في ندوة منظمة النساء الاتحاديات بالرباط حول « النساء والدولة الاجتماعية: الحماية الاجتماعية نموذجا» 

خولة لشكر: منظومة الحماية الاجتماعية بالبلاد منظومة محافظة تكرس النمطية الذكورية السائدة في المجتمع

محمد طارق:  الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية من صميم المرجعية اليسارية الاشتراكية التي تنهل من منظومة قيمية

علي الغنبوري:  الدولة الاجتماعية ليست شعارا فضفاضا، ولا يمكن أن تكون بدون خلفيات سياسية غير اجتماعية

 

تواصل منظمة النساء الاتحاديات مرافعاتها من أجل الحرية والكرامة والمساواة ومراجعة شاملة لمدونة الأسرة، عبر تنظيم عدد من اللقاءات الفكرية والترافعية بمساهمة عدد من الفعاليات السياسية والأكاديمية والحقوقية والخبراء، عبر تراب المملكة، ومن بين هذه اللقاءات الندوة التي نظمتها، أول أمس بأحد فنادق الرباط، حول « النساء والدولة الاجتماعية:  الحماية الاجتماعية نموذجا»، بمشاركة محمد طارق، الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق  المحمدية، وخولة لشكر، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي ونائبة الرئيس للأممية الاشتراكية، وعلي الغنبوري، رئيس مركز الاستشعار الاقتصادي والاجتماعي.
وتأتي هذا الندوة في إطار النقاش العمومي الذي تعامل به الساحة الوطنية حول الرجوع القوي للدولة في عدد من المجالات خاصة القطاعات الاجتماعية بعد جائحة كوفيد 19، ثم في سياق النقاشات والحوارات حول التعديلات المرتقبة على مدونة الأسرة لإقرار مزيد من الحقوق والمساواة والإنصاف للمرأة المغربية.
وفي مداخلتها التقديمية أكدت أمينة الطالبي، المحامية وعضو الكتابة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات أن هذه الندوة ما هي إلا بداية لسلسلة من الندوات واللقاءات التي تهم الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية، مبرزة في نفس الوقت أن منظمة النساء الاتحاديات فتحت النقاش بشكل مبكر حول مدونة الأسرة، وذلك عبر تنظيم العديد من اللقاءات والندوات التي شارك فيها ثلة من الخبراء والأكاديميين والحقوقيين.
وبالموازاة مع ذلك، أشارت الطالبي إلى أن منظمة النساء الاتحاديات، بعد هذه المجهودات النضالية والواعية بأهمية المرحلة ودقتها، والنقاش المتعلق بتجربة مدونة الأسرة التي عرفت عشرين سنة من التطبيق، قدمت مذكرة بخصوص التعديلات التي تهم هذه المدونة التي تسعى من خلالها إلى أن تكون مدونة منصفة وعادلة وتنتصر للنساء ولكل الأسرة.
وأكدت خولة لشكر، عضو المكتب السياسي ونائبة رئيس الأممية الاشتراكية، في مداخلة لها، أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الحزب اليساري ذو المرجعية الاشتراكية والديمقراطية الاجتماعية، المتشبع بالقيم الكونية الديمقراطية والحرية والكرامة والمساواة والإنصاف المدافع عن حقوق الإنسان والدولة الاجتماعية وضمان الحماية الاجتماعية لكل فئات المجتمع، لذلك قدم الحزب مقترحاته بخصوص النموذج التنموي الجديد، تحت شعار «دولة قوية عادلة ومجتمع حداثي متضامن».
وانتقدت عضو المكتب السياسي للحزب منظومة الحماية الاجتماعية بالبلاد واصفة إياها بالمنظومة المحافظة حيث تكرس النمطية الذكورية السائدة في المجتمع، وتنطلق من منظور ذكوري … كونه « رجل يعيل أبناءه وزوجته».
وأشارت القيادية الاتحادية إلى أن الحماية الاجتماعية تمول على حساب الأجيرات من النساء والموظفات، مبرزة أن هناك تراجعا كبيرا في عدد النساء النشيطات حيث تراجع العدد منذ عهد حكومة التناوب من 30 في المائة إلى 21 في المائة، وهذه أصغر نسبة في إفريقيا والعالم العربي وشمال إفريقيا التي تعاني أكبر الفوارق في المجال.
وسجلت لشكر أن غالبية  النساء يعشن في ظروف صعبة، ويعانين الإجحاف وهضم حقوقهن الاجتماعية والاقتصادية خاصة في ما يسمى بالرعاية غير المؤدى عنها، بحيث هناك دائما امرأة ترعى الأسرة، مستشهدة بأرقام دالة في هذا المجال، (75 في المائة من أعمال الرعاية غير المؤدى عنها تقوم بها النساء).
كما أبرزت لشكر أن المرأة تعرف حيفا كبيرا في ما يتعلق بالأجور، حيث يكون هذا الأخير، ولو أنها تتوفر  على دبلوم، أقل بـ 25 حتى 30 في المائة ، ما يعني للمرأة أجورا أقل، بالمقارنة مع الرجل الذي يجعل شريحة المساهمة في الحماية الاجتماعية والاستفادة أقل.
ومن جانبه أكد الجامعي محمد طارق أن الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية من صميم المرجعية اليسارية الاشتراكية التي تنهل من منظومة قيمية تعتمد على المساواة والإنصاف والعدالة والتضامن والمواطنة والعدالة الاجتماعية، وتبقى الحماية الاجتماعية رهانا يجب كسبه بسن سياسات عمومية وبرامج من أجل محاربة الفقر والهشاشة والقضاء على كل الاحتياجات للنساء والعيش بكرامة.
وشدد طارق على أن الحماية الاجتماعية هي ضمانة من الضمانات من أجل إخراج الناس من الفقر والحماية لكل الفئات انطلاقا من الطلبة الجامعيين ومرورا بالعمال ووصولا للتجار والعمال في وضعية هشاشة وحماية الفئات من فقدان العمل والعمل على إقرار التغطية الصحية لكل هؤلاء، وفي نفس الوقت على أن الحماية الاجتماعية أداة لتصحيح بعض الاختلالات التي تحدثت عنها أعلى سلطة في البلاد.
وذكر  الأكاديمي طارق بدور الدولة القوي وعودتها خاصة بعد كوفيد 19، لتشمل عددا من القطاعات الاجتماعية كالتعليم العمومي والصحة العمومية والسكن، منتقدا الوضع الاجتماعي المزري، الذي توجد عليه النساء، بحيث هناك 19 في المائة من النساء ممن وصلن إلى الشغل بينما هناك81 في المائة غير موجودات في سوق الشغل.
وفي الأخير، نبه طارق إلى عدد من التحديات التي يمكن أن تعترض طريق نجاح مشروع الحماية الاجتماعية إن لم يتم الإجابة عنها بالشكل المطلوب، وحدد هذه التحديات في أولا، كيفية التعاطي مع النسبة المرتفعة للبطالة التي تعيق ديمومة الصناديق المتعلقة بالحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، ثانيا، الاقتصاد غير المهيكل الذي يرى أنه من الضروري محاربته باعتبار أنه يصل أحيانا إلى 80 في المائة من الاقتصاد الوطني، ثالثا ضرورة تحديد نظام الاستهداف، ثم رابعا ضمان ديمومة تمويل الحماية الاجتماعية لاستدامته، خامسا العدالة الاجتماعية، سادسا ضرورة معالجة عجز المنظومة الصحية الوطنية، وسابعا التحدي الأخير المتمثل في تزايد نسبة الشيخوخة بالمجتمع المغربي …
ومن جهته، شدد علي الغنبوري، المحلل السياسي، على أن تنزيل الدولة الاجتماعية لا يمكن أن يكون بدون خلفيات سياسية غير اجتماعية، مؤكدا في هذا الصدد أنه لا يمكن أن تكون الدولة الاجتماعية شعارا فضفاضا، بل هي إيمان ومعرفة وخلفية سياسية وإدراك لماهية الدولة الاجتماعية.
وأشار الغنبوري إلى أن الدولة الاجتماعية ليست مرتبطة فقط  بالملايير بل هي تدبير سياسي وتوجه سياسي لتحقيق وضمان الاهتمام بأهم مركز في المجتمع، وهن النساء، والوعي كان حاضرا في أهم وثيقة حصل عليها توافق مجتمعي هي النموذج التنموي الجديد، حيث نص على رفع نسبة عدد النساء النشيطات من 21 إلى 40 في المائة سنة 2035.
ويرى الغنبوري أن نجاح مشروع الحماية رهين بالانفتاح على العمل غير المهيكل، كي ينخرط هؤلاء المشتغلون فيه لضمان ديمومة مشروع الحماية الاجتماعية، لافتا النظر إلى أنه لا تثبيت للحقوق النسائية دون إقرار التمكين الاقتصادي للنساء.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الندوة تميزت بحضور فعاليات نسائية ونخب سياسية وشبابية، ومجموعة من الطلبة والباحثين الجامعيين.

 

 


الكاتب : الرباط: عبد الحق الريحاني

  

بتاريخ : 28/12/2023