قراءة في المجموعة الشعرية « شولة الروح» للشاعر المغربي محمد كابي

 

الجُرح والغناء في جملة واحدة

 

كيف تقرأ امرأة تحب الشعر – سليلة حواء – شعر محمد كابي وديوانه « شولة الروح».
كيف نقرأ من يثور على الأحزان؟ من يولد من رحم الغرام ؟
ومن يبكي أحفاد أفلاطون شردتهم المدينة،
كيف نقرأ من يتوحد مع الطبيعة و»يغزل المطر»؟
كيف نقرأ من يُسرع إلى موت على صدر فتيل شمعة كفراشة ليل؟.
وأنا أمر عبر أروقة قصائدك أستاذ محمد كابي، تخبرنا أنك أهديتنا حروف هذه المجموعة الشعرية «شولة الروح «الجريحة بطعم الغناء». لنا.. لقرائك الذين أحزنهم الواقع وضرباته المتتالية.
الجُرح والغناء في جملة واحدة ، هو كل هذه المجموعة الشعرية من أولها إلى آخرها.
عناد، غياب، جرح ، وجع ،عتاب لوطن كبير مغربي عربي كوني، مجروح يكتبه شاعرنا «»بمداد الأنا المجروحة».
أسئلة كثيرة حارقة تنثرها بيننا ،لا أظن أنك تنتظر جوابا بقدر ما تنتظر أن نتوجع معك.. أن نصل إلى مستوى هذا البركان الذي بداخلك والذي يرمي بحممه، أسئلة مجازية استنكارية «لعل تتعرى الحقيقة من ركام» تبحث بنهم في تاريخنا المنسي المكتوب بنزيف قلم حتى «طفحت الكأس بنبيذها المر» ..
كل الأزمنة التاريخية وكل الأمكنة موجودة ..
تسافر بنا إلى نوميديا وأنا أسألك أين أختها موريطانيا الطنجية ؟؟
تسافر بنا إلى مُلوك مَمالك الأمازيع الأحرار، ماسينيسا ..
أين باخوس الشاب؟ أين كوضا يوغرطة ؟وتسائلهم فينا « أين مجدك ماسينيسا ؟ كيف لمجد أن يبقى شاعرنا محمد كابي وراء من خلف أكثر من أربع وخمسين ابنا، وأعته الغزاة الرومان، وخيانة كبيرة ستتكرر تتكرر في مناطق عدة من وطننا العربي.
لماذا لم تَفْرح نوميديا وتفرح معها؟ حين وحدها جوبا الأول وبطليموس؟ ألم تحضر عرس هذا الاتحاد محمد كابي؟حتى تُشفى من غربة الروح ،ألم تُخبرنا «أنها وحدها مَعارك المَبادئ تَبني أساسها « لماذا لم يهدأ زئيرك وأنت سليل هذه الممالك الحرة؟
ثق بي لم تتوضأ نوميديا بالدم والخطايا كما سطرت في قصيدتك، بل توضأت بشعرك حين أحييت هذا التاريخ المنسي.
حين تكتب شاعرنا سنفهم أن وجودَنا ليس عبثيا ، نوميديا أو موريطانيا ستظل فينا بشموخها وأبطالها وتاريخها .
التاريخ بأحداثه ، والجغرافية بأمِكنتها، حاضرة بقوة… بأساطيرها ورموزها «عصا موسى» وأسماء قادتها ، أسماء تاريخية تَصرخ : بلقيس، زنوبيا ، فرعون معاوية، أنجيلا، وأمكنة تُغتال: الفرات، القدس الأندلس ، بغداد، بيروت، الحدود ، جبال ، الريف ، المسجد الأقصى، صحراء الجوع..
أهي خريطة ألم وخذلان توزعها علينا شاعرنا؟أم خرائط القرف والألغام ؟؟ألم يكفك ما نَخترق به كل يوم؟..ألم يكفيك أننا «نعاج أمام بوابة إله السلاح».
تذكرنا بالمورسكيين حين ضاع الوطن وضاع المجد وارتفع «سقف الخيانات» حسب قولك..
ألم يكن عبورهم إلى شواطئنا تواطؤا منا ضدهم،أين مدينة غساسة التي نزلوا بمينائها ؟
ألم تظل مطمورة تحت التراب راقدة في كتب الجغرافيا والتاريخ ،غائبة كلية في الخرائط الحديثة ولكن حاضرة في أشعار محمد كابي، في فلسفته في فكره.
نحن أمام شاعر يفرض علينا أن نغوص في كتب التاريخ.. أن نكون قراء جيدين نقرأ ما بين السطور لننفهم حقائقه لأنه يتكرر ونحن الآن لا نستطيع أن نلعب سوى دور الكومبارس في مسرحية بشعة.
قصائد هذه الديوان تراجيديا بقاموسها اللغوي.
دم، هدم، عَدَم، إعدام، ابادة ومشانق وكره باسم الرب.
تراجيديا لوطن الهزيمة، لوطن تكتبه وتعترف بضياعه «حين ضاع الوطن» .ونضيع وسطه وفي القلب جرح ونزيف يمتد إلى ما لانهاية، مادام استفرد بالغنم الذئب وظل فرعون منذ القديم ساكن فينا، ونحن مند البدء عصاة، طغاة، خونة ، شداد على أهلنا ،خانعون لغيرنا، نبيع وصايا الأنبياء لجبة الشيطان.
قصائد المجموعة حلقات، كل حلقة تصلك بالقصيدة الموالية، ومع كل قصيدة جديدة تَرتفع في دم كريات الغضب والاستهزاء وشحنة تفجرها نحو عالم يقوده «نيرون جديد» وحياة الشعوب أصبحت في «الكونجرس تقاس بحرارة الخنوع» .
تتهاطل علينا كل الصفات ونحن نتابع قصائد الديوان المفتوح أمام قضايا العالم، وخاصة قضايا أمتنا العربية: الانتماء القسري، قضايا البؤس والضعف والخذلان الكبير لهذه الأمة، أمة تعريها وتَكْشف لنا كل عوراتها « اُسود من ورق» ، و»صقور من قصب» ،أمة زمن التردي والخديعة .حين صار العربي أقبح تهمة وفصيلة.
كيف لشاعر أن يحمل هذا الصخر السيزيفي ؟
كيف لشاعر أن يكتب هذا الألم المتعدد «الولاد» هذا الألم الذي يتناسل كالخطيئة ؟؟
كيف لشاعر أن يحمل قارئه إلى مراتب السمو في حزنه؟
سَمَوْت بنا في قصيدة «مرثية أمي «.
أيتها المنية
ولن أقول فيك كلاما جليلا
فأنا الجاحد العاق الناقم
ضميني أمي إلى صدرك
وأعيديني سيرتي الأولى
أعيديني إلى حبل الحياة الأول
فالبيت دونك قفر خواء
هل هناك نور ؟ هل هناك فجوة من الفرح في هذه المجموعة؟ هل هناك كأس مملوء بإكسير الحياة الذي يعشقه شاعرنا كابي؟تقول أن «لا ضوء يلوح في الأفق لنا».
من الرماد تنبعث زهرة، وفي العتمة تضاء الأرواح من «زينة « الحزينة ينبعث نور من وراء الستار.. وحدها صخرة الريف لم تُكْسر ولم تُصَب بفقدان الذاكرة والنسيان ..
ليستمر هذا النور،هذا التحدي، يٌطِل ولو باحتشام شديد في بعض قصائد الشاعر على شكل أمنيات لهذا العالم وللإنسانية « فمهما يكن فالغرام المقدس على الكون سلطانا» والحب ليس كفرا ،»ولا الهوى جرما «، وثانيا وصايا وعتاب يا «أهل الهيام أيكفي يوم لعيد الغرام».
بين قصيدة وأخرى، تتنوع مواضيع المجموعة الشعرية «شولة الروح»، وإن كانت كلها تتجمع حول الوطن الذبيح وطن الشرفاء، والحب لتلك الحبيبة التي تَختبئ داخل كل قصيدة تظهر أحيانا وأحيانا تمر بيننا صامتة ، نلمسها أحيانا.. تنفلت من بين أصابعنا أحيانا أخرى .. تتجلى لنا في أكثر من حالة حسب مراتب تعبدك في محراب العشق.. الحبيبة حاضرة أَلستَ شاعر بوح شفيف، شاعر الحب بعذاباته أرق تذكر أنين وشوق وحنين .
تتسارع مفردات العشق، تتدفق بقوة يا لائمي في الغرام دعك من ملامتي لا نلوم من يحب ومن ينسج لنا قصائد الحب ألم تقل يا حكيم حكماء الحب «أبوح به جهرا لمن أهوى لأنه يزري بمن ستره» وهذه حكمة جليلة منك .
نعرف لست ممن يحمل السلاح لينتصر الظلام، أنت شاعر وإنسان فقط، بكل القواميس، بكل يقين العالم ألست القائل:
لست مع اليمين ولا مع الدمار
ولا مع تجار الدين ولا مع اليسار
قلبي يا وطني منذ سقوط الأندلس
واغتيال الحمام
ومنذ دك هولاكو بغداد
متعلق بمملكة الحُلم والحِلم والسلام
فسلام ومحبة لشاعر يحمل في قلبه كل إنسانية هذا العالم ـشاعر محمد كابي


الكاتب : رشيدة الشانك

  

بتاريخ : 29/12/2020