في ندوة منظمة النساء الاتحاديات بالقنيطرة حول موضوع «مراجعة مدونة الأسرة حماية للمجتمع»

حنان رحاب: من أجل قواعد منصفة لتأطير العلاقات الأسرية

 

 

نزهة العلوي: المراجعة الشاملة والجذرية شرط أساسي لدمقرطة المجتمع

عبد العالي الصافي: مدونة الأسرة وحماية المصلحة الفضلى للطفل

 

عقدت منظمة النساء الاتحاديات في إطار أنشطتها الإشعاعية وحلقاتها النقاشية حول موضوع مدونة الأسرة، ندوة لها بمدينة القنيطرة، يوم الخميس 16 فبراير، بمقر هيئة المحامين، للنقاش حول ضرورة مراجعة مدونة الأسرة مراجعة شاملة حماية للمجتمع.
وتخللت النقاش عروض قانونية وسياسية قاربت الملف من كل جوانبه الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، أجمعت كلها على ضرورة مراجعة مدونة الأسرة مراجعة شاملة غير منقوصة حماية للمجتمع والأسرة والنساء ومراعاة للمصلحة الفضلى للأطفال.
وفي هذا الصدد قالت الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات في كلمتها بالمناسبة، «حينما فتحنا النقاش حول ضرورة مراجعة مدونة الأسرة فتحناه من عدة مواقع ليس فقط في المدن الكبرى بل ناقشناه حتى في المدن الصغرى حتى نفتح النقاش في وجه شرائح مختلفة ومتباينة من المغاربة»، معتبرة ذلك «بمثابة ورش استماع وطني ممتد على ربوع الوطن حيث تم عقد أكثر من 35 ندوة استمعنا فيها لشهادات ساهمت في بلورة تصور عام حول مختلف الإشكالات التي تلف مدونة الأسرة بصيغتها الحالية، من قبيل صعوبة ولوج الفئات الهشة إلى العدالة»و»أن المدونة الحالية لا تحقق المصلحة الفضلى للطفل وأنه في تطبيقها نجد أحكاما عديدة كانت فيها اجتهادات قضائية لا تراعي مصلحة النساء والأطفال، لأن الواقع اليوم يفرض أن نحرص على مراجعة القانون بما يحقق المصلحة الفضلى للطفل المغربي.»
كما اعتبرت الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات أن « رؤيتنا للإصلاح ليست رؤية تجريدية، بل إن المدونة برمتها تحتاج إلى إعادة الصياغة والمراجعة بما يضمن تحقيق التزامات المغرب دوليا، وما يضمن ملاءمة دستور 2011».
وشددت حنان رحاب في مداخلتها، على ضرورة الاقتصار على شكلين من أشكال الطلاق، فإما طلاق الشقاق أو الطلاق الاتفاقي، وبالتالي ضرورة إلغاء مصطلح التطليق ككل، وبخصوص مسألة النفقة شددت على ضرورة المساواة فيها فلا يعقل أن يتراجع مستوى عيش الأطفال بعد الطلاق، إضافة إلى مسألة الحضانة والولاية الشرعية، مشددة على أنه لا يجب أن تظل الأم الحاضنة رهينة وصاية الولي الشرعي في أبسط الأمور، كذلك الحال بالنسبة للمواد التي تبيح زواج القاصرات،20/214/22 التي يجب إلغاؤها تماما، خاصة أن المغرب وجب عليه الالتزام بمقتضيات معاهدة «سيداو»، فبدل أن نشرعن لزواج القاصرات، تقول، على الدولة المغربية بدل السماح بذلك أن تلزم الأطفال بالدراسة حتى سن 18 سنة، وأن تحارب كل أنواع الهدر المدرسي عبر مجموعة من الآليات، سواء أكانت تحفيزية أو زجرية، مشيرة في الأخير إلى ضرورة إلغاء كل من التعدد والمادة 400 من مدونة الأسرة، التي تتيح مجموعة من الاجتهادات القضائية الخارجة عن النص القانوني.
من جانبها، ذكرت نزهة العلوي، المحامية بهيئة القنيطرة، في مداخلتها بخصوص مراجعة مدونة الأسرة، بالسياق العام لتاريخ نضال الحركة الحقوقية النسائية التي تمكننا من خلال نضالاتها من تحقيق مجموعة من المكتسبات والتشريعات، منها قانون الجنسية ومدونة الشغل، مذكرة بحملة المليون توقيع سنة 1992 من أجل تغيير مدونة الأحوال الشخصية التي كانت مجحفة بحق النساء، منذ خمسينيات القرن الماضي، مشيرة في ذات السياق إلى أن مدونة الأسرة لسنة 2004 كانت بمثابة ثورة هادئة، لكن ماذا بعد 19 سنة من تطبيقها، الذي أبان عن مجموعة من النواقص والقضايا المتجاوزة، وأنه آن الأوان لإيجاد حلول مجدية أو فعالة.
ورأت المتحدثة أن دستور 2011 نص على المساواة الكاملة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، وعلى سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية، معتبرة أنه آن الأوان لفتح ورش لملاءمة القوانين مع التزاماتنا الدولية في شموليتها، حيث طرحت سؤال: أي مرجعية نريد، هل المرجعية الحقوقية الكونية أم المرجعية الدينية المتجاوزة؟ مؤكدة على ضرورة الحسم في هذا السؤال، وأن لكل زمان ومكان حلولا متبصرة للعصر الذي يعيشه كل جيل، وأن المراجعة الشاملة والجذرية شرط أساسي لدمقرطة المجتمع ومدخل حقيقي لتمكين النساء اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
من جانبه أشار عبد العالي الصافي، المحامي بهيئة القنيطرة، في مداخلته، إلى أن المصلحة الفضلى للطفل لا يجب الاقتصار في نقاشنا عن مدى تحققها من عدمه في مدونة الأسرة فقط – رغم أهميتها القصوى- بل يجب البحث عن مدى تحققها في السياسات العمومية للدولة، سواء في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي والاجتماعي أوالسوسيو ثقافي وما إلى ذلك. فعلى المستوى القانوني يتعين أن نقيس المقتضيات ذات الصلة في القوانين المصاحبة لمدونة الشغل، ونخص بالذكر قانون الجنسية وقانون الحالة المدنية وكذا القانون الجنائي ومدونة الشغل وقانون الهجرة وقانون الاتجار بالبشر وما إلى ذلك، لكن في نقاشنا هذا سنتقيد بعنوان الموضوع الذي هو مدونة الأسرة وحماية المصلحة الفضلى للطفل.
و اعتبر المتحدث أنه من المفروض في النص القانوني أن يسنه المشرع من أجل الإجابة عن احتياجات مجتمعية، وهو بذلك يسن من طرف من يمثل المجتمع من أجل هذا المجتمع، وبالتالي فإن القاعدة القانونية المجردة والعامة والإلزامية ليست مهمة إلا بما تمثله لهذا المجتمع ومدى ارتباطها به، وهل أجابت عن توتر معين أولبت احتياجا ما وهل عالجت أو نظمت مجالا ما ؟ ولكي يتيسر ذلك يحتاج الأمر لفهم الفاعل وكيفية تفاعله وضرورة اقتناعه من جهة وفهم الثقافة السائدة أو المتسيدة ومن يضفي المعنى وكيف؟ في ارتباط تام مع المعايير غير الرسمية في بلد ما أو جماعة ما، وكذلك دراسة الجماعات ذات الهويات الصلبة التي قاومت ولاتزال تقاوم الثقافة السائدة، وبعبارة بسيطةـ يجب الأخذ بعين الاعتبار الأقليات الاثنية والدينية والقبائلية.
هذا ورصد الصافي في مداخلته بعض المقتضيات المخالفة للمبادئ الأساسية لاتفاقية حقوق الطفل:
عدم التمييز:
نصت المادة 19 من مدونة الأسرة على أنه «تكتمل أهلية الزواج باتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية 18 سنة شمسية «، إلى هنا لا مشكلة والأمر يبدو جيدا إلى حين قراءة المادة الموالية، أي المادة 20 التي نصت على الآتي:» لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أونائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي. مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن.»
ثم تأتي المادة 21 لتضيف :» زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه. تتم موافقة النائب الشرعي بتوقيعه مع القاصر على طلب الإذن بالزواج وحضوره إبرام العقد، إذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن الموافقة بت قاضي الأسرة المكلف بالزواج في الموضوع.»
بمعنى أن المادة 20 أفرغت المادة 19 من محتواها بل وحتى من خاصيات القاعدة القانونية التي يجب أن تستجيب للعمومية والتجرد ، ذلك أن المشرع لم يستطع أن يبقي على عمومية وتجرد المادة 19 فجاءت المادة 20 ليست عطفا عليها وإنما من أجل استثناء فئات وشرائح واسعة من أطفال المجتمع المغربي –وخاصة الفتيات- من حماية المادة 19 .
وبالنزول إلى الميدان وإلى النتائج والدراسات والإحصاءات المقدمة من طرف رئاسة النيابة العامة وكذا المندوبية السامية للإحصاء والتخطيط سجل الصافي مجموعة من الخلاصات التي يمكن إجمالها كما يلي:
1- سنة 2020 سجلت المحاكم 19926 طلب تزويج قاصر، استجيب منها لـ 13335 طلبا فيما سجلت 2019 رقما قياسيا اقترب من 30000 طلب.
2-95 % من هؤلاء القاصرين كن فتيات.
3- % 68منهن في المجال القروي.
4-77 % منهن غير متمدرسات.
إن هذه الأرقام هي مؤشرات على وضع خطير يشير إلى سقوط المادة 20 في مخالفة واضحة للمادة الثانية من الاتفاقية المذكورة والتي تلزم الأطراف بضمان الحقوق الموضحة فيها دون أي نوع من أنواع التمييز ، والحال أن تطبيق المادة المذكورة كان موضوعه الفتيات بشكل أساسي دون الذكور ثم الفئات الهشة والمهمشة، والتي تعاني ظروفا اقتصادية واجتماعية صعبة، الشيء الذي يحرم الفتيات موضوع هذه المادة من الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية، من قبيل الحق في الرعاية والنمو وغيرها من الحقوق، وبعبارة أكثر دقة، فإن المادة 20 كان ضحيتها الفتيات دون الفتية، القرويات دون الحضريات –اللواتي يعشن في المدينة- ، غير المتمدرسات دون اللواتي لهن مستوى دراسي معين.
فالمشرع المغربي مثلا في المادة 16 المتعلقة بسماع دعوى الزوجية حاول هزم الزواج العرفي، ومدد هذه المادة في مناسبتين على الأقل، وذلك للقضاء على هذه الظاهرة، لكنها مستفحلة وفشلت المادة 16 رغم تعبئة الدولة كل وسائلها من أجل إنجاحها.
لذا فإن للمشرع حل من ثلاثة، إما فرض الأمر الواقع وجعل القانون في خدمة التغيير بشكل فوقي، أو القيام بدراسات سوسيولوجية عميقة تعتمد على فهم الفاعل وكيفية تفاعله، بحيث تمكن من إشراك هذا الأخير في إنشاء النسق والتأثر به، وهو ما يسمى بالتطبعات حسب ميشيل كورسيي وكذلك الفريد شورت، من أجل تجويد القاعدة القانونية بحيث تستجيب لمعيار الجاذبية، وبالتالي التغيير يكون عموديا وليس أفقيا أو الاجتهاد من أجل ابتكار توليفة تمزج بين الاثنين، وتستطيع أن تتماهى مع الحالة المغربية، وذلك عبر تفكيك البنيات بشكل سلس ثم إعادة تركيبها بما يناسب المستجدات والتغيرات العميقة في بنية وعقلية وتركيبة المجتمع والإنسان المغربيين، وخصوصا الإجابة وإعطاء البدائل في ما يخص القواطع الحادة، التي وقعت خلال العقدين الماضيين.
فمشروع 2004 فشل إلى حد كبير، بحسب الصافي، في التوفيق بين المعايير الرسمية وغير الرسمية وفشل في ملاءمة هذا القانون في ظل مقاومة تقليدية عنيفة يقودها بعض الفقهاء وإلى جانبهم فئة كبيرة من الشعب من الجنسين في إطار مجتمع باطرياكي، بامتياز، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القضاء المغربي هو قضاء محافظ وأن ما يسمى السلطة التقديرية تحتاج للكثير من المراجعات كي تصبح قابلة للقياس.


الكاتب : إيمان الرازي

  

بتاريخ : 20/02/2023