنية أو إدارية متى أصبحت أقواله نهائية»، ذلك مع التذكير بأن الإسلام حرم بدوره شهادة الزور وعدّها من الكبائر.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 19/03/2024