«قاموس اقتباسات الترجمة» أو السفر الآسر في دنيا الترجمة

تصدر قريبا للدكتور عزيز لمتاوي، الطبعة الأولى من ترجمته لـ»قاموس اقتباسات الترجمة» منتخبات لمؤلفه جان دوليل في 684 صفحة من الحجم الكبير، عن دار الرافدين.
ويُعَدُّ هذا القاموس الموسوعي سَفرا ممتعا وآسرا في دنيا الترجمة، هذه الخائنة الجميلة، المشاكسة والمتمنِّعة، بدءا من عهود اليونان واللاتين القديمة، مرورا بالقرون الوسطى والأنوار، وصولا إلى حقبتنا الراهنة، حيث يُعيد المؤلف، عبر أكثر من ألفين وسبعمئة اقتباس وباعتماد مائة مدخل وعشرة، طرح القضايا الكبرى للترجمة، ووَصْل حلقات السلسلة بعضها ببعض، واستدعاءَ كل الأطراف إلى مائدة حوار  لم يسبق أن التأمت من قبل  على مر الأزمنة والعصور وفي كل الأمكنة والفضاءات وبكل الألسنة واللغات، حوارٍ تلتقي فيه الرؤى وتتقابل، تتآلف وتختلف…إنه بالفعل طبقٌ شهي كما يشير إلى ذلك أونري ميشونيك في تقديمه لهذا القاموس، طبقٌ شهي لاعتبارات متعددة يوجزها المترجم في خمسة رئيسة: أولا «لطرافته وجدته وفرادته، لأنه ضرب من الكتابة غير مسبوق في مجال التأليف المعجمي المتصل بالترجمة وقضاياها المختلفة والمتشعبة»، وثانيا لأنه» يؤسس لطريقة جديدة في بناء النظريات، حيث تتبدى النظريات بناءات غير مكتفية بذاتها، غير منغلقة وغير نهائية. إنها منفتحة بعضها على بعض ونسبية»، وثالثا لكونه لا يأسر نفسه في دائرة « اللغة النظرية العالمة ذات البعد التقريري، بل يجمع بين دفتيه الرأي السائد والنظرية والشهادة والرسالة والانطباع الشخصي. يجمع كلام المنظر والممارس وكلام الشاعر والروائي. ويُجاور اللغة العالمة باللغة العادية، واللغة الأدبية ذات البعد الإيحائي باللغة التقريرية»، ورابعا « لكونه يُشكِّل مدخلا مهما وأساسا بالنسبة إلى المهتمين بحقل الترجمة، دارسين وباحثين ومترجمين ونقادا ومنظرين، إذ يقدم إليهم عُدة نظرية ومفهومية شاملة»، ويتمثل الاعتبار الأخير في «كونه يفتح مسارات بحث تتصل بحقل الترجميات تروم تحيين الأسئلة «الكلاسيكية» وإعادة صياغتها، وطرح أسئلة أخرى في ظل التطور الذي عرفته شروط إنتاج المعرفة عموما، وشروط الاقتراب من الدرس الترجمي على وجه الخصوص».
ولقد أُنجزت هذه الترجمة على مدى أكثر من سنتين من العمل المضني والدؤوب، وبتواصل مستمر مع المؤلف كما ألمح إلى ذلك في مقدمته التي خصَّ بها الترجمة العربية، حيث يُصرح بتبادله مع المترجم طوال سيرورة إنجازها «عِدة خطابات سعيا إلى تدقيق معنى كلمات معينة أو توضيح دلالاتِ رموز مطبعية غير مألوفة في اللسان العربي، أو، باختصار، لتذليل الصعوبات الأكيدة التي تنطوي عليها ترجمةُ عمل من هذا النوع.» مُعبرا عن أمله في «أن تحظى ترجمة الأستاذ لمتاوي بالانتشار على نطاق واسع، وأن تجِد الجمهور الذي يُوفيها حقها لينال المترجم بذلك ما يستحقه نظيرَ الجهد الذي بذله.»
ويضم هذا القاموس الموسوعي، بالإضافة إلى مداخله المئة وعشرة والتي تُستَهل بـ»التكييف» وتنتهي بـ «شيخوخة الترجمات»، مُقدمتين، الأولى خصَّ بها المؤلف الترجمة العربية، حيث نوَّه فيها بالترجمة والمترجِم وتوقَّف عند أهمية القاموس، والثانية دبَّجها المترجم مُقسِّما إياها إلى ثلاث لحظات وسمها على التوالي بالعناوين الآتية: بين يدي الكتاب، في ضيافة الكاتب، بيان الترجمة. يُضاف إلى هاتين المقدمتين تصدير لأونري ميشونيك ومدخل وصفي تحليلي افتتح به المؤلف النسخة الأصلية، يقع في أكثر من أربعين صفحة، وقد وسمهُما المترجم بعنوانين من اقتراحه: اقتباسات لِموضعة الذات، قاموس إشكاليات الترجمة ودليلها.
ونظرا لما تكتسيه الملاحق من أهمية قصوى في إضاءة النص المترجم وإضفاء الصبغة الأكاديمية عليه، فقد ذيَّل المترجم هذا القاموس، بالإضافة إلى بيبليوغرافيا تضم أكثر من ثمانمئة مؤلف، بأربعة ملاحق هي على التوالي: ثبت المصطلحات (عربي، فرنسي، إنگليزي)، ثبت الأعلام(عربي/فرنسي)، ثبت مؤلفي الاقتباسات (يضم أسماء المؤلفين متبوعة بتواريخ ولادتهم ووفاتهم وأرقام الاقتباسات التي ألفوها حتى يسهُل على القارئ الرجوع إليها وتأطيرُ كل قول ضمن سياقه التاريخي)، وأخيرا مختصر السيرة العلمية للمؤلف، فضلا عن هوامش المترجم التوضيحية التي تتخلل مجمل صفحاته.
ويأمل المترجم أن تُشكل هذه الترجمة إضافة نوعية في «حقل الممارسة الترجمية والتنظير لها في أفقنا العربي»، قصد» بناء خطابات واصفة تستعيد الأدوار الطلائعية لهذا المبحث في نشر الأنوار والعقلانية والحداثة وتحقيق التلاقح والتواصل بين الحضارات، دورٍ في اتجاه حكمة «جديدة،» في اتجاه «حلم» آخر بنَفس متجدِّد، ورؤية أخرى.»


بتاريخ : 14/01/2022