في ندوة «الحق السياسي للنساء وصناعة القرار العمومي» بمكناس

حنان رحاب: لا نموذج سياسي ديموقراطي بدون رفع كل أشكال التمييز ضد النساء

إيمان الرازي: لا تمكين سياسي للنساء دون تمكين اقتصادي واجتماعي لهن

ليلى باديلي: ما الذي يمنعنا من تفعيل كل الحقوق الدستورية للنساء؟

 

لاتزال منظمة النساء الاتحاديات وفية للدينامية الحية التي أخذتها على عاتقها منذ مؤتمرها الأخير، والتي انخرطت فيها كل هياكل المنظمة، وطنيا وجهويا، بروح نسائية خفاقة تنشد الحقوق الكاملة للنساء في وطن لاتزال النساء فيه مهمشات ويعانين من كل أشكال العنف والتمييز المبني على النوع، رغم النص القانوني الذي يمكن القول إنه حقق للنساء مجموعة من المكتسبات لكنها تنتظر التفعيل على أرض الواقع منذ سنة 2011 وإلى يومنا هذا.
وكعادتها التي دأبت عليها منظمة النساء الاتحاديات، بكل جرأة ومسؤولية، عقدت بمدينة مكناس يوم الأحد الماضي ندوة جهوية للمنظمة حول الحق السياسي للنساء وصناعة القرار العمومي، بشراكة مع شبكة ثائرة للنساء العربيات، والتي عرفت نقاشا حقيقيا حول آليات التمكين السياسي للنساء وأشكال المشاركة السياسية من خلال عروض ومداخلات تأطيرية مهمة تصب في تعزيز قدرات النساء التواصلية والترافعية خاصة للنساء المنتخبات في كل المجالس المحلية والإقليمية والجهوية والغرف المهنية.
واستهل اللقاء بكلمة للكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات حنان رحاب، التي اعتبرت أن الندوة ذاتها، والتي تعقد تحت شعار الحق السياسي للنساء وصناعة القرار العمومي، تأتي في سياق تعميق الوعي بالمشاركة السياسية للنساء، معتبرة بأننا في الاتحاد الاشتراكي، نُعتبر مدرسة حقيقية في تجذير الوعي بأهمية المشاركة السياسية للنساء في كل الواجهات، وذلك لإقرار نموذج سياسي ديموقراطي ومنصف للنساء، والذي يرتكز أساسا على مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ضدا على كل التصورات التنميطية.
هذا وأكدت الكاتبة الوطنية للمنظمة بأن هذه المحطة التكوينية تأتي في سياق كل المحطات السابقة التي عقدتها المنظمة بروح وعزيمة عاليتين في إطار سلسلة الندوات التي تعقدها المنظمة في عدة مواضيع آنية وذات راهنية، من قبيل محاربة كل أشكال العنف ضد النساء بما فيها العنف الرقمي، ومراجعة مدونة الأسرة مراجعة شاملة حماية للمجتمع، وتعزيز قدرات النساء وحماية حقوقهن السياسية للمساهمة في صناعة القرار العمومي.
وقد ربطت الكاتبة الوطنية للمنظمة الفعل السياسي الناجح بانخراط النساء فيه وتأطيرهن سياسيا داخل الأحزاب حتى نضمن تمثيلية نسائية فاعلة وحقيقية لا تقتصر فقط على الديكور أو التأثيث أو التأنيت لا غير، أي بمشاركة سياسية جادة لتقوية الحضور النسائي داخل التنظيم الحزبي، وفي دواليب صناعة القرار العمومي.
في نفس السياق، أكدت فوزية الحريكة، الكاتبة الجهوية لجهة فاس مكناس، في كلمتها الافتتاحية على أهمية اللقاء من خلال محاور النقاش التي شكلت أرضية حقيقية لإغناء موضوع التمكين السياسي للنساء وتحمل المسؤوليات السياسية للنساء داخل المجالس المنتخبة، على المستويين الترابي والتشريعي وكذا التمثيلي ما يحقق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص عبر تمثيلية منصفة وعادلة للنساء وعاكسة لأدوارهن الطلائعية في معركة بناء الممارسة الديموقراطية، حزبيا وسياسيا وتمثيليا.
كما أشادت بالدينامية التنظيمية التي تعرفها منظمة النساء الاتحاديات خاصة أن اللقاء ذاته يعتبر اللقاء الرابع والأربعين في سياق الأنشطة الإشعاعية والتأطيرية والتنظيمية التي عقدتها منظمة النساء الاتحاديات في ظرف وجيز لا يكاد يتجاوز ثلاثة أشهر، وهو رقم قياسي يعكس جدية المنظمة وتفانيها في التعريف بقضايا النساء الأولى والجادة.
بدورها أعربت ليلى أميلي عن «شبكة ثائرة للنساء العربيات»، عن سعادتها بالانخراط التام «لشبكة ثائرة» وشراكتها المتميزة بمنظمة النساء الاتحاديات، مذكرة بأن شبكة النساء العربيات قد تأسست من أجل التناصف والتضامن «ثائرة» في عام 2013، وبدأت عملها بشكل أساسي خلال فترة ما بعد «الربيع العربي» من داخل الأحزاب. كان هدفها الرئيسي يكمن في تشجيع مشاركة النساء السياسية داخل تلك الأحزاب، وضمان ظهورهن كقوة في مجال صُنع القرار. وتستهدف في النهاية التأثير على السياسات داخليا وخارجيا، علاوة على ممارسة الضغط من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين والعدالة في المجتمع ككل.
وقد تخلل الندوة ذاتها، عرضان كان أولهما تحت عنوان «آليات التمكين السياسي للنساء» والذي قدمته الدكتورة إيمان الرازي، عضو الكتابة الوطنية للمنظمة، التي قدمت إطارا نظريا لمفهوم التمكين، والذي عرفته بأنه كل ما يرتبط بالقوة والقدرة والسلطة لأداء عمل معين، كما أنه يفيد إعطاء أي شخص القدرة على التحكم وإعطائه القوة والحقوق التشريعية لاتخاذ القرار، كما رأت ذات المتدخلة بأنه عبارة عن عملية تقوية وتدعيم الجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للأفراد والجماعات باعتباره استراتيجية تساعد أفراد المجتمع لمواجهة مشكلاتهم والوصول إلى المعلومات والمهارات المطلوبة لتحقيق التغيير المنشود.
ورأت الرازي أن التمكين لا يعني فقط قدرة أكبر على التحكم بقدر ما هو منح ثقة أكبر تغلب الشخص على كل الحواجز وتمنحه حقوقه كاملة غير منقوصة.
كما قسمت ذات المتدخلة مفهوم التمكين إلى أقسام ثلاثة كالتالي:
أ- التمكين الاقتصادي: والذي ربطته بالتمكين الاقتصادي للمرأة، أي التوزيع النسبي لكل من الرجل والمرأة في الوظائف الإدارية والتنظيمية والمهنية، والتوزيع النسبي للدخل المكتسب بواسطة السكان النشطين اقتصاديًّا من الجنسين، والمساواة الأجرية أو العدالة الأجرية التي رأت بأنها لن تتحقق إلا إذا كان للمرأة دخل خاص منتظم، مستخدمة في ذلك كافة وسائل الضغط المعنوي من صحافة وإعلام، وأعمال درامية ومناهج دراسية، وقد مثلت الرازي نفسها بمنهج في الصف الأول الابتدائي في إحدى الدول العربية درسا بعنوان: «أسرتي»، وهو الدرس الأول الذي يتلقاه الطفل الصغير، وفيه يقوم طفل بالتعريف بأسرته، ويقول:أبي معلم، وأمي طبيبة، ويبحث كل طفل ماذا يقول عن أمه، وإلا فإنه يشعر أن أمه أقل من باقي الأمهات، وهو ما تشعر به الأم المتفرغة لشؤون بيتها، فهي مجرد ربَّة بيت؛ أي: بلا عمل، وهو ما يمثل ضغطًا نفسيًّا رهيبًا عليها، وإن كان بشكل غير مباشر، وكأن كل الجهود الضخمة التي تحملها على عاتقها لا تعني شيئًا، واستخدام المناهج التعليمية لخدمة القضايا النسوية، أمرٌ مقرر في جميع الاتفاقيات الدولية، ومنصوص عليه في وثيقة إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
ب – التمكين الاجتماعي: والذي يعني بأن تمارس المرأة كل صلاحياتها وقدراتها في سبيل بناء ثقافة اجتماعية تحد مما يطلقون عليه السيطرة الذكورية. ولنشر هذه الثقافة داخل المجتمع، عمِلت الحركات النسوية على بناء مؤسسات وأندية ومراكز، وتجمُّعات خاصة بها، وفي ثنايا تلك الأندية تُقام فعاليات ومحاضرات، وندوات ومباحثات تروج لمفهوم التمكين.
ج- التمكين السياسي: يقاس التمكين السياسي بحسب رأي إيمان الرازي بعدد المقاعد البرلمانية المتاحة للرجال مقارنة بالنساء، وأيضًا مشاركة النساء في منظمات المجتمع المدني؛ كالأحزاب، والنقابات، والمنظمات الأهلية وغيرها.
وفي إطار التمكين السياسي للمرأة، ذكرت المتحدثة بمؤتمر بكين 1995 بتخصيص مقاعد برلمانية للمرأة في البرلمانات، (وهو ما يطلق عليه مشروع الكوتا)، ودعا هذا المشروع إلى ضرورة رفع التمثيل النسائي إلى نسبة لا تقل عن 30 في المائة ببلوغ العام 2005، واتخذت عدد من الدول العربية قرارات متقدمة في هذا الصدد بما فيها المملكة المغربية التي خطت خطوات كبيرة في سبيل تعزيز تمثيلية النساء داخل المشهد السياسي وحتى داخل دواليب القرار وصناعته عموميا.
كما تعرضت ذات المتدخلة في خضم نقاشها حول التمكين السياسي للنساء، إلى مجموعة من المعيقات التي تتعرض لها النساء والتي ترتبط بالمراة أولًا خاصة أن بعض النساء يعانين من عقدة النقص أو بالمجتمع الذي يرسخ نفس الفكرة، والذي ينهل من كل ما هو ذكوري متشنج، هذا وقد قامت ذات الباحثة بحصر كل هذه المعيقات كما يلي:
أولا: ما يتعلق بالمرأة
نفسها (معوقات ذاتية)
من قبيل:
• الضغوط النفسية التي تواجهها المرأة للالتحاق بالأعمال غير التقليدية.
• عدم قدرة المرأة على اتخاذ قرار التحاقها ببعض الأعمال.
• طول ساعات العمل خاصة في القطاع الخاص يحرم المرأة من الاهتمام بأسرتها.
• خضوع المرأة في معظم الأحيان لسلطة الذكور والقرارات التي تخص تعليمها وعملها.

ثانيا: ما يتعلق بالمجتمع:

• ضعف الوعي الاجتماعي بأهمية دور المرأة في التنمية.
• تحد العادات والتقاليد من التحاق المرأة بالكثير من المهن.
• عدم اقتناع المجتمع بانخراط المرأة في الأعمال التي يزاولها الرجال.
• ترفض أغلب الأسر السماح بالعمل في الأعمال التي فيها اختلاط بين الجنسين.

ثالثا: ما يتعلق ببيئة العمل (المعوقات التنظيمية والإدارية):

• تعقيد الإجراءات الإدارية والأنظمة عند البحث عن عمل.
• الافتقار للإرشاد المهني المناسب .
• عدم توفر المعلومات بسهولة وبدرجة كافية بالنسبة لاحتياجات سوق العمل.
*المعوقات الاقتصادية
• انخفاض مستوى الأجور المقدمة في القطاع الخاص مقارنة بالقطاع العام.
• عدم تناسب الراتب المعروض مع الجهد المبذول.
• عدم توافر المكافآت والحوافز المادية.
* المعيقات السياسية
ربطتها ذات المتدخلة بكل ما سبق من تكريس لبيئة ذكورية ترفض تماما انخراط المرأة في السياسة وتحصرها في دورها التقليدي داخل البيت والأسرة، مضيفة بأن المعركة ليست معركة تفعيل الحقوق السياسية للنساء بقدر ما هي معركة حقيقية سلاحها تغيير العقليات الرافضة لكل ماهو نسائي.
ليلى باديلي، بدورها، قدمت عرضا غنيا يصب محتواه في المشاركة السياسية للنساء، خاصة أننا في خضم فتح نقاش كبير على مستوى المنظمة بجميع جهات المملكة لأننا جزء من الحركة النسائية في المغرب التي تطالب بالتغيير وتحسين وضعية المرأة وتعزيز مكانتها السياسية وتمكينها من حقوقها المكفولة دستوريا وفي والمواثيق الدولية .
وأكدت باديلي بأن الحديث عن المشاركة في الحياة السياسية للمرأة يحيلنا على نسبة تواجدها داخل الفضاء التشريعي وداخل المجالس الدستورية المنتخبة وأيضا تواجدها في المناصب العليا، وهذه النسبة كفيلة للإجابة عن المكانة الحقيقية للمرأة المغربية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن عملية اتخاذ القرار تحسم داخل دواليب المجالس المنتخبة التي تكون فيها المرأة متواجدة بنسبة «الكوطا» فقط.
وبحسب المتحدثة فإن موضوع المشاركة السياسية ليس وليد هذه اللحظات بل شكل دوما موضوعا للنقاش العمومي منذ الاستقلال إلى الآن، لكن فشل السياسات المتعاقبة حال دون تمكين المرأة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا أيضا.
وأضافت ذات المتدخلة بأن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انخرط في بناء مغرب مابعد الاستقلال وأعطى للمرأة المكانة التي تستحقها داخل المشهد السياسي المغربي، ولنا أن نفخر أن أول وزيرة في المغرب كانت في عهد حكومة المجاهد عبد الرحمن اليوسفي، ولهذا كان النقاش العمومي قد أخذ منعطفا آخر مع بداية الألفية الأولى، ومطالب الحركة النسائية كذلك احتدت أصواتها من أجل إشراك المرأة في صناعة القرار السياسي، والتي تستمد قوتها من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، مستحضرة في هذا الصدد اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة «سيداو» وتوصيات مؤتمر بكين إضافة إلى النصوص القانونية ومعظم التشريعات، وكذلك الدستور المغربي الذي يكفل حق المناصفة.
ولتعزيز دور المرأة داخل الحياة العامة بحسب ليلى باديلي، لابد من إزالة جميع العوائق والمشاكل التي تحول دون إدماجها، وأن المشكل هنا ليس في القوانين بقدر ما هو في كيفية تنزيلها وتفعيلها وتحريرها من الفكر الذكوري السائد داخل المجتمع، ولهذا لابد من تمكين النساء من الولوج إلى العمل السياسي أولا ثم فتح مجال للمشاركة السياسية الحقيقية عن طريق المساهمة الفعالة في إنتاج القرار، وليس فقط اتخاذه عن طريق بوابة التصويت كآلية لجمع الأصوات، لأن مساهمة المرأة في الانتخابات أصبحت تطرح أسئلة حارقة مابعد دستور 2011 مفادها: لماذا الإرادة السياسية غائبة لتطبيق الفصل 19، الذي تنادي به اليوم الحركة النسائية من أجل تفعيله: لماذا كل هذا التجاهل والصمت تجاه هذه القضية؟ فالرجل المغربي ليس أكثر كفاءة من المرأة المغربية، الكل يتفق على أنه في وطننا لدينا نفس الحقوق والواجبات، إذن ماذا يمنعنا من تحقيق المكسب الدستوري ألا وهو»المناصفة»؟
وعقب النقاش تلت مقررة الندوة نادية حسيتو توصيات مهمة تروم تحسين وضعية النساء داخل الأسرة والمجتمع حتى تحظى بحقوقها كاملة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا، وأجملتها في ما يلي:
-تعزيز حضور المرأة القروية في البرامج السياسية للأحزاب.
-القيام بقوافل بالجبال والقرى من أجل التوعية والتواصل.
-قيام منظمة النساء الاتحاديات بجولات في المؤسسات التعليمية قصد التواصل وتشجيع الشابات والشباب على ممارسة السياسة.
-اقتراح أكاديمية سياسية داخل الحزب خاصة بالشباب والنساء.
-إعداد دليل بمثابة ترسانة قانونية تخول للشابات معرفة كل المساطر والقوانين .
– اقتراح تكوينات للشابات الراغبات في ولوج العمل السياسي.
– برمجة تكوين للمستشارات الجماعيات في مدينة إفران بعد رمضان الفضيل.


الكاتب : مراسلة خاصة

  

بتاريخ : 07/03/2023