في ندوة للملحق الثقافي حول “أدوار اتحاد كتاب المغرب اليوم”: كتاب ومثقفون يناقشون أوضاع منظمتهم للخروج من النفق

طنكول: الحاجة الى براديغم جديد لابتكار المستقبل

بلكبير: الاتحاد أدخل قسرا الى أزمات ذات طبيعة تنظيمية

أبو العزم: أزمة اتحاد الكتاب هي أزمة كل المثقفين والكتاب

ربيع: الاتحاد دبر صراعاته سابقا عبر التوافقات، لأن الاختلاف كان فكريا

 

أين يتموقع اتحاد كتاب المغرب اليوم من الصراع الذي طفا ببلادنا على المشهد الثقافي منذ سنوات حول أسئلة من قبيل: الهوية والتعدد والحراك اللغوي؟ وهل استطاع أن يكون مخاطبا قويا للدولة ومؤسساتها في تحديد السياسات العمومية الثقافية عبر تنزيل مقتضيات الدستور، والمساهمة في إنتاج العرض الثقافي، ووضع الاستراتيجيات المتعلقة بالصناعات الثقافية والهندسة اللغوية والإنتاج اللامادي، وبالتالي كيف يمكن اليوم أن تتم هيكلة مؤسسات الفعل الثقافي الدستوري في غياب الاتحاد أو عبر حضور باهت؟
إن الحديث عن الثقافة اليوم كرافعة للتنمية، يقتضي انخراطا فعالا من الاتحاد عبر الترافع وتحليل ومتابعة الأبعاد الجهوية للثقافة أو الأبعاد الثقافية للجهة، وبلورة معالم سياسة ثقافية جهوية. فهل استطاع الاتحاد أن يعطي للتنظيم الجهوي كل الثقل في بيانه التنظيمي؟ وعبر أية آليات يمكنه الترافع من أجل تمكين الجهات من أدوارها الثقافية؟
اليوم، تلعب الديبلوماسية الموازية، بكافة أذرعها، دورا مهما في تمنيع الوعي الوطني في ظروف تعرف التوظيف الثقافي غير البريء في الصراعات الدولية، وعليه، فإن اتحاد كتاب المغرب لا يمكن أن يعفي نفسه من سؤال الديبلوماسية الثقافية، بوضع تصور جدي ومسؤول، وموارد لكي تنتقل المنظمة من الأنشطة العابرة والمحدودة إلى توفير أرضية صلبة لديبلوماسية ثقافية تتقاطع فيها المسارات الرسمية مع المسارات المجتمعية والشعبية، فإلى أي حد استطاع الاتحاد، وعلاقاته مع المنظمات الشريكة عربيا توجد في نقطة الصفر بعد تعليق عضويته في الاتحاد العام للكتاب العرب كسب هذا الرهان ، وهل يمكن الحديث عن ديبلوماسية ناعمة يقودها اتحاد كتاب المغرب في شقها الثقافي، علما بأن هذا الفراغ الذي امتد منذ 2018 سمح بمحاولة تسلل الكيان الوهمي لنيل عضوية الاتحاد العام للكتاب العرب وطرح انضمامه إليه في مؤتمره العام خلال دجنبر المقبل بعد أن نال منذ سنة عضوية اتحاد الكتاب العرب بدمشق؟
هي جملة من التساؤلات التي طرحتها أرضية ندوة «الملحق الثقافي» للجريدة : «أدوار اتحاد كتاب المغرب اليوم في ظل تدخل فاعلين ومؤسسات رسمية في تدبير الشأن الثقافي» المنظمة يوم السبت 25 فبراير الجاري بالمحمدية، والتي عرفت حضورا مكثفا للكتاب والمثقفين المغاربة من مختلف المشارب الفكرية والإبداعية، حضور يعكس أهمية وراهنية موضوع اللقاء، ورغبة الكتاب في استعادة وهج هذه المؤسسة الثقافية العريقة التي واكبت انشغالات وتحولات المجتمع، وانصهرت مع قضاياه، كما واكبها «الملحق الثقافي» للجريدة منذ مراحلها التأسيسية، وصاحب مخاضاتها وقلق أسئلتها كجزء من انشغاله بالهم الثقافي، وكشريك في إثارة الأسئلة الثقافية، وكقوة اقتراحية يتجاوز بها مهمة الحامل الثقافي المحصور في النشر.

من أجل تجاوز
واقع الجمود

الندوة التي سير أشغالها الدكتور حسن مخافي، عضو الاتحاد، أكد في افتتاحها عبد الحميد جماهري، مدير نشر الجريدة أن اللقاء  مهم جدا بالنسبة للسياقات التي ينعقد فيها لأنه  يجدد الذاكرة الثقافية لـ»جريدة الاتحاد الاشتراكي» واتحاد كتاب المغرب، مشيرا إلى «أننا جزء في هذا الاتحاد بكل تجلياته بحيث كلما  اتسع الحقل الثقافي  تشعب داخل المجتمع»، ومؤكدا في نفس الوقت أن مبادرة «الملحق» لاتروم نزع الشرعية عن الإطارات القانونية للاتحاد بل تأتي من أجل خلق دينامية إيجابية وموجة مضادة تقاوم واقع الجمود الذي يسم الاتحاد اليوم، بحثا عن أجوبة وبدائل لتجاوز هذه الأزمة.
بدوره، لا يخفي المفكر وعضو الاتحاد عبد الصمد بلكبير، كون أن الاتحاد أدخل قسرا الى أزمات ذات طبيعة تنظيمية، معتبرا أن حل أزمته اليوم يتطلب أن يعالج من هذا المنظور، ومشيرا الى أن أهم الأحداث في تاريخ الاتحاد كانت هي مبادرات الكتلة الوطنية التي أحيت العديد من المبادرات الثقافية كما السياسية، لكن العطب الذي حدث في المؤتمر الأخير كان جزءا من تدبيرات سادت عددا من المؤسسات، بالإضافة الى أن رفع الأحزاب الوطنية يدها عن قضايا الاتحاد أدخل هذه المنظمة في أزمة، وبالتالي تعطلت إحدى أهم أدوات التنمية الثقافية وهو ما تكرس في مابعد. واعتبر بلكبير أن مبادرة الملحق الثقافي، تفتح أبواب تصحيح المسار وتأتي لاستدراك الزمن الضائع، وإنقاذ هذه المؤسسة التي ما أحوج المغرب المعاصر إليها اليوم، خاصة أن بلادنا تمر من منعطفات حاسمة ومصيرية مرتبطة بقضيتنا الوطنية التي تحتاج إلى ترصيد المكتسبات التي تحققت بشأنها، وهو دور أيضا موكول للاتحاد ومطلوب منه الانخراط فيه كـأحد أذرع الديبلوماسية الموازية والتي تعيش اليوم حالة عطب وجمود.

شاهد على العصر

يعتبر الأكاديمي عبد الغني أبو العزم وعضو لجنة الحكماء المنبثقة عن مؤتمر طنجة ، أن أزمة اتحاد الكتاب هي أزمة كل المثقفين، وعليهم يقع عاتق خلق وإيجاد التوافقات الضرورية من أجل مستقبل هذه المؤسسة الثقافية التي تعيش أزمة خانقة منذ مؤتمر 2018، وهي أزمة مفتعلة كما وصفها أبو العزم بكل المقاييس، ولا يمكن الخروج منها إلا عبر الإيمان والإرادة الجماعية والرغبة في الحفاظ على القيمة الرمزية والثقافية لهذا الإطار، خاصة أن الدولة أكدت استعدادها، عبر عدد من المبادرات، للتجاوب مع مطالبه في أفق تشاركية فاعلة ومنتجة تساهم في إشعاع الثقافة المغربية.
في نفس السياق، جاء تدخل الدكتور الروائي مبارك ربيع، رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر 18، معتبرا أن أزمة الاتحاد اليوم ليس ذات طبيعة فكرية بقدر ما هي نتيجة لصراعات شخصية، مشيرا الى أنه طيلة مؤتمرات الاتحاد السابقة ومنذ المؤتمر التأسيسي الأول في 1960 كان الصراع، وظل، فكريا وقد وصل في مراحل معينة الى أشده لكن كان يتم دائما احتواء هذه الصراعات عبر التوافقات، لأن الاختلاف كان فكريا رغم حضور البعد الإيديولوجي والسياسي الذي كان يصب دائما في مصلحة الاتحاد. واعتبر ربيع أن الندوة تشكل محطة أساسية لطرح الأسئلة الملحة ومحاولة اجتراح أجوبة لهذا الوضع المتعثر حتى تستعيد المؤسسة أدوارها الطلائعية في البناء المجتمعي، وهو ما لن يتم إلا بالعودة الى التوافق كصيغة لحل هذه الأزمة.

الحاجة الى براديغم جديد لابتكار المستقبل

في مداخلة قيمة للدكتور وعضو لجنة الحكماء المنبثقة عن مؤتمر طنجة لتدبير المؤتمر الاستثنائي، اعتبر عبد الرحمان طنكول أن أزمة الاتحاد اليوم تبرز في سياق جهوي ودولي متغير، من سماته التحولات المتسارعة التي مست المشهد الثقافي وآليات اشتغاله وقنوات تصريف مواقفه، مالم يعد مسموحا معه بالاشتغال بالبراديغمات التقليدية القديمة، سواء على مستوى المشاريع الثقافية أو الأنشطة أو على مستوى تدبير هياكله التنظيمية( الحكامة، التسيير والكفاءة لمواكبة التحولات) حتى يتموقع ضمن هذه التحولات ويستجيب لما تطرحه، وهو ما لا يمكن أن يحدث إلا بالمساهمة في «ابتكار المستقبل» وبناء اقتصاد المعرفة والإنصات الجيد للجيل الجديد من الشباب.إن تشخيص الأزمة وخاصة بعد مؤتمر طنجة، يرى طنكول، لابد أن ينطلق أولا من اعتبار أن ما حصل كان منتظرا ومهما في نفس الآن لأنه رجَّ مياه الغدير الهادئ. فما حصل اليوم حوّل الاهتمام الى التفكير بطريقة جديدة في تدبير هذه المؤسسة وإعادة النظر في أدوارها لتقديم مفهوم جديد لاتحاد كتاب المغرب يجعل منه قوة ضاربة في المجتمع، ولأن التحولات الكبرى لن تتم دون الاستناد على الفعل الثقافي لذا فالاتحاد مطالب بترسيخ الوطن في حدوده الجغرافية والثقافية أخذا بعين الاعتبار التحولات.

شهود من داخل التجربة

أرجع الشاعر ونائب رئيس الاتحاد وعضو المكتب التنفيذي إدريس الملياني، أن وضعية الاتحاد اليوم لا يمكن تفسيرها إلا بغياب الحوار، النقدي والندي والودي، «المؤدّي إلى اتحاد تحابّ الكتاب والانتخاب، لا إلى اتحاد الأحقاد والاحتراب، أو إلى حدّ «الصراع على سلطة وهمية» ، وهو الحوار الذي ساد دائما بين أعضائه سابقا وأدى الى «تدبير الخلاف الثقافي، دون أن يصل إلى مثل هذا التدمير الحاصل الآن».
وعن سؤال الحاجة، اعتبر الملياني أن الحاجة إلى الاتحاد اليوم ملحة أكثر من أي وقت مضى، وهي ولكن حاجة تنظيمية بالأساس، قبل أن تكون مسألة ثقافية. وشخص الملياني وضع الاتحاد اليوم بأنه «في مهبّ الريح وقلب العاصفة، يواجه مصيرا مجهولا، ولا يستطيع سبيلا لا إلى الحياة ولا حتى إلى الموت وصولا، ويعيش حالات ومآلات غريبة، من التعطيل والتأجيل، ومن الانتظار والاحتضار».
من جهته، اعتبر نائب رئيس الاتحاد، عبد الدين حمروش، في ما يمكن إدراجه ضمن النقد الذاتي للتجربة، أن مشكل الاتحاد في عمقه، مشكل تنظيمي قبل أن يلقي بظلاله على ما هو ثقافي، حيث أن تعطيل أجهزة الاتحاد، خاصة مكتبه التنفيذي، جعل هذه المؤسسة في مأزق حقيقي، يضاف الى ذلك تأجيل المؤتمر 19 وما ترتب عنه من تعطيل مساره ومسيرته، داعيا إلى إيجاد حل استعجالي لاستعادة رمزية الاتحاد كبيت لكل الكتاب والمثقفين ولتداول المسؤولية والأفكار والتجارب.

القانون الأساسي
مكمن العطب

يرى عضو لجنة الشؤون القانونية داخل الاتحاد، مصطفى النحال، أن جزءا كبيرا من الخلل الذي تعانيه المؤسسة اليوم يعود الى عدم البت في القانون الأساسي المنظم، معتبرا أنه لابد للاتحاد أن يشتغل وفق آليات الحكامة والضبط وتضمينها في قانون  الأساسي، مضيفا أن ما وصلت إليه هذه المؤسسة لم يكن إلا نتيجة لغياب آليات الحكامة، مستدلا على الأمر بغياب لجنة لتدبير الأزمات داخل قانونه الأساسي، وهو ما ترك الباب مفتوحا لعدد من الممارسات الانفرادية. وأكد النحال أن القانون الأساسي للاتحاد يحتاج اليوم غلى تحيين يستوعب المستجدات القانونية حتى يتمكن من تقوية أجهزته التقريرية، وهو الوضع الذي ينسحب على أهداف المنظمة التي حافظت على طابعها التقليدي دون أن تسعى الى ترسيخ قيم المواطنة والتعددية والمناصفة والمسألة اللغوية لاستيعاب التعددية التي تعزز وتقوي هويتنا الجماعية.
وقد عرفت الندوة نقاشات عميقة ونوعية عبر من خلال الكتاب والكاتبات والمفكرون عن انشغالهم العميق بمآل منظمتهم، مقدمين اقتراحاتهم من أجل تجاوز وضع الجمود والخروج من هذا النفق الذي طال وعطل مؤسسة طالما ارتبطت بحاضنتها المجتمعية، وعبرت عن مواقف شجاعة بخصوص قضايا حارقة كقضايا الحرية والتعبير داخل المغرب وخارجه.
ولمتابعة هذه الدينامية وتعميق النقاش في هذه الاقتراحات والبدائل، تم تشكيل لجنة للتتبع والتعبئة مساهمة في تدبير حلول ومخارج تكون كفيلة بتجاوز مأزق الاتحاد.


الكاتب : حفيظة الفارسي تصوير: ع. المساوي  / أ. العراقي

  

بتاريخ : 27/02/2023