قراءة جماليَّة في السِّيتكوم الرَّمضانيّ «بابا عْلي»

 

تَعْرِضُ « قناة الثامنة « المغربيّة خلال هذا الشّهر الفضيل سلسلة دراميّة أمازيغيّة صارت تسترعي انتباهَ المُشاهد المغربيّ الأمازيغيّ بشَغفٍ يَوماَ بَعد يَوم لمَّا صارت حديث الكثير من الشّباب بالمُدن والقرى المغربيّة في جهة سوس بالخُصوص، حتّى إنّ مَقاطع من موسيقاها التصويريّة دخلت رنّاتِ العديد من الهواتف.. بابا عْلي.. بابا عْلي، إضافة إلى تداوُل مقولة «السُّوسْ أَمَانْ إ الكْرْكَازْ» (إنصرف.. لم يَعُد فيك مِن فائدة) بشكلٍ لافت، وهي اللاّزمةُ التي تَسري على لسان الشخصيّة الرّئيس في السّلسلة.. بابا علي. وكلُّ هذه أمور تدعو، للوهلة الأولى، إلى السّؤال عمّا إذا كان لهذا الإلتفاف حوْل هذه السّلسلة علاقة بجائحة كورونا وإجراءات الحجر الصحّي الليليّ الرّمضانيّ الذي يُمنَع بمقتضاه الخروج إلى أجواء رحبة و متنوّعة، ويقتضي بالتّالي المُكوث في البيت والجلوس على مَضَض إلى التّلفار الوسيلة المُثلى لتزجيّة الوقت في البيوت المغربيّة؟
غيْر أنّ حدوث نفس الشّيء رمضانَ العام الماضي ـ عرْض سلسلة + حجرصحيّ ـ من شأنه دحْض هذا الزّعم بقوّةٍ تُؤازره في ذلك ملاحظة عجيبة وغريبة تتمثّلُ في تتبُّع السّلسلة كثير من المغاربة غير النّاطقين بالأمازيغيّة!
وما كان هذا ليَتحقّق ـ على رداءة التّرجمة العربيّة الكتابيّة المُرْفَقة للصّورة ـ لولا أنّ لهذا العمل سِحراً ما.. وإلاّ ما كان المغاربة بمفتونين به أمازيغ وعربا.
فما هي يا تُرى لمْستُه السحريّةُ على المُشاهِد ؟ و ما هي أوْجُه افتتانِه به؟
إنّها، في نظرنا، تتخفّى في القراءة العارِفةِ والعميقةِ للإرثِ الثقافيّ الأمازيغيّ، والتي تتبدّى هنا في معالجته على مستوى السّيناريو من عِدّة أوْجهٍ نقف على بعضٍ منها:
1ـ إستحضارُ الكُدْيَة:
والكُدية هي الحيلةُ في الكسْبِ والسخريّةُ من مجموعةٍ من القيَّم.
وهي متجدّرة في المجتمع الأمازيغيّ ولا تزال رائجةً فيه إلى حدود السبعينيات من القرن الماضي. ولعلّ للحاجَة إليها اليَوم بعَودة عهدٍ جديدٍ من زَيْف القيَّم أثرُه الكبيرُ في التعلّقّ بهذه السّلسلة والإنبهار بخروج بابا عْلي من كثير من المآزق بذات الكُدية.

2ـ حضور الفقيه والقاضي:
ودَورُهما الكبير في إدارة الشّؤونِ الدّينيّةِ والقانونيّةِ بالقُرى المغربيّةِ بالإصلاحِ بين النّاس و جعْلِ الطمأنينة في النّفوس…
وهو أيضاً ما يكتشفه الشّبابُ الأماريغيُّ في السّلسلة بفَمٍ نصفِ مفتوحٍ و لسانُ حالِه يقول: يا إلهي هل حقّاً كان أسلافُنا هكذا ؟ و هو يَعيش الخَواءَ الرّوحيَّ و الإنفلاتَ الأخلاقيَّ والأمنيَّ و الحَجْرَ الكورونيَّ الخانق.

3ـ إحياءُ المُكوِّن الثقافيّ اليهوديّ:
وقد أبدع السَيناريست في ذلك بإدماج عائلةٍ يهوديّةٍ ضمن نسيج المجتمع القرويّ الأمازيغيّ ما أثار مَشاعِر المُشاهِد وتحسُّرَه لتهجير الطائفة اليهوديّة المغربيّة و فقدان مُكوّنٍ توأمٍ للثقافة الأمازيغيّة.. فصار إسم « مُوشِي « وزوجتُه « مِيهِيرَا « يتردّدان أيضاَ على لسان المُشاهِد كشخصيّتيْن محوريّتيْن في السّلسلة لا مَحِيدَ عنهما لاستحضار فترةٍ مُضيئةٍ من تاريخ الأمازيغ مطبوعةٍ بالتّعايُش والتّسامُح ونَبذ كلّ أشكال العنصريّة.
كما توفّقتْ حلقاتُ هذا السّيتكوم الأمازيغيّ للحظاتٍ في أن تُنفّس على المُشاهِد أجواءَ الحَجْر بترصيعها ببليغ القوْل من خلال الأمثالِ والحِكَمِ والطّرائفِ والمُستملَحات…، فعرَفت في كلِّ هذا كيف ترسُم بدون روتوشٍ الصّورة الحقيقيّة للحياة اليوميّة للأمازيغ، والتي تحُوز كلّ مقوّمات مُسايرة العصر واستشراف المستقبل بخُطىً ثابتة.
ونتيجةً لكلِّ هذا، فإنّه يَتعيّنُ العَضَّ بالنّواجذ على هذا المَكسب التي حقّقته الدراما المغربيّة الأمازيغيّة، و العمل على إيصاله إلى أبعد مدى بتجويد الترجمة الكتابيّة المُرْفَقة بالصّورة، و دبلجتِه، و سائر وسائل التّرويج له وطنيّاً و دوليّاً، حتى تترسّخ الثقّة بالمنتوج المحلّيّ، و تَمَّحي الأحكامُ الجاهزةُ بكوْن مآل الثقافة الأمازيعيّة إلى المتاحف.
ثمّ، و أيضاً، حتّى لا تُستقبَلَ هذه السّلسلةُ فقطّ بالإبتهاج، و تدخل عالم النّسيان ككذبةٍ من كذبات أبريل.
هكذا نكون قد تناولنا هذا العمل من جانبهِ الأدبيِّ الجماليِّ والفنّيّ، تاركين جانبه التقنيّ لذوي الإختصاص بما لابدّ وأن يُضِيفه من إضاءات.
وللهُ وليُّ التّوفيق %


الكاتب : رشيد أبوالصبر

  

بتاريخ : 10/05/2021