قراءة في كتاب الأستاذة عائشة زكري : « مسار حياة بين الأمل الضائع والألم الثابت»

 

نظم مكتب فرع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، الأربعاء 16 مارس 2022، قراءة في كتاب الأستاذة عائشة زكري «مسار حياة بين الأمل الضائع والألم الثابت « والذي هو عبارة عن سيرة ذاتية، وذلك بمقر هيئة المحامين بالقنيطرة .
قام بهذه القراءة كل من الأستاذة عائشة العلوي لمراني، والأستاذة نظيرة رفيق الدين والأستاذ المحامي عبد العالي الصافي .
وقدم لهذه القراءة الأستاذ عمر المنديلي، الذي انطلق من العنوان : « مسار حياة …» مؤكدا أنه مسارات نضال، إنه مفرد بصيغة الجمع كما قال أدونيس. هي مسارات نضال للصديقة عائشة : كمناضلة في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وفي خلايا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ( خلايا الحي وخلايا المؤسسة ،) وفي النقابة الوطنية للتعليم ( ك د ش )ثم الفيدرالية الديموقراطية للشغل، وفي منظمات المجتمع المدني كمرافقة في اتحاد العمل النسائي، وكمدافعة عن الحق في المنظمة المغربية لحقوق الإنسان .
إن كلمة «حياة « في العنوان : ليست بحثا عن الذات، ولكنها رحلة لصنع الذات كما قال سقراط . ثم إن لقاء اليوم أدبي في فن السيرة بقلم نسائي في مسار متدحرج بين الأمل الضائع والألم الثابت .إنه عنوان مختار بنبرة سيزيفية متشائمة لأنه عنوان جمع ويجمع بين ضياع الأمل وثبوت الألم بلغة التعريف وطباق علم البديع البياني .
ثم إن مفارقة العنوان تطرح أكثر من سؤال : لماذا اختيار الكتابة في فن السيرة ؟ولماذا الارتماء في أحضان الماضي ؟
هل لمعرفة المنجز منه ؟هل لتقييم الطموح أم استقراء لأمل ونكوص ألم ؟ لماذا اختارت الكاتبة سبر أغوار إنسانيتها ؟ وماذا جنت منها ومن النبش في ذاكرتها ؟
ولماذا اختارت الكاتبة سبر أغوار إنسانيتها ؟ وماذا جنت منها ومن النبش في ذاكرتها ؟ ولماذا توقفت عند أسئلة الوجود ومعنى الحياة والقضاء والقدر وحول المصير الإنساني وما تعتريه من صعوبات وآلام متناقضة ومفارقات البقاء وضمان الاستمرارية .
هل تذكرت الأيام الجميلة من الماضي فقط أم حتى القاسية منها لما لها من جمال نوعي خاص ؟ أليس القاسي من هذه الأيام الصعبة المعاشة تتحول في الذاكرة إلى بطولة غامضة ؟
لماذا اختارت الكاتبة زمن كورونا ووحدة الأنا المعتقلة مستمرا في البيت للكتابة ؟
هل خوفا من قوة الموت المتربص بالحياة أم استجابة لنداء وجداني وعقلي ؟ أم هو استبطان لذاكرة مأزومة ومهزومة يراد تقويتها عبر الكتابة ؟
أسئلة تنتاب الذاكرة الساردة لمسارات حياتية في مسار واحد زاخر ومتنوع ومتعدد يتقاسمه العمري والدراسي والمهني سياسيا ونقابيا وحقوقيا على المستويين الفكري والإنساني كفيلسوفة .
وأخيرا ما القيمة المضافة المرجوة من مثل كتابة كهذه بالنسبة للقارئ ؟
تلك إذن بعض من الهواجس الملغومة المثارة في ثنايا السيرة / الكتابة والتي تتقاطع عرضانيا في مسار الأخت عائشة .
للإجابة عنها نقترح على الحضور الكرام ثلاث مداخلات في برنامج هذا اللقاء والذي سيكون كالتالي :
-1) المداخلة الأولى للأديبة والجمعوية والروائية عائشة العلوي لمراني .
-2) المداخلة الثانية للفيلسوفة والنقابية والسياسية نظيرة رفيق الدين .
-3) المداخلة الثالثة للمحامي والفاعل والناشط السياسي والحقوقي عبد العالي الصافي ، وبعدها تفاعل الحضور ثم تعقيب أو إضافات للمحتفى بها عائشة زكري لتنويرنا .
-قراءة الأستاذة عائشة العلوي لمراني :
بعد الشكر للمنظمين قالت الأستاذة عائشة العلوي :
إنه مسار حياة مفرد غير أنه متعدد المسارات والمداخل وهي مسارات متجاورة متوازية متقاطعة متوافقة ومتخالفة، وسوف أعتمد بعض المداخل المقترحة في كلمة الأستاذ الميسر، الإبداعي، الذاتي، الاجتماعي، وقضية المرأة .
– عتبات النص
وأبدأ بالغلاف والعنوان ( مسار حياة، بين الأمل الضائع، والألم الثابت).
تنتمي كل كتابة أدبية إلى نوع معين وتصنف تبعا لذلك، لا يتضمن غلاف الكتاب تصنيفا يلحقه بنوع أدبي من الأنواع المتعارف عليها في النقد، غير أنه يحيلنا ضمنيا على السيرة الذاتية، عندما نقرأ اسم الكاتبة يتصدر صفحة الغلاف، وبعده مباشرة مسار حياة فيتأكد انتماؤها وانتماء الحياة إليها دون أن ترتبط كلمة حياة بياء النسبة والتخصيص.
أما الصورة الخلفية للعنوان فهي لبناية من معالم مدينة انتماء الكاتبة القنيطرة وقد اختارت صورة قديمة لبناء باللون الأصفر لون الوثائق القديمة، تصطف أمامها سيارات تنتمي إلى ما قبل خمسينيات القرن الماضي، أما البناية فهي فندق ونحن نعلم رمزية الفندق في الكتابة الروائية إذ يدل على العبور والإقامة المؤقتة وعدم الاستقرار(الإشارة إلى روايات دستويفسكي، وراوية ميرامار لنجيب محفوظ، والعوامة في ثرثرة فوق النيل) . وقد تتأكد هذه الدلالة من خلال السرد فالكاتبة أكدت على أصولها الأمازيغية وظل مكان الجذور حاضرا في ذهنها غير أنه لم يفصلها عن التعلق بمدينة مسقط الرأس ومرابع الطفولة والشباب فكانت المدينة أكثر حضورا في الكتاب وخصصت لها الكاتبة الفصل 15 في الكتاب (القنيطرة مدينتي ) بالإضافة إلى كونها الإطار المكاني الأكثر حضورا.
الصورة الثانية لطائرين يقفان على شيء طاف ويتأملان الماء، الأزرق لون الأمل لأنه لون السماء والبحر وكلاهما كانا وما زالا أمل الإنسان في التحرر والانطلاق بعيدا بجناحين غير مرئيين يرمز إليهما الطائران أو سفينة تنقذ من الطوفان، وعلى المستوى الواقعي فالقنيطرة تقع عند التقاء ماء النهر بماء البحر، غير أن الجملتين اللتين تتممان العنوان مكتوبتان باللون الأسود لون الحزن نتيجة ضياع الأمل وثبات الألم .
قد تشرع لنا هذه العتبات أبواب الكتاب فنفترض أنه سيرة ذاتية.
المدخل الإبداعي:
يؤكد إحسان عباس في كتابه “فن السيرة” أن الإحساس بالتاريخ هو تأكيد مدى أهميته في بناء وعي نظري جديد للأدب، ومن ثم فإن ما كان يقوم به اليونانيون من وضع تماثيل لأبطالهم يندرج في هذا الإطار العام، أو ما كان يفعله المصريون من تحنيط موتاهم هو إحساس عميق، أيضا، بقيمة التاريخ والزمن، أو هو تخليد لهذه الشخصية أو تلك. إن هذا التفاعل الموجود بين التاريخ والسيرة بمختلف أنواعها يؤكده إحسان عباس في كتابه “فن السيرة” أنه لا يمكننا الحديث عن السيرة الذاتية بمعزل عن التاريخ، بما هو معطف يغلف الأحداث ويضعها في إطارها الحقيقي.
ومع ليتونستراتشي دخلت السيرة عالم الاحترافية الأكاديمية ضمن الدراسات النقدية، فبدأت تمتح من علوم مجاورة للأدب الإنساني؛ علم النفس والبيولوجية والباتولوجية والأنتروبولوجية، وانفتحت على تحليلات سيغموند فرويد ودراسة النواحي النفسية لشخصيات السيرة الذاتية، وتابعت الخطى نحو الإنتاجات القصصية، حيث أصبحت السيرة الذاتية عبارة عن مجموعة من التجارب الحياتية اليومية، وبهذه الخصوصيات الفنية نستطيع مقاربة السيرة الذاتية للكاتبة. كما أنها استنارات أخرى تمهد لنا السبيل إلى قراءة الكتاب.
في الكتابة الإبداعية شعرا كانت أو رواية أو مسرحا، نجد ذات الكاتب(ة) موجودة وإن توارت وراء السارد(ة) أو توزعت بين الذوات في الرواية. أما الشعر فهو سواء كان التزاما أو تعبيرا عن إحساس ذاتي فالشاعر و الشاعرة فيه لا تتوارى ولا يختفي إلا وراء المجازات والاستعارات، والانزياحات، التي تهتم بها الدراسات البنوية بل هناك من يذهب أو يؤيد مقولة موت الكاتب بالمعنى الرمزي، إذ بمجرد أن يصدر الكتاب يخرج من ملكية الكاتب إلى ملكية القارئ، وهي لذلك تعنى بجماليات النص وبنيته ومستوياته بعيدا عن تفاصيل حياة المبدع.
تحضر الكاتبة في مسار حياة بذاتها فهي عائشة/ فاطمة ( بسبب خطأ إداري) وهي الطفلة الشابة والآن هي المتأملة لمسارات حياتها ومسار التاريخ الحديث للوطن.
وإذا كان التخييل أهم ما يميز الكتابة الروائية، يقول الأستاذ الناقد والروائي، محمد برادة
« إن التخييل السردي الروائي يفتح آفاقا دلالية وتعبيرية تضفي على الواقع والحياة أبعادا جمالية، تجعلهما أكثر اتساعا وقابلية للعيش.» فإن التخييل حاضر في الكتابة السيرذاتية إذ أن الكاتب(ة) يعيد صياغة الحدث بعد أن ابتعد مسافات زمنية ومكانية ويعيد ترتيب الأحداث لتعبر عن المواقف والأفكار التي ربما أدركها وآمن بها في زمن متأخر عن زمن حدوثها وهذا بعد آخر يصل بين كتابة السيرة الذاتية والإبداع السردي.
اعتمدت الكاتبة السرد الكرونولوجي للمسار، فهو مسار تاريخي يتقدم إلى الأمام، عبر مراحل متواترة، غير أنها تلتفت أحيانا لتسترجع ذكريات تصلها أحداث طارئة فتحدث اهتزازات زمنية تؤكد الرؤية أو تنفيها.
عن الكاتب الفرنسي جورج لويس لوكلير ]المعروف بالكونت دوبُفُّون عبارتُه الشهيرة “الأسلوب هوالرجل”. ،اعتمادا على أن ما كان ينشرأغلبه ينتمي إلى الرجال، تغيرت العبارة اليوم فأصبحت الأسلوب هوالإنسان، وأسلوب الكاتبة يمتح من ثقافتها المعرفية وممارستها السياسية والحقوقية ومن مهنة التعليم، وكلها تلتقي عند اعتماد المنهج العقلاني القائم على الحجاج والإقناع والترافع.
نصل إلى الكتابة الصحفية وهل يتم اعتباره إبداعا؟ وقد اختارت الكاتبة المقال الصحفي وضمنت الكتاب ابتداء من الصفحة 120 مجموعة من المقالات نشرتها في جريدة الاتحاد الاشتراكي لسان حال حزب الاتحاد الاشتراكي ولذا فالكاتبة عليها الالتزام بالخط التحريري للجريدة ويتم في بعض الأحيان تجاوز ذلك نسبيا في الكتابة الإبداعية مراعاة لحرية التعبير، و اختيار المقالة بالإضافة إلى مواكبة الأحداث السياسية والاجتماعية هي تعبير عن موقف الكاتبة المنتمية لعقيدة الحزب والمدافعة عن مواقفه، وإن طرحت في كتابة المسار تساؤلات عن مدى توفيقه في بعض الاختيارات( عدم مغادرة الحكومة بعدعدم الالتزام من طرف الدولة بالإبقاءعلى الحزب على رأسها رغم حصوله على أغلبية أصوات الناخبين). بالإضافة إلى التعبير عن الخيبة نتيجة للتراجع عن المكتسبات الحقوقية والسياسية خلال العشرية الإسلاموية.
المدخل الذاتي:
الكتاب يحكي مسار حياة الكاتبة فلابد أن تحضر الذات بكل أبعادها البيولوجية والنفسية والعاطفية ومرجعياتها الأنثروبولوجية الاجتماعية الثقافية والدينية،الانتماء الأمازيغي يشكل مكونا أساسيا في تكوين الشخصية وقد ارتبط بالمكون الديني فكانت الزاوية التيجانية ملاذا روحانيا لها ولأسرتها ورباطا يلتقي في رحابه المنتمون للزاوية وتصل بينهم صلات القرابة العائلية وقرابة المعتقد الصوفي، وقد شكلت الزاوية دعما نفسيا وربما ماديا للكاتبة وأسرتها بعد محنة فقد الأب،كما أنها أصبحت عنصرا إلى جانب عناصر أخرى في الحجاج ضدا لخطاب الإسلاموي ذي المرجعيات المختلفة والمخالفة وتدافعهم من أجل السلطة مستعملين الدين مطية لمطامعهم.
اليتم شكل رحلة مفصلية في مسار حياة الكاتبة، وغير مسارأسرتها فمن الاعتمادعلى الأب في ضمان الأمن الاقتصادي إلى الحرمان الذي شكل تحديا للمرأة الأم التي عاشت في دائرة ضيقة تحكمها عادات وتقاليد لا تسمح للمرأة حتى بالخروج من البيت، تنتفض إيزة وتخرج إلى العمل في معمل للحبوب بل تنتمي إلى نقابة العمال الاتحاد المغربي للشغل، وسياسيا للاتحاد الوطني للقوات الشعبية. فيشكل ذلك رافدا للكاتبة لتمضي نحو الانتماءالسياسي وإلى كثيرمن المنظمات ذات الاتجاه الحقوفي.
يقول الشاعر: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده، نغير الفتي بالإنسان وإن كسرنا وزن البيت، ونتجه إلى النصف الثاني الفؤاد أو القلب كما تعارف اللغويون على معناه،لانجد في الكتاب إشارة إلى علاقة عاطفية خارج نطاق الأسرة، ماعداعاطفة الصداقة .
تحتل الأم أكبر مساحة في الفؤاد يليها أفراد الأسرة وخاصةابنة الأخت أميمة التي تجسد بالنسبة للكاتبة أمل الاستمرار والصمود والنضال من أجل حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق المرأة بصفة خاصة.
المدخل الاجتماعي
الإنسان كما يقال كائن اجتماعي منذ أن غادر الكهوف واقتضت حاجياته المتطورة الانتماء إلى الجماعة، فتكونت المجتمعات في شكل عشائر وقبائل ونما فكره السياسي فأنشأ المدن والدول.
تتحدد العلاقة بالمجتمع بالانتماء وقد تناولت الفلسفة والفكر الموضوع بإسهاب ومع انتقال المجتمعات الأوربية من النظام الإقطاعي إلى النظام الرأسمالي انبثق الفكر المادي الجدلي فالمقاربة الماركسية القائمة على حتمية الثورة العمالية على نظام رأس المال المشرع للعبودية الجديدة.
وفي المغرب الذي خضع للاستعمار النوعي بعد إبرام اتفاقية الحماية سنة 1912 اتجهت المقاومة إلى ترتيب الأولويات فكان الاستقلال في المقدمة وإن ارتبطت به أفكار تحررية أشاعها أصحاب الفكر المتنور منها التعليم وتأسيس الكتل السياسية والنقابة للدفاع عن حقوق العمال..
على المستوى الذاتي تنتمي الكاتبة إلى الشريحة الكبيرة من المجتمع التي لم تنل حقوقها في الحماية الاجتماعية فالأب يمارس التجارة ضمن ما يسمى بالاقتصاد غير المهيكل، وهو المعيل الوحيد للأسرة وبعد غيابه تقع الأسرة تحت طائلة الحرمان الاقتصادي، فتضطر الأم إلى العمل بأجرة لا تفي بأبسط الحاجيات لولا معاش استطاعت الحصول عليه بعد جهد جهيد لكون الزوج عمل في الجيش الفرنسي.
فكيف يتحقق السلم الاجتماعي في مثل هده الظروف، يتصدر التكافل الاجتماعي قائمة الموارد الداعمة، وعلى المستوى الذاتي يتكفل الصبر والتحمل بالباقي وإن كانت له عواقب نفسية ( الأمإيزة الصبورة الصامدة، متجهمة لا تبتسم وقد تتفوه بجمل يرددها الفكر الوجودي عن عبثية الحياة وإن لم تدرس الفلسفة)
طوق النجاة من هذه الوضعية يتمثل في الهجرة( هجرة الأخ البكر ) في زواج البنات للتخفيف من أعباء الأسرة، فالتعليم الذي أرست قواعده الحركة الوطنية وكان للفتيات حظ الفتيان في الولوج إلى المدارس، والتعليم كان جسرا للعمل أولا لسد الخصاص الذي طال الإدارات المغربية بعد الاستقلال، ولكون الاستثمار في التعليم كان الهدف منه أيضا تكوين قاعدة تدعم التوجه السياسي للحزب الذي أنشأ المدارس الوطنية والذي التحقت بها الكاتبة بعد استفادتها من تعليم مزدوج في المدرسة العمومية فنالت التفوق والتميز.
وفي المقالات التي نشرتها الكاتبة مقاربة سوسيولوجية وحقوقية لمجتمع تصنفه التقارير الدولية في مرتبة متأخرة في مجال التنمية، وتشير الكاتبة في مقالاتها إلى الاختلالات التي تعوق برامج التنمية.
قضية المرأة:
لقضية المرأة مسار يتقاطع مع مسارات عدة: المعرفي، الحقوقي، الاجتماعي، السياسي. وقد استطاعت الكاتبة خلال مسار الحياة أن تبرز دور المرأة في المجتمع التي تبدأ بالأم إيزة ونضالها من أجل أسرتها وانتمائها النقابي، والسياسي ( النص معزز بوثيقتي الانتماء) .
يتعزز النضال من أجل حقوق المرأة بالمرجعية المعرفية المتمثل في كتابي تحرير المرأة والمرأة الجديدة لقاسم أمين وما جاء في كتابات الإصلاحيين وإن لامست القضية ولم تتجرأ على تقديم الحلول الجذرية مثل المساواة التي تلغى بجملة إن الإسلام كرم المرأة ولا تتجاوزها إلى التكريم الفعلي بسن قوانين تنصف المرأة وتحقق المساواة.
في العنوان المرأة الملحق بالفصل 14 فمن أنا إذن؟ تتناول الكاتبة قضية المرأة بسرد تاريخي لأهم مراحل نضالها للانتقال من كونها موضوعا إلى كونها شريكا. استعرضت الكاتبة المكتسبات التي حققتها الجمعيات النسائية وأهمها رفع التقديس عن مدونة الأسرة وجعلها قوانين قابلة للتعديل والتغيير، وخطة إدماج المرأة في التنمية في عهد حكومة التداول التي حاربتها القوى الرجعية، غير أن المسار اعترضته عشرية غابت فيها الرؤية التنويرية وغض الطرف عن بنود الدستور وخاصة الفصل 19 منه، وأعادت المغرب إلى عصور خلت بتقديم صورة نمطية للنساء أو العيالات كما جاءت على لسان رئيس الحكومة في البرلمان فردت عليه الكاتبة بمقال « نحن النساء»، وفي المجال الحقوقي تشير الكاتبة إلى انتمائها إلى اتحاد العمل النسائي عضو بالمجلس الوطني.
إن هذا مجرد غيض مما جاء في الكتاب وهي قراءة متواضعة، وأقول للصديقة عائشة مسارك مسارنا أمل متجدد. شكرا لكم .

قراءة الأستاذة: نظيرة رفيق الين

إن ما سأتقدم به في هذه الورقة هو محاولة لسبر أغوار هذه السيرة الذاتية، من خلال تحليل بعض مضامين الكتاب، وما تطرحه من إشكاليات. وقبل المضي في ذلك، لابد أن نتساءل في البداية : أي نوع من السيرة التي تميز هذا العمل السردي الذي أنجزته الأستاذة عائشة زكري؟
1- أنواع السيرة:
إن العمل الذي نعرض له في هذه الورقة، يرتبط بصنف السيرة الذاتية. وقصدنا هنا بهذا التحديد، أنه ينبغي التمييز بين هذا النوع من السرد ، الذي له خصوصياته ومقتضياته، من حيث أنه يتناول الحياة الشخصية موضوع العمل السردي في مختلف جوانبه الحياتية و الديمومية ، و إن اقتصر على مراحل زمنية معينة و منتقاة، وبين نوعين آخرين مغايرين من السرود على هذا الصعيد. و يتعلق الأمر هنا بما نسميه: السيرة الفكرية، وهو نوع يهتم بمستويات المفاهيم والأطروحات النظرية والمعرفية والإيديولوجية للشخصية موضوع السيرة، ونضرب هنا مثالا بسيرة وضاح شرارة في كتابه : «استئناف بدء « ، وهي سيرة سياسية جزئية . و سيرة فواز الطرابلسي في كتابه» صورة الفتى الأحمر» ، وهي سيرة تغطي فترة زمنية سياسية واسعة ، و تؤرخ لمحطات اليسار اللبناني و العربي. و سيرة محمد لحبيب طالب، والذي يتناول تاريخ اليسار بالمغرب، وتاريخ اختلافاته
أما النوع الثاني، وهو السيرة التخييلية، أو ما يطلق عليه بالفرنسية : auto-fiction و التي تتخذ شكل الرواية في بناء أحداثها ، فتقدم شخصياتها في قالب تخييلي، يتقاطع فيه الواقعي والتخييلي ، فتلبس الشخصيات لبوس قواعد الحكي و السرد الأدبي ، وخير مثال على ذلك ، رواية «بيضة العقر» للكاتب محمد الهجابي، الذي يتناول سيرته الذاتية داخل بناء سردي و تخييلي ، فيستعيد شخصيات عايشها، ويلبسها أقنعة تحتمها لعبة التخييل الفني داخل هذه الرواية . و نفس النوع من السيرة ، قدمها عبد القادر الشاوي في روايته:» كان و أخواتها»، و كذلك سيرة طه حسين من خلال قصة « الأيام».
وانطلاقا مما تقدم، يتبين لنا أن العمل السردي للأستاذة عائشة زكري يندرج ضمن السيرة الذاتية التي تتناول الحياة الشخصية للمؤلفة وما تخللها من أحداث ووقائع، تبدأ من الزمن الماضي، لوصف مسارات حياتية، شكلت شخصيتها، وأثرت على تكوينها و دواخلها.
– الكتابة و سؤال الهوية:
إن هذا النص السردي موضوع التحليل، يشبه عمل النسَاج، وكما هو معلوم، فكلمة «كتب» تعني «خطَ»، و تعني خاط، و كلمة texte الفرنسية يرجع اشتقاقها في اللغة اللاتينية الى الكلمة textus والتي تعني tissus أي ثوب، والعجيب كذلك أن أفلاطون في محاورة السياسي، يتحدث عن النساج مباشرة بعد حديثه عن الكتابة. وهكذا فالحكي في السيرة الذاتية التي نعالجها، تشبه عمل النساج الذي يحيك النسيج، فتتداخل خيوطه لتمنحنا رؤية عن عالم متكامل من الأفكار والمشاعر والأحلام والأماني، ولذلك تعود الكاتبة للماضي للنبش في تاريخ حافل بالذكريات العميقة والحزينة، فتحكي المؤلفة عن طفولتها وعلاقتها بوالدها ، فتقول في صفحة 14 :» أخذني والدي من يدي و ذهب بي قصد تسجيلي في المدرسة العمومية، ولكن المؤسف أنه لم يمض على هذا الحادث إلا وقت قليل جدا حتى توفي والدي رحمه الله…ومنذ هذه اللحظة ، سأعيش مسارا جديدا مطبوعا بالحزن و الآلام الدفينة و العميقة و الدائمة.»
إن البوح يلعب دورا أساسيا في هذه السيرة ، بحيث نكتشف عوالم بيذاتية ، يمنحها مفهوم الزمن بعدا وجوديا وسيكولوجيا ، فبعد وفاة والدها تقول : « عشت لحظة تغير عميقة في حياتي و مشاعري ذلك أنه حينما أخذني والدي قصد تسجيلي في المدرسة الابتدائية ، نبهني إلى أن اسمي ليس فاطمة ( وهو الاسم الذي كنت معروفة به ويناديني به الجميع)، بل هو عائشة.» هذا الحدث دفع الكاتبة إلى طرح سؤال جذري: من أكون أنا إذن؟ يتضح أن مراجعة الذات داخل هذه السيرة ، يجعل التركيز على الأنا ينقلنا الى عالمين : عالم معرفي و آخر سيكولوجي ، يسمح للوعي بتوجيه الذات ، وتجاوز الإخفاقات و المحن، فتقول الكاتبة في الصفحة 21 ،وهي تروي عن زيارة قبر والدها صحبة أمها كل يوم جمعة، فتصف منظرا أثر فيها كثيرا، و هو منظر الأطفال الذين يسترزقون بالمقبرة: « و كان هناك أطفال صغار يحملون قارورات كبيرة مملوءة بالماء يعملون بواسطتها على رش القبور و تنقيتها من الأعشاب …و كان هؤلاء الأطفال يرتدون ملابس رثة، و كانوا حفاة في أغلب الأحيان، و كان منظرهم جد مؤثر بالنسبة لي…و كنت أردد في أعماقي: إذن هناك من وضعيتهم أسوأ من وضعيتي ،ومن هنا أطمئن نفسي و أحمد الله على مصابي الجلل…» كما تقول في الصفحة 26:» إن كفاح أمي و صبرها غرس في أعماقي…». و في الصفحة 27 تسرد قائلة: « فليس صعبا أن تعيش الحرمان ، و لكن الصعب أن تعي و تدرك أنك تعيش هذا الحرمان، فترفضه و تحاول إخفاءه أمام الغير، لأنه لا فائدة من إظهاره بل الفائدة أن تتجلد و تتقوى و تتسلح بعزيمة قوية من أجل التجاوز، و أحمد الله أنني آمنت بهذه الإمكانية، بفضل تربية والدتي، حيث تولد لدي أمل كبير في تحقيق مستقبل أفضل…»
نلاحظ من كل ما سبق ذكره ، أن سؤال الهوية في السيرة الذاتية للأستاذة عائشة زكري، يمثل نقطة ارتكاز في فهم شخصية الكاتبة، و في إدراك العلاقة بين تصورها لذاتها ، و مجريات الأحداث التي توالت عليها ، وهي في كل مرة تبحث عن ذاتها الضائعة في خضم هذه الأحداث العنيفة، الأمر الذي سيفضي بها إلى خوض معركة شرسة لابد أن تنتصر فيها على الخوف و على الهزيمة. فالتحلي بالصبر و المثابرة مكنها من إثبات وجودها و التفوق على أقرانها في المدرسة، فأحبت العلم لأنه هو السبيل لتحررها من معاناتها. و هكذا نجد أن مفهوم الزمن و حركيته يؤثث ايقاع الكتابة ، ويحدد مسار حياة تأثرت بعوامل اقتصادية و اجتماعية و سياسية وفكرية…إننا هنا أمام نمو وتطور قناعات الكاتبة التي ستغرم بالسياسة ، و ستعشق الفكر اليساري و الاشتراكي ، مما دفع بها إلى الانخراط في العمل الحزبي و الجمعوي، و هذا ما عبرت عنه بقولها: « انا إنسانة مهووسة بالسياسة لدرجة أعتبر أن كل من يبتعد و لا يهتم بالتفكير و الممارسة السياسيين فهو إنسان غافل…» (الصفحة 73 ). و في الصفحة 75 تقول: « من هنا انضممت إلى صفوف المنادين بالتغيير، وانتميت إلى صف اليسار الاشتراكي، ومارست العمل الجمعوي عن قناعة و ايمان بالقضية.» نلمس من خلال ما سبق ، الانتقال من التفكير في الذات، والاهتمام بالقضايا الخاصة ، إلى التفكير في قضايا المجتمع، و قضايا الإنسان عموما؛ فالكاتبة تحلم بالتغيير و تسعى إليه، و تطالب بمغرب ديموقراطي ينعم فيه الجميع بالحرية و المساواة بين الرجل و المرأة، و تجاوز كل أفكار التطرف و التحجر الفكري .إن مسار الأستاذة عائشة زكري يعد مسارا فكريا و وجوديا يتحول يتطور بفضل إرادة واعية تؤسس لرؤيا يمتزج فيها الذاتي و الموضوعي ، و لذلك لن يقف اهتمام الكاتبة عند الانشغال بما هو وطني، و لكنها ستعانق ايضا القضايا الدولية، كالقضية الفلسطينية ، والقضية الفيتنامية.
على العموم يمكن القول : إن تجربة هذه السيرة الذاتية، ومن خلال الوقائع والأحداث السياسية التي عايشتها المؤلفة تعبر عن وعي متقد، وعشق لا مثيل له للسياسة يمكن ان أصفه « بحكاية عشق مثالية جعلت المؤلفة تنخرط بقوة في ممارسة الفعل السياسي إلى درجة التماهي؛ ويظهر ذلك من خلال القول التالي في الصفحة 71 : « مارست السياسة من أجل الوطن و من أجل الجماهير، و من أجل المستقبل؛ وكم حزنت وبكيت في لحظات الإحباط السياسي؛ ولذلك كثيرا ما تلقيت العتاب من المقربين لي الذين كانوا دائما يناشدونني بالالتفات إلى ذاتي، إلى حياتي الخاصة…» إن هاجس الانتماء للوطن وللإنسانية رهين بهذا العشق ، الذي يجعل من شخصية الكاتبة شخصية ملتزمة بمبادئ آمنت بها، وتربت عليها منذ صغرها، وهي مبادئ الوفاء والبذل والعطاء والتفاني من أجل التغيير والديموقراطية ، ونشر قيم الحداثة و العقل.
قراءة الأستاذ عبد العالي الصافي :

أخدتنا الأستاذة عائشة زكري من واقعنا،وسافرت بنا عبربوابة الزمن بمحطة تاريخيةغاية في الأهمية لسببين،فمن جهة أننا لانعرف عن مرحلة ما بعد الاستقلال أوفجرالاستقلال الشيءالكثير، ومن جهة ثانية هي مرحلة بداية تشكل الدولة المغربية بما حبلت به تلك المرحلة من صراع وتدافع وأحداث ،رجاتها وارتداداتها كان ولازال لهاوقع على المغرب الحديث .
المكان اوالأمكنة لم تتغير لكن الذاكرة تسافر بناعبر حياة طفلة تنتمي إلى هذاالوطن وفي هذا الزمن .
لكن قبل ذلك لابد من الوقوف عند عنوان هذه السيرة «مسارحياة بين الأمل الضائع والألم الثابت». ،عنوان يوحي بأنه كان هناك أمل لكنه ضاع، وأن الألم رافق الطفلة عائشة واستمربل وثبت،لكن أعتقد أن هذا العنوان لم يكن موفقا لأنه لم يصمد أمام خلاصةالسيرة، وتحديدا في الصفحة 144 حينما تساءلت الكاتبةعن :ماالعمل؟
فكان الجواب هو الاستمرار في الدفاع عن قيم الحداثة من مساواة وحرية وديمقراطية ….ومن ثمة القيام بثورة ثقافية قصدملاءمة التراث مع متطلبات الواقع الجديد، ومن سارعلى الدرب وصل» «
هكذا كان هناك دائما أمل ما,وكان هناك دائما ربيع ينتظر أن يزهر، ودورة حياة تستمر ،وغد أفضل .
إنها سيرة نسائية بامتياز بدءا بشخوصها المحورية: الكاتبة،الام،نساء المنزل…إلخ،وكذلك بالمحاور الهامة التي خصصت للمرأة، فالإهداء كان للأم التي تقمصت عدة أدوار،فهي المربية والمعيلة والعاملة والنقابية والسياسية .
لقد كان للأم تأثير كبير، بل كان لها كل الفضل في تشكل شخصية عائشة على مستوى التحدي والاستمرار والنجاح في الدراسة ثم الالتحاق بالنقابة والحزب .
ونعود لبداية السيرة،حيث وقفناعلى حدث فارق في حياة عائشة وهو الموت المفاجئ للأب حيث تسبب ذلك في نكسة للعائلة،فاضطرت الام أن تأخذ دور رئيس العائلة ،وأن تخرج للمجتمع بتعقيداته وبتقاليده وتمثلاتهالذكورية، أيضا الأخ الأكبر هاجر في وقت مبكر، فأصبحنا نتحدث عن عائلة مشكلة في مجموعها من النساء فقط ،فكان السؤال كيف يمكن وإلى أي حد تستطيع أن تصمد وتنجح هذه الأسرة في ظل مجتمع تقليدي إلى حد الصرامة، محافظ إلى حدالقسوة،والمرأة فيه مغتربة؟
ولكن عائشة أبانت في وقت مبكر عن حسها التحليلي وكذلك ميولاتها السياسية وانحيازها لقضايا الفئات المسحوقة والفقيرة،حيث انتبهت أثناء زيارتها رفقة والدتها لقبر والدها ،وهي طفلة ، لوضعيةالأطفال هناك، وقالت أنه بعد نصف قرن وبعد زيارتها في ما بعد، لقبر والدتها ، ستجد أن لا شيء تغير، وعزت ذلك إلى السياسات العمومية المتبعة.
ثم إن السياسة عند عائشةعشق أبدي، بل هي أحيان اابتلاء لأنها حاضرة بقوة في كل مراحل عمرها ممزوجة بالسؤال الفلسفي، هكذا فهي بحدسها الطفولي طرحت سؤال الهوية أوالهويات ،هل هي عائشة أم فاطمة أم هما معا أم لا واحدة منهما؟ ماهو سنهاأهو سن فاطمة أم عائشة شقيقتيها المتوفيتين أم أن الأمر مختلف تماما؟أصول أمازيغية في وسط عربي،وبالتالي هل هي أمازيغية أم أنها غيرذلك؟ هل هي من أتباع الزاوية التجانية التي تربت بين بعض مريديها وأتباعها حيث درست في المسيد( الكتاب )في طفولتها،أي أنها تلقت تعليما أولياعتيقا ثم التحقت بمدرسة التقدم الإسلامية،لكن تبعا لكل ذلك كيف اختارت الفلسفة تكوينا جامعيا ؟ وكيف أصبحت الحداثة والتقدمية والدفاع عن حقوق الإنسان من حرية وعدالة ومساواة … قيم مطلوبة لديها ؟
هذه كلها أسئلة أجابت عائشةعن جزء كبيرمنها في سيرتهاالذاتية ،وبقي الكثير منها أيضا بدون جواب .
لكن طفولة عائشة المنكوبة وهوياتها الفسيفسائية، دفعتها إلى أن تتسلح بمبادئ أجملتها في هذه العبارة:» ليس من الصعب أن تعيش الحرمان، لكن من الصعب أن تعيش وتدرك أنك تعيش هذاالحرمان وترفضه،بل وأن تحاول إخفاءه أمام الغير،لأنه لافائدة من إظهاره بل الفائدة،أن تتحدى وتتسلبعزيمة قويةمن أجل التجاوز.» «
إن هذه الفقرة تلخص كل شيء في حياة عائشة وشخصيتها وكيفية تفكيرها.
فهي عاشت الحرمان ، لكنها فضلت إخفاءه لأنه لافائدةمن الكشف عنه ،وهنا نستشف الجزء الكتوم والخجول م نشخصية عائشة لكنه خاص بجانب الحرمان فقط .
لكن كان الهدف هو محاولة تجاوزه وهذا مظهر للقوة والتحدي يتضمن آليات هذا التجاوز أيضا .
وفي نفس الوقت يكشف عن بروز الوعي بشكل مبكر ومتوهج .ثم تنتقل بناالكاتبة للمرحلةالجامعية، ويبدو أنها من أجمل فترات عمرها،حيث بدأت تبرز أمام أعيننا قصةعائشة أستاذة الفلسفة ،وبدا يتشكل لديها وعي سياسي علمي وليس حدسا كما كان في السابق،ولم يكن لها بحكم ماعاشته من حرمان اقتصادي واجتماعي إلا أن تجد في الفكر الاشتراكي الذي يناهض الفوارق الاجتماعية والحرمان الاقتصادي ضالتها،فأصبح الانتماء لحزب الاتحاد الاشتراكي فخرا بل حبا يضاهي حب الوالدة .
لكن ماسرع تشكل هذا الوعي السياسي هي الأحداث التي عاشتها أوسمعت بهاحيث ذكرت أهمها وعلى الخصوص،أحداث 1963 ،اختطاف بنبركة سنة1965, حالةالاستثناء ، المحاولتان الانقلابيتان 1971 و1972 ، تشكل الكتلة الوطنية سنة 1970 وما رافقها من أمل في غد أفضل ، اغتيال عمر بنجلون سنة 1975 ..وغيرها من الأحداث المؤلمة .
هكذا تشكلت هوية عائشة كهوية يسارية حداثية ديموقراطية وأيضا كقومية عربية بفعل تأثير الرياح القادمة من الشرق العربي آنذاك على جل شباب المغرب .وسيساعدها على ذلك تمدرسها على يد رواد الفكر المغربي وتعلى رأسهم محمد عابد الجابري ، محمد جسوس وغيرهم .
إلا أن تاريخ المغرب مثل تاريخ عائشة، كان دائما متذبذبا،أوكما قالت هي:» كل ما لاح في الأفق بصيص من الحداثة والديموقراطية مصحوبا بالفرحة، إلا وتبعته لحظات من الانتكاسة والرجوع إلى الوراء . «
فكان على عائشة وجيلها أن ينتظروا حتى بداية تسعينيات القرن الماضي ليلوح في الأفق انفراج سياسي تكلل بما سمي أنذاك بالتناوب التوافقي حيث تشكلت حكومة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي وما واكبهامن نقاش سياسي،حيث بدا أن باب التغيير قد فتح على مصراعيه،وانتعشت آمال التقدميين في المغرب وكان الطموح كبيرا، لكن دائما الفرحة لاتكتمل في هذ الوطن مثل حياةعائشة. هكذا تبخر كل شيء بواسطة ماسمي أنذاك بالخروج عن المنهجية الديموقراطية ، ثم صعود الإسلاميين إلى الحكم سنة 2011 على صهوة ماسمي بالربيع العربي . ا
أما شخصيات هذه السيرة الذاتية الأساسيون فيمكن القول بأن الشخصية المحورية هي شخصية عائشة ذاتها بحكم قوةالصنف الأدبي الذي اختارته ألا وهو السيرة الذاتية، لكن هناك شخصية أساسية كان لها تأثير كبير في كل مسار وحياة الكاتبة وهي شخصية والدتها،حيث خصصت لها الإهداء كما أنها كانت حاضرة في كل أحداث السيرة وخصصت للحديث عنها أزيد من عشرصفحات من الصفحة 17 حتى الصفحة 27 ،
أما الأمكنة فمدينة القنيطرة كانت هي المكان الذي دارت جل أطوارحياة عائشة زكري فيه ،لكن هناك أمكنة محددة حكت لنا عنها وبنوع من التأكيد مثل حي ساحة الشهداء أوديور صنياك ،ثم مقرحزب الاتحاد الاشتراكي بذات الحي،والذي لايبعد من منزلها إلا ب400متر تقريبا، وكذلك الزقاق الذي يتواجد فيه منزل العائلة ،والمسيد ( أي الكتاب ) و ثانوية التقدم الإسلامية .
وأخيرا من هي الكاتبة؟
سؤا لوجودي،هوايتي وإشكالي ؟
فالكاتبة بدأت بسؤال من أنا ؟ وانتهت بإعادة طرحه في أشكال وصياغات مختلفة وهنا نستحضرالثابت والمتغير في هذه السيرة .
إن الجزء الأمازيغي العربي الإسلامي المغربي المتصوف،يبقى ثابتا، لكن الجزء المتغير في مسار حياتها هو ذلك الذي صقل شخصيتها بحمولات تقدمية يسارية .
ويبقى السؤال :هل حققت تقدما،هل كان مسارالوطن صحيحا أم أن المغرب ومعه عائشة زكري سارا إلى الخلف؟
هل حققت عائشة زكري ومعها المرأة المغربية وخصوصا فتاة ما بعد الاستقلال ماكانت تخطط له؟


بتاريخ : 07/05/2022