قراءة في «التحليل السيميائي للخطاب الإشهاري»

يَندرجُ هذا الكتابُ موضوعَ قراءتِنا ضِمن أحدِ الأعمال الهامَّةِ والقليلةِ التي تتناولُ الخطابَ الإشهاريَّ بالتحليلِ السيميائيّ، وهو صادرٌ في طبعته الأولى (2020) عن دار شهريار للنّشر(العراق) في 254 صفحة من القَطع المتوسّط. و قد جاء هذا الكتابُ الجَماعيُّ كما أشار المشرف عليه الأستاذ حسن مسكين في تقديمه له: «في محاولة منا للمساهمة في تحقيق بعض التراكم النوعي لاسيما في الجانب التطبيقي.. وذلك للوقوف بالدراسة و التحليل على أبرز مكونات و بنيات و استراتيجيات وظائف هذا الخطاب، و لتقديم تصور أكاديمي يوضح من خلال الاشتغال التطبيقي على مجموعة من الخطابات الإشهارية البصرية واللفظية والمكتوبة أبعادها الرمزية والثقافية و السياسية والإيديولوجية والحضارية، فضلا عن وظيفتها المتصلة أساسا في حمل المتلقي-المستهلك نحو اقتنائها.» ص.8-9.
في تقديمه هذا، المختصَر والمُركَّز لهذا المؤلّف الذي أشرَك فيه مجموعة من طلبته الباحثين، يَستدعي الأستاذُ الباحثُ مسكين عدداً هامّاً من المفاهيمِ و المصطلحاتِ ذاتَ الصّلة، بوَفرةٍ وعنايةٍ فائقتيْن. يَنهضُ من بين هاته المفاهيم المرتَحلة من شتّى المناهج، كما طبيعةُ الخطابِ الإشهاريِّ، مفهومَا التحفيز:»لتحفز نشاط المتلقي-المستهلك..» ص.7. و التّهييء.. «لولا تلك الطاقات الفعالة والخارقة التي تهيّأت بفعل خطاب إشهاري…»ص.7، كمُحرّكيْن رئيسيْن لِمَدّ الخطاب الإشهاريّ بطاقته الوهّاجة.

والحقُّ أنّ الوصولَ إلى قناعاتِ وإغواءِ المتلقّي-المستهلك، وبالتّالي إلى جَيْبِه، وبخاصّةٍ الهُنا بالنّظر إلى ما يَعيشه من وضعٍ اقتصاديٍّ متردّي، وإلى ما راكمه من إرثٍ إستهلاكيٍّ تقليديٍّ ليَستلزم استدعاءَ ترسانةٍ من المَكرِ البصريِّ والأيقونيِّ والخطيِّ والشفويّ.

من بين مقالاتِ هذا الكتاب الإثنتيْ عَشرة، التي لا تَنفصم عُراها، أوقفتنا المقالةُ (8) التي بعنوان:»الإغراء والإقناع في الخطاب الإشهاري» للباحثيْن أبو بكر جيناني وسناء بيعلاش، وارتأينا تقديمها على مقالتيْن أخرييْن سنتناولهما بالقراءة خلال هذا العَرض، وذلك بمَيلها إلى الجانبِ النظريِّ والتعريفيِّ بالمَبحثِ السيميائيّ، وبتبسيطها فهم «الخطاب الإشهاري»، ثمّ تعضيدِها للتّقديم القصير للكِتاب، وبالتّالي إعدادَها عُدَّةَ القارىءِ وفتحَها شهيّتَهُ لقراءة باقي المقالات الواردة فيه، وكلُّ ذلك من قبيل ما تَعرضه في محورها الأوّل.. الخطاب الإشهاري:

– تعريف الخطاب الإشهاري
– الصورة الإشهارية و المعنى
– جمالية الإشهار
وبإحالتها بكثافةٍ على المَراجع و المَصادر (34مرّة)، حتّى إنّ المقالة نقلت للقارىءِ جزءاً هامّاً من كتاب «سيميائيّات الصورة الإشهارية» لعميد السيميائيّين المغاربة سعيد بنكراد.. الكتابُ الشيّقُّ واليَسيرُ التّناولِ نسبيّاً.
وفي الشقِّ التطبيقيِّ أيضاً لم يَخرج الباحثيْن عن نفس السّلاسةِ والبساطةِ عند «التحليل السيميائيّ للملصق الإشهاري» ل عِطر Dior، تمّ فيه تناول:
– زاوية التقاط الصورة: التي «تضع المتلقي في قلب الحدث، وتلفت انتباهه إلى الشخصية التي تظهر في الصورة.» ص.158.

– الفضاء: وحيّازتُه في المُلصَق الإشهاريّ «لدلالته الخاصة، حيث إنّه لا يوظّف اعتباطيا، وإنما لأغراض معينة.» ص.159.
– الألوانِ والإضاءة: من حيث إنّ «جزءاً كبيرا من نجاح الوصلة أو فشلها مرتبط باختيار اللون المناسب للمضمون الذي تصوغه الوصلة..» ص.160. نقلاً عن بنغراد.
و «أما الإضاءة فتعد هي الأخرى عنصرا فاعلا في الصورة وتلعب دورا مهما في التعبير عن الحالة النفسية.» ص.160.
هذا بالإضافة إلى تحليلِهما السيميائيِّ لشكل المنتوج، والجانبِ الأيقونيِّ فيه، وكذا اللّغويّ، مروراً إلى دقائقِ الخطّ من حيث تَموُّجِهِ ودلالتِه على الرِّقةِ و النّعومةِ اللّتين تُحِيلان بدَورهما على عوالم المرأة…
في مقالةٍ أخرى تحت عنوان «التحليل السيميو- حجاجي للوحة الإشهارية» (شاي ليبتون نموذجا)، شاركت بها الباحثتان زينب الهنتاتي و كبيرة الكرومي في الكِتاب، ستَستنتجان استناداً إلى رولان بارت في تحليله للصّورة في مقالته «بلاغة الصّورة» (1964) Rhétorique De l’image، قيّام علاقة تكامُلٍ وانسجامٍ بين الصُّورةِ والنَّصِّ في المُلصَق الإشهاريّ، بحيث «قدمت الصورة كمكمل للنص، وجوهر الرسالة التي يعطيها النص.» ص. 14.
وبأنّ «الإختلاف في القراءات [للصُّورة] لا يرتبط بالفوضى بقدر ما يعتمد على المعرفة المختلفة المستثمرة في الصورة.» ص.15.
ثمّ نبّهَت الباحثتان بعد أنِ انتبهَتا هنا بحَذاقةٍ في تحليلهِما للصّورةِ الإشهاريّةٍ لشاي ليبتون، إلى قيام التماثل والتلازم فيها بين العلاَمة الأيقونيّة والعلاَمة اللغويّة، وذلك في ما قدّمَته الصّورةُ من قوّةٍ جسديّةٍ للرّجل، تَعطِف بالتّالي، بالفعل وبالقوّة، على قوّة مَشروب ليبتون كما يَظهرُ بجلاءٍ على المستوى الحَرْفيّ.. لتخلُصا إلى دوْر الحِجاج في تنامي القوّة الإقناعيّة للإشهار.
وفي ثنايا هذا الكِتاب/المَرجِع، مَقالٌ من أطول مَقالاته (204-231) يُغرِي بالقراءةِ منذ عنوانه.. «سيمياء الطابع البريدي – من الجمال إلى الإقناع -»
ومَردُّ هذا الإغراءِ لا يَكمُن فقطّ في شُحِّ التّحليلاتِ السّيميائيّةِ للخطابِ الإشهاريِّ في الطّابعِ البريديّ، ولكن أيضاً في اختيّارالباحثِ شرقاوي الزحافي لهذا الطابَع بذاتِه و لمَوضوعِه: الذّكرى 45 للمسيرة الخضراء إلى الصّحراء المغربيّة الموافِقة لسَنة 2017 التي هي سَنة عِزِّ الأزمة السيّاسيّة بين المغرب وجارِه الشّرقيّ.
فبمُوجب هذه الحيثيّات سيَجتهدُ لا مَحالة مصمِّمُ هذا الطّابع في توْشيحه برسائلَ مُشفَّرة وأخرى بارزة لعِيان الجار الشرقيّ للمغرب، ما من شأنه أن يُوَسِّع من دائرة القراءات في/ ومن تكثيف المقاربات لِكشف استراتيجيّات اشتغال الخطاب الإشهاريّ على الطابَع البريديّ هذا.
ولم يكن صاحبُ المَقال ليُغفِل هذا المُعطى السيّاسيَّ وإن لم يُدرجْه هنا سوى بشكلٍ عامّ، وهو (المُعطى) الذي يَتمظهر في ما هو أيقونيٌّ أكثر ممّا هو لغويّ، فركّز في جانبٍ هامٍّ ومهمٍّ من المَقال على المؤثّرات الغربيّة (الفرنسيّة الاستعماريّة) في تشكيل الطّابع البريديّ، تلك التي تُعلِن حضورها في ما هو لغويّ.
وقد تناول الباحثُ هذه المؤثّرات الكولونياليّة في فرع أسماه – طوبولوجية الحضور اللغوي – ضِمن مِحورٍ «طبولوجيات الطابع البريدي المغربي».
نقرأ في الصفحة 210: «و عليه؛ نجد النظرة العمودية من فوق إلى تحت؛ تبدأ من عبارة «المملكة المغربية» مرورا بكلمة «طرفاية ومقابلها باللغة الفرنسية Tarfaya « انتهاءً بمقابل العبارة التي بالأعلى، باللغة الفرنسية (Royaume du Maroc) والمرتبطة بالايديولوجية الاستعمارية؛ حيث عن طريق اللغة تفرض الأيديولوجية ذاتها…».
فيما سيَطرح سيميائيّاً في فرع – طوبولوجية الاشتغال الأيقونيّ- الصّورةَ (خريطة المغرب – عَلم المغرب – الطواحين الهوائيّة) من منظورٍ هُويّاتيٍّ وثقافيّ، تلك التي تُعنَى أيضاً بوَضع نِظام الجار الشرقيّ أمام الأمر الواقع، وذلك بامتداد صورة خريطة المغرب على الطابع البريديّ – العابرِ للقارّات- إلى الكويرة في ارتباط وثيق بالمسيرة الخضراء التي حمل فيها المغاربةُ المَصاحف والأعلامَ الوطنيّة.

*طالب باحث
في ماستر الأنساق السرديّة و البصريّة
كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة -الجديدة-


الكاتب : رشيد أبوالصَّبر*

  

بتاريخ : 28/01/2022