في ورشة نظمتها اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان لفاس – مكناس

العنف الحضري.. التجليات، الانعكاسات ومداخل تعزيز الوقاية

 

نظمت اللجنة الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان لجهة فاس مكناس مؤخرا، بأحد فنادق فاس، بتنسيق مع جمعية ملتقى الشباب للتنمية وبشراكة مع المديرية الجهوية لقطاع الشباب والمديرية الجهوية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي لجهة فاس مكناس، مائدة مستديرة حول موضوع «ظواهر العنف الحضري.. التجليات، الانعكاسات ومداخل تعزيز الوقاية»، بمشاركة عدد من جمعيات المجتمع المدني وأساتذة جامعيين وباحثين اجتماعيين، وممثل الأمن الوطني بفاس وكذا ممثل الهيأة القضائية.
ذ.عبد الرحمان العمراني، رئيس اللجنة الجهوية، أشار في كلمة ترحيبية إلى أن «الظاهرة لاتنحصر في الفضاء الجامعي فقط. بل إنها ظاهرة تهم المجتمع بصفة عامة»، مذكرا باللقاء الذي جمعه برئيس جمعية ملتقى الشباب والتنمية محمد عاطش، حيث أكد الطرفان «أن موضوع الشغب متشعب وله علاقة بالمجتمع ككل وبالجانب الأمني والمؤسسات التعليمية والجمعيات المهتمة بالموضوع في طليعتها جمعيات الآباء وودايات الأحياء، ويتطلب ذلك توسيع زاوية النظر والتفكير في هذا الموضوع بنوع من الاستدامة والعمل على إعداد دورات تكوينية يؤطرها مختصون وباحثون، وصولا إلى مادة معرفية شمولية تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة المؤرقة محليا ووطنيا».

العنف والشعور بعدم الإطمئنان

شدد رئيس اللجنة الجهوية على «أن ظواهر العنف بمختلف أشكاله وصيغه وتعبيراته العلنية والخفية المادية والرمزية والظرفية والبنيوية، تنامت وكادت ان تصبح علامة مميزة تتزايد منظوريتها ويتنامى مفعولها في الحقل الاجتماعي، فمن العنف المدرسي الى عنف الملاعب، ومن تنامي العنف ضد النساء او في الفضاء العام إلى العنف الحضري بالأحياء السكنية والأسواق العمومة، التي تخلق شعورا بعدم الاطمئنان، إلى أشكال العنف الرمزي واللفظي الذي بات يؤثث المشهد في الشارع العام من خلال ألفاظ بذيئة يمجها الذوق، الى أشكال التعابير التي تتخذ المنحى الغنائي والاستعراضي التي تخلق انفلاتات خطيرة تهدد سلامة وانسجام الجسم المجتمعي»، مضيفا «أن اكبر المخاطر التي تترتب عن شيوع الظاهرة وتناميها في الحقل الحضري الاجتماعي، ان تصبح إحدى الوسائل المعتمدة لتحقيق الرغبات والحاجات، وتنمية الموارد المادية والرمزية، وان يصبح ممارسو العنف نجوما عند بعض الشرائح الاجتماعة يشرعنون لصورة معينة عن النجاح والانجاز، حتى نكاد نقول.. إنهم أبطال ومشاهير. ومن المؤكد ان هذه الحالات تؤدي إلى أوخم العواقب المجتمعية…» و«بحكم تعقد الظاهرة خاصة في الوسط التعليمي، فإنه لم يعد النظر إلى الموضوع يرتكز على نظرة أمنية ضيقة او ترتيب استراتيجيات عمل، او التدخل وفق المعطيات والوسائل الأمنية وحدها، ذلك ان هذه الظاهرة والتحديات الراهنة ومخاطر الانفلات والانحباسات القيمية هي اكبر واشمل واعقد من ان تستوعبها مقاربة أمنية.. ومن المعلوم بالنسبة لصنف العنف المدرسي، فإننا نتوفر على مستوى البحث النظري والميداني، على رصيد غني من الدراسات والأبحاث والوثائق المرجعية والمونوغرافيات، بالإضافة إلى دراسات لها اهميتها العلمية، على سبيل المثال «العنف في الوسط الحضري «مجلة عالم التربية عدد 29 سنة 2019 ص540». و«انسجاما مع هذا التوجه ورغبة في تدقيق وتفعيل الرؤى والكثير من التصورات ودلائل العمل ضمن مجتمعنا المتحول جيليا وقيميا، فإننا نعتبر ان مساهمة رجال التعليم ونسائه وإدارييه ضرورية في بلورة استراتيجية عمل تضخ قيما جديدة وتؤصل لثقافة نابذة للعنف، ومن ثم نقترح برنامجا لهذا الغرض يتوخى تكوين عدد من الفعاليات، حيث يحدونا الامل وتدفعنا القناعة بأننا ، في ظل السياق المجتمعي الذي نمر به، نحتاج إلى بناء لحمة الحي كفضاء أول للتفاعل الاجتماعي ، تلعب فيه المدرسة ومؤسسات المجتمع المدني والأسر المسكونة بالحس المدني، قاطرة ودورا أساسيا في التوجيه وخلق المشترك».

خطورة التطبيع مع العنف

بعد هذه الأرضية الشاملة فتح المجال للنقاش. وفي تدخله أكد السوسيولوجي د الصنهاجي، أن العنف أصبح ظاهرة مجتمعية تفشت في مختلف الفئات العمرية وبات الإعلام من الوسائل التي تساهم في نشرها، خاصة خلال نقل مباريات كرة القدم ، ذلك أن احد المذيعين بمحطة إذاعية تفاعل مع الشغب ولم يجد سوى بث عبارة.. «عطاوهم قتلة…»؟ وهكذا أصبح المواطن يشعر بعدم الاطمئنان، وبات الأمن الوطني والقضاء في مواجهة هذه الظاهرة، كما تراجع دور النقابات والأحزاب في التوعية بخطورة الظاهرة ، الشيء الذي جعل الآباء والأمهات يخشون على أبنائهم ويرافقونهم للمؤسسات التعليمية، مما يعني ان المجتمع حصل فيه تحول في القيم، حيث أدى ذلك الى التطبيع مع العنف، مقترحا مواجهته بوضع برامج تعليمية توعوية تلقن للتلاميذ انطلاقا من التعليم الابتدائي.
الأستاذ الخمار العلمي، طرح إشكالية العنف في مدينة حضرية دون الحديث عن مدينة لا حضرية، «فنحن لانناقش المعنفين، ونصب الاهتمام على العنف حتى أصبحت ثقافة العنف سائدة في عدد من الأماكن، والأخطر أن المدينة أصبحت مجالا للعنف. لذا أصبح التفكير في ثقافة مضادة وعدم التمايز بين الشبان والشابات، كما أصبح من الضروري ان تقوم الجماعات بتوفير ملاعب القرب وفضاءات للفرجة ومسارح وغيرها من وسائل الترفيه، زيادة على الاهتمام بمجالس المؤسسات وان تكون على علاقة مع جمعيات الآباء بالإضافة الى توظيف مساعدين اجتماعيين بالمؤسسات التعليمية.

ركائز المقاربة الأمنية

عميد الشرطة الممتاز عادل الشجاع ، انصبت مداخلته على الجانب المتعلق بتجليات العنف من خلال رصد الحالات التي ترد على المصالح الأمنية والمجهودات المبذولة للتصدي لها ، وفي طليعتها : – العنف الجسدي – العنف المعنوي – العنف الجنسي – العنف الاقتصادي»، ومن حيث الوسائل المعتمدة فقد تم تقسيم ذلك إلى «عنف مباشر وآخر غير مباشر باستعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة ،وبالنظر الى مرتكبيه يمكن ان نفرق بين العنف الفردي والعنف الجماعي، كالعنف الذي يصاحب التظاهرات الرياضية مثلا ،هذا ويمكننا الحديث ظرفيا او موسميا عن عنف ينتشر في أوقات ومناسبات معينة».
وأضاف المتدخل قائلا «في ظل تزايد مظاهر العنف وتجلياته، تعتمد المديرية العامة للامن الوطني استراتيجيات ترتكز على محاور أساسية تتمثل في الوقاية من الجريمة في الشوارع عبر الدوريات الأمنية مع زجر مظاهر الانحراف وتدعيم التدخلات الميدانية والانفتاح والتواصل مع المحيط الخارجي.وتماشيا مع هذه الاستراتيجية، فإن ولاية الأمن بفاس تعمل جاهدة وفق مخطط امني مندمج شامل تحقيقا لمقاربة أمنية متعددة الأبعاد، يتكامل فيها الشق الوقائي بالبعد الزجري، خاصة في ما يتعلق بالجريمة العنيفة مع الاستمرار في الانفتاح على المحيط الخارجي. ولبلوغ ذلك تم اعتماد المقاربة الوقائية عن طريق التدبير المعقلن والمدروس للوسائل البشرية واللوجيستيكية الموضوعة رهن إشارة المصالح الأمنية وضمان الانتشار والتواجد الأمني لمختلف الفرق والوحدات الأمنية، وذلك على مستوى جميع المحاور والأحياء السكنية بالمدينة، تعزيزا للإحساس بالأمن والطمأنينة، مع ايلاء أهمية خاصة لحماية المجال المدرسي بإحداث فرق خاصة تتوفر على الإمكانيات المادية والبشرية لتأمين محيط المؤسسات التعليمية».
وحول المقاربة الزجرية يضيف ممثل الأمن الوطني قائلا «تماشيا مع إرساء الأمن بمفهومه الشامل، تعتمد ولاية الامن على مجموعة من التدابير تلبية لحاجيات المواطنين، خاصة ما يتعلق بانشغالاتهم كالجريمة العنيفة مثلا، إذ تم وضع استراتيجية محكمة لمنعها عبر برنامج عمل يومي متوازن وشامل يتضمن تحديد الأهداف وتقييم النتائج ودراستها، وهو ما مكن من تحديد النقط الساخنة وما يرتكب فيها من جرائم عنيفة . وهكذا تمت برمجة عمليات شرطية نوعية تشارك فيها جميع المصالح الأمنية والشرطة القضائية وفرقة مكافحة العصابات والمخدرات والاستخبار الجنائي وغيرها.. قصد التصدي للسلوكيات المنحرفة وضبط المبحوث عنهم وطنيا. وترسيخا لسهولة الولوجية وطلب النجدة الأمنية والتفاعل الفوري مع الشكايات والوشايات، فان ذلك يتم عبر منظومة خط النداء 19 والوحدات المتنقلة لشرطة النجدة المقرونة به. وتعزيزا للأمن، فإن الولاية تواصل اهتمامها بالعنصر البشري تحت إشراف المديرية العامة للامن الوطني بتكثيف الورشات التكوينية في مجالات حقوق الإنسان والجريمة السيبيرانية وشغب الملاعب والجريمة الاقتصادية والمالية والتكلف بالنساء ضحايا العنف وقضايا الأحداث والمخدرات وغيرها. وإيمانا منها بالأسس والمفاهيم السالفة الذكر، فان ولاية الأمن تعقد بشكل مستمر، من خلال جميع مكوناتها ، لقاءات تواصلية مع فعاليات المجتمع المدني والنسيج الجمعوي وممثلي الأحياء السكنية تفعيلا لمفهوم الإنتاج المشترك للامن، كما تقوم بحملات توعوية بالمؤسسات التعليمية تتطرق فيها لمجموعة من المواضيع كخطورة المخدرات والاستغلال الجنسي للاطفال وشغب الملاعب…. متوخية مساعدة الناشئة على التربية والمواطنة والسلمية».

ظاهرة تسائل الجميع

أكد المتحدث نفسه على «أهمية الاستمرار في دينامية التنسيق والتعاون والتشارك بين مختلف الفاعلين في المجال – التربية على مبادئ المواطنة واحترام حقوق الإنسان والسلوك الحضاري – التوعية بالانعكاسات السلبية للظاهرة على الفرد والمجتمع – الاستمرار في بناء الإنسان والاهتمام بفئة الطفولة والشباب – الاهتمام بالتكوين المهني وإصلاح المسالك الجامعية – تقوية دور الأسرة وحماية قيمتها – إنشاء مراكز خاصة بتأهيل الأشخاص العنيفين نفسيا وسلوكيا – محاربة الهدر المدرسي والاهتمام بمواصلة التعليم».
وتوقف ممثل السلطة القضائية عند الأرقام المهولة للجرائم والضحايا من الأطفال والنساء، مشيرا إلى عدم مواكبة المشرع لعدد من الظواهر كالجريمة الالكترونية التي تؤثر على الرأي العام، مما يفتح باب الاجتهاد أمام القضاة لمواكبة تطور الجريمة، علما بأن هناك ترسانة من القوانين للحد من العنف، إلا انه يوجد هناك قصور في بعض الفصول القانونية . وأمام بعض الثغرات القانونية، فإن الهيأة القضائية تتعامل مع التقارير الواردة من إدارة الأمن ، وتعمل على ملاءمتها مع الفصول الجنائية للحد من تنامي الجريمة.
الأستاذ محمد بناني تحدث عن العنف المدرسي والعنف ضد النساء والعنف في الملاعب، داخلها او خارجها، ليتساءل «كيف يجب التعامل مع هذه الظاهرة؟، مشيرا إلى أنه «لاينبغي ان نترك الأمن والقضاء في مواجهة العنف، بل يجب على الأسرة ان تتحمل مسؤوليتها التربوية. أما الدولة فعليها ان تضع برامج تعليمية تتطرق إلى مختلف جوانب الظاهرة، لأن أطفالنا يعيشون في عوالم مختلفة عن عوالمنا متأثرين بالفضاء الأزرق الذي يبث العنف». مؤكدا «أن تشخيص العنف ينطلق من الأطفال، اما التعليم فيحتاج إلى موارد ضخمة لتطبيق برامج تواكب تطورالعنف في مختلف تجلياته».
د.يوسف الرابحي، ركز في تدخله على «الشغب في الملاعب»، لافتا إلى أنه ينطلق أساسا من «معاداة رجال الشرطة ومعاداة وسائل الإعلام، ليخلق عداوة بين مجموعات من المحبين وخاصة القاصرين»، كما تعرض إلى العنف الذي يمارس على عدد من رجال التعليم ونشر ذلك عبر فيديوهات في وسائل التواصل الاجتماعي، وأكد «أن الواجب يفرض صناعة المستقبل لأجيالنا وتحديد أماكن العنف انطلاقا من المدرسة والجامعة والإعلام ، ولن يتأتى ذلك إلا بتضافر الجهود ووضع خطة استراتيجية للتلاميذ انطلاقا من برامج محكمة تكون فيها الأسرة والمجتمع ضمنها قوة اقتراحية، مع التركيز على وسائل الإعلام، من قنوات تلفزية وإذاعات وجرائد وطنية ومواقع الكترونية تتحلى بالمصداقية والجدية.»
وأكد ذ.الديش من جهته.. على «اندحار القيم وطغيان التغول والتنمر وسيادة العنف في جميع مناحي الحياة، مما جعلنا نعيش اللااطمئنان»، مقارنا بين المدرسة المغربية سنوات السبعينات والان، «حيث كنا لانشعر بالخوف»، واعتبر أن التهيئة الحضرية لاتاخذ باهتمامات وحاجيات المواطنين في الترفيه، مشيرا إلى أن تصميم التهيئة الحالي ينتج العنف ولايراعي شروط الحياة والترفيه، لذا أصبح من واجب الجمعيات الجادة مواكبة الشباب، وعلى الأسرة ان تتحمل مسؤوليتها، وان نجعل من دور الشباب أماكن للتأطير كما كان معمولا به سابقا، وان نعود إلى مفهوم التطوع والتفكير في بدائل وصولا لمجتمع مدني مواطن».
واجمع باقي المتدخلين على ضرورة الاهتمام بفئات ذوي الاحتياجات والاهتمام بالأسرة أولا وأخيرا لرأب الصدع تجنبا للطلاق، والتركيز على مجالس المؤسسات في علاقتها مع جمعيات الآباء وتوظيف مساعدين اجتماعيين، وتنظيم دورات تكوينية لرجال التعليم ونسائه لنشر ثقافة التعايش والتسامح في المؤسسات التعليمية.
هذا وقد أدار اشغال المائدة المستديرة، ذ.محمد عاطش رئيس جمعية ملتقى الشباب والتنمية.


الكاتب : محمد بوهلال

  

بتاريخ : 06/12/2022